array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 205

تحديات البنك الإسلامي للتنمية: تلبية احتياجات الدول الأكثر ضعفًا وتعزيز رأس المال وتطوير برامج التنمية

الأحد، 29 كانون1/ديسمبر 2024

تأسس البنك الإسلامي للتنمية كإحدى أبرز المؤسسات المالية الدولية التي تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي. ومنذ تأسيسه لعب البنك دورًا محوريًا في تمويل المشاريع التنموية وتقديم المساعدات المالية والفنية عبر مجموعة متنوعة من البرامج التي تستهدف معالجة التحديات الاقتصادية في مختلف القطاعات، بما في ذلك البنية التحتية والزراعة والصحة والتعليم، وخاصة في الدول ذات الدخل المنخفض. كما شهد رأس مال البنك زيادات متتالية منذ إنشائه، ما يعكس التزام الدول الأعضاء بتوسيع نطاق أعماله وقدرته على تقديم دعم مستدام لمشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة.

وتركز خدمات البنك على تقديم المنح، القروض الميسرة، والمساعدات الفنية للدول الأعضاء، مع إيلاء اهتمام خاص بالدول الإسلامية الأقل نموًا التي تواجه تحديات اقتصادية كبيرة. وتتميز برامجه بنوعية وشمولية تتناسب مع احتياجات الدول الأعضاء، حيث تتنوع بين تمويل مشاريع كبرى، ودعم القطاعات الإنتاجية، وتعزيز قدرات المؤسسات الحكومية والخاصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ومع تزايد الطلب على خدمات البنك بسبب التحديات التنموية المتزايدة، تبرز الحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجياته، بما في ذلك تطوير برامجه وزيادة رأس ماله لمواكبة التغيرات العالمية. ويمثل ذلك فرصة لاستكشاف طرق مبتكرة لتعزيز دوره كشريك أساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي، وبناء مستقبل مشرق يساهم في تحسين حياة ملايين الأفراد في الدول الأعضاء.

البنك الإسلامي للتنمية: من الإنشاء إلى التوسع .. مسيرة حافلة بالإنجازات

تأسس البنك الإسلامي للتنمية، وهو مؤسسة مالية إسلامية دولية متعددة الأطراف، بموجب قرار اتخذ في مؤتمر وزراء مالية الدول الإسلامية الذي عقد بمدينة جدة في شهر ذي القعدة عام 1393هـ الموافق شهر ديسمبر عام 1973م، وجاء القرار استجابةً لحاجة الدول الإسلامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتضامن الإسلامي، وتقديم الدعم المالي والتقني اللازم لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في بلدانها.

وقد انعقد الاجتماع الافتتاحي لمجلس محافظي البنك في مدينة الرياض في شهر رجب عام 1395هـ الموافق لشهر يوليو عام 1975م، وتم افتتاح البنك رسميًا في الخامس عشر من شوال من العام نفسه، الموافق للعشرين من أكتوبر عام 1975م، وهو يضم في عضويته حاليًا 57 دولة إسلامية.

يقع المقر الرئيسي للبنك الإسلامي للتنمية في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وهو المركز العصب لعمليات البنك واتخاذ القرارات الاستراتيجية. ويمتد نفوذ البنك عبر شبكة واسعة من المكاتب الإقليمية بلغت عشرة مكاتب تنتشر في مختلف الدول الأعضاء، مثل الرباط، أنقرة، إسطنبول، كوالالمبور، ألماتي، داكار، جاكرتا، سورينام، وغيرها. وهو بذلك يحقق انتشارًا عبر معظم قارات العالم، حيث تلعب هذه المكاتب دوراً محورياً في تعزيز التعاون مع الحكومات المحلية والمؤسسات المالية، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للمشاريع التنموية في مناطقها الجغرافية.

وشهد البنك الإسلامي للتنمية منذ تأسيسه في عام 1975م، تطوراً ملحوظاً في هيكل مؤسساته التابعة، وذلك بهدف تعزيز دوره في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء وتلبية الاحتياجات المتزايدة للتمويل الإسلامي. وقد تأسست العديد من المؤسسات التابعة للبنك على مر السنين، كل منها يهدف إلى تحقيق أهداف محددة تساهم في تحقيق الرؤية الاستراتيجية للبنك، وتشمل هذه المؤسسات:

  • معهد البنك الإسلامي للتنمية (1981): يعد المعهد أول مؤسسة تابعة للبنك، وقد تأسس بهدف إجراء البحوث والدراسات في مجال الاقتصاد الإسلامي والمالية المصرفية، وتقديم التدريب والتأهيل للكوادر العاملة في القطاع المصرفي والمالي الإسلامي. ويساهم المعهد في تطوير المعرفة والخبرات في مجال التمويل الإسلامي، ويوفر الدعم الفني للبنك ومؤسساته التابعة.
  • المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات (1994): تأسست هذه المؤسسة لتوفير الحماية للمستثمرين والتجار من المخاطر السياسية وغير السياسية المرتبطة بالاستثمار والتجارة الخارجية. تقدم المؤسسة خدمات التأمين على الأئتمانات التجارية والاستثمارات الأجنبية، مما يساهم في تعزيز الثقة في الاستثمار وتعزيز التبادل التجاري بين الدول الأعضاء.
  • المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص (1999): تأسست هذه المؤسسة بهدف دعم وتنمية القطاع الخاص في الدول الأعضاء، وتوفير التمويل اللازم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. تساهم المؤسسة في خلق فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي، وتلعب دوراً هاماً في تنويع القاعدة الاقتصادية للدول الأعضاء.
  • صندوق التضامن الإسلامي للتنمية (2007): تم إنشاء هذا الصندوق بهدف مكافحة الفقر والنهوض بالنمو الاقتصادي الذي يخدم الفقراء في البلدان الأعضاء. ويركز الصندوق على التنمية البشرية، ولا سيما على تحسين الرعاية الصحية والتعليم، وتقديم الدعم المالي لتعزيز القدرة الإنتاجية ووسائل الدخل المستدامة للفقراء.
  • المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (2008): تأسست هذه المؤسسة بهدف تسهيل التجارة الدولية بين الدول الأعضاء، وتوفير التمويل التجاري قصير الأجل. وتساهم المؤسسة في تطوير البنية التحتية للتجارة وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء.

كما شهد رأس مال البنك الإسلامي للتنمية منذ تأسيسه في عام 1975م، تطوراً ملحوظاً، مما مكنه من تعزيز دوره في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء. عند التأسيس، كان حجم رأس المال المصرح به ألفي مليون دينار إسلامي، أي ما يعادل مليارات قليلة من الدولارات الأمريكية في ذلك الوقت. وقد تم تصميم رأس المال الأولي هذا لتلبية الاحتياجات التمويلية الأولية للبنك في بداياته.

ومع مرور الوقت، وتزايد حجم العمليات وعدد المشاريع التي يمولها البنك، أصبح من الضروري زيادة رأس المال لمواكبة التوسع والتطورات. حيث شهد البنك عدة زيادات في رأسماله على مر السنين، إذ تم رفع سقف رأس المال المصرح به والمكتتب فيه بشكل تدريجي.

أبرز محطات تطور رأس مال البنك:

  • 1992 : شهد عام 1992م، زيادة كبيرة في رأس المال، حيث ارتفع من ألفي مليون دينار إسلامي إلى 6 بلايين دينار إسلامي (تبلغ قيمة الدينار الإسلامي، وهو الوحدة الحسابية للبنك، وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي) ، مما عزز من قدرة البنك على دعم المزيد من المشاريع.
  • 2002 : استمر رأس المال في الارتفاع، حيث وصل إلى 15 مليار دينار إسلامي، مما مكن البنك من توسيع نطاق عملياته وزيادة حجم التمويل الذي يقدمه للدول الأعضاء.
  • 2006 : بناءً على قرار من مؤتمر القمة الإسلامي، شهد البنك زيادة كبيرة أخرى في رأسماله، حيث ارتفع إلى 30 مليار دينار إسلامي. هذه الزيادة تعكس الالتزام القوي للدول الأعضاء بدعم البنك وتمكينه من مواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه الدول النامية.

وبحلول نهاية يونيو 2024م، حقق البنك إنجازات مالية كبيرة، حيث تجاوزت أصوله التشغيلية 16 مليار دولار أمريكي، وبلغت رؤوس الأموال المكتتب بها 70 مليار دولار أمريكي. وهذه الأرقام الضخمة تعكس النمو المطرد للبنك وتعزيز مكانته كواحد من أهم المؤسسات المالية الإسلامية في العالم.

ويتكون رأس المال هذا من مساهمات مالية من هذه الدول، حيث تختلف نسبة مساهمة كل دولة وفقاً لحجم اقتصادها وقدرتها على المساهمة. وتتصدر المملكة العربية السعودية قائمة أكبر المساهمين بنسبة 25.7% من إجمالي رأس المال، تليها ليبيا بنسبة 10.3% وإيران بنسبة 9%. وتأتي دول مثل نيجيريا والإمارات وقطر ومصر والكويت وتركيا في المراتب التالية بنسب مساهمة تتراوح بين 8.4% و7.7%. وتلعب هذه المساهمات دوراً حيوياً في تمكين البنك من تقديم التمويل اللازم للمشاريع التنموية في مختلف القطاعات، مما يساهم في تحسين مستوى المعيشة في الدول الأعضاء وتعزيز التعاون الاقتصادي بينها. وتتأثر نسبة مساهمة كل دولة بعدة عوامل، منها حجم اقتصادها وسياساتها الاقتصادية والعلاقات الثنائية مع البنك.

المساهمون الرئيسيون في رأس المال المدفوع للبنك الإسلامي للتنمية (اعتبارًا من مايو 2024)

المصدر: البنك الإسلامي للتنمية

 

البنك الإسلامي للتنمية: داعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي والمجتمعات المسلمة

منذ تأسيسه، عمل البنك الإسلامي للتنمية على تحقيق مجموعة من الأهداف النبيلة التي تسعى إلى النهوض بالدول الأعضاء وتحقيق التنمية المستدامة. تتمثل هذه الأهداف في:

  • دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية: يسعى البنك جاهداً إلى تحسين مستوى معيشة شعوب الدول الأعضاء من خلال تمويل المشاريع التنموية في مختلف القطاعات الحيوية. يشمل ذلك مشاريع البنية التحتية، مثل الطرق والجسور والموانئ، وكذلك مشاريع الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات والطاقة المتجددة. ويهدف البنك من خلال هذه المشاريع إلى خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتقليل الفقر.
  • تعزيز التعاون الإسلامي: يعمل البنك على تقوية الروابط الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الأعضاء، وتبادل الخبرات والمعرفة، وتعزيز التكامل الاقتصادي بينها. ويسعى البنك إلى بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات الحكومية والخاصة في الدول الأعضاء، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للمشاريع المشتركة.
  • تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في ميدان التمويل: يلتزم البنك بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في جميع أعماله وعملياته، مما يجعله نموذجًا يحتذى به في مجال التمويل الإسلامي. ويسعى البنك إلى تطوير المنتجات والخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتقديم الاستشارات الفنية في هذا المجال.

ونجح البنك الإسلامي للتنمية في أن يكون ركيزة أساسية لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي وخارجه حيث بلغ إجمالي عمليات البنك التمويلية منذ تأسيسه وإلى غاية منتصف سنة 2024م، حوالي 189 مليار دولار أمريكي. وبينما كانت الأولوية تاريخيًا للدول العربية والآسيوية، حيث استحوذت هذه الدول مجتمعتين على أكثر من 78% من هذه التمويلات، مما يعكس تاريخياً عمق العلاقات بين هذه الدول والبنك، خاصةً في ظل وجود دول كبرى كإندونيسيا وباكستان التي تتطلب تمويلات ضخمة لمشاريع البنية التحتية، الطاقة، والنقل. ويعكس هذا التركيز دور البنك في دعم الاقتصادات الناشئة في آسيا وتعزيز التعاون الإقليمي في مجالات التنمية. إلا أن التوجه نحو إفريقيا يُبرز مرونة واستجابة البنك للاحتياجات التنموية المتغيرة، وتشير النسبة المئوية المتزايدة للتمويلات الموجهة إلى الدول الإفريقية إلى تحول ملحوظ في استراتيجية البنك، حيث يسعى إلى تعزيز دوره في دعم التنمية المستدامة في القارة السمراء من خلال تحسين البنية التحتية، وتعزيز الأمن الغذائي، وتطوير قطاعات الصحة والتعليم في القارة، ما يُظهر التزام البنك بتقليل الفجوة التنموية ودعم الدول الأقل نموًا في إفريقيا.

إجمالي العمليات التمويلية التراكمية للبنك الإسلامي للتنمية منذ تأسيسه وحتى 30 يونيو 2024

النسبة المئوية

المبلغ (مليار دولار أمريكي)

الدول

100%

189,162

إجمالي التمويلات

36%

68,644

الدول العربية

17%

32,697

الدول الإفريقية

42%

79,258

الدول الآسيوية

1%

1,37

دول أمريكا اللاتينية

1%

1,758

دول أخرى

2%

4,65

هيئات ومنظمات

ويعكس توزيع تمويلات البنك الإسلامي للتنمية حسب القطاع التزامه بدعم القطاعات الحيوية في الدول الأعضاء. حيث يستحوذ قطاع الطاقة على الحصة الأكبر بنسبة 40.3%، مما يؤكد أهمية توفير البنية التحتية للطاقة كركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. يلي ذلك قطاع الزراعة بنسبة 13.5%، مما يعكس التركيز على تعزيز الأمن الغذائي ودعم سبل العيش الريفية. يحتل قطاع الصناعة والتعدين نسبة 13.4%، ما يظهر الاهتمام بتطوير الصناعات الوطنية وزيادة القيمة المضافة.

ويمثل قطاع التمويل 9.1%، وهو مؤشر على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز الاستدامة المالية. يأتي بعده قطاع النقل بنسبة 8.3%، مما يعزز من تحسين البنية التحتية للنقل وربط المناطق النائية. أما قطاعات الخدمات الصحية والتعليم فتشكل نسبًا متواضعة تبلغ 4.2% و3.1% على التوالي، على الرغم من دورها الأساسي في تحسين جودة الحياة وبناء رأس المال البشري.

 

وفيما يخص توزيع تمويلات البنك الإسلامي للتنمية وفقًا لصيغ التمويل المختلفة، تشير البيانات إلى أن صيغة الإجارة تحظى بأكبر حصة في التمويلات المقدمة بنسبة 28%، مما يعكس تفضيل البنك لهذه الصيغة التي تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتناسب العديد من المشاريع. تأتي صيغة البيع بالأجل في المرتبة الثانية بنسبة 18%، مما يدل على أهمية هذه الصيغة في تمويل المشاريع الإنتاجية والاستثمارية. وتشمل الصيغ الأخرى المشاركة بنسبة 13%، والضمان والضمانات بنسبة 14%، والقروض والمساعدة الفنية بنسبة 27%. ويعكس التنوع في الصيغ مرونة البنك في تصميم الحلول المالية التي تلبي احتياجات المشاريع المختلفة في الدول الأعضاء، ويساهم في تحقيق أهداف البنك في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

من ناحية أخرى، يمثل صندوق الوقف أحد أهم أنشطة البنك الإسلامي للتنمية، حيث يهدف إلى تقديم المنح لدعم التنمية في الدول الأعضاء وغير الأعضاء منذ تأسيسه عام 1979م. يركّز الصندوق على تمويل برامج المنح الدراسية، ما يساهم في تحسين فرص التعليم العالي وبناء الكفاءات البشرية، إضافةً إلى تقديم المساعدات الإنسانية في حالات الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والزلازل. كما يخصص الصندوق جزءًا من موارده لدعم برامج صحية وتعليمية، مع تركيز كبير على الدول الأقل نموًا لتعزيز التنمية المستدامة فيها. بجانب ذلك، تشمل أنشطة الصندوق برامج للتعاون الفني والتدريب، ودعم المعهد الإسلامي للبحوث. وحتى نهاية عام 2023م، بلغت قيمة التمويلات المعتمدة في إطار برنامج المعونات الخاصة حوالي 5,65   مليار دولار أمريكي، مما يعكس حجم الموارد الموجهة لتحسين حياة الأفراد وتعزيز قدرة المجتمعات على مواجهة التحديات التنموية والإنسانية.

كما تعد المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التي تأسست سنة 1999م، كذراع تنموي تابع للبنك الإسلامي للتنمية، بهدف تعزيز دور القطاع الخاص كعنصر أساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الدول الإسلامية. وتسعى هذه المؤسسة إلى دعم وتنمية القطاع الخاص من خلال تقديم التمويل والاستثمارات اللازمة لإنشاء وتوسيع المشاريع في مختلف القطاعات الاقتصادية، مع التركيز على الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة. كما تقدم المؤسسة الدعم الفني والاستشاري، مما يُسهم في تحسين الأداء المؤسسي لهذه الشركات وتعزيز قدرتها على المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، تلتزم المؤسسة بمبادئ الشريعة الإسلامية في جميع أنشطتها، حيث تركز جهودها على مشاريع تنموية مستدامة في قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة، التعليم، والصحة.

من الناحية المالية، تُظهر المؤسسة بنية مالية قوية تُبرز طموحها الكبير لدعم القطاع الخاص. يبلغ رأس المال المصرح به مليار دولار، وهو ما يعكس رؤية المؤسسة لدعم مشاريع واسعة النطاق تُعزز التنمية الاقتصادية في الدول الأعضاء. أما رأس المال المطروح للاكتتاب يصل إلى 500 مليون دولار أمريكي، مما يُظهر حرص المؤسسة على تعبئة موارد مالية كبيرة لتلبية احتياجات القطاع الخاص المتزايدة. ورغم أن رأس المال المدفوع بلغ حتى الآن 263.4 مليون دولار، مما يُشير إلى تقدم ملحوظ في التزام المساهمين، إلا أن هناك حاجة لمزيد من الجهود لزيادة التمويل المتاح، بما يضمن تحقيق الأهداف التنموية للمؤسسة بكفاءة أكبر.

ويُلاحظ أن البنك الإسلامي للتنمية يساهم بنسبة 50% من رأس المال المكتتب، مما يُبرز أهمية دوره في دعم هذه المبادرة التنموية. كما تُعتبر هذه النسبة انعكاسًا واضحًا لالتزام البنك بتعزيز دور القطاع الخاص كجزء من استراتيجيته العامة لدفع عجلة التنمية في الدول الأعضاء. كما أن مساهمة الدول الأعضاء بنسبة 30% من رأس المال المكتتب تُظهر مستوىً عاليًا من التعاون والتكامل بين الدول الإسلامية، حيث أدركت هذه الدول أهمية الاستثمار في القطاع الخاص كوسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

البنك الإسلامي للتنمية: رؤية لمواجهة تحديات المستقبل وتطوير البرامج والخدمات

على مدار الخمسين عامًا الماضية، لعب البنك الإسلامي للتنمية دورًا محوريًا في دعم الدول الأعضاء، لا سيما في تحسين اقتصادات الدول الإفريقية الأقل نموًا. برؤيته القائمة على الشراكة والتنمية المستدامة، تمكن البنك من تقديم المساعدات المالية والفنية التي ساعدت الدول الإسلامية على تجاوز العديد من التحديات التنموية. ومع ذلك، يواجه البنك الآن حقبة جديدة تتطلب مواجهة قضايا أكثر تعقيدًا مثل تغير المناخ، الفقر المتزايد، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأجندة 2030م، ولتحقيق تقدم فعلي، يجب على البنك إعادة تقييم استراتيجياته وبرامجه وزيادة موارده المالية لضمان تلبية الاحتياجات المتزايدة للدول الأعضاء، خاصة الأكثر ضعفًا منها.

ففي ظل التحديات التنموية العالمية، ينبغي على البنك الإسلامي للتنمية أن يتبنى نهجًا استباقيًا لتطوير برامجه وخدماته. أولاً، يُعد تعزيز رأس المال أمرًا ضروريًا لضمان توفير التمويل الكافي للمشاريع التنموية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال جذب استثمارات إضافية من الدول الأعضاء وزيادة التعاون مع المؤسسات المالية الدولية. حيث أن زيادة رأس المال لن تُعزز فقط من قدرة البنك على تقديم منح وقروض للدول الإسلامية، بل ستتيح له دعم مشاريع أكبر وأكثر تأثيرًا. ثانيًا، ينبغي على البنك التركيز على تطوير برامج تنموية مبتكرة تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة. ويمكن أن تشمل هذه البرامج دعم قطاعات التعليم والصحة والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تعزيز التنمية الريفية وتوفير فرص العمل، خاصة للشباب والنساء. وينبغي أيضًا أن تكون هذه البرامج مصممة بعناية لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام ومواجهة الفقر في الدول الأعضاء.

في حين يمثل تغير المناخ تحديًا عالميًا، والدول الإسلامية ليست بمنأى عنه. من الضروري أن يعزز البنك استثماراته في مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة لمساعدة الدول الأعضاء على تقليل الانبعاثات الكربونية والاعتماد على مصادر طاقة مستدامة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبنك تقديم المساعدة الفنية والمالية للدول الأعضاء للتكيف مع آثار تغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات، التي تؤثر بشكل مباشر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ورغم التقدم الملحوظ الذي حققه البنك في دعم الاقتصادات الإفريقية، لا تزال القارة بحاجة إلى المزيد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لذا يجب على البنك زيادة حجم مساعداته الإنمائية للدول الإفريقية وبقية الدول الأعضاء الأقل نموًا، مع التركيز على تحسين البنية التحتية، وتعزيز التعليم، وتنمية رأس المال البشري. الاستثمار في هذه المجالات سيُسهم في التخفيف من حدة الفقر وتعزيز الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، مما يُسرع تحقيق التنمية المستدامة.

ويمكن للبنك الإسلامي للتنمية أن يلعب دورًا أكبر من خلال تعزيز شراكاته مع المؤسسات الدولية، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية. هذه الشراكات ستُسهم في تعبئة موارد إضافية، وتبادل الخبرات، وتوسيع نطاق التأثير التنموي للبنك. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يعمل البنك على تعزيز الشفافية والمساءلة في استخدام الموارد، لضمان تحقيق أقصى تأثير للمشاريع التي يدعمها.

في الختام، يواجه البنك الإسلامي للتنمية تحديًا مزدوجًا يتمثل في تلبية احتياجات الدول الأعضاء الأكثر ضعفًا وتعزيز التنمية المستدامة على مستوى عالمي. من خلال تعزيز رأس المال، وتطوير البرامج التنموية المبتكرة، والتركيز على التكيف مع تغير المناخ، وزيادة دعمه للدول الإفريقية والدول الأقل نموًا، يمكن للبنك أن يُرسخ مكانته كأحد أعمدة التنمية في العالم قاطبة، مع استمرار التزامه برؤية 2030، سيكون البنك شريكًا أساسيًا للدول الأعضاء في تحقيق أهدافها التنموية وتحسين جودة حياة شعوبها.

مقالات لنفس الكاتب