array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

أسس النظام الأمني الخليجي القائمة تحتاج التفعيل والاستمرارية بعيدًا عن تأثير أي خلافات

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

في خضم تحديات ومتغيرات جيوسياسية على المستوى الإقليمي والعالمي، شكّلت القمة الخليجية الـ 45 في الكويت الحدث الأبرز في المنطقة، حيث عقدت في ظل ظروف بالغة التعقيد وأوضاع إقليمية حساسة وأحداث متسارعة، وتزامنت مع تحولات وتطورات متسارعة تمر بها المنطقة والعالم بأسره. وقد ساهمت هذه الأحداث في تزايد المخاطر الإقليمية المهددة للأمن والاستقرار، وعطلت مسيرة النماء والخطط الاستراتيجية لدول المجلس وشكلت تحديات جمة تستوجب تعزيز التضامن وتوطيد أواصر التلاحم، والعمل الجاد والمتواصل لترسيخ القواعد التي قامت عليها المنظومة الخليجية وفتح آفاقاً جديدة لمزيد من التنسيق والتعاون الجاد، من أجل بلوغ التكامل الخليجي التام ومواجهة جميع التحديات المحيطة. 

التوجهات الأمنية لدول المجلس

لقد واجهت دول مجلس التعاون العديد من التحديات الأمنية والاستراتيجية الخطيرة، التي ألقت بظلالها السلبية على أمن واستقرار وسياسات دولها. وشكلت الحرب الإسرائيلية على غزة تحديًا خطيرًا جعلت عام 2023م، من أخطر الأعوام التي واجهت دول مجلس التعاون ومنطقة الشرق الأوسط برمتها. وكذلك حول التنافس العالمي المنطقة بأسرها إلى ساحة معركة جيوسياسية وجدت دول المجلس نفسها في موقف يتطلب منها الموازنة بين الحفاظ على أمنها واستقراها ومواجهة تحدياتها الداخلية والخارجية.

تشكل إيران التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي في الشرق الأوسط، فقد أظهرت الحرب أن التهديد الإيراني لا يزال يواجه دول المجلس، خصوصًا إذا تحولت هذه الحرب إلى حرب إقليمية مفتوحة بين إيران وإسرائيل، أو بين إسرائيل ووكلاء إيران في المنطقة. ويعد برنامج إيران النووي المخصب تحديًا كبيرًا آخر يجعل جميع دول الخليج العربي في مرمى القوة النووية الإيرانية بحكم موقعها الجغرافي، وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تخصب اليورانيوم بنسبة 60% من دون أن تمتلك سلاحًا ذريًا. وببلوغها عتبة التخصيب عند مستوى 60% تقترب من نسبة 90% اللازمة لصنع سلاح نووي. ومن ثم فإذا استطاعت إيران أن تبرم اتفاقًا مع دول «5+1»، وتخرج ببعض المكاسب فسيكون ذلك على حساب أمن دول الخليج العربي.

  وعلى الرغم من اتباع دول المجلس سياسات متنوعة لاحتواء الخطر، فإن المشهد الراهن في المنطقة يحتاج إلى جهود سياسية لمواجهة التحديات التي تهدد أمن المنطقة، وإطفاء الصراعات الإقليمية والدولية، وتعزيز الحوارات والعلاقات والشراكات الاستراتيجية مع كبرى دول العالم، لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.

فعلى مستوى الأمن المحلي، ازداد حرص دول الخليج على ضرورة تعزيز دور مجلس التعاون وأهميته في الإقليم والعالم، باعتباره الإطار الأكثر فعالية في التعامل مع مختلف التحديات، وتحصين أمن واستقرار دوله، وصون ودعم مسيرة التعاون بينهم، والتأكيد على ضرورة التعاطي مع مختلف القضايا والملفات الإقليمية والدولية الهامة وفق رؤية موحدة، ضمن هذا التوجه أصبحت دول مجلس التعاون لاعباً محورياً ذا ثقل سياسي واقتصادي في ترسيخ الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة والعالم، واكتسبت ثقة واحترام المجتمع الدولي، بفضل ما تنتهجه من سياسة حكيمة ومتوازنة، تقوم على نهج التعاون البناء.

وانطلاقًا من اتفاقية الدفاع المشترك ومبدأ الأمن الجماعي لدول الخليج، التي أقرت عام 2000م، عززت دول الخليج أمنها الداخلي وحصنت تكاملها العسكري تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك، واللجنة العسكرية العليا والقيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس لمواجهة التحديات. وعلى ما يبدو أن أسس النظام الأمني الخليجي موجودة وواضحة، إلا أن ما ينقصها هو "التفعيل ثم التطوير والاستمرارية، وإبقائها بعيدًا عن تأثير أي خلافات سياسية تنشأ بين دول المجلس".

وعلى مستوى الأمن الإقليمي، فإن قائمة الأحداث والأزمات الإقليمية التي تعصف بدول الشرق الأوسط تطول، والتي من أبرزها الحرب في غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر، وهجمات الحوثين على السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ناهيك عن الحرب الإسرائيلية على لبنان والأزمات في السودان وليبيا، والمستجدات التي حدثت في سوريا وأطاحت بنظام الأسد.  فقد اتخذ الصراع في منطقة الشرق الأوسط طابعًا مزمنًا متخذًا شكل الحروب الأهلية والحروب بالوكالة، ومحدثًا تكاليف بشرية واقتصادية كارثية تحتاج حلولًا مستدامة (العبيدلي:2023). وقد لعبت دول المجلس دورًا محوريًا في دعم دول الجوار واستقرارها السياسي والاقتصادي، ولم تأل جهدًا في حشد الدعم الإقليمي والعالمي وبذلت جهودًا جلية في الدبلوماسية والمفاوضات وإطفاء الصراعات الإقليمية والدولية التي تهدد أمن المنطقة. وقد ساهمت دول المجلس في العمل على استتاب الأمن والسلم الإقليمي من خلال معالجة التحديات الإقليمية وتسوية الخلافات بالطرق الدبلوماسية وإيجاد الحلول التوافقية التي تضمن المصالح المشتركة.

وبعيداً عن التنافس الإقليمي والدولي ومن أجل استقرار الاقتصاد العالمي، آمنت دول المجلس باتباع دبلوماسية التهدئة بين المتنافسين لتخفيف حدة التوترات والشحن السياسي، عملت على تشجيع التوازن بين المتنافسين الإقليميين والدوليين من أجل تجنب أي مواجهة عسكرية بين المتصارعين قد تدمر العالم والإنسانية.

كما آمنت دول المجلس بالنظام متعدد الأطراف، فسعت إلى تعزيز الحوارات وتطوير العلاقات وتوسيع الخيارات وبناء الشراكات الاستراتيجية مع  دول العالم والعديد من الكتل الدولية، فقد أخذت خطوة مهمة في تنويع مستوى الشراكات الاستراتيجية وتعزيزها مع الولايات المتحدة، والصين والاتحاد الأوروبي، والهند واليابان والبرازيل، ومجموعة آسيا ورابطة دول الكاريبي ودول آسيا الوسطي فانضمت في كتل دولية، مثل مجموعة البريكس+ وشنغهاي، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وأبرمت اتفاقيات تجارية وشراكات اقتصادية شاملة متعدّدة مع الكثير من الدول . ومن أجل استقرار الاقتصاد العالمي حرصت دول المجلس على ضمان إمدادات النفط، واستقرار أسواقه وساهمت في تعزيز الأمن البحري والممرات التجارية.

لم تقتصر القمة الخليجية الـ 45 على البعد السياسي والأمني، بل حملت بعداً اقتصادياً بالغ الأهمية، خصوصًا في ظل الأحداث المتسارعة التي تلقي بظلالها على الاقتصاد الإقليمي والعالمي، حيث يشهد العالم عملية إعادة تشكيلٍ للنظام الدولي أحادي القطبية وبروز حرب باردة ثانية تكشّف عن عالم مُتعدّد الأقطاب، يحمل تغيرات وتحديات كبرى تتداخل فيها الأزمات الجيوسياسية مع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية لتشكل واقعًا جديدًا، ينبئ بتغيرات حاسمة في العديد من الملفات الاستراتيجية. ومع بروز قوى صاعدة تسعى لتعزيز نفوذها ومواجهة السياسات التقليدية للدول الكبرى تتسارع الجهود لتحقيق توازن جديد في النظام العالمي الذي فرضته القيود التجارية، التي أضرت بالتجارة والاستثمار الأجنبي والتدفقات المالية، والتي من الممكن أن تتسبب بخسارة كبيرة  قد تصل إلى 7 % من الناتج المحلّي الإجمالي العالمي، نتيجة تراجع كفاءة سلاسل التوريد العالمية، وسياسات الاكتفاء الذاتي المُنغلقة التي تتخفّى في شكل إعادة توطين الشركات وفرض قيود على الوصول إلى الموارد التكنولوجية والحيوية، كما أشار صندوق النقد الدولي. 

وفي ظل هذا التكتل العالمي تسعى دول المجلس للعمل كمحور ارتكاز وتوازن بين الأقطاب والمحاور العالمية فاقتصاداتها تحل في المرتبة الـ 12 عالميًا، وتحتل المركز الأول عالميًا في احتياطيات النفط والغاز الطبيعي. وترسم التوقعات صورة مشرقة لنموها الاقتصادي الذي يتوقع انتعاشه بنسبة تصل إلى 2.8% و4.7 % في عامي 2024 و2025 على التوالي. هذه "التوقعات المشجعة لا ترجع فقط إلى التعافي في إنتاج النفط، بل تعود إلى الزخم القوي للاقتصاد غير النفطي والذي يسير بوتيرة قوية على المدى المتوسط"، وإلى النهج الاستراتيجي لتعزيز المرونة والتنمية المستدامة خلال مرحلة اقتصادية عالمية متقلبة. كما توقع كبير الاقتصاديين والمدير الإداري لشركة أوكسفورد إيكونوميكس ليفرمور إن «الاستثمار الاستباقي والاستراتيجي لدول المجلس في القطاعات غير النفطية، إلى جانب التعافي التدريجي لإنتاج النفط، يمهد الطريق لنمو قوي في عام 2025م، مما يعزز التفاؤل بالمستقبل الاقتصادي للمنطقة. ويوفر "فرصة جيواستراتيجية، تسمح ببروزها كقوى وسطى بين الكتلتين العالميتين، من خلال " بناء قوة اقتصادية ومالية، ترتكز على عوامل استراتيجية أساسية تتمثّل أولًا في موقعها الجغرافي وتركيبتها السكّانية الواعدة، وثانيًا في تميّزها لكونها قوة في مجال الطاقة، وثالثًا سعيها نحو التنويع الاقتصادي واستثماراتها في تسهيل التجارة والخدمات اللوجستية والنقل والبنية التحتية، مما يعني اندماجها في سلاسل توريد عالمية. (ناصر السعيدي:2024).

المخاطر والتحديات

مع التحولات الجيوسياسية المستمرة في المنطقة ومع عودة ترامب للرئاسة تتبلور رغبة دول الخليج حول خفض التصعيد في المنطقة وإعطاء الأولوية لأجندتهم الجيواقتصادية، وتؤمن دول الخليج أن الدبلوماسية والحوار المشترك مع الخصوم الإقليميين أكثر فعالية من المواجهة والصراع. ومن المتوقع أنّ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 2025م، ستجدد تركيز الولايات المتحدة على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك من خلال استراتيجيات تتمحور حول مصالح محددة أبرزها دعم إسرائيل، واحتواء النفوذ الإيراني. وبالرغم من أن هذه السياسة قد تسهم في تعزيز بعض العلاقات الثنائية مع دول المجلس، إلا أنها ستظل قاصرة عن تحقيق استقرار شامل في المنطقة بسبب تعقيد الصراعات. ومن المتوقع أن تضغط إدارة ترامب على دول عربية لإبرام مزيد من اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، مع تعزيز التحالفات ضد إيران التي أصبحت في موقف ضعف بعد خسائرها في لبنان وسوريا مما قد يؤدي إلى تصعيد موقفها في الملف النووي. وقد تواجه هذه السياسات بعض العقبات قد يكون مصدرها الرفض الشعبي في بعض الدول العربية لفكرة التطبيع بدون تقديم ضمانات ملموسة حيال القضية الفلسطينية. ومن أجل تقويض قدرة إيران على دعم وكلائها في المنطقة مثل حزب الله والحوثيين، من المتوقع أن يستخدم ترامب مزيدًا من الضغط، بما في ذلك إعادة فرض عقوبات أكثر شدة وخلق تحالفات إقليمية ضد طهران.  مثل هذا النهج قد يؤدي إلى تصعيد التوترات بدلًا من تهدئتها (ترندز: 2025).

ورغم أن تحالف أوبك بلس تمكن من تحقيق الاستقرار في الأسعار من خلال استراتيجيات الإنتاج الحذرة، إلا أن عدم التزام بعض الدول بحصص الإنتاج تسبب في تعقيد جهود التحالف لإدارة الفائض في ظل زيادة إنتاج الولايات المتحدة وغيرها من المنتجين من خارج أوبك بلس. يضاف إلى ذلك حالة عدم اليقين التي ما زالت تخيم على أسواق النفط بسبب المخاطر الجيوسياسية، وضعف الطلب الصيني الناتج من التباطؤ الاقتصادي الذي قد يؤدي إلى تدهور السوق، مما قد يخلق مع التطورات المتعلقة بالتحول في مجال الطاقة، فائض في العرض. ومع توقع التحولات الاقتصادية المعاكسة في السياسة الأمريكية في ظل الإدارة الجديدة، وتعطل سلاسل الإمداد، والتهديد بتصعيد الحروب التجارية والتحول في مجال الطاقة، يمكن أن تساهم في الحد من قدرة التحالف على تحقيق التوازن بين أساسيات السوق ومواجهة الصدمات الجيوسياسية هي التي ستحدد دوره في عام 2025م.

وعلى الجانب الآخر، أصبحت تداعيات التغيرات المناخية تشكل تحدّيات جيواستراتيجية وتفرض واقعًا تعانيه جميع دول العالم سواء في صورة تغيرات في درجات الحرارة أو في صورة كوارث مناخية وطبيعية. ويعتبر التغير المناخي والتلوث البيئي من أكثر التهديدات التي تواجه دول مجلس التعاون. وهنالك الكثير من الأدلة على حدوث ظواهر مناخية عنيفة في منطقة الخليج، تتراوح بين درجات الحرارة الصيفية الشديدة الارتفاع والفيضانات غير المسبوقة في المنطقة، والعواصف المدارية العنيفة، وفقًا للتصنيف العالمي لمعهد الموارد العالمية، تعتبر خمس من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون من بين الدول العشر الأعلى في إصدار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد. ومع تعهد دول المجلس بتسريع جهود عملية التنويع الاقتصادي للتخفيف من الاعتماد على عائدات النفط والغاز، فإنها تعهدت أيضا بزيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة إلى ثلاثة أضعافه بحلول عام 2030م. ومع تأكيد دول المجلس على التخفيف من آثار تغير المناخ والاستدامة البيئية كمكونات أساسية في خططها الاستراتيجية، إلا أنها ما زالت تفتقر إلى التعاون الإقليمي القوي والمواءمة بين السياسات المناخية.

وعلى اعتبار أن البنية التحتية الرقمية المتقدمة والمرنة تعد عاملاً جوهرياً يدعم الطموحات الاقتصادية الرقمية ووسيلة للانتقال إلى نموذج اقتصادي مستدام ومبتكر، لم تغفل القمة الـ 45 الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد الرقمي فتمت الدعوة إلى ضرورة التركيز على تطوير استراتيجيات رقمية مشتركة باعتبارها فرصة تاريخية لتعزيز النمو الاقتصادي وركيزة رئيسية تدعم مستقبل التنمية في المنطقة. فالتكامل الرقمي بين اقتصادات دول المجلس سيسهم في تيسير عملية التجارة الإلكترونية، وتطوير أنظمة الدفع الرقمية، مما يساعد في الكشف المبكر عن التهديدات والتصدي لها بفعالية أكبر، على أساس أن التطورات التكنولوجية في مجالي الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الأمن السيبراني وتحديد الأنماط غير الطبيعية في الشبكات؛ مما يُتيح استجابة سريعة للهجمات المحتملة. وحيث أن التطور التقني بكافة وحداته يستلزم توطين الصناعات بمتطلباتها البشرية والتكنولوجية تبرز أهمية التنسيق والتعاون المشترك على مستوى دول المجلس.

التوجهات المستقبلية لتثبيت الأمن والاستقرار الإقليمي

وحيث أن دول المجلس تواجه ملفات دولية كبرى، فإن توحيد المواقف إزاء هذه الملفات يعتبر ضرورة تتطلب التعاون الجمعي لصياغة رؤية استراتيجية شاملة لمستقبل واعد يتطلب منظومة خليجية قوية قادرة على مواجهة التحديات وتلبية التطلعات نحو مزيد من التكامل والوحدة في مواجهة عالم سريع التغير.

ويؤكد الأمير تركي الفيصل على أن "وجود إطار أمني إقليمي يفيد الشرق الأوسط المنكوب سيوفر منتدى إقليمي محلي لإدارة الخلافات والنزاعات دون تدخلات خارجية في القضايا الإقليمية، ويولد الثقة بين دول المنطقة لكي تركز على تنميتها وازدهارها (ترندز:2023).

وتشكل التطورات التكنولوجية، خاصة في مجالي الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، تحديًا كبيرًا على الأمن الخليجي. فالذكاء الاصطناعي أصبح أداةً أساسية في تعزيز الأمن السيبراني يساعد في الكشف المبكر عن التهديدات والتصدي لها بفعالية أكبر. فيمكن للأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط غير الطبيعية في الشبكات، ويُتيح استجابة سريعة للهجمات المحتملة.  لذلك تبرز أهمية العمل المشترك لترشيد التكاليف وتعظيم العوائد.

وفي سعى دول المجلس لبناء شراكات تجارية واستثمارية مع الدول الآسيوية واستكشاف سبل تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ومواجهة التحديات المشتركة في مجالات الطاقة والأمن البحري مع الولايات المتحدة، تحتاج إلى تضافر الجهود والعمل مجتمعة لتحقيق مكاسب مشتركة من خلال وحدة اقتصادية خليجية تواجه التغيرات في الاقتصاد العالمي، خصوصًا أزمات الطاقة وسلاسل الإمداد العالمية إذ أن تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول الخليج سيمكّنها من تحقيق الاستقلالية الاقتصادية ويزيد من قدرتها على مواجهة التحديات.

تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز الاستقرار من خلال التواصل الدبلوماسي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، والتوسط في النزاعات في بعض الأحيان. وتعكس هذه الجهود نهجًا استراتيجيًا من قبل الدول الخليجية لإدارة المخاطر وتعزيز الاستقرار الإقليمي وخلق بيئة مواتية لتحولاتها الاقتصادية الطموحة.

ومع الاعتراف بأن مثل هذه المبادرات ضرورية لنجاح أجندات التنويع الخاصة بها، هناك حاجة ماسة لتبني سياسات وتوصيات أساسية أهمها:

_توحيد السياسات وتنويع مصادر الدخل غير التقليدية وتسهيل حركة التجارة والاستثمار ودعم الصناعات المحلية وتوسيع قواعد الابتكار وريادة الأعمال خاصة في المجالات المستحدثة مثل مجالات الذكاء الاصطناعي وذلك لتعزيز تنافسية اقتصاد بلدانها على الساحتين الإقليمية والدولية.

_ بناء نظام أمني إقليمي شامل، وبشكل جماعي ومنسق. بالرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي تعمل منذ سنين على تحديث قواتها العسكرية بصورة فردية، إلا أنها مازالت تحتاج إلى تحسين قدراتها العسكرية، والتغلب على سياسات توازن القوى الكلاسيكية، وتعلم الثقة ببعضها البعض، ثم الاعتراف بمصالحها المشتركة مع إيران والاستفادة منها (بارت هسلنج:2024). وفي نفس الوقت ما زالت هناك حاجة لضمانات أمنية خارجية لتحقيق الأمن المنشود.

_رفع مستوى الأمن السيبراني من خلال مواجهة الجرائم الإلكترونية، وتعزيز الخطط الاستراتيجية واتخاذ خطوات فعّالة لرفع مستوى الوعي لمواجهة التهديدات السيبرانية، وتشكيل شراكات استراتيجية مع عدد من الأطراف الإقليمية والدولية لتعزيز الأمن السيبراني.

- تعزيز الشراكات الدولية بما يسهم في أمن المنطقة واستقرارها، وبما يحفظ الأمن والسلم الدوليين والمساهمة في حل الأزمات المزمنة، وتقوية الآليات القانونية والدولية، وتقديم منصة للتفاوض المباشر وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.

- العمل المكثف لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، بما يحقق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة، ويُجنب العالم الآثار السلبية الناتجة عن تذبذب الأسواق واختلال سلاسل الإمداد العالمية، والمطالبة بتجنب تسييس هذه القضايا نظراً للانعكاسات السلبية لذلك على الاقتصاد العالمي، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الإقليمية، بما يخدم أجندة الحوار والتواصل وبناء الجسور.

- تكثيف العمل لإيجاد حلول فاعلة للتعامل مع تحديات التغير المناخي بواقعية ومسؤولية ونهج متوازن، والعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتطوير استراتيجيات طويلة المدى، تساعد على التوجيه الكامل لتنفيذ التعهدات والالتزامات ضمن مبادئ اتفاقية «الأمم المتحدة» الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس، وذلك بعدّها الأساس للتقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والاستثمار في الحلول المناخية والشراكات الإنمائية.

- ضرورة مواجهة التحديات المستقبلية في مجالات الأمن المائي والغذائي واحتمالية تفاقمها، على المستويين الإقليمي والدولي، نتيجةً للتغيرات البيئية والصراعات والأزمات، والمساهمة لإيجاد حلول مستدامة لمعالجتها، وتعزيز التنسيق والتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين للحفاظ على سلاسل إمداد الغذاء العالمية واستقرار أسعارها، حتى لا يدفع ذلك الدول المستهلكة لمواجهة خطر المجاعة.

_تطوير أدوات اقتصادية ومالية وتعزيزها لتمكّنها من أن تصبح قوى وسطى فعّالة تركز على تعجيل تكاملها الاقتصادي والمالي، بدءاً بالبنية التحتية الأساسية، من أجل تحقيق وفورات في الحجم وزيادة الكفاءة وذلك من خلال توحيد السياسات وتنويع مصادر الدخل غير التقليدية وتسهيل حركة التجارة والاستثمار ودعم الصناعات المحلية وتوسيع قواعد الابتكار وريادة الأعمال خاصة في المجالات المستحدثة مثل مجالات الذكاء الاصطناعي.

_استغلال القدرات الاقتصادية لصالح أن تصبح دول المجلس لاعبًا أساسيًا، على المستوى الإقليمي والعربي والعالمي، يتعامل ببراغماتية وتطلعات مستقبلية اقتصادية متلازمة لاقتصاديات القرن 21.

مقالات لنفس الكاتب