array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 207

أهداف أمريكا: وقف إطلاق نار دائم وحكومة مدنية واحتفاظها بالوساطة مع السعودية ولا تدعم طرفًا ضد الآخر

الخميس، 27 شباط/فبراير 2025

على مدى عقود طويلة، ظل السودان تحت الحكم المصري البريطاني المشترك. وفي عام 1956م، وقع البلدان على معاهدة للتنازُل عن السيادة لجمهورية السودان المستقلة. وباعتبارها أحد أكبر البلدان الإفريقية، تحتم على الخرطوم ضرورة معالجة الانقسام الداخلي الرئيسي بين الشمال ذي الأغلبية المسلمة/العربية، والجنوب الذي يتمتع بأغلبية مسيحية وقسماً من اتباع الديانات الإفريقية التقليدية. بخلاف هذا الانقسام الداخلي، عانت البلاد من انعدام استقرار سياسي مزمن تحت حكم الرئيس عمر البشير (1989-2019م) الذي انتهى حكمه بانقلاب عسكري نفذته قوات الجيش السوداني تحت قيادة اللواء عبد الفتاح البرهان بمشاركة قوات الدعم السريع وهي ميليشيا يتزعمها محمد حمدان دقلو (الملقب أيضًا بـ حميدتي). في البداية، أسس القائدان حكومة انتقالية بزعامة عبد الله حمدوك، وهو خبير اقتصادي يتمتع بخبرة واسعة في مختلف المنظمات متعددة الأطراف، إلا أن حكمه لم يستمر سوى عامين فقط (2019-2021م).

 فسرعان ما قامت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بتدبير الإطاحة به وتعليق العمل بالدستور. ثم أُعيد تعيينه لفترة وجيزة رئيسًا للوزراء في أواخر عام 2021م، بعد التنازل عن بعض سلطات الحكم لمنافسيه برهان وحميدتي. لم ينجح هذا الترتيب واستقال رئيس الوزراء المدني في يناير 2022م، ما مهد الطريق أمام اعتلاء حكومة عسكرية السلطة. ومنذ ذلك الحين، شهدت البلاد مظاهرات شعبية وقمعًا عنيفًا للمحتجين. فشل قادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الاتفاق على شروط تقاسم السلطة والانتقال إلى حكومة منتخبة. ومنذ عام 2023م، ظل السودان يعاني ويلات الحرب الأهلية المدمرة مع وقوف العديد من الدول المجاورة والقوى العالمية إلى جانب طرف ضد الآخر.

تواجه البلاد حاليًا أزمة إنسانية متصاعدة وأضرارًا بالغة في بنيتها التحتية، مدفوعة بالصراع الداخلي الذي أودى بحياة أكثر من 150 ألف شخص ونزوح نحو 11 مليون شخص في الداخل والخارج. كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلاد بنحو 20% في عام 2023م، فيما وثقت العديد من منظمات المجتمع المدني أدلة بشأن وقوع مجازر جماعية، وعمليات تطهير عرقي، وجرائم حرب. ووصفت رئيسة الشؤون الإنسانية والإغاثة الطارئة بالأمم المتحدة إيديم وو سورنو، الوضع في السودان بأنه أحد " أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة". وحذرت من أن الحرب الأهلية تدفع بالبلاد صوب أكبر أزمة نزوح داخلي على مستوى العالم، كما أنها في طريقها لتسجيل أسوأ كارثة مجاعة عالمية. وقد أدى فشل جهود الوساطة في إقناع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على تنفيذ وقف إطلاق نار مستدام، إلى تدهور الأوضاع سريعًا داخل السودان والمنطقة ككل.

منذ أوائل 2024م، وصف العديد من المحللين الأزمة في السودان بـ “الطريق المسدود" حيث لم يستطع أي من طرفي النزاع الادعاء بتحقيق نصر كامل. ومع استمرار الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب وتمهيد الطريق أمام اعتلاء حكومة مدنية السلطة، تبرز الحاجة الملحة إلى المساعدات الإنسانية لمنع اتساع نطاق المجاعة والنزوح الداخلي والخارجي لملايين من المواطنين. أحد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء الجمود الراهن، يكمن في المصالح المُتعارضة والسيَاسات المُتضاربة للقوى العالمية والإقليمية. حيث ينعم السودان بموقع استراتيجي مُطل على البحر الأحمر. فيما تنظر العديد من القوى الأجنبية إلى الشريط الساحلي للسودان باعتباره كنزا استراتيجيا، فضلًا عن موارده الطبيعية الغنية بما في ذلك الذهب والأراضي الصالحة للزراعة. لقد أتاحت المنافسة بين الدول المجاورة والقوى العالمية الفرصة للقوات المتحاربة للتلاعب بها في النزاع ضد بعضها البعض وضمان التدفق المستمر للأسلحة والتعاون الاستخباراتي والدعم السياسي.

الولايات المتحدة والسودان:

أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع السودان خلال عام 1956م، في أعقاب الإعلان عن استقلال السودان عن السيادة المشتركة لمصر والمملكة المتحدة. لعبت واشنطن دورًا رئيسيًا في دفع المفاوضات بشأن اتفاق السلام الشامل بين السودان وحركة التحرير الشعبية السودانية في عام 2005م، التي مهدت الطريق أمام إعلان جنوب السودان دولة مستقلة في عام 2011م، وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فإن الأهداف الأمريكية داخل السودان تركز على مكافحة الإرهاب، واحترام حقوق الإنسان، والتوصل لتسوية سلمية للصراعات المحلية لاسيما بمنطقة دارفور، بجانب دعم الحوار السياسي وإعادة اعتلاء حكومة مدنية السلطة.

وعلى مدى ما يقرب من 30 عامًا، ظل السودان حالة خاصة في سياق المشاركات الأمريكية القوية مع القارة الإفريقية. فقد صنفته واشنطن كدولة راعية للإرهاب وبناء عليه خضعت البلاد لعقوبات اقتصادية صارمة. وفي عام 2019م، شهدت العلاقات الأمريكية-السودانية تحسنًا ملحوظًا، بعد أن أدت تظاهرات شعبية عارمة للإطاحة بنظام عمر البشير واعتلاء حكومة تكنوقراط مدنية السلطة الانتقالية في البلاد. وفي ديسمبر عام 2020م، أقر الكونجرس الأمريكي بالجهود الإصلاحية التي يخوضها السودان، من خلال شطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فيما قررت الحكومة الأمريكية في أغسطس 2022م، بإيفاد سفير لها إلى السودان للمرة الأولى منذ 25 عامًا.

أدى اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى تعليق البعثة الأمريكية في السودان عملياتها داخل البلاد في أبريل 2023م. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المشاركة الأمريكية في السودان تتم من خلال مكتب شؤون السودان الذي يقع مقره الرئيسي داخل السفارة الأمريكية بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا. في حين تُتاح الخدمات القنصلية من خلال مقر السفارة الأمريكية في القاهرة، في حين يتواجد فريق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالعاصمة الكينية نيروبي. يحرص موظفو المكتب الأمريكي لشؤون السودان على التواصل مع المسؤولين السودانيين ومجموعات المجتمع المدني، والمنظمات الشعبية، والمنظمات الدولية لتعزيز الأهداف الأمريكية. ويسعى المكتب إلى تحسين سبل الوصول للمساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين، والتوسط من أجل إنهاء الحرب الأهلية، ودعم تنصيب حكومة مدنية.

خلال انعقاد جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أواسط ديسمبر 2024م، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن الفشل في التحرك داخل السودان يهدد السلام والأمن الإقليميين والدوليين. كما شدد على إنه لا يمكن للمجتمع الدولي ولا يتعين عليه أن يغض الطرف عن الكارثة الإنسانية التي تحدث في السودان، زاعمًا أن الولايات المتحدة كانت الدَاعم الأكبر إنسَانيا للشعب السوداني. كما أشار الوزير الأمريكي إلى أن بلاده أطلقت في أغسطس 2024م، مبادرة جديدة تحمل عنوان" تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" التي استضافتها سويسرا، والمملكة العربية السعودية بالمشاركة مع كل من مصر، والإمارات، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة. تعول هذه المبادرة على جهد دبلوماسي سابق شهدته مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية والعاصمة الفرنسية باريس، ويتضمن مشاركة المجتمع المدني السوداني والنساء السودانيات. وأضاف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنه بفضل القيادة الأمريكية، نجحت الأمم المتحدة ووزارة الصحة السودانية في تطعيم أكثر من 1.4 مليون شخص ضد وباء الكوليرا، محققة نسبة تغطية بلغت 98% في أشد المناطق تضررًا. وأقر إنه بالرغم من أن هذا التقدم المحرز ساهم في إنقاذ العديد من الأرواح، إلا أنه يظل بعيدًا كل البعد عن المستوى المنشود. وحث مجلس الأمن الدولي على الضغط على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لحماية المدنيين، ومنع جرائم الإبادة الجماعية، وإنهاء القتال الدائر، وأن يكون حازمًا في رسالته للجهات الخارجية التي تعمل على تأجيج الصراعات داخل السودان بأن سلوكها هذا لا يمكن أن يستمر.

قبل بضعة أيام قليلة فقط من مغادرتها المنصب، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جون بايدن فرض عقوبات على عبد الفتاح البرهان رئيس أركان الجيش السوداني والرئيس الفعلي للبلاد، في ضوء ما يفيد باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية ضد قوات الدعم السريع. تأتي هذه العقوبات في أعقاب اتهامات لرئيس قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو بارتكاب جرائم إبادة جماعية من خلال استهداف السودانيين ذوي البشرة السمراء بمنطقة دارفور. كانت الولايات المتحدة قد اتهمت الجانبين سابقًا بارتكاب جرائم حرب، ورأى بعض المحللين أنه كان حريا بإدارة بايدن التبكير باتخاذ الإجراءات لتفادي تفاقم الصراع. فيما يعتقد محللون آخرون أنه ينبغي للولايات المتحدة فعل المزيد في سبيل إقناع الدول الأخرى بالامتناع عن انحيازها لطرف ضد الآخر لمنع حدوث مزيد من التصعيد.

النهج الأمريكي حيال الصراع في السودان-تقييم

تتحمل الولايات المتحدة جزءًا من مسؤولية ما يحدث في السودان بسبب تجاهل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الرئاسية الأولى، الأوضاع في الخرطوم عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في إبريل من عام 2019م. استمر هذا التغافل تحت إدارة جون بايدن، التي قررت في البداية تجميد مساعدات إنمائية إلى السودان بقيمة 700 مليون دولار. ثم تعاونت مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لاحقًا، من أجل تجميد مساعدات إضافية بقيمة 6 مليارات دولار، وإلغاء خطط لسداد 50 مليار دولار من ديون السودان. كذلك كان ينبغي لواشنطن اتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد قادة الانقلاب (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع) بعد أن خططا للإطاحة برئيس الوزراء المدني حمدوك، وأن تفعل ما تعظ به دوما فيما يتعلق بدعم حكومة مدنية ديمقراطية تقود المرحلة الانتقالية في السودان. وعلى الرغم من مشاركة إدارة بايدن في صياغة اتفاق إطاري بشأن الانتقال المدني في السودان في ديسمبر 2022م، بالتعاون مع الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق إفريقيا، إلا أن القوى المدنية لم تكن ممثلة بشكل جيد في الاتفاق، الذي خلا أيضًا من آليات تضمن محاسبة القادة العسكريين في حال عدم الوفاء بالتزاماتهم.

وفقًا للاستراتيجية الأمريكية تجاه الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، الصادرة في أغسطس 2022م، فإن الولايات المتحدة بإمكانها أن تتيح خيارات للأفارقة بينما هم يقررون مستقبلهم بأيديهم والحد من فرص التدخلات السلبية من قبل الدول والأطراف الفاعلة غير الحكومية. حيث تنظر واشنطن إلى السودان باعتباره بلدًا ذا أهمية كبيرة على الأصعدة الجيوسياسية، والاقتصادية، والاستراتيجية، مما يجعله هدفًا ومطمعًا من قبل القوى الإقليمية والدولية. كما أن زعزعة استقرار السودان، تعني انعدام الاستقرار في بقعة حساسة للغاية تعاني من هشاشة وضعف البنية التحتية. جيوسياسيًا، تقع السودان عند مفترق طرق حيوي بين مصر وليبيا في الشمال، وإثيوبيا، وإريتريا، والقرن الإفريقي، وتشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى في قلب القارة السمراء. يُشكل السودان نحو 60% من وادي النيل، كما يلعب دورًا أساسيًا في إدارة النزاع القائم بين مصر، دولة المصب التي تعتمد على مياه النيل في سد 90% من احتياجاتها المائية، وأثيوبيا، التي تتحكم في منابع النيل الأزرق، وتطمح إلى مضاعفة سعتها الإنتاجية للطاقة الكهربائية من خلال ملء سد النهضة الأثيوبي الذي تعارضه مصر والسودان بسبب تأثيره على إمداداتهما المائية. ينعم السودان أيضا بموقع استراتيجي مُطل على البحر الأحمر، الذي يعد ممرًا حيويًا لنحو 10% من التجارة العالمية العابرة بجانب ثرواته المعدنية-فيما يعد ثالث أكبر منتجي الذهب داخل إفريقيا ويتمتع باحتياطيات وفيرة من الفضة، والنحاس، واليورانيوم.

تعتقد واشنطن بأن روسيا والصين تعملان سويًا داخل إفريقيا من أجل تقويض مصالحها وزعزعة استقرار الريادة الأمريكية العالمية. وخلال القمة الأمريكية-الإفريقية المنعقدة في ديسمبر 2022م، حذر وزير الدفاع الأمريكي ليولد ج. أوستين الزعماء الأفارقة من أن النفوذ الصيني والروسي داخل القارة سيؤول إلى زعزعة الاستقرار. وسعيًا لاستمالة أولئك المُتشككين من بين القادة الأفارقة، تعهدت واشنطن بتخصيص دعم مالي لإفريقيا بقيمة 55 مليار دولار على مدار ال 3 أعوام المقبلة. وفي حين يشهد الحضور الروسي شبه الرسمي داخل إفريقيا نموًا متسارعًا، تعتبر الصين أكبر الجهات الدائنة وتستثمر أموالا طائلة بمختلف أنحاء القارة الغنية بالمعادن النفسية.

منذ عام 2014م، سعى الكرملين لتوطيد روَابطه مع السودان من أجل التخفيف من وطأة العقوبات الغربية التي فرضت في أعقاب الغزو الروسي لجزيرة القرم، والتي باتت أشد وطأة عقب العدوان الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022م. الصين أيضا لديها مصالح ممتدة داخل السودان، الذي يشكل جزءًا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. وخلال الفترة ما بين 2011-2018م، أقرضت بكين السودان 143 مليون دولار، فضلًا عن استثماراتها في مشروعات مثل إنشاء خطوط الأنابيب، وتشييد الجسور أعلى مياه النيل، وبناء مصانع النسيج، وإقامة السكك الحديدية. في عام 2021م، بلغت الصادرات السودانية من السلع إلى الصين نحو 780 مليون دولار، التي أصبحت ثاني أكبر شريكًا تجاريًا للبلد الإفريقي بعد الإمارات. تخشى الولايات المتحدة أيضًا من أن يؤدي استمرار الصراع في السودان والفراغ الحكومي المطول، إلى اندلاع أزمة إنسانية تدفع بنزوح مئات الآلاف من اللاجئين إلى الدول المجاورة، بالأخص أثيوبيا وجنوب السودان، اللتين تكافحان بالفعل من أجل الحفاظ على اتفاقيات السلام الهشة لديها. كما تتخوف واشنطن من أن يوفر انعدام الاستقرار في السودان ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية الصومالية مثل حركة شباب المجاهدين.

الأهداف الأمريكية الرئيسية داخل السودان تتمثل في الآتي: التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مستدام، وإعادة تنصيب حكومة مدنية. تعمل الولايات المتحدة من أجل تحقيق تلك الأهداف من خلال التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، مع احتفاظها بدور الوساطة إلى جانب المملكة العربية السعودية. ولكنها لا تميز بين الجيش السوداني وبين الميليشيات المسلحة في تعاملها مع الأزمة السودانية، كما أنها لا تدعم طرفًا ضد الأخر، بل تواصل محاولاتها لخفض التصعيد، ومنع خصومها الدوليين من استغلال الأزمة في تدعيم مكانتهم داخل منطقة تمثل أهمية استراتيجية للمصالح الأمريكية.

في الأعوام القليلة الماضية، ركز النهج الأمريكي حيال الصراع في السودان على:

 (أ التفاوض لتطبيق وقف إطلاق نار يقود إلى تشكيل حكومة مدنية.

 (ب تنسيق وصول المساعدات الإنسانية إلى ملايين من ضحايا الصراع.

وخلال إبريل الماضي، تعهدت الولايات المتحدة بتخصيص 100 مليون دولار إضافية في شكل مساعدات غذائية طارئة، ودعم غذائي، وغيرها من المساعدات المنقذة للحياة. وفي أعقاب تجدد الاشتباكات، سارعت واشنطن إلى نشر فريق استجابة للمساعدة في حالات الكوارث، لمساعدة شركائها وحلفائها في تقديم المساعدات الإنسانية للأشخاص المحتاجين داخل السودان وللقَوات التي تسعى للفرار من البلاد. وصلت هذه المساعدات لما يقرب من 6.7 مليون شخص كانوا في أمس الحاجة إلى مواد غذائية طارئة، ولأكثر من 8 ملايين شخص وُفرت لهم مياه الشرب الآمنة. ومنذ بدء الصراع بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بلغت قيمة المساعدات الإنسانية الأمريكية أكثر من مليار دولار. وحثت واشنطن طرفي النزاع على منع عرقلة وصول المساعدات الإنسانية وإبداء النوايا الحسنة خلال مفاوضات وقف إطلاق نار. وتؤمن واشنطن إيمانًا راسخًا بأن الشعب السوداني وحده هو من يجب أن يقرر مستقبل بلاده واستعادة حكومة مدنية انتقالية دون تدخل أجنبي.

لقد ترك جون بايدن المنصب خلال يناير 2025م، في خضم تفاقم الأزمة الإنسانية وتصاعد وتيرة القتال بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع على نحو غير مسبوق. هناك أسباب عديدة يمكن أن تفسر تردي الأوضاع على هذا النحو داخل البلاد: محليًا، لم يبد أي من قادة القوات المتحاربة سواء عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، أو محمد حمدان دقلو رئيس قوات الدعم السريع أية استعداد للقبول بالتسوية أو حتى عزوفًا عن تسخير كافة السبل الممكنة لمحاربة أحدهما الآخر. في حين أن مؤسسات المجتمع المدني لا تتحلى بالنفوذ الكافي لإنهاء الصراع وإعادة تنصيب حكومة مدنية انتقالية. إقليميًا، لا يوجد إجماع بين دول الجوار السوداني حول كيفية إنهاء الصراع، بل إن مختلف القوى الإقليمية اصطفت لطرف من طرفي النزاع عبر تزويده بالأسلحة، والأموال، والدعم السياسي. أخيرًا، على الساحة الدولية، تضارب أجندات القوى الغربية، وروسيا، والصين حول كيفية إنهاء الصراع.

ذلك في الوقت الذي أصبحت إدارة جون بايدن مُستنفذة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا منذ فبراير 2022م، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023م. مما أفقدها رأس المال السياسي، والاهتمام، والموارد، للتركيز على الحرب الأهلية في السودان. جزء من هذا الإغفال النسبي للحرب الدائرة في السودان يكمن في حقيقة أن قطاعًا عريضًا من الرأي العام الأمريكي، ووسائل الإعلام، والمراكز البحثية الأمريكية تولي اهتمامًا أكبر بالصراع العربي-الإسرائيلي مقارنة بالحرب الأهلية السودانية. فلم تنجح الأزمة الإنسانية العميقة والمُتصاعدة منذ عام 2022م، في جذب المزيد من الاهتمام الشعبي والرسمي للوضع المزرى في السودان. ومن غير المرجح أن تنفق إدارة ترامب قدرًا كبيرًا من رأس المال السياسي للتوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسهيل الانتقال إلى حكومة مدنية. وفي نهاية المطاف، ينبغي للشعب السوداني، بدعم من القوى الإقليمية، أن يتولى زمام المبادرة في تشكيل مستقبل بلاده.

مقالات لنفس الكاتب