تُعد الحرب الدائرة في السودان واحدة من أشد الأزمات تدميرًا في تاريخ إفريقيا الحديث. حيث تطور الصراع الناتج عن التوترات السياسية، والعرقية، والاقتصادية الراسخة إلى كارثة إنسانية ذات تبعات بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي. ورغم الموقع الاستراتيجي للسودان داخل شرق إفريقيا وموارده الغنية، إلا أن مشاركة دول الاتحاد الأوروبي المحدودة في معالجة الصراع وضعتهم في مرمى الانتقادات. يستكشف هذا المقال، أسباب وديناميات الحرب السودانية، والدوافع والتحديات الكامنة وراء الدور الأوروبي في حل الأزمة، والتبعات الأوسع نطاقًا على الاستقرار الإقليمي والمصالح الأوروبية.
أسباب وديناميَات الصراع
تتأصل جذور الحرب في السودان في عمق المظالم التاريخية، وصراعات القوة، وعدم المساواة الاقتصادية. ففي أعقاب عقود من العيش تحت الحكم الاستبدادي للرئيس المخلوع عمر البشير، دخلت البلاد مرحلة انتقالية هشة عقب الإطاحة به في عام 2019م. وقد عززت اتفاقيات اقتسام السلطة بين القادة المدنيين والجيش السوداني الآمال بإصلاحات ديمقراطية. بيد أنه بحلول أبريل 2023م، تصاعدت التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لتتحول إلى نزاع دموي بين الطرفين.
الدوافع الرئيسية للصراع
- صراعات على السلطة: ترتكز المنافسة بين قائد الجيش السوداني اللواء عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) على السيطرة على المنظومتين السياسية والعسكرية للبلاد. وأدى عجزهما عن الاتفاق على دمج قوات الدعم في الجيش السوداني الوطني وهيكل الحكم المستقبلي للبلاد إلى تفاقم الأزمة.
- الفوارق الاقتصادية والمنافسة على الموارد: لطالما كانت الموارد الطبيعية الهائلة التي ينعم بها السودان بما في ذلك الذهب، والنفط، والأراضي الصالحة للزراعة مصدرًا للخلافات والنزاعات. واتُهم قادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع باستغلال تلك الموارد في تعزيز نفوذهم.
- التوترات العرقية والإقليمية: ساهمت المظالم الراسخة بين المجموعات المُهمشة في دارفور، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان في استمرار الصراع. كما أن انتماء قوات الدعم السريع تاريخيًا لميليشيات "الجنجويد" -المعروفة بارتكابها فظائع وأعمال وحشية خلال نزاع دارفور -أدى إلى تأجيج الانقسامات العرقية.
- ضعف المؤسسات: أعاقت هياكل الحكم الهشة التي تعاني من الفساد وانعدام الكفاءة جهود حل النزاعات وتقديم الخدمات.
القوى الإقليمية والعالمية
لا تقف الحرب السودانية بمعزل عن الديناميات الإقليمية والعالمية الجارية. حيث تلعب دول الجوار، والمنظمات الدولية، والقوى الأجنبية أدوارًا متفاوتة سواء في تأجيج الصراع أو محاولات التسوية.
العوامل الإقليمية
- مصر وإثيوبيا: لدى كلا البلدين مصالح استراتيجية داخل السودان، بالأخص فيما يتعلق بنهر النيل وقضية أمن الحدود. يأتي الدعم المصري للجيش السوداني مدفُوعًا بمخاوف مشتركة حول سد النهضة الإثيوبي، بينما تسعى إثيوبيا لمنع امتداد الصراع إلى حدودها.
- دول الخليج: لطالما دعمت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات القادة العسكريين السودانيين حرصًا على تأمين مصالحهِم داخل منطقة البحر الأحمر ومواجهة نفوذ إيران في المنطقة. ومع ذلك، ظلت مشاركتهما المباشرة في لعب دور الوساطة لحل النزاع محدودة.
- الاتحاد الإفريقي: دعا الاتحاد الإفريقي إلى وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات لكنه يفتقر إلى الموارد والنفوذ اللازمين من أجل فرض حلول مُجدية.
العوامل العالمية
1.الأمم المتحدة: رغم الجهود الأممية لتوصيل المساعدات الإنسانية والتوسط لإحلال السلام، إلا أنها فقدت فعاليتها بسبب نقص التمويل والتحديات التي تعوق تنسيق استجابات دولية.
2.القوى الغربية: اكتفت الولايات المتحدة ودول أوروبا بفرض العقوبات ودعم جهود الوساطة دون الالتزام بتسخير قدر كبير من الموارد أو رأس المال السياسي في سبيل حل الأزمة.
- النفوذ الروسي والصيني: تتسبب علاقات روسيا بقوات الدعم السريع، بما في ذلك الدعم المزعوم من قبل جماعة فاغنر، في تعقيد الجهود الدولية لعزل الفصائل المتنازعة. في حين أن تركيز الصين المنصب على تأمين استثماراتها داخل السودان دفعها صوب تبني نهج حذر.
تبعات الحرب على الاستقرار الإقليمي
خلف النزاع في السودان تبعات عميقة على الاستقرار الإقليمي والمصالح الأوروبية داخل شرق إفريقيا.
- النزوح الإنساني: نتج عن الحرب السودانية نزوح الملايين من المواطنين إلى الدول المجاورة بما في ذلك كل من تشاد، وجنوب السودان، ومصر. وهو ما يثقل كاهل اقتصادات هذه البلدان وأنظمتها الاجتماعية الهشة بمزيد من الأعباء، وينذر باندلاع مزيد من الاضطرابات داخل المنطقة.
- الأزمة الإنسانية: يعاني السودانيون من أوضاع إنسانية متردية ناتجة عن انتشار وتيرة العنف، وانعدام الأمن الغذائي، وانهيار أنظمة الرعاية الصحية. وما زاد الأوضاع سوءًا، محدودية وصول المنظمات الإنسانية نتيجة الأعمال العدائية المستمرة.
- الصراع العابر للحدود: تستغل الجماعات المسلحة والشبكات الإجرامية الفوضى العارمة في السودان، بما يضاعف مخاطر حدوث حركات تمرد عبر الحدود، والاتجار في الأسلحة، والإرهاب.
- التبعات الاقتصادية: يؤدي النزاع في السودان إلى تعطيل مسارات التجارة لاسيما على طول شريط البحر الأحمر، بما يؤثر على الاقتصادات الإقليمية والشحن الدولي.
دور أوروبا: الدوافع والتحديات
اتسمت المشاركة الأوروبية في الصراع داخل السودان بمزيج بين المصالح الاستراتيجية، والمخاوف الإنسانية، والعديد من التحديات القائمة.
المصالح الأوروبية في السودان وشرق إفريقيا
- الموقع الاستراتيجي: موقع السودان المُطل على البحر الأحمر يجعله لاعبًا محوريًا داخل منظومتي التجارة والأمن الإقليميين. ولدى البلدان الأوروبية مصلحة في ضمان استقراره لحماية الممرات البحرية ومنع أعمال القرصنة.
- إدارة الهجرة: منح الاتحاد الأوروبي الأولوية لمنع الهجرة غير النظامية من إفريقيا إلى أوروبا. حيث أن الأوضاع غير المستقرة في السودان قد تؤدي لتفاقم أزمة تدفق اللاجئين وزيادة الضغوط على الحدود الأوروبية.
- الآفاق الاقتصادية: تشكل موارد السودان الهائلة فرصًا ممكنة أمام الاستثمارات الأوروبية، لاسيما في قطاعات الزراعة، والتعدين، والطاقة.
التحديات أمام المشاركة الأوروبية
- تضارب الأولويات: تركيز الاتحاد الأوروبي على الأزمات الأقرب إلى حدوده مثل الحرب في أوكرانيا وتوترات الشرق الأوسط أدت إلى تحويل الاهتمام والموارد بعيدًا عن إفريقيا.
- التوجهات المختلفة: اختلاف الأولويات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي يعيق اعتماد استراتيجية متجانسة وفعالة إزاء الأوضاع في السودان.
- مفهوم عدم الاكتراث: تعزز المشاركة الأوروبية المحدودة في معالجة التحديات الإفريقية التصور بأن الاتحاد الأوروبي لا يتدخل سوى عندما يستشعر تهديدًا مباشرًا لمصَالحه، بما يقوض مصداقية أوروبا كلاعب عالمي مؤثر.
- النفوذ المحدود: يفتقر الاتحاد الأوروبي إلى الحضور العسكري والنفوذ السياسي للضغط على الفصائل السودانية من أجل إجراء مفاوضات هادفة.
الدروس المُستلهمة من المشاركات الأوروبية في بقاع عالمية أخرى
تُتيح النجاحات الأوروبية السابقة في تسوية النزاعات-مثل دور التكتل في غرب البلقان والتوسط في إنجاز اتفاق نووي مع إيران-دروسًا قيمة ونماذج تبرز أهمية ما يلي:
- المشاركة الدبلوماسية المستدامة: بناء الثقة والحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع كافة الجهات المعنية.
- التعاون متعدد الأطراف: إجراء شراكة مع اللاعبين الإقليميين والدوليين لتعظيِم النفوذ وتشاطُر المسؤوليات.
- الهياكل التحفيزية: استخدام المساعدات الاقتصادية، والاتفاقيات التجارية، والبرامج الإنمائية كوسيلة للضغط من أجل تعزيز السلام والاستقرار.
التداعيات الإقليمية الأوسع نطاقًا
أشعل الصراع في السودان فتيل أزمة نزوح إنساني كبيرة، ومن المرجح أن يستمر الدفع بتدفقات المهاجرين، حاملًا تبعات وخيمة على الدول المجاورة وربما تصاعُد وتيرة التوترات الإقليمية. وفيما يلي توضيح كيف يساهم الوضع القائم في تشكيل هذه الديناميات.
آثار مُتعاقبة خلفتها الحرب التي طال أمدها في السودان على منطقة شرق إفريقيا وما بعدها:
- الضغط على دول الجوار: تمتد تدفقات اللاجئين وتبعات انعدام الاستقرار إلى دول الجوار السوداني مثل تشاد، وإثيوبيا، وجنوب السودان، لتُفاقم من حجم التحديات التي تهدد بنيتها الهشة.
- التأثير على الأمن البحري: اضطراب الأوضاع على ممر السودان المُطل على البحر الأحمر سيؤدي إلى تصعيد مخاطر القرصنة والتأثير على طرق الشحن العالمية.
- تحديات أمام سياسات الهجرة: تواجه أنظمة الهجرة الأوروبية، المُثقلة أساسًا بالأعباء، ضغوطًا متزايدة ناجمة عن أزمة النزوح المتفاقمة داخل إفريقيا.
- تقويض التكامل الإقليمي: يُعيق عدم الاستقرار في السودان الجهود التي يبذلها الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) لتعزيز التنمية والأمن الإقليميين.
- النزوح الجماعي داخل السودان: استمرار القتال والعنف داخل السودان أجبر الملايين على الفرار بحثًا عن ملاذ آمن، وفي الغالب ينتقلون لمناطق تعاني بالفعل من شح الموارد. داخليًا، يشكل نزوح المواطنين ضغطًا على البنية التحتية المحلية، بما في ذلك المواد الغذائية، والرعاية الصحية، والمأوى، بما يؤدي إلى تردي الأوضاع الإنسانية داخل البلاد.
- تدفقات اللاجئين عبر الحدود: تتسبب موجات اللجوء المتزايدة عبر الحدود في زيادة الضغط على الدول المجاورة للسودان، حيث يتدفق النازحون بأعداد كبيرة إلى بلدان مثل تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر. وتواجه هذه الدول أصلاً تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي، مما يجعلها أكثر عرضة للتأثر بتدفقات اللاجئين المفاجئة، إذ تؤدي هذه التدفقات إلى زيادة الأعباء على الاقتصادات المحلية وأنظمة الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية في تلك الدول.
تشاد: يتشارك هذا البلد شريطًا حدوديًا طويلًا مع السودان، واستضَاف تاريخيًا لاجئين من صراعات سودانية سابقة. ويتسبب تدفق اللاجئين حاليًا إلى استنزاف موارده المحدودة، مما يزيد من خطر انعدام الأمن الغذائي والتوترات العرقية.
جنوب السودان: لم تكد جنوب السودان تلتقط أنفاسها من صراعاتها المندلعة حديثًا لتستعيد تعافيها الهش، حتى أن أصبحت قدراتها المحدودة تحت ضغط متزايد بسبب تدفق اللاجئين.
إثيوبيا: لا يترك النزاع الداخلي الذي تشهده إثيوبيا-بالأخص بإقليم تيغراي-مجالًا واسعًا لاستيعاب اللاجئين دون زعزعة استقرار المناطق الحدودية.
مصر: غالبًا ما ينتهي الأمر باللَاجئين الوافدين إلى مصر بالعيش داخل المناطق الحضرية، حيث تتسبب البطالة ومحدودية المساكن المتاحة في توترات مع السكان المحليين.
- تصاعد الصراعات الإقليمية: استمرار النزاع في السودان كفيل بزعزعة استقرار الدول المجاورة من خلال:
- زيادة الحركات المتمردة: تستغل الجماعات المسلحة الفوضى العارمة، وتستخدم مخيمات اللاجئين أو المناطق الحدودية كساحة لتجنيد المتمردين
- التنافس على الموارد: قد يؤدي شح الموارد في الدول المضيفة إلى اندلاع نزاعات بين اللاجئين ومجتمعات هذه الدول وتنامي وتيرة العنف المحلي.
- انتشار الأسلحة: انعدام الاستقرار في السودان يسهل انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة، وبالتالي تأجيج الصراعات القائمة داخل المناطق المجاورة.
- التداعيات الأوسع على الشرق الأوسط وإفريقيا: تمتد التبعات المتتالية للأزمة في السودان إلى خارج نطاق جوارها المباشر:
- الشرق الأوسط: مشاركات دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات داخل منطقة البحر الأحمر تعد مدفوعة باعتبارات استراتيجية واقتصادية. وبالتالي، فإن بقاء الأوضاع في السودان مضطربة يهدد ممرات التجارة بالبحر الأحمر، وهو ما قد يدفع الأطراف الإقليمية إلى خيارات عسكرية لتأمين مصالحها، مما يزيد من حدة التوترات في المنطقة.
- شمال إفريقيا والساحل: انعدام الاستقرار في السودان يضاعف التحديات داخل منطقة الساحل التي يعد استقرارها مهددًا بالفعل نتيجة أزماتها الأمنية المتواصلة (الإرهاب والانقلابات). فيما قد يترتب على أزمة اللاجئين السودانيين تصاعد ضغوط الهجرة على طول حدود شمال إفريقيا وصولًا إلى أوروبا.
- مسارات الهجرة العالمية: في أغلب الأحيان يتجه اللاجئون الفارين من السودان إلى دول الشرق الأوسط أو باتجاه البلدان الأوروبية. وهو ما يزيد من الضغوط على أنظمة الهجرة لدى تلك الدول، ويشعل فتيل توترات سياسية في الداخل الأوروبي بشأن سياسات اللجوء.
- التبعات الإنسانية والأمنية: تتجاوز التبعات الإنسانية في السودان مجرد النزوح، إذ تشمل أزمة إنسانية حادة تتجلى في نقص الغذاء، وانهيار النظام الصحي، وتقييد وصول المساعدات، مما يفاقم حالة عدم الاستقرار. هذه التحديات مجتمعة تخلق حلقة مفرغة من التدهور المتسارع، وتؤدي إلى مزيد من النزوح وتعميق التوترات الإقليمية.
معالجة هذه القضايا تقتضي تضافر الجهود لدعم استقرار السودان، وتوفير المساعدات الإنسانية، والتخفيف من التأثيرات الممتدة لدول الجوار وما بعدها.
ما الخطوات التي يجب أن تتخذها أوروبا؟
من أجل الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في إنهاء الحرب في السودان، ينبغي للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء اعتماد نهج شامل واستباقي:
- تعزيز المشاركة الدبلوماسية: يتعين على الجانب الأوروبي التنسيق مع المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي والقوى العالمية للتوسط في مفاوضات بين الفصائل المتحاربة.
- رفع مستوى الدعم الإنساني: زيادة التمويل المخصص للدعم الإنساني والبرامج الإنمائية في السودان والدول المجاورة، من شأنه التخفيف من آثار الأزمة التي يعانيها المدنيين.
- معالجة الأسباب الجذرية: يجب أن تدعم أوروبا إصلاحات الحوكمة، والتنمية الاقتصادية، وآليات منع الصراعات داخل السودان من أجل معالجة الدوافع الكامنة وراء الصراع.
- استغلال النفوذ الاقتصادي: بإمكان أوروبا استخدام المبادرات التجارية والاستثمارية للتشجيع على جهود بناء السلام والاستقرار طويل الأجل داخل السودان.
- دعم الاستقرار الإقليمي: تعزيز الشراكات مع اللاعبين الإقليميين مثل مصر وإثيوبيا يمكن أن يساعد في تخفيف الآثار المترتبة على الصراع.
- مكافحة المنافسات الجيوسياسية: يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتصدى بشكل استباقي للتأثيرات الخارجية، مثل التدخل الروسي، من خلال تقديم شراكات اقتصادية وسياسية أكثر جاذبية.
كيف يمكن أن تحل الأزمة السودانية؟
تسوية النزاع السوداني تستلزم جهودًا مستدامة من قبل اللاعبين في الداخل والخارج. وتشمل العناصر الرئيسية للحل المحتمل ما يلي:
- حوار شمولي: من الضروري إجراء عملية سلام شاملة تتضمن مشاركة كافة الجهات المعنية، بما في ذلك القوى المدنية، والمجتمعات المهمشة، والأطراف الفاعلة الإقليمية.
- عدالة انتقالية: يمكن أن تساعد معالجة المظالم من خلال اعتماد آليات المساءلة، على بناء الثقة بين الفصائل المتحاربة والمجتمعات المتضررة.
- إعادة البناء الاقتصادي: يعد الدعم الدولي لإعادة بناء الاقتصاد السوداني والبنية التحتية في البلاد أمرًا محوريًا للاستقرار طويل الأمد.
- التعاون الإقليمي: يجب أن تلعب دول الجوار والمنظمات الإقليمية دورًا استباقيًا في دعم جهود بناء السلام.
الختام
تظل الحرب في السودان تحديًا عميقًا للاستقرار الإقليمي، والأمن العالمي، والقيم الإنسانية، تمتد تبعاتها لما هو أبعد من شرق إفريقيا. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي وأعضاءه لديهم مصالح استراتيجية واقتصادية جمة داخل المنطقة، إلا إنهم لم يرتقوا بعد إلى مستوى المسؤولية بالقيادة الحاسمة والموحدة التي تتطلبها هذه الأزمة. مع ذلك، توفر الدولة الهشة في السودان فرصة للقارة العجوز كي تُعيد تعريف دورها كلاعب عالمي وإظهار التزامها بالسلام، والأمن، والتنمية المستدامة.
ومن أجل معالجة شاملة للأزمة، يتعين على أوروبا الانتقال من تدابير رد الفعل إلى اعتماد استراتيجية استباقية متعددة الأوجه. ولا يقتصر ذلك على معالجة الأزمة الإنسانية الحالية فحسب، بل المشاركة العميقة في معالجة التحديات الهيكلية والنظامية المُغذية للصراع داخل السودان. ومن خلال رعاية إصلاحات الحوكمة، وتعزيز الحوار الشمولي، وتسهيل التعافي الاقتصادي طويل الأمد، يتسنى لأوروبا ترسيخ دورها كشريك في بناء السلام عوضًا عن كونها مراقبًا من بعيد.
بمنأى عما يحدث في السودان، تعد الأزمة بمثابة دراسة حالة لمشاركة أوروبا مع الدول الهشة. كما أنها تؤكد على أهمية الاستفادة من الشراكات المتعددة الأطراف، ومكافحة التناحرات الجيوسياسية، ومواءمة المصالح الاقتصادية والإنسانية لخلق حلول مستدامة. ويمكن للدروس المُستخلصة من الأزمة السودانية، أن تفيد السياسات الأوروبية في مناطق أخرى تعاني من عدم الاستقرار، مثل منطقة الساحل، والقرن الإفريقي، وما وراء ذلك.
تتطلب هذه اللحظة أيضًا إعادة تقييم لأولويات أوروبا على أجندتها العالمية. وفي حين أن التحديات الأقرب إلى حدود الداخل الأوروبي، مثل الحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط، تستحوذ على الاهتمام، فإن إغفال أزمات إفريقيا شبح يهدد الاستقرار العالمي. كما أن الفشل في التصرف بشكل حاسم داخل السودان لن يؤدي فقط إلى تفاقم المعاناة الإنسانية لملايين البشر، بل يقوض أيضًا مصداقية أوروبا كبطل للسلام والأمن الدوليين.
ختاما، تستلزم مساعي إنهاء الحرب في السودان انخراطاً شاملاً ومستمراً من الأطراف الإقليمية والدولية المعنية كافة. وبالنسبة لأوروبا، فهناك فرصة سانحة لتحقيق التلاقي بين مصالحها الاستراتيجية والتزاماتها الأخلاقية، وتسخير قدراتها الدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية لترسيخ السلام العادل والدائم. ومن خلال تفعيل هذا الدور، تستطيع أوروبا أن تساهم في صياغة مستقبل مستقر ومزدهر وقادر على الصمود للسودان ومنطقة شرق إفريقيا، مع تعزيز مكانتها كفاعل عالمي مسؤول في عالم يزداد ترابطاً.