array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

4 دول خليجية ضمن أفضل 30 كيانًا اقتصاديًا في العالم وصندوق سعودي بـ 100 مليار دولار للذكاء الاصطناعي

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

تحت قيادة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت ورئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى، استضافت الكويت الاجتماع الخامس والأربعون لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الأول من ديسمبر 2024م. وجاء هذا الاجتماع في وقت عصيب تواجه فيه منطقة الشرق الأوسط والعالم تحديات متشابكة، في ظل الأزمة غير المسبوقة داخل كل من قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا. ومن جانبهم، دعا القادة الخليجيون المجتمع الدولي، إلى اتخاذ تدابير حاسمة، والاضطلاع بالتزاماته الإنسانية والقانونية، والعمل صوب تطبيق وقف فوري وشامل لإطلاق النار وتخفيف معاناة المدنيين الأبرياء. جاءت القمة الخليجية بعد مرور وقت وجيز من انعقاد "قمة المستقبل" بالولايات المتحدة في 22 من سبتمبر 2024م، وما تبعها من تبني الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة "ميثاق المستقبل"، الذي يدعو إلى اتخاذ تدابير عاجلة في مواجهة التحديات العالمية مثل التنمية المستدامة، وأزمة التغير المناخي، والتكنولوجيات الناشئة.

كما شدد زعماء العالم على أن الفقر، بكافة صوره وأبعاده، يظل التحدي العالمي الأكبر، وأن العمل على القضاء عليه، يعد مطلبًا لا غنى عنه من أجل تحقيق التنمية المستدامة. كذلك يُدرك قادة العالم مدى التشابك العميق بين مختلف التحديات المحدقة، بما يتجاوز قدرة أية دولة على مواجهتها وحدها. بل وأنه لا يمكن معالجة هذه التحديات سوى من خلال العمل الجماعي والتعاون الدولي القوي والمستدام، الذي يقوم على أساس الثقة والتكاتف من أجل تحقيق المنفعة لكافة الأطراف. ويشدد "ميثاق المستقبل " على أنه في سبيل مواكبة التغيرات العالمية المتلاحقة، ينبغي العمل على تدعيم النظام العالمي متعدد الأطراف ومؤسساته، على أن تكون الأمم المتحدة وميثاقها في قلب وصَميم هذا النظام. فضلًا عن، ضرورة العمل على ملاءمة هذه المؤسسات وضمان توافقها مع المعطيات الراهنة والمستقبلية، وأن تنعم بالقدرة، والفاعلية، والجهوزية للمستقبل، وأن تتسم بالنزاهة، والديمقراطية والمساواة، وأن تكون خير مُمثلا لعالم اليوم، وأن تتمتع بالشمولية، والترابط، والاستقرار المالي. اختصارًا، يُبشر "ميثاق المستقبل" الذي تبنته الأمم المتحدة بانطلاقة وبداية جديدة للنهج التعددي من أجل تمكين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى من خلق مستقبل أفضل لكافة الشعوب في جميع أنحاء العالم.

مع ذلك، فإن الوقت وحده كفيل بتحديد إذا ما كانت هذه الوعود في طريقها للتحقق من عدمه. فمنذ نشأتها عام 1945م، واجهت منظمة الأمم المتحدة انتقادات لعجزها عن مُعالجة التحديات متعددة الأبعاد بشكل ملائم. بما يشمل ذلك قضايا: الأمن، والتنمية الاقتصادية، والتغير المناخي، والمساواة بين الرجل والمرأة، والتحول الرقمي وغيرها من العديد من القضايا الأخرى. في الوقت ذاته، لا تملك دول الخليج رفاهية الانتظار والوقوف موقف المتفرج لرؤية إذا ما سيتمكن قادة العالم من إصلاح منظمة الأمم المتحدة. لاسيما، وأن هذه الدول أصبحت في مكانة جيدة تمكنها من انتشال منطقة الشرق الأوسط برمتها من بئر الأزمات الأمنية والاستراتيجية المهولة الغارقة فيه. فضلًا عن، قدرتها على إرساء أسس لاستقرار سياسي وازدهار اقتصادي إقليمي. على هذا النحو، فإن الخطوة الأولى تكمن في العمل على قدر أكبر من التدعيم لمنظومة الإصلاح الاقتصادي والتنمية على الصعيدين المحلي والإقليمي.

الرفاه الاقتصادي

لقد أظهرت الاقتصادات الخليجية القدرة على الصمود في وجه الصدمات الأخيرة، كما لاتزال التقديرات المستقبلية مُواتية. حيث تم تقييد التأثيرات غير المباشرة للصراعات الإقليمية على الاقتصادات المحلية. وقد ساهم النمو القوي للقطاعات غير النفطية، مدعومًا بالإصلاحات الاقتصادية الجارية، في تعزيز النمو الاقتصادي العام. وعلى الرغم من التراجع المتوقع في إنتاج النفط، فإن التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي والتحفيزات المقدمة للقطاع النفطي تدعم استمرارية الانتعاش الاقتصادي. وعلى صعيد التضخم، لا تزال المعدلات تحوم قرب مستويات منخفضة في حين لاتزال الاحتياطات وهوامش الأمان الخارجية بمنأى عن المخاطر، رغم التقلص الراهن في أرصدة الحسابات الجارية. وتأتي الإصلاحات الاقتصادية التي تركز على تنويع الاقتصاد وتعزيز البيئة الاستثمارية والاستثمار في رأس المال البشري والتحول الرقمي، لتساهم في تعزيز مرونة الاقتصاد وتحقيق الأهداف الاقتصادية الطموحة للمنطقة في المستقبل. من ناحية أخرى، لم تخلف التوترات داخل منطقة البحر الأحمر تبعات تذكر على اقتصادات مجلس التعاون الخليجي، في ظل استمرار تدفق التجارة، والاستثمارات، والسياحة دون تأثر إلى حد كبير. فضلًا عن، تعافي حجم الصادرات اليومية من الموانئ الرئيسية داخل دول مجلس التعاون الخليجي. كذلك، استطاعت بعض البلدان التكيف سريعًا مع الاضطرابات في حركة الشحن بفضل مرونة شبكات الشحن والتخزين لديها. بالمثل، أظهرت أعداد الرحلات الجوية الوافدة أداءً قويًا، حيث بلغت مستويات قياسية في بعض الحالات. فيما ساهمت أسعار الهيدروكربونات المرتفعة نسبيًا، والصادرات القوية من السلع والخدمات غير الهيدروكربونية، بما في ذلك السياحة، في تدعيم الأرصدة الخارجية لدول المنطقة الخليجية. علاوة على ذلك، سجلت الاستثمارات الأجنبية الموجهة للداخل نموًا متسارعاً خلال الأعوام الأخيرة داخل بعض دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه الصاعد، مدعومًا بتعافي إنتاج النفط في عام 2025م، بالإضافة إلى الأداء القوي للقطاعات الاقتصادية كافة، سواءً النفطية أو غير النفطية.

كذلك من المتوقع أن يواصل القطاع النفطي الاضطلاع بدور مهم على المدى المتوسط. ورغم مساعي التنويع الاقتصادي الخليجية، إلا أنه سيظل ينعم بتأثير كبير على صعيد الاقتصاد المحلي والمعروض العالمي من الطاقة، مدعُومًا بالعديد من العوامل. أولًا، إعلان كل من سلطنة عمان، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات توسيع سعتهم الإنتاجية من الغاز الطبيعي. ثانيًا، أن إنتاج النفط والغاز داخل بلدان مجلس التعاون الخليجي يُعد أقل من حيث الكثافة الكربونية مقارنة بالمنتجين الآخرين. حيث تتصدر دولة الكويت، والمملكة العربية السعودية، والإمارات المراكز الأربعة الأولى ضمن قائمة منتجي النفط الأقل كثافة في الكربون، في حين تحل كل من سلطنة عمان، ودولة قطر، إلى جانب المملكة العربية السعودية، والإمارات في المراتب الست الأولى ضمن قائمة الدول المُنتجة للغاز الطبيعي ذو أقل كثافة كربونية. فضلًا عن، عمليات إزالة الكربون التي تتم على نطاق واسع داخل هذه البلدان، بما في ذلك احتجاز الكربون. إلى جانب الميزة التي تنعم بها البلدان الخليجية من حيث التكلفة، مقارنة بغيرها من المنتجين المنافسين الآخرين، بما يخولها إمكانية الحفاظ على سعتها الإنتاجية طوال فترات التحول في مجال الطاقة. أخيرًا، تُشكل دول مجلس التعاون الخليجي حصة كبيرة من الطاقة الاحتياطية العالمية من الإنتاج النفطي واحتياطيات المعدن الأسود.

على الجانب الآخر، يواصل قطاع التكنولوجيا المالية نموه المتسارع بفضل الدعم المقدم من قبل السلطات، بما يشمل ذلك إنشاء صناديق تنظيمية (بمختلف أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي)، ومنح تراخيص لإنشاء بنوك رقمية (داخل المملكة العربية السعودية والإمارات)، فضلًا عن، إنشاء مركز للتكنولوجيا المالية (داخل كل من البحرين وقطر والمملكة العربية السعودية)، بالإضافة إلى مركز الابتكار "ولوج" في الكويت. كما تعمل دول مجلس التعاون الخليجي بشكل دؤوب على استكشاف نشاط العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، حيث تقود كل من البحرين، وسلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات هذا المجال.

وساهم التحسين المستمر لمناخ الأعمال في دول مجلس التعاون في دفع عجلة التنوع الاقتصادي. وأثمر هذا الجهد عن تحقيق أربع دول من دول المجلس (البحرين وقطر والسعودية والإمارات) لمكانة متقدمة ضمن أفضل 30 كيانًا اقتصاديًا على مستوى العالم. وبرغم أن عوامل الجذب الرئيسية تتباين عبر مختلف دول المجلس، إلا أن جميعها، بشكل عام، تستفيد من بيئة الأعمال المواتية، والاستقرار في السياسات العامة، فضلًا عن، توافر القدرة على التنبؤ، والبنية الأساسية الموثوقة، والديناميكية الاقتصادية. كما حرصت دول مجلس التعاون على توظيف السياسات الصناعية، بجانب الإصلاحات الجارية، من أجل تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز رأس المال البشري (في سوق العمل، والتعليم)، ودعم مسيرة التحول الرقمي. علاوة على ذلك، تم تدشين مبادرات من أجل تيسير توظيف المواطنين في القطاع الخاص، ورفع مستوى مهارات المواطنين من خلال مواءمة الأنظمة التعليمية مع احتياجات سوق العمل، وتحسين مرونة سوق العمل، وتعزيز دور النساء في شغل الوظائف والمجتمع بشكل أوسع نطاقًا.

التحول الرقمي

يحمل مجال التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي القدرة على الاضطلاع بدور رئيسي في دعم استراتيجية التنويع الاقتصادي. على سبيل المثال، يمكن الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية عبر زيادة كفاءة إنتاج المُخرجات وتسريع وتيرة الابتكار. كما من المتوقع أن يُسهم استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي داخل الإمارات في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنحو 35% بحلول عام 2030م، في حين أن نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية قد تتجاوز 12 % بحلول العام ذاته. وعليه فمن الضروري العمل على رفع مستوى المهارات داخل سوق العمل وإجراء تقييم للمخاطر بشكل أكثر دقة وعناية، بما يضمن الممارسات الأخلاقية والمسؤولة لتقنيَات الذكاء الاصطناعي، وتقييم مدى فعالية تنفيذ الاستراتيجيات الموضوعة بصورة منتظمة.

 وعلى ضوء هذه الخلفية، تُشرف دول مجلس التعاون الخليجي على العديد من مبادرات الذكاء الاصطناعي، وذلك بفضل المستوى المرتفع من التحول الرقمي المُحقق، والذي يسهم في توفير أساس متين لطرح هذا النوع من المبادرات. فقد أحرزت البلدان الخليجية تقدمًا ملحوظًا على صعيد التحول الرقمي داخل القطاعات الرئيسية (الحكومية والمالية والشركات). وفي عام 2019م، أطلقت دولة الإمارات أول جامعة في العالم مخصصة للذكاء الاصطناعي، ومنذ عام 2021م، تضاعف عدد العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي داخل الإمارات قرابة أربعة أضعاف مما كان عليه، بحسب البيانات الحكومية الصادرة. كما تم إصدار سلسلة من النماذج اللغوية الكبيرة مفتوحة المصدر، التي تزعم أن لديها القدرة على منافسة نماذج "جوجل" و"ميتا" اللغوية المماثلة. وفي عام 2024م، أعلنت البلاد عن تأسيس شركة استثمارية تُركز على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، والتي قد تتجاوز قيمة أصولها حاجز 100 مليار دولار.

على صعيد متصل، تبذل المملكة العربية السعودية جهودًا واسعة في هذا المجال، حيث تستهدف استراتيجيتها الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي، استقطاب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار، وتدريب 20 ألفًا من خبراء البيانات والذكاء الاصطناعي، فضلًا عن، تأسيس 300 شركة ناشئة نشطة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما تصبو الرياض إلى أن تصبح رائدًا عالميًا في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي العالمي بحلول عام 2030م. وخلال عام 2024م، أنشأت المملكة العربية السعودية صندوقًا بقيمة 100 مليار دولار من أجل الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى، لتصبح المملكة أكبر مستثمر عالمي في هذا المجال. بشكل عام، يعتمد تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على عاملين محوريين تزخر بهما جعبة المملكة العربية السعودية وهما: المال الوفير وموارد الطاقة الغنية. حيث تضخ المملكة أرباحها النفطية في عمليات شراء أشباه الموصلات، وبناء أجهزة الكمبيوتر العملاقة، واستقطاب المواهب، وبناء مراكز البيانات التي تعمل بالطاقة الكهربائية الوفيرة التي تمتلكها. والرهان هو أن تنجح في نهاية المطاف في تصدير قوة / قدرة الحوسبة القائمة على الذكاء الاصطناعي. وتمثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا ركناً أساسيًا في خطط المملكة العربية السعودية من أجل التربع على عرش الزعامة العالمية للذكاء الاصطناعي، فهي تعد المدرسة البحثية العلمية الرائدة في المملكة، حيث تُعنى باستقطاب الخبرات الأجنبية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوفير موارد الحوسبة لبناء مركز لأبحاث الذكاء الاصطناعي.

وفي هذا الصدد، لقى اهتمام وشغف دول مجلس التعاون الخليجي بالتقنيات الناشئة صدى واسعًا لدى كبريات الشركات العالمية. لاسيما وأن البنية التحتية المتطلبة من أجل تدريب الجيل الأحدث لنماذج الذكاء الاصطناعي تستلزم تطويع كميات هائلة من موارد الطاقة، ورؤوس الأموال، والمساحات على الأرض-وهي ثلاثة عناصر -تتوافر بكثرة داخل دول المنطقة الخليجية. وقد شجع ذلك كبار المسؤولين التنفيذيين لدى كبرى الشركات الآسيوية مثل" تايوان لصناعة أشباه الموصلات " و"سامسونج" على طرح فكرة بناء مصانع تابعة لها على الأراضي الإماراتية. في حين أعلنت شركة "أمازون" أوائل 2024م، عن ضخ استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار لتطوير مراكز البيانات داخل المملكة العربية السعودية. كذلك، قامت شركة "جروك"-الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي-بالتوقيع على شراكة مع "أرامكو “، عملاق النفط السعودي، من أجل بناء مركز بيانات ضخم في مجال الذكاء الاصطناعي داخل البلاد. كما أعلنت شركة "مايكروسوفت" عن ضخ استثمارات بقيمة 1.5 مليار دولار للاستثمار في الشركة القابضة الرائدة في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بدولة الإمارات "جي 42" في صفقة من شأنها أن تساعد الشركة الأمريكية على توسيع نطاق عملها داخل الاقتصادات الناشئة وتمنح شريكتها الإماراتية إمكانية النفاذ إلى القوة الحاسوبية التي تملكها "مايكروسوفت".

التغير المناخي:

على صعيد أزمة التغير المناخي، قامت دول مجلس التعاون الخليجي بوضع العديد من المبادرات التي تستهدف دعم عملية التحول المناخي، بما يشمل ذلك بذل جهود واسعة في سبيل تطوير مصادر الطاقة المتجددة. وخلال النسخة الـ 28 من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ " كوب 28"-الذي استضافته دولة الإمارات (2023م) -جددت البلدان الخليجية التأكيد على التزامها بالجهود العالمية للتحول المناخي. وقد سبق وأن أعلنت كل من البحرين، والكويت، والمملكة العربية السعودية، عن أهداف طموحة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، مما يعكس إرادة سياسية قوية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة على مدار العقود المقبلة.

كما تتزعم المملكة العربية السعودية أيضًا مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وهي بمثابة تجسيد للجهود الإقليمية من أجل التخفيف من آثار أزمة التغير المناخي على المنطقة. في الوقت ذاته، تسعى الدول الأعضاء إلى تنويع مصادر الطاقة لديها من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، وزيادة كفاءة الطاقة، والهيدروجين النظيف، واحتجاز الكربون. على سبيل المثال، قامت بلدان مجلس التعاون الخليجي بضخ استثمارات كبيرة في تطوير قدرات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى جانب إنتاج الهيدروجين. كما ساهمت إصدارات السندات الخضراء إلى زيادة وتنويع الموارد المتاحة لدعم سياسَات المناخ.

رغم التقدم المحرز، لا تزال هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتحقيق أهداف التحول نحو الطاقة المستدامة في دول الخليج. ويمكن تحقيق ذلك من خلال عدة إجراءات، مثل ترشيد الإعانات الخاصة بدعم مواد الطاقة، وتشجيع الاستثمار في التقنيات النظيفة من خلال طرح مبادرات حكومية لدعم المشاريع الخضراء، وتشجيع المؤسسات المالية على دمج معايير الاستدامة في قراراتها الاستثمارية. كما يجب تعزيز الشفافية في أسواق المال من خلال إلزام الشركات بالإفصاح عن أدائها البيئي. وبشكل عام، لا تقتصر الاستثمارات الخليجية في الطاقة الخضراء على الصعيد المحلي فقط، بل تمتد إلى شتى أنحاء العالم.

تُعد المملكة العربية السعودية من أكبر الدول المُنتجة للنفط عالميًا، فضلًا عن، كونها في مصاف الدول الرائدة في مجال الهيدروجين الأخضر. كذلك تنخرط المملكة في حوار استراتيجي نشط مع كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، والقوى العالمية الأخرى حول هذا المجال. وفي ظل سعيها الدؤوب لبلوغ صفر انبعاثات كربونية بحلول 2060م، حرصت المملكة منذ عام 2021م، على وضع أهداف طموحة بأن تصبح دولة رائدة إقليميًا على صعيد جبهة التغير المناخي، وراحت تطلق العديد من المبادرات مثل مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، والمنظمة العالمية للمياه، والتنافس على استضافة العديد من الفعاليات الأممية الخاصة بالعمل المناخي. وعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية، برزت الرياض، تحت مظلة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية-كأحد أبرز الجهات المانحة الرسمية للمساعدات الإنمائية، متعهدة بتقديم نحو 1 % -في المتوسط-من إجمالي ناتجها القومي.

رغم التقدم الذي تحققه دول مجلس التعاون الخليجي في مجالات عدة، فإنها تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في ندرة المياه. فغياب مصادر المياه السطحية والاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية يجعلان المنطقة من أكثر المناطق جفافًا في العالم. ويزيد من حدة هذه الأزمة ارتفاع معدلات استهلاك المياه، مدفوعة بالنمو السكاني والاقتصادي والتوسع الحضري. وغالباً ما تتجاوز معدلات الاستهلاك مستوى 500 لتر للفرد يوميًا، مُتخطيةً معدلات الاستهلاك بالدول ذات المستويات المقاربة من الدخل، مثل ألمانيا، حيث يبلُغ الاستهلاك حوالي 120 لترًا للفرد في اليوم. ويؤدي هذا الاستهلاك المُفرط إلى الاستنزاف السريع للمخزون المائي المحدود بالفعل داخل دول مجلس التعاون الخليجي.

في المقابل، شرعت دول المنطقة الخليجية في اتخاذ تدابير ابتكارية وطموحة من أجل تأمين مستقبلها المائي. وعبر تسخير ثرواتها المالية ومواردها الإنسانية، منحت دول مجلس التعاون الخليجية الأولوية لتطوير تكنولوجيا تحلية المياه. وبفضل الابتكار الذي تقوده هذه الدول، بالأخص على صعيد التقدم المحرز في تقنيات الأغشية وكفاءة الطاقة، فقد تراجع سعر المياه المحلاة بشكل كبير من مستوى 5 دولارات للمتر المكعب خلال ثمانينات القرن الماضي إلى (0.40-0.50) دولار خلال المشروعات الأخيرة. مما يلهم بدوره دول العالم الأخرى لتنفيذ مشروعات مماثلة. وبخلاف تحلية المياه، تقوم دول مجلس التعاون الخليجي على تنفيذ استراتيجيات متنوعة لترشيد استهلاك المياه بهدف ضبط وإدارة معدل الطلب المحلي على المياه، وأهمها الحد من إهدار المياه. كذلك، أدى نهج الاقتصاد الدائري الذي تتبناه دول المنطقة الخليجية إلى التطور في جمع ومعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف، والتي أثبتت أنها إضافة استراتيجية لتكميل الموارد المائية المتناقصة وزيادة القيمة المستمدة من المياه المحلاة. وفي حين أن بعض البلدان كانت مترددة في إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة، إلا أن الفكرة بدأت تحظى بقبول متزايد ويعود ذلك إلى حد كبير بفضل حملات التوعية العامة الناجحة.

وقد سطع نجم دول مجلس التعاون الخليجي في مجال تحلية المياه إبان سبعينات القرن الماضي، حتى أنها أصبحت اليوم تقود القدرات العالمية في هذا المجال. وتشير الإحصائيات إلى أن هذه الدول، التي لا تتجاوز نسبة سكانها 1% من إجمالي سكان العالم، تنتج حوالي نصف المياه المحلاة التي يتم إنتاجها في 186 دولة، بما يبلغ 140 مليون متر مكعب من المياه النظيفة يوميًا. على صعيد المملكة، تُنتج المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في المملكة العربية السعودية، وهي أكبر شركة لتحلية المياه المالحة على مستوى العالم، حوالي 20% من المياه المُحلاة على مستوى العالم. وتستفيد المؤسسة من خبرتها الواسعة من خلال توفير برامج تدريبية عبر أكاديمية المياه التابعة لها، والتي عملت على تدريب الآلاف من المتخصصين في المياه بجميع أنحاء العالم، وأيضًا من خلال إجراء البحوث لتحسين عملية تحلية المياه، بهدف زيادة الكفاءة وخفض التكاليف والحد من النفايات. وقد بدأت دول أخرى في الشرق الأوسط خوض مجال تحلية المياه مؤخرًا، مُستفيدة من الابتكارات التكنولوجية التي تقودها تجربة دول مجلس التعاون الخليجي.

على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته دول الخليج في مجال تحلية المياه، إلا أن هذه الصناعة تواجه تحديات بيئية كبيرة. فالتزايد المستمر في إنتاج المياه المحلاة يؤدي إلى زيادة كميات المحلول الملحي الناتج عن عملية التحلية، وبالتالي مفاقمة مستويات الملوحة المرتفعة بالفعل داخل منطقة الخليج والبحر الأحمر. وهو ما ينذر بتدهور التنوع البيولوجي البحري، ويهدد الكائنات البحرية بالانقراض، ويؤثر على إنتاجية مصائد الأسماك، فضلًا عن، تأثيره على المجتمعات الساحلية. وكلما شهدت محطات تحلية المياه تطورًا، كلما ازدادت الحاجة إلى التعاون بين الدول الخليجية على مستوى التخطيط والإدارة من أجل تحديد التأثيرات التراكمية المحتملة وتحقيق الاستفادة المثلى من القرارات الخاصة بالاستثمار لضمان الأمن المائي الإقليمي المستدام بيئيًا.

وقد ساعدت عقود الاستثمار في الابتكار بتكنولوجيا تحلية المياه والإدارة الجيدة للمرافق على منح دول مجلس التعاون الخليجي ميزة تنافسية، من حيث التقنية والخبرة البشرية، في معالجة التحدي العالمي المحدق المتمثل في شح المياه. كما أثمرت جهود البحث والتطوير التي قادتها دول المجلس عما يصفه الخبراء الاقتصاديون بمنفعة عامة عالمية"، وهي فائدة تعود على الكوكب بأكمله. ومن المتوقع أن يسهم الدور المرتقب للمملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة المضيفة للمنتدى العالمي للمياه في عام 2027م، على تأكيد ريادة دول مجلس التعاون الخليجي في إدارة المياه وإتاحة منصة لعرض إنجازاتها ومشاركة خبراتها في مجال الأمن المائي مع دول العالم.

مقالات لنفس الكاتب