array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 205

جدية إصلاح التصويت لا إجراء شكلي يعكس "إجماع زائف" وإعلان المواقف حيال القضايا

الأحد، 29 كانون1/ديسمبر 2024

طرحت كثير من التساؤلات حول مستقبل منظمة التعاون الإسلامي والتحديات التي تواجهها في ظل ظروف إقليمية ودولية جديدة وواقع عربي وإسلامي يحتاج إلى صيغ وأداء جديد يختلف عن الأداء الحالي حتى يستطيع مواجهة هذه التحديات.

سنحاول في هذه الورقة أن نلقي الضوء أولًا على البناء الداخلي لمنظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات التابعة لها، وأدائها طوال السنوات الماضية مع الإشارة إلى التكتلات الإقليمية الأخرى وخاصة جامعة الدول العربية التي تواجه مشكلات كثيرة وتراجعًا في حضورها الدولي حتى في القضايا التي تخص العالم العربي وبالذات الصراعات الداخلية العربية من سوريا إلى السودان إلى ليبيا، وهناك تجربة نجاح مجلس التعاون الخليجي والذي يضم بعض الدول العربية والخليجية.

من هنا هل يمكن إصلاح منظمة التعاون الإسلامي قبل إصلاح الجامعة العربية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فكيف يمكن أن يكون العالم العربي عنصر نجاح في تطوير أداء منظمة التعاون الإسلامي وفي نفس الوقت لم ينجح في تطوير أداء جامعة الدول العربية أم إن خطوة إصلاح المنظمة الإسلامية سيكون بداية لتطوير الاثنين.

 

أولًا مؤسسات المنظمة والخطوة الأولى نحو الإصلاح 

 

غيرت منظمة التعاون الإسلامي في قمتها الحادية عشرة التي عقدت في داكار مارس 2008م، ميثاقها ووضعت آخر جديد حل محل ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي الذي تم قبوله في الاجتماع الثالث الذي عقد في الرباط في عام 1972م، وهو الميثاق الرئيسي والوثيقة التأسيسية، وأعلن فيه أهداف ومبادئ المنظمة، ويحدد قواعد العضوية، والمراقبة، والأجهزة، والتسوية السلمية للمنازعات، والميزانية، والمالية، والتشغيل.

وشكل الميثاق الجديد، أهم نقطة تحول في إصلاح المنظمة بما يتماشى مع الاحتياجات المعاصرة للدول الإسلامية ويتكون من:

 

هيئات منظمة التعاون الإسلامي

.1 القمة الإسلامية.

.2 مجلس وزراء الخارجية.

.3 اللجان الدائمة.

.4 اللجنة التنفيذية.

.5 محكمة العدل الإسلامية الدولية (من المتوخى أن تكون الجهاز القضائي الرئيسي للمنظمة بعد دخول نظامها الأساسي حيز النفاذ).

.6 الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان.

.7 لجنة الممثلين الدائمين.

.8 الأمانة العامة.

.9 الأعضاء السفلية.

.10 منظمات الخبرة.

.11 المنظمات ذات الصلة.

 

القمة الإسلامية

تعتبر القمة الإسلامية أعلى هيئة لصنع القرار في المنظمة، وتتألف من رؤساء دول وحكومات الأعضاء وتجتمع كل ثلاث سنوات؛ وتتشاور بشأن تحقيق الأهداف المسجلة في ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، ويمكن أيضًا عقد اجتماعات قمة استثنائية من أجل تقييم القضايا ذات الأهمية الحيوية للعالم الإسلامي وتحديد السياسات التي يجب أن تتبعها المنظمة.

في هذا السياق، وعلى ضوء التطورات في القدس وفلسطين، انعقدت القمة الاستثنائية السادسة في 13 ديسمبر 2017م، وعقدت القمة الاستثنائية السابعة في اسطنبول بتاريخ 18 مايو 2018م، وتم دمج القمة العربية مع الإسلامية وعقدت القمة في الرياض العام الماضي للتصدي للعدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني وعرفت باسم” القمة العربية / الإسلامية الاستثنائية المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية“.

 

مجلس وزراء الخارجية

ينعقد مجلس وزراء الخارجية، وهو هيئة صنع القرار بعقد القمة، مرة واحدة في السنة في إحدى الدول الأعضاء. كما هو الحال في اجتماعات القمة، كما يمكن عقد جلسات استثنائية لمجلس وزراء الخارجية عند الضرورة بشأن القضايا الحيوية المتعلقة بالعالم الإسلامي.

 

اللجان الدائمة

أنشأت منظمة التعاون الإسلامي اللجان الدائمة التالية للنهوض بالقضايا ذات الأهمية الحيوية للمنظمة والدول الأعضاء فيها ويرأسها الملوك ورؤساء الدول والحكومات. ويتم تشكيل هذه اللجان وفقًا لقرارات القمة أو بناء على توصية من مجلس وزراء الخارجية.

.1 لجنة القدس

(برئاسة ملك المغرب)

.2 اللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية

(برئاسة رئيس السنغال)

.3 اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي (الكومسيك)

.4 لجنة التعاون العلمي والتكنولوجي

(برئاسة رئيس باكستان)

 

اللجنة التنفيذية:

تتكون اللجنة التنفيذية من 8 أعضاء، بما في ذلك اللجنة الثلاثية للقمة ومجلس وزراء الخارجية (الرؤساء السابقون والحاليون والمستقبليون)، والمملكة العربية السعودية بصفتها الدولة المضيفة للأمانة العامة، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي؛ ويتم جمعها عند الضرورة.

وقد عُقد الاجتماع الاستثنائي للجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي على المستوى الوزاري بمشاركة مفتوحة حول” استمرار جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في 7 أغسطس 2024م.

وقد أدان البيان الذي صدر عقب الاجتماع جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023م، وكذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وأكد على مركزية القضية الفلسطينية، وحذر من زيادة المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.  كما تمت إدانة إعلان الأونروا منظمة إرهابية من قبل إسرائيل.

 

الأمين العام

يتم انتخاب الأمين العام، وهو المسؤول الإداري الأول للمنظمة، لمدة خمس سنوات من قبل مجلس وزراء الخارجية، وفقًا لمبدأ التحول الجغرافي العادل وتكافؤ الفرص بين مواطني الدول الأعضاء؛ ويمكن أن يبقي في منصبة كحد أقصى فترتين.

 

اللجنة المستقلة الدائمة لحقوق الإنسان

 

تقرر إنشاء اللجنة المستقلة الدائمة لحقوق الإنسان افي إطار خطة العمل العشرية لمنظمة التعاون الإسلامي التي اعتمدت في القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة التي عقدت في مكة المكرمة في ديسمبر 2005م، واستمرت في نشاطها حتى الآن.

وتتكون اللجنة المستقلة الدائمة لحقوق الإنسان من 18 عضواً ينقسمون إلى 6 أعضاء ينتمون إلى كل من المجموعات الآسيوية والإفريقية والعربية. ويعتبر الدكتور حاجي علي أتشيق غل رئيس إدارة حقوق الإنسان في وزارة العدل التركية عضواً في هذه اللجنة.

وقد ضمت المنظمة مجموعات أخرى من المؤسسات تركزت أساسًا بين السعودية وتركيا مثل معهد المواصفات والمقاييس في الدول الإسلامية (سيميك) الذي يضم ٢٩ عضوًا وهناك أيضًا مركز منظمة التعاون الإسلامي للتنسيق والتعاون الشرطي وأيضًا منتدى الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي ومقرهم اسطنبول.

ويتضح أن منظمة التعاون الإسلامي تمتلك مؤسسات وهياكل ربما تفوق المؤسسات الإقليمية والعربية الأخرى ولكنها في الحقيقة لازالت تعتمد بشكل أساسي على تأثرها المعنوي الحضاري أكثر من الدور السياسي.

 

ثانيًا نقاش حول إصلاح المنظمة

 

هناك مجموعة من المعضلات تواجه عمل المنظمة أبرزها تعارض مصالح الدول الأعضاء والتباين فيما بينها حول أولويات الأمن القومي لكل دولة بحيث من الصعب اعتبار المنظمة تكتل يضم دول حليفة لديها حد أدني من التوافق السياسي والاستراتيجي حول أولويات أمنها القومي إنما هي تكتل يحمل قيم معنوية ورمزية لتضامن حضاري وديني بين الدول الإسلامية

“وتعد مشاركة بعض الدول الإسلامية في منظمات دولية إقليمية غير إسلامية بديلة أو ربما مناقضة لمنظمات دولية إسلامية قائمة، مظهرًا ودليًلا في آن واحد على حالة العجز هذه؛ وليؤكد إخفاق المنظمات الدولية الإسلامية –وليس فقط منظمة المؤتمر- فيما يتعلق بضمان وحماية أمن الكثير من الأقطار الإسلامية الأعضاء فيها ضد الاعتداءات الموجهة إليها من جانب دول ليست أعضاء فيها، كما أن نجاح المنظمات الإسلامية إجمالا في مجال التسوية السلمية للمنازعات الإسلامية-الإسلامية كان محدودًا للغاية؛ فالمنظمة تفوض حل نزاعات أعضائها إلى منظمات أخرى مثل منظمة الوحدة الإفريقية كما حدث في النزاع الليبي-التشادي 1987م، وجامعة الدول العربية عند غزو العراق للكويت 1990م، فضلًا عن الأمم المتحدة في أكثر الأحوال. ويؤكد ذلك حقيقة أن التنسيق السياسي بين الدول الإسلامية استمر في أدنى درجاته، بل إن الخلافات بين هذه الدول نفسها كثيرة وبلا انقطاع.  

وترجع الدراسات التقييمية حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أسباب ضعف أو عدم الفاعلية لأسبابٍ بعضها قانوني وتنظيمي يتعلق بالبنية ونظم التصويت وخاصة افتقاد جزاءات مخالفة الميثاق، وبعضها سياسي يتعلق بضعف الإرادة السياسية لتفعيل العمل الإسلامي المشترك؛ الأمر الذي يتجلى في ضعف التمثيل وعزوف كثير من قادة المنظمة عن حضور العديد من القمم المهمة وعدم وفاء كثير من الدول الأعضاء بالتزاماتها المالية، وظل التنافس السياسي بين الدول الإسلامية وبعضها البعض، وتغليب كل منها لمصالحها السياسية الضيقة على المصلحة الإسلامية العامة التي يفترض أن تمثلها المنظمة.

 

وقد ظهر أول قرار لإصلاح منظمة التعاون الإسلامي عام 1982م، في مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي الثالث عشر في نيامي عاصمة النيجر فيما عرف بـ ” عملية نيامي” التي دارت حول رفع كفاءة الأجهزة المتفرعة والمؤسسات والمراكز المتخصصة التابعة للمنظمة والتنسيق بينها، وقد قام معهد الإدارة العامة السعودي بإعداد دراسة عن مدى التنسيق داخل المنظمة أظهرت تراجعه وشرحت أسباب ذلك في أربعة "غيابات":

الأولي، غياب خطة التوسع في إنشاء الأجهزة مما أهدر “الأولويات” وأحل أهدافا ثانوية محل الأساسية وتسبب في ازدواجية المسؤوليات وتداخل المهام، وغياب التقويم المستمر، ثم غياب قنوات تدفق المعلومات، وغياب الموارد البشرية ذات الكفاءة. وقد آلت هذه العملية إلى ما عرف بإصلاح أو “قرار الرياض” الصادر عن مؤتمر وزراء الخارجية الثامن عشر بالرياض 1989م، والذي تضمن تكميلًا لعملية إعادة الهيكلة وتوطيد الروابط بين أجهزة المنظمة، ولكنه تطرق أيضًا إلى ضرورة وضع استراتيجية للعمل الإسلامي المشترك.

وجاءت خطوة الإصلاح الثالثة عبر مؤتمر القمة السابع في الدار البيضاء 1994م، بتأسيس “فريق الشخصيات البارزة” والتي تفرعت منه ثلاث لجان متخصصة لتقدم توصياتها، وهي عبارة عن مبادئ سياسية وفكرية مثل: التضامن الإسلامي، الحيوية، المعاصرة، الروح العملية، الأمن الإسلامي الجماعي، فض المنازعات، الدبلوماسية الوقائي.

واستمر العمل في داخل المنظمة بنفس الإيقاع مع تحسن جزئي في أدائها دون أن يصل إلى تحول استراتيجي في تحركها على الساحة الإسلامية والدولية، واستمر الأمر بنفس الطريقة حتى أواخر التسعينيات لتؤسس القمة الثامنة في طهران 1997 “فريق الخبراء الحكومي الدولي” ليقدم تقريرًا عن حال المنظمة إلى مؤتمر وزراء الخارجية الخامس والعشرين بالدوحة 1998م، والذي تضمن أن “الأزمة المالية هي المشكلة الأساسية التي تشل فاعلية المنظمة والتي يجب أن تحظى بأولوية قصوى لحلها“، وأكد على عدم إحداث تغيير في الميثاق أو هيكل المنظمة، مع ضرورة منح الأمين العام صلاحيات أوسع للإصلاح الإداري والمالي. ولقد استمر التركيز على الإصلاح الإداري وحده تقريبًا دون التطرق إلى إصلاح نظام التصويت أو وضع قواعد جديدة تحكم عمل المنظمة.

وفي المحصلة أشار أمين عام المنظمة في ذلك الوقت "أوغلي" أن جميع مبادرات الإصلاح تقريبا قد باءت بالفشل. فكل تلك الجهود المبذولة لم تسفر عن أي تحسن ملحوظ في أداء المنظمة، ليس هذا فحسب، بل إن جميع تلك المحاولات أكدت على عمق المأزق الذي تواجهه المنظمة. ومن المفارقات أن عدم قدرة المنظمة على تنفيذ قراراتها –وهو أحد الأسباب الجوهرية الداعية لإحداث التغيير-قد ظهر من جديد كعامل أساسي في إعاقة مختلف جهود الإصلاح، ليطرح سؤاله الحائر: هل المنظمة عصية على الإصلاح؟ ولماذا؟

 

 ومن مراجعة عدد من التقارير والبيانات الصادرة عن الأمانة العامة، أو مؤتمرات القمة، أو المؤتمرات الوزارية، أو تقارير الأجهزة والمجالس المتخصصة، نجدها تدور في فلك الدعوة والتحضير للأعمال أكثر من القيام بها وتنفيذها فعلًا على أرض الواقع، أو القيام بأعمال جزئية وليست أساسية، في ظل حرص على سرد أعمال المنظمة وأنشطتها المعتادة، وقد عكس ذلك وجود طاقات كامنة في المنظمة، ولكنها غير مفعلة، أو بتعبير د. نادر فرجاني في خصوص السياسات العربية، تفضح: “هدر الإمكانية”. فعلى سبيل المثال قامت المنظمة وأمينها العام –أوغلي نفسه-بدعوات ومناشدات وإعلانات مواقف وزيارات واجتماعات، قليلة قياسا على الأحداث والفترة الزمنية، لكنها مع ذلك لم تفد إلا بإثبات الحضور أو إعلان المواقف أو إبراء الذمة.

ولقد جاءت مناسبة مرور خمسين عامًا على تأسيس المنظمة لتكشف مزيدًا من أزمات وضعيتها الداخلية وسياسات الدول الرئيسية في التعامل معها في ظل تردي العلاقات العربية/ الإسلامية وبروز سياسات المحاور والمنازعات على أكثر من صعيد، وتبين ذلك من نظرة الرأي العام الإسلامي للمنظمة.

 

وقد انطلقت أعمال القمة الـ 15 لمنظمة التعاون الإسلامي في مايو 2024م، بغامبيا، تحت شعار "تعزيز الوحدة والتضامن من خلال الحوار من أجل التنمية المستدامة"، وهو بالقطع شعار "إصلاحي بامتياز ولكنه مع ذلك لم يترجم حتى اللحظة في وضع استراتيجية جديدة تطبق قرارات القمة بشكل تدريجي وفعال على أرض الواقع.

صحيح أن هناك مطالبات واضحة خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال القمة ذكرها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على ضرورة إعادة هيكلة المنظمة وتطويرها وإصلاح أجهزتها لمجابهة التحديات الإقليمية والدولية التي تمر بها الأمة، وأيضًا تأكيد على أن قضية فلسطين لا تزال أولوية لدى منظمة التعاون الإسلامي منذ إنشائها، معتبراً المنظمة صوت الأمة الإسلامية وضميرها الحي في نصرة الشعب الفلسطيني، ورفع الظلم عنه، إلى حين حصوله على جميع حقوقه المشروعة، التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، وهو توجه إيجابي أن يكون على مستوى الخطاب المعلن إقرار بوجود أزمة في أداء المنظمة وعلى ضرورة تطوير مؤسساتها إلا إنه يبقى التحدي في التطبيق العلمي والتدريجي لهذه التوجهات المعلنة.

 

ويمكن القول إن من عادة المنظمات الكبيرة التي تضم دولاً لديها الكثير من التباينات السياسية وأولويات مختلفة في الحفاظ على أمنها القومي ووجود جداول أعمال مختلفة أن يعطل ذلك تطويرها وفاعليتها.

ولعل هذا ما جعل دور المنظمة يتركز على النشاط التنموي المتعلق ببعض الجوانب الاقتصادية، وتقديم مساعدات لبعض الدول، وعمليات ابتعاث الطلبة، وإنشاء الجامعات، بمعنى تركيز دورها على الجوانب الثقافية والاقتصادية أكثر من الجوانب السياسية.

ويمكن القول إن الجانب السياسي اقتصر على البيانات التي تخرج في أعقاب أي قمة إسلامية أو تصريحات لأمينها العام أو إدانة للاعتداءات الإسرائيلية أو خطاب دعم للشعب الفلسطيني.

 

ثالثًا نقاط على طريق إصلاح المنظمة

 

تحتاج منظمة التعاون الإسلامي إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات لإصلاح أدائها العام ولكي تحقق هذا الهدف يجب ألا تكون الخطوات الإصلاحية "محلقة في الهواء الطلق" وغير واقعية ولا أن تقفز على طبيعة المنظمة والأولويات التي وضعتها الدول الأعضاء لتحركها على الساحة الإقليمية والدولية.

إن تفعيل الإصلاح الإداري والمؤسسي والبناء على الأفكار التي طرحت في الفترة السابقة بخصوص ضرورة الإصلاح أمر مطلوب لأن المنظمة أصبح لديها حضور ثقافي وحضاري مهم على الساحة الإسلامية والدولية، وأن المطلوب هو تحويل هذا الحضور إلى تأثر حقيقي وخاصة بالنسبة للقضايا التي تحمل إجماع بين مواطني الدول الأعضاء.

وهنا يمكن الإشارة لأربع قضايا أساسية

الأولى: التحرك بفاعلية أكبر في القضايا محل اتفاق وهناك يمكن الإشارة لقضيتين الأولى دعم الشعب الفلسطيني بعيدًا عن التباين الموجود بين الدول الأعضاء في تقييم حركة حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر، إنما يجب أن تكون المنظمة هي منصة الدعم الأول للشعب الفلسطيني وأن تواجه في المحافل الدولية وبأدوات قانونية الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين في قطاع غزة وفضح الممارسات الإسرائيلية، أما الثانية فتتعلق بالموقف الحضاري العلمي والرصين ضد خطاب الكراهية و"الإسلاموفبيا" الذي يتبناه كثيرون في الغرب. صحيح أن المنظمة اتخذت مواقف واضحة في إدانة هذا الخطاب ولكنها تحتاج إلى جهد معرفي وسياسي أكبر لتفكيكه بالكامل واعتبارها المنصة الأولى عالميًا في رفض خطاب العنصرية والكراهية بشكل عام والإسلاموفبيا بشكل خاص.

الثانية : تفعيل عمل المؤسسات التي جرى إصلاحها داخل المنظمة وهو أمر مهم حتى يشعر مواطنو الدول الأعضاء أن الأفكار التي طرحت بخصوص الإصلاح المؤسسي في بنية المنظمة قابلة للتحقيق وبات لها تأثير في أرض الواقع، سواء فيما يتعلق بالمشاريع التنموية أو بالحضور الثقافي للمنظمة بين الدول الأعضاء.

 

الثالثة: ستبقى المنظمة مطالبة بالتنسيق مع المؤسسات الإقليمية الموجودة وخاصة جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وأيضًا مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية (المجلس التركي) الذي أصبح عدد أعضائه 5 دول؛ هي: تركيا، وأذربيجان، وكازاخستان، وأوزبكستان، وقيرغيزستان، إضافة إلى تركمانستان، والمجر، وجمهورية شمال قبرص التركية بصفة مراقب.

صحيح أن التنسيق لا يعني التماهي خاصة في ظل المشكلات التي تواجه أداء جامعة الدول العربية وتعثر محاولات إصلاحها، ومع ذلك يصبح من المهم تكرار القمم العربية الإسلامية في ظل الظروف الصعبة التي واجهها العالم الإسلامي، كما جرى أثناء انعقاد القمة العربية / الإسلامية مؤخرًا في الرياض وهو أمر سيظل تأثيره معنوي أكثر منه سياسي، ولكن لا يجب التخلي عنه على الأقل في الظروف الحالية لأهميته ولو الرمزية.  

الرابعة : يتعلق بنظام التصويت في منظمة التعاون الإسلامي، وهنا هل يمكن أن تتخذ المنظمة قراراتها بالأغلبية؟ الإجابة نعم وارد، ولكنها لن تستطيع أن تلزم باقي الدول بأي قرار نال غالبية أصوات الأعضاء. إن إصلاح نظام التصويت مطلوب من زاوية أن تكون هناك جدية في عملية التصويت ولا تكون مجرد إجراء شكلي يعكس "إجماع زائف"  إنما مهم إعلان مواقف كل دولة من القضايا محل النقاش والتصويت، وإن القرار الذي يؤخذ سيكون بعد أن نال حقة من النقاش وعرض وجهات النظر المختلفة، وحتى لو لم توجد في الوقت الحالي آلية تلزم الدول الأعضاء بالقرار فإن البدء في إصلاح نظام التصويت وعدم السعي لوجود إجماع بالموافقة أو الرفض أو الإدانة سيقرب المنظمة ولو في جانب من أداء التكتلات العالمية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي الذي لازال يعطي للدول الأعضاء حق الاعتراض على قرارات بعينها ولا يلزمها بها حتى لو حصلت على أغلبية بين دول الاتحاد.

سيبقي مسار إصلاح منظمة التعاون الإسلامي مطلوب وسيواجه تحديات كثيرة، ولكن من المهم البدء فيه مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف المنظمة الداخلية وأولويات الدول الأعضاء وفي نفس الوقت البناء على المشترك الذي يجمعها وتعزيزه.

مقالات لنفس الكاتب