array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 205

آلية جديدة للتصويت متزامنة مع إصلاح مرحلي للمنظمة واتخاذ القرار على مستويين بتفعيل اللجان

الأحد، 29 كانون1/ديسمبر 2024

منظمة التعاون الإسلامي منظمة تنسيقية وعامة الاختصاص، تعتمد على مفهوم متميز للإقليمية أو الجهوية، فهي منظمة تجمع بين الدول التي تتشكل من أغلبية بشرية ذات الديانة الإسلامية والتي تشكل بنية سلطوية حاكمة. ولقد كان ولازال هذا العامل مؤثرًا بشكل كبير على بنيتها ووظائفها منذ نشأتها التي استتبعت الاعتداء على أحد من مقدسات المسلمين، ألا وهو المسجد الأقصى. ولعل ذلك الحدث، هو العامل المؤثر الثاني الذي طبع مسارات المنظمة، فيمكن القول إن منظمة التعاون الإسلامي، من جانب أول، رغم تغيير اسمها سنة 2011م، بعد أن كان منظمة المؤتمر الإسلامي، دلالة على الرغبة في التحول الوظيفي للمنظمة لمسايرة التحولات والتحديات الكثيرة التي تعرفها معظم الدول المشكلة لها، لم تحظ بنموذج تصويت يناسب القدرة على التوافق العام داخلها.

كما لا يشكل، من جانب آخر، عدد دول المنظمة عامل قوة أو ضعف إلا من خلال القدرة التدبيرية للمنظمة، بحيث إن الوظائف الحقيقية في التقرير هي معيار القوة والضعف، وبذلك السبع وخمسون دولة المشكلة لمنظمة التعاون الإسلامي هي تجسيد فعلي للتجمع وليس للتقرير والقدرة على التوافق، وهو ما أبقاها حبيسة لمنهج تقليدي في التدبير والتسيير والنتائج، ومن ذلك مسألة التوافق التي تقرها المنظمة من خلال نظام التصويت.

ماهي المحددات الأساسية التي تشكل الإطار المؤثر في مسارات إصلاح أجهزة المنظمة لتكريس مقتضيات المادة الثالثة والثلاثين (33) من الميثاق، وماهي الجوانب الذاتية المرتبطة بصعوبة تنزيل نظام تصويت أكثر فعالية، وماهي الإمكانيات المتاحة على المستوى المؤسساتي وكذا التقنيات التدبيرية الممكنة، سواء من خلال المنظومة الداخلية أو المستلهمة من التجارب الدولية المشابهة، لتفعيل نظام تصويت يتناسب مع القدرة على خلق منظمة مقررة وفعالة؟

أولا: المحددات الموضوعية المؤثرة في مسارات إصلاح نظام التصويت بمنظمة التعاون الإسلامي

كان للنشأة الانفعالية لمنظمة المؤتمر الإسلامي تأثير كبير على تطورها الاندماجي، فوجودها بناء على حالة جماعية تم من خلالها المس بالمقدس الإسلامي عقب إحراق المسجد الأقصى، كان له انعكاس على تطورها المؤسساتي والتدبيري.

ورغم ما طال المنظمة من تحولات على مستوى الرؤية إلا أنها بقيت في مجملها منظمة تنسيقية ولم ترق إلى منظمة تقريرية تكون مؤسساتها أقوى، من حيث اتخاد القرار، من مكوناتها من الدول. وهذا العامل كان حاسمًا في تشكيل بنية اتخاذ القرار داخل المنظمة على مر تاريخها الطويل.

ماهي المحددات المحيطة والذاتية التي ساهمت في تعقيد إصلاح منظومة التصويت داخل منظمة التعاون الإسلامي، وماهي الدواعي التي أثرت في طبيعة اتخاذ القرار داخل المنظمة بالشكل الذي جعل مسألة القدرة التقريرية لها تتراجع لحساب القدرة التنسيقية التي لم تدفع بالمنظمة نحو أفق أرحب للتعاون وكذا التأثير في العلاقات الدولية الراهنة كقوة يحسب لها حسابها.

  • المحددات الدولية أو المحيطة:

عملت عوامل معينة على فرملة التوجهات الاندماجية لمنظمة التعاون الإسلامي، ومن ذلك:

_ وجود الدول الإسلامية الملتئمة تحت لواء منظمة التعاون الإسلامي في اصطفاف منظومة ولاء إيديولوجي خارجي يعد العامل الأبرز الذي أثر فيها، فهي إن خرجت من رحم الحاجة النفسية للرد على العدوان الذي تعرض له المسجد الأقصى، في حالة تعكس الهزيمة الجماعية لمجمل هذه الدول أمام دولة غرست في قلب العالم الإسلامي بين الحربين العالميتين، فإنها لم تكن مستعدة، عمليًا، لتشكل منظومة متراصة ومتكاملة ومنسجمة على المستوى الإيديولوجي والسياسي، فقد كانت الدول المشكلة للمنظمة مشتتة بين انتماءين متناقضين ومتصارعين هما المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي. ولم يكن الوضع كذلك فحسب، بل إن العالم الإسلامي نفسه كان محورًا كبيرًا للصراع بين المعسكرين، بحيث تراوح الصراع من الغرب إلى الشرق مرورا بأزمات شتى، منها ما حدث في إفريقيا كافتعال أزمة الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر، أو في الصومال أو في مصر أو مالي أو السنغال وغيرها. وكذلك الأمر في آسيا بأزماتها الكبرى في أفغانستان أو العراق وإيران أو تركيا مع الأزمة الكردية، وغيرها كثير. وكذلك لم تخل منطقة من مناطق العالم الإسلامي الشاسع هذا من تعدد الأزمات المرتبطة بالصراع، وقد أفرغ هذا الأمر القدرة على بناء منظمة قوية قادرة على مجابهة المد الكبير نحو الانتماءات الثنائية بين الغرب والشرق.

إضافة لذلك، لم يبق أمام الدول الإسلامية شيء سوى تكثيف الانضمام لمنظمات أخرى من قبيل حركة عدم الانحياز، أو منظمات جهوية اندماجية أخرى كثيرة، لكنها في مجملها، هي الأخرى، لم تستطع تشكيل قوة بديلة عن المسارات الدولية ثنائية القطب آنذاك، ومن هذه المنظمات ما كان موجود سلفًا كجامعة الدول العربية، أو ما تم إنشاؤه لاحقًا كمجلس التعاون لدول الخليج العربي، أو اتحاد المغرب العربي، أو منظمة التعاون الاقتصادي، أو الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، وغيرها.

_ العامل الثاني هو وجود المنظمة بعد الخروج من الحرب الباردة في خضم نقاش نظري يجعل من الإسلام مجالا للرصد والتحليل المستقبلي، وقد تزامن ذلك مع طروحات نظرية أمريكية بالأساس تمجد أولوية التفاوت في مقابل العالم الإسلامي عمومًا، أو تجعل منه مجالا للصراع، كما هو حال نظرية صدام الحضارات لهانتنغتون. وتزامن كل ذلك مع صعود المد الإسلامي في اتجاهات مختلفة، منها التوجه الجهادي الذي يعتبر الغرب فضاء للجهاد ومصدرًا لكل مشاكل العالم الإسلامي، أو توجهات سياسية بخلفيات إسلامية سعت سياسيًا للحصول على السلطة في مجموعة من الدول الإسلامية.

لقد كان لهذا العامل تأثير كبير على ضرورة الحد من التفوق الإسلامي والتنظيم الإسلامي عمومًا سواء كان من طرف دول أو مجموعات داخل الدول الإسلامية، وعد ذلك استراتيجية أساسية في ترك الفضاء الإسلامي عمومًا في دائرة التبعية الاستراتيجية للقوى الغربية. وهو الأمر الذي لم يجعل الحماس كبيرًا لتشكيل منظمة تقريرية قادرة على تجاوز المشاكل الكثيرة التي عرفها ويعرفها العالم الإسلامي.

  • المحددات الذاتية، المرتبطة بالجوانب الداخلية للمنظمة والدول التي تشكلها ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:

_ العامل الجغرافي كان محددًا مجاليًا لتفاوتات أخرى على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمذهبي، فوجود هذا الفضاء الإسلامي في مجالات جغرافية شاسعة جعل من مجرد الانتماء إلى الديانة الإسلامية عاملًا غير كاف لتشكيل بنية متجانسة. ولعل بنية الإنتاج الفلاحي والصناعي والقدرة الاقتصادية ونمط الإنتاج والمكانة الدولية لهذه الدول عوامل أساسية في تشكيل الترابط والتكامل، لكن التفاوت الكبير وصعوبة تدبير المجال الجغرافي حدا من إمكانية ذلك.

إن وجود كتلة متكاملة اقتصاديًا تستدعي شروطًا موضوعية وليس فقط شرط الانتماء الديني، فقوة الاتحاد الأوروبي الذي انتقل في المراحل الخمس من الاندماج وصولًا إلى الوحدة النقدية كان نتيجة ظروف دولية مناسبة، تمثلت أساسًا في الضرورة الاقتصادية المتمثلة في الإرادة الأمريكية في صد التوجه الشيوعي في أوروبا الغربية التي خرجت ضعيفة من الحرب العلمية الثانية، كما أن دوله، التي كانت خصومًا في نفس الحرب، سعت لتوقيع اتفاقيات مهمة في قطاعات حيوية لبث الثقة بينها حتى لا تعود للحرب ثانية.

كل هذه المعطيات التصورية والواقعية غابت عن البناء الإسلامي المنتظم في منظمة دولية، وكان بذلك الخروج بالشكل الذي انتظمت فيه مسألة عادية، أي منظمة تنسيقية لا تفوق اختصاصاتها الاختصاصات الأصلية للدول المشكلة لها، أي أنها منظمة في تشكيل بسيط لمفهوم الأمة الإسلامية الذي حدت منه وجود دول مستقلة أصلًا.

_ جعل الدين الإسلامي مرتكزًا للتنظيم مسألة مهمة وإيجابية، لكنه في وضع الدول الإسلامية اليوم يوجد في مستوى يؤثر على بنية السلط داخلها، فالدين، في عموم الدول الإسلامية، هو دين الدولة وأحيانًا مصدرًا من مصادر التشريع فيها، ويعد بذلك محركا لبنية السلطة وفاعلا فيها، فهو ليس في مقام الدين المسيحي لدى الدول الغربية مثلًا، حيث احتفظت أغلبها بعلمانية تفصل بين الممارسات السلطوية والدينية، وبذلك يبرز هذا العامل كعامل للفرقة أيضًا، وليس فقط عاملًا للوحدة؛ فالتقابلات المذهبية والتفرعات التفسيرية للنص الديني الإسلامي تعتبر واجهة كبرى للخلاف في هذا الفضاء، وكان حريًا أن يبقي هذا العامل المؤسس لهذه المنظمة مستترًا وراء هذا التنوع، وعاملًا مساعدًا لإبراز الجانب الإيجابي فيه. وهذا لا يعني ألا تسمى المنظمة بالإسلامية لكن لا يجب أن يكون مصطلح الإسلام فيها بالمعنى المذهبي أو الانتماء الخاص داخله، بحيث لا يمكن للخاص أن يكون محددًا للعام، بل من المفروض أن تكون المنظمة، وهذه فلسفتها التي يجب أن تشيعها، حاضنة للاختلاف ومذكية للوحدة في إطار التنوع، وهو أمر يصعب تطبيقه عمليًا نظرًا لأن منطلقات بعض الدول المشكلة للمنظمة قائمة على بعدها المذهبي أو فرع من فروع الإسلام التي تتناقض فيه مع دول أخرى يفترض أن تكون شريكة لها.

_ وجود كتل داخلية جهوية كثيرة في قلب العالم الإسلامي تشكل بديلًا عمليًا ومنطقيًا عن مجموعة شاملة، ويعتبر ذلك عاملًا من عوامل عدم قدرة المنظمة على تفعيل الاندماج أو أي برنامج للتكامل على المستوى الإسلامي الشامل، والملاحظ أن العامل الجغرافي لم يكن عاملًا محبطًا لمشروع اندماجي، فالمبادرة الإفريقية الخاصة بإقامة منطقة للتبادل الحر تمتد على كافة القارة الإفريقية، ولا يوجد مانع من طرحها في إطار منظمة إقليمية تضم سبعًا وخمسين دولة رغم وجود تكتلات إقليمية داخل نفس الفضاء.

والتساؤل هنا يشمل أسباب عدم التفكير بجدية في وضع برنامج تكاملي بين الدول الإسلامية؟ والجواب على ذلك يكمن ربما في عدم وجود المرتكزات الاقتصادية لذلك، ولا سيما المؤشرات الكبرى التي يبنى عليها التكامل الاقتصادي من معدلات النمو ومعدلات التضخم وحجم المبادلات وطبيعتها.

_ لقد استقر، كعامل آخر، حجم التجارة البينية بين الدول الإسلامية في مستوى أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه ضعيف، فبالمقارنة مع الإمكانيات الصناعية والفلاحية والخدماتية، وكذا بالظر إلى المجال الجغرافي الكبير الذي يغطيه العالم الإسلامي يمكن القول إن التجارة البينية التي تتراوح بين عشرة إلى عشرين بالمائة من مجمل تجارة هذه الدول يبقى دون المستوى الذي يمكن أن يكون عاملًا دافعًا نحو تعزيز الاندماج والتكامل.

إن دور التجارة البينية مهم جدًا لتشبيك العلاقات البينية بين الدول العربية، فلا يكفي فقط أن ترتفع نسبتها بين هذه الدول، ولكن أيضًا أن تكون موزعة بشكل يضمن الاعتماد المتبادل بينها والتكامل، ففي هذا الفضاء الشاسع هناك إمكانيات هائلة لبناء منظومة متكاملة تجمع بين الخيرات الطاقية والفلاحية والخدماتية والصناعية بشكل يضمن تفوق العالم الإسلامي وتحكمه في أنساق التجارة الدولية.

_ إن العامل الديمغرافي كان ولازال من العوامل الأساسية في بناء التكتلات والإندماجات الاقتصادية، فالعالم الإسلامي منطقة تضم حولي ملياري نسمة وستقترب من الثلاثة مليار نسمة مع سنة 2050م، وهذا يعني أن هذه الأعداد الكبيرة من السكان ستزداد حاجاتها الاقتصادية والاجتماعية، وفي عالم لم تعد فيه الدولة الوطنية قادرة على تحديد الغايات الاستراتيجية للتنمية أصبح من الضروري التفكير بشكل جدي العمل على تشكيل قوة اقتصادية مندمجة ومتكاملة تحظى بالقبول النفسي والاجتماعي، يكون لها الأثر الكبير على مستوى التنمية، وتعد منظمة التعاون الإسلامي آلية أساسية لذلك.

ثانيًا: المقومات والشروط المؤسساتية الداعمة لتقوية تصويت تقريري داخل منظمة التعاون الإسلامي

تشتمل هياكل المنظمة ومؤسساتها على أدوات مهمة لتفعيل نظام تدبيري فعال، لاسيما على مستوى اتخاذ القرارات، وهذا الأمر يعد ركيزة مهمة لأن تفعيلها سيكون له نتيجة إيجابية على مسارات الإصلاح العام للمنظمة.

 _ تقوية القرار داخل الجهاز التنفيذي للمنظمة:

تتشكل المنظمة من هياكل تتفرع إلى مؤتمر الملوك ورؤساء الدول والحكومات، السلطة العليا التي تجتمع كل ثلاث سنوات، ومؤتمر وزراء الخارجية الذي يجتمع سنويًا لتدارس المقترحات ووضع المسارات المتعددة للمنظمة.

بينما تشكل الأمانة العامة الجانب الإداري الذي يتابع العمل اليومي داخل المنظمة، والموكول له الجانب التنظيمي عموماً.

أما الجهاز التنفيذي للمنظمة فهو الذي يتابع عمليًا مسارات التنفيذ وتنزيل البرامج الخاصة بالمنظمة.

إن هذه التركيبة يمكن اعتبارها متناسبة مع هيكل منظمة تنسيقية، لكن بالنظر إلى ضرورة إيجاد صيغة أكثر تقدمًا من الناحية الاندماجية، فيما يتعلق باتخاذ القرار، يفترض إعطاء أدوار أكثر للجهاز التنفيذي للمنظمة، خاصة على مستوى الفعل الآمر، أو السلطة الفعلية التي تحوزها المنظمة. ويمكن ذلك من خلال وضع آلية تنفيذية تعمل كآلية وزارية تشكل الدول الإسلامية المنضوية في المنظمة، ولتمكينها من هذا الدور يفترض أن تمر عملية الاقتراح بمستويين؛ المستوى الأول سياسي من خلال ترشيحات الحكومات لشخصيات لديها الكفاءة اللازمة، ومستوى ديمقراطي يكون فيه الدور على البرلمان الخاص بأي منظمة هو تنصيب هؤلاء الأعضاء، وبما أن المنظمة تنسيقية فإن المؤسسة البرلمانية تغيب عنه، رغم أن المنظمة لديها هيكل خاص بذلك وهو اتحاد مجالس الدول الأعضاء الذي يضم أربعًا وخمسين برلمانًا ومجلسًا تمثيليًا فإن دوره ليس فاعلًا. كما أنه من المفترض أيضًا في مجمل البرلمانات أو المجالس التمثيلية الموجودة أن تحظى بشرعية داخلية على مستوى كل دولة على حدة.

إن إصلاح المنظمة يمكن أن يكون مقدمة لإصلاحات داخلية على مستوى الدول الإسلامية عمومًا، بما يتماشى مع خصوصياتها ومشروعيتها الداخلية القائمة في مجملها على قيم الدين الإسلامي السمح.

وتعد الهيئة التنفيذية للمنظمات الدولية عاملًا حاسمًا في فرض الرؤى وتنزيل البرامج على مستوى تشبيك العلاقات الاقتصادية والتجارية، في أفق إيجاد مقومات التكامل وتقارب مؤشرات الاقتصاد الكبرى لتمكين هذه الدول من نسج علاقات التكامل والاعتماد المتبادل.

_ تعضيض وتعزيز عمل اللجان داخل المنظمة:

العمل بواسطة لجان خاصة من الإبداعات المهمة على مستوى العمل الجماعي داخل منظمة التعاون الإسلامي، وتحوي المنظمة أربع لجان تهم القدس والإعلام والشؤون الثقافية والتعاون الاقتصادي والتجاري والتعاون العلمي والتقني.

ومن المهم تعزيز العمل بهذه اللجان لكونها تهم مجالات سياسية واقتصادية وتقنية وعلمية مختلفة، وتضمين التوافق من خلالها، لكن الملاحظ أن هناك عدم الاهتمام بها بما تستحقه كآلية لتقوية التعاون بين الدول الإسلامية، فلجنة القدس التي يرأسها العاهل المغربي مثلًا تتلقى مجمل إمكانياتها المالية من المغرب، فرغم الدور الريادي الذي تقوم به في الحفاظ على المقدسات الإسلامية إلا أنها لا تحظى بدعم كبير من الممكن أن يحول المعادلات الديمغرافية والثقافية في مدينة القدس. وهذا أمر لا يمكن ألا يشمله التوافق.

وكذلك الشأن في باقي اللجان الأخرى، حيث تعد دول بعينها رائدة في تفعيل عملها كما هو الشأن بالنسبة للمملكة العربية السعودية مثلًا. ومن هذا المنطلق يمكن التفكير في حلين أساسين؛ من جهة العمل على إيجاد أدوات تمويلية مبتكرة لدعم عمل اللجان الموجودة أصلًا. ومن ناحية أخرى ابتكار لجان جديدة تعمل على تفريع عمل اللجان الموجودة أو إيجاد بدائل أكثر تناسبًا مع الحاجيات الضرورية والملحة على المستوى التنموي بمجمل الدول العربية، مع تمكينها من نظام تصويت توافقي مصغر.

_ تقوية المؤسسات المتخصصة:

تعد المؤسسات المتخصصة واحدة من الهياكل المهمة لدى المنظمة، ويوجد على رأس هذه المؤسسات البنك الإسلامي للتنمية، وهو واحد من سبع مؤسسات تهم مجالات حيوية ومهمة.

ويعتبر البنك الإسلامي للتنمية مهمًا لاعتبارات عديدة على رأسها أولوية مسألة التنمية بالعالم الإسلامي، لكن الهيكلة والتدبير والدور يجب أن يوازي الحاجيات المتجددة للتنمية بهذه الدول، فالآلية المالية مهمة لتشكيل بنية تقريرية تابعة للمنظمة قادرة على مراقبة التوجهات الاقتصادية للدول وكذا سبل صرفها في الاتجاهات التي تضمن تشبيك الأدوات التنموية بين الدول الإسلامية، وليس فقط الحرص على أن تكون برامج تنموية داخلية.

ولا تقل باقي المؤسسات الأخرى أهمية من نظيرتها الخاصة بالبنك الإسلامي، لذلك من المفترض أن تقيم هذه المؤسسات سياسات مندمجة لتفعيل الترابط الاقتصادي والعلمي والثقافي والمذهبي وغيرها من الأدوات التي تساعد على تقارب وجهات نظر الدول الإسلامية وإخراجها من نفق التبعية للمفاهيم الضيقة التي لا تساعد على وجود فضاء يسود فيه التآخي بدل الصراع.

_ دور محكمة العدل الدولية الإسلامية:

تعتبر المحكمة، نظريًا، من هيئات المنظمة، وهذا من المفروض أن يجعل لها مكانة متميزة وفعالة في العمل الإسلامي المشترك داخل المنظمة، وبتفحص ميثاقها يظهر وجود هذه الهيأة في فصله الرابع عشرة والسابع والعشرين، وهي هيكل لحل الخلافات بين الدول الإسلامية بالأساس. والملاحظ أن هذه المحكمة لم تفعل فيما أوجدت من أجله، وربما بقيت حبيسة التركيبة التنسيقية للمنظمة وكذا للمهام الضيقة التي أنيطت بها سواء من الناحية المجالية باختصاصها حصرًا، إلا باستثناءات قليلة، بالمنازعات الناشئة بين الدول الإسلامية، أو من حيث الاختصاص حيث لا يظهر أثر كبير لعملها ميدانيًا أو فعليًا.

إن تقوية العمل القضائي لحل النزاعات وإعادة تشكيل دور المحكمة سيكون له أثر على العمل الجماعي العام، كما يمكن من إيجاد شرعية قضائية على مستوى فرض القرارات داخلها.

ثالثًا: إصلاح عملية التصويت: التوافق المرتكز على تقوية الآليات التقريرية

إن إصلاح عملية التصويت داخل منظمة التعاون الإسلامي ليست عملية تقنية، خاصة أن القرارات حسب المادة الثالثة والثلاثين تتخذ إما بالتوافق أو بأغلبية الثلثين، بل هي صيرورة تواكب عملية الإصلاح الشامل لتحويل المنظمة من مستوى التنسيق إلى مستوى التقرير، وهي مسألة مهمة جدًا لكونها ستضع المنظمة في مجال اتخاذ القرار الملزم، والذي تفوق فيه قرارات المنظمة الجوانب السيادية للدول الأعضاء فيها.

والعملية تحتاج إلى انتقالات كثيرة على مستويات التنزيل الفعلي زمنيًا، بحيث يتم تمكين المنظمة مرحليًا من القدرة على استعادة السبق على سلطة الدول بشكل متوافق، وهذا يمر أساسًا عبر عملية متوازنة بين أقطاب المنظمة وأعضائها، وفي هذا الخصوص يمكن، مرحليًا، تحديد مجالات جغرافية داخل المنظمة تعنى بالقضايا الضيقة التي تهمها حتى لا تؤثر مصالح دول بعيدة عنها في تمكينها من حلول داخل المنظمة نفسها، واللجوء بالتالي إلى هيئات أخرى. ويعد هذا الأمر من أساليب التصويت الممكنة التي ستعطي زخمًا أكثر بالتفاعل الجغرافي، على أن تبقى بعد المواضيع المحددة على المستوى السياسي في نسقها العام، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية، وأن تحدد حصرًا في لجنة خاصة.

وبذلك تصبح عملية التصويت متزامنة مع إصلاح شامل داخل المنظمة، ويصبح اتخاذ القرار متفرعًا إلى شقين؛ شق يرتبط بالمجالات الموضوعية وشق يرتبط بالمجالات الجغرافية، تصبح فيه اللجان ذات أولوية، وتعنى بها أو بهيئات أخرى المنظمة لتفعيل النسق التقريري داخل المنظمة.

مقالات لنفس الكاتب