array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 203

مركز الدعوة والإرشاد السعودي نواكشوط ساهم في تعريف القارئ الموريتاني بالثقافة العربية

الأربعاء، 30 تشرين1/أكتوير 2024

الإنتاج الفكري والأدبي أساس من أسس تنمية علاقات التلاقي بين الشعوب والثقافات، بما يضمن من بحث عن المشترك وتعرف على وجوه الاختلاف بين المجتمعات وما يعني ذلك من إرساء للسلام والأمن، ومن المعروف الارتباط العضوي بين الأمن بالتنمية.

في بحث للدكتور كميل حبيب تحت عنوان "الثقافة عامل أساسي في التنمية الشاملة" يرى الباحث أن دور الثقافة في التنمية الشاملة أساسي، ويعلل رؤيته تلك بالقول إن "تحسين ظروف العيش الإنساني لم يعد يترجم فقط بزيادة المداخيل، بل يفرض تحسيناً مستمراً لنوعية الحياة نفسها، كما يفترض تطلّعاً إلى قيم جديدة، هذا البحث الدؤوب عن القيم هو بالنتيجة مسار ثقافي يعبّر الفرد من خلاله عن كرامته الأساسية وتساويه مع الآخرين عبر الاتصال والخلق وإعطاء معنى للحياة".ويتضح من خلال هذه الفقرة ما تعنيه العناية بالثقافة من تلبية للاحتياجات المعنوية للفرد، وهو ما ينتظر أن ينعكس بالضرورة إيجابيا على سلوكه وأدائه في مهمة الأعمار والارتقاء بالمجتمعات.

موريتانيا الحلقة الواصلة بين العالمين العربي والأفريقي:

من بين التلال الغافية على الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي ظهر المارد، من على أديم خريطة تمثل الحلقة الواصلة بين العالمين العربي والأفريقي أطل منتشيا صادحا.. لا يُعرف على وجه التحديد متى كانت بواكير قرض الشعر العربي في المنطقة التي عرفت بموريتانيا في مرحلة تشكل الدولة الحديثة، وحملت في عصور سابقة تسمية بلاد شنقيط، فغياب التدوين الكتابي غالبا والاعتماد بشكل شبه مطلق على الرواية الشفاهية وحياة البدو المتسمة بالانتقال المستمر انتجاعا أو خضوعا لإملاءات الظروف المختلفة، كلها أسباب حالت دون التوثيق والتأريخ للكثير من المظاهر والأحداث، ورغم غياب معطيات محددة بهذا الشأن، فإن هناك اتفاقا بين المهتمين بالمجال الأدبي على أن إنتاج الشعر العربي شهد حركية وتطورا كبيرا في موريتانيا، وأن الذائقة المحلية استهلكته إلى حد أبهر جميع الذين استكشفوا المجتمع الموريتاني ووقفوا على ارتباطه الفطري الوثيق بالأدب والشعر إنشاءً وإنشادا .

مليون شاعر!

في العام 1967م، وصل إلى موريتانيا الصحفي الشهير سليم زبال، على رأس بعثة من مجلة العربي الكويتية. كان الفريق بصدد إعداد استطلاع ضمن استطلاعات حملت عنوان "اعرف وطنك أيها العربي" تهدف للتعريف بالبلدان العربية ومظاهر الحياة فيها واستكشاف خصائصها وميزاتها، هنالك فوجئ الصحفي بحجم الاهتمام بالشعر الذي لمسه لدى كل من التقاهم في موريتانيا، ومستوى إلمامهم به وتعاطيهم له، فكانوا غالبا بين من يقرض الشعر ومن يحفظه ومن يعشقه ويطرب لسماعه، وكان أن سأل عن تعداد سكان البلد فأُخبِر أنهم في حدود المليون حينها، فاختصر التعبير عن انبهاره بعلاقتهم بالشعر عبر إطلاق اللقب الذي احتفظت به البلاد "بلد المليون شاعر" وربما كانت تلك الزيارة من بواكير الصلات التي جمعت موريتانيا بالمشرق العربي على الصعيد الثقافي في حقبة ما بعد الاستقلال.

لم يكن الصحفي سليم زبال أول مشرقي وفد إلى هذه الأرض واحتفى بما اكتشف فيها من إبداع شعري وثقافة عربية أصيلة، فقد وصل قبله الكاتب والأديب اللبناني محمد يوسف مقلد الذي استحوذ عليه الاهتمام بهذا القطر منذ أن صادف أدباء ينتمون إليه إبان مقامه في ثلاثينيات القرن العشرين بالسينغال، البلد الجار الذي كان مقصدا لطالبي العمل من الشناقطة.

لم يستطع مقلد كبح الفضول الذي ساوره، وقرر الاطلاع عن كثب على الثروة الثقافية والأدبية التي تنضح بها أحاديث أفراد موريتانيين جمعته بهم ظروف الاغتراب فألفهم وألفوه، وانبهر بما أبدوا من طباع، وما كشفوا عنه من ثقافة، وكان من ضمنهم الأديب الكبير المختار ولد حامدن.

مقلد لم يكتف بالاستكشاف والاطلاع فقرر أن يساهم بجهده في التعريف بالبلد وتاريخه وثقافته وتقاليد وطباع أهله، واستغل لذلك المنابر المتاحة له، بدءا بمجلة الجندي الدمشقية التي نشر في عددها رقم 287 الصادر بتاريخ 27 ديسمبر 1956م، مقالا عن موريتانيا، ثم أصدر كتابه "موريتانيا الحديثة" سنة 1960م، قبل أن تشهد سنة 1962م، إصدار كتابه "شعراء موريتانيا: القدماء والمحدثون"، مستعرضا إنتاج أكثر من خمسين شاعرا من مراحل مختلفة، ومواصلا التأكيد على اهتمامه الحقيقي بالبلد الذي رأى أنه يستحق بكل تفاصيله التقديم إلى العالم.

الحلقة المفقودة

في مقال بعنوان "الشعر المعاصر في موريتانيا"  للشاعر محمد كابر هاشم نشر في الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة والفنون الموريتانية، يعزو الكاتب إلى الدكتور طه الحاجري القول إن الإنتاج الشعري الموريتاني في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين يمثل "الحلقة المفقودة من  الأدب العربي"، ففي حين كان الأخير في تلك الفترة يرسف في قيود الانحطاط كان الأدب الموريتاني يشهد عهد قوة ونهوض، ومن أشهر أدباء تلك المرحلة الموريتانيين سيدي عبد الله ول رازكة وامحمد ولد الطلبة ومحمد ولد محمدي ومحمدو ولد حنبل، ويعتبر الحاجري أن "العبقرية العربية لا تخبو جذوتها وإنما تنتقل عبر الزمان والمكان من بلد عربي إلى آخر".

أنا شنقيط

على منبر مهرجان الشباب العربي المنعقد في بغداد سنة 1977م، وقف الشاعر أحمدو ولد عبد القادر ليصدح بقصيدته:

موكب النور هل ترى من بعيد

وجه مشتاقك الحزين العنيد 

أنا طيف وخاطر عربي

لم يصافحك بعد موت الجدود

أنا شنقيط هل سمعت بوحي

من رمالي أو درة من عقود

عندما عربد النخيل أمامي

وانبرى خاطري وثار قصيدي

ولم تخف القصيدة المحملة بالفخر والاعتزاز بالذات، لم تخف بعض العتب إزاء القطيعة الحاصلة بين مشرق البلاد العربية ومغربها خصوصا موريتانيا، الدولة الناشئة المنضمة قبل سنوات قليلة حينها إلى الجامعة العربية، كما عبر النص عن مدى الحنين لدى ابن شنقيط القادم من أقصى نقاط الخريطة العربية، وحرارة شعوره بالانتماء للجذور العربية وتعطشه للقاء أثار الكثير من الشجن، بتذكيره الشاعر أيام عز الأمة، فيتساءل متوجعا:

إيه بغداد أين منا زمان

كنت فيه وكان عهد الرشيد؟

ثم يكشف الشاعر وسط تلك الخيبات والوجع والضباب عن صورة جميلة مشرقة يستشرفها من خلال هذا اللقاء، فلا طريق إلى تضميد الجراح وتجاوز الأزمات سوى لم الشمل واتحاد الجهود.

هاجر الزهر والتقى بعدما ظل

-ل حبيس الأذى رهين القيود

زغرد الماء في السواقي وغنى

طائر الأمس لحنه للخلود

يا بذور الحياة أهلا وسهلا

بعناق الحبيب بعد الصدود

هكذا كان حضور الأدباء الموريتانيين على منابر الأدب في المشرق العربي قويا مجلجلا، بحضور قامات من أمثال ولد عبد القادر ومحمد الحافظ ولد أحمدو ومباركة بنت البراء (باته)، وإن ظل قليلا بالقياس العددي لأسباب منها الذاتي والموضوعي.

غياب أم تغييب

"محدودية التواصل" يفضل المفكر الدكتور السيد ولد اباه هذا التعبير فهو في رأيه أدق لتشخيص واقع العلاقة بين موريتانيا والساحة العربية، "لا أقول غيابا كاملا ولا تغييبا كاملا" يضيف الدكتور في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة.

لا يعتقد الدكتور السيد أن هناك تجاهلا مقصودا للبلد، وإنما يرى أنه جهل ساهمت أسباب موضوعية فيه، من ضمنها العزلة التي تفرضها طبيعة الصحراء، رغم وجود طريق للقوافل التجارية كانت لها دور في التبادل العلمي والثقافي، وهناك أيضا دور للمستعمر الفرنسي في ذلك الانقطاع عن المحيط العربي فقد أراد أن تكون هذه الرقعة الجغرافية منطقة عازلة بين منطقتي شمال وغرب أفريقيا بدل أن تكون محطة تعارف وتواصل.

ورغم ذلك الغياب فقد ساهمت المراكز الثقافية العربية التي افتتحت في نواكشوط إبان عقود الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات ومن ضمنها المركز الثقافي المصري ومركز الدعوة والإرشاد السعودي، ساهمت في تعريف الجمهور القارئ في موريتانيا بمختلف مظاهر الثقافة العربية.

وإضافة إلى ذلك، استفاد آلاف من الطلبة الموريتانيين من منح للدراسة الأكاديمية في تخصصات علمية مختلفة، عرفتهم على بلدان المشرق العربي، كما كانوا سفراء للثقافة الشنقيطية.

موريتانيا والخليج العربي

لا يمكن الحديث عن الروابط الثقافية بين موريتانيا ومنطقة الخليج عموما والمملكة العربية لسعودية بشكل خاص دون المرور بالرافد الأساسي لهذه العلاقة وهو الدين الإسلامي، وهكذا فالسيطرة المطلقة للإسلام على امتداد القطر، تعطي صورة عن سبب مباشر للصلة الروحية ببلاد الحرمين الشريفين حيث يؤدى الركن الخامس من أركان الإسلام؛ الحج، وتزار روضة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومعروف عن الموريتانيين تعلقهم الشديد بالحج وزيارة المسجد النبوي.

كانت رحلات الحج عامل ربط استطاع من خلاله موريتانيون كثر احتجاز مكانة معتبرة في دول المشرق، بعدما اكتشف نبوغهم في مجالات الأدب والشعر والفقه والحديث وغيرها، وكان ممن لمعوا في منطقة الحجاز واستفاد الكثير من علمهم، العلامة المصطفى الطالب أحمد ولد اطوير الجنة ومحمد يحي الولاتي ومحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي مؤلف كتاب "أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن".

وإضافة إلى ما اتاحته من فرص للعلماء الشناقطة الذين برزوا في الحجاز وما حولها، كانت رحلات الحج مصدرا وصل من خلاله الكثير من الكتب والمخطوطات التي كانت تعتمد عليها الدراسة المحظرية، الأسلوب التعليمي الذي عرفت به موريتانيا لعهود طويلة وحفظ لها هويتها وانتماءها الحضاري وإشعاعها العلمي.

وقد استمرت تلك العلاقات ونمت في العصر الحديث، مع سعي دول الخليج للاستفادة من الثورة التقنية وتطور المجال الإعلامي في استعادة الألق الثقافي العربي، وهو ما تجسد في إقامة برامج ومهرجانات ثقافية وأدبية تعيد ربط الجمهور بالأدب، وفي هذا السياق شهد العام 2007م، رفع الستار عن أولى نسخ برنامج أمير الشعراء، المسابقة الشعرية التي  تنظمها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بإمارة أبوظبي، وقد أوجد البرنامج ساحة للتنافس الأدبي بين شعراء من مختلف البلدان العربية على مرأى ومسمع العالم، وكان لبلد المليون شاعر حضوره المرموق في المسابقة، حيث حصل الشاعر الموريتاني محمد ولد الطالب على المركز الثاني، وتأتي النسخة الثانية لتنال موريتانيا المركز الأول على يد الشاعر سيدي محمد ولد بمب، ثم تتوالى بعد ذلك النسخ والمشاركات الموريتانية ويتواصل الحضور المميز.

وليس برنامج أمير الشعراء البوابة الوحيدة التي أشرعت دولة الإمارات العربية المتحدة أمام الشعراء في البلدان العربية وفي موريتانيا تحديدا، فقد كان لافتتاح بيت الشعر في العاصمة نواكشوط في العام 2015م، من طرف دائرة الثقافة بالشارقة، كان له أثر كبير في إثراء الساحة الشعرية المحلية، عبر تنظيم أنشطة متنوعة تحتفي بالشعر والنقد الأدبي إضافة إلى السرد، كما تم عبره إصدار عدد كبير من الدواوين والمؤلفات، وتكريم الشعراء في تظاهرات كبيرة، حراك ساهم بفعالية في فك العزلة المعنوية عن الإنتاج الأدبي الموريتاني.

جسور ثقافية بين إفريقيا والعالم العربي

  من المعلوم أن المجتمعات العربية والإفريقية تشترك في تاريخ عريق يمتد إلى ما قبل ظهور الإسلام، وجاء الإسلام ليشكل عماد ارتباط وتواصل "فقد أصبحت إفريقيا مركزاً هاماً من مراكز الحضارة الإسلامية، وأصبحت اللغة العربية لغة الفكر والثقافة في إفريقيا ولهذا الاتصال الفكري والثقافي والروحي بين العرب والأفارقة أبعاد بعيدة واسعة، حيث أصبح للعرب وجود كبير في القارة الإفريقية فأثروا بذلك في مختلف جوانب الحياة الإفريقية التي أصبحت بمرور الزمن صورةً من الحياة العربية سياسياً ودينيّاً واجتماعياً وثقافياً" وفقا لما ورد في بحث بعنوان التواصل العربي الأفريقي وأثره في التّنمية والتطور في أفريقيا.(لم أجد اسم الباحث)

ورغم تلك الوشائج الأصيلة المتجذرة، فإن فتورا أصاب التواصل بين العالمين العربي والإفريقي في مراحل معينة، ومن المؤكد أن للاستعمار الغربي وتركته في المنطقة يدا في ذلك، الواقع الذي استنهض همم العديد من الفاعلين الثقافيين لصنع حراك يعمل على تدعيم التعاون العربي الأفريقي، واستغلال المشتركات الحضارية في بناء شراكة فعالة.

في أبريل من العام 2002م، تأسس معهد الثقافة الأفريقي / العربي، المنظمة الثقافية التي يقع مقرها في العاصمة المالية باماكو، المعهد يهدف لتعزيز العلاقات والتبادل الثقافي بين الشعوب الأفريقية والعربية، وقد نظم أنشطة في هذا الصدد من بينها الندوة العلمية الدولية حول: "التعاون العربي والأفريقي في مجال البحث العلمي والتنمية المستدامة" في مارس 2022م، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية.

ومساهمة في مشروع التواصل والتكامل بين العالمين العربي والافريقي احتضنت العاصمة الموريتانية نواكشوط خلال شهر ديسمبر من العام 2023م، فعاليات القمة الأدبية العربية الأفريقية واجتماع ‏الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وأكدت القمة تفعيل العمل الثقافي العربي المشترك‎، وكانت بأنشطتها المتنوعة وحضورها النوعي نموذجا لمساعي مد جسور التواصل بين طرفي العالم العربي من جهة وبين الدول العربية والأفريقية، والتأكيد على أهمية الوحدة، الضامن الأوحد لتحقيق الأهداف التنموية.

الثقافة جسر تلاق وأرضية تعارف بين الشعوب، وهي في تعبير للدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري "قوة دافعة لأي علاقات بين الدول" وهو ما يخولها أداء أدوار عظيمة في الارتقاء بالتنمية في جميع المجالات، وموريتانيا العربية الإفريقية بحكم موقعها الجغرافي ومكانتها الحضارية ومقدراتها الثقافية مؤهلة للنهوض بهذه المهمة الجليلة.

مجلة آراء حول الخليج