array(1) { [0]=> object(stdClass)#13837 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

تنظيم العلاقة بين مكونات المجتمع يحقق الاستقرار ويحمي سوريا من التدخلات الخارجية

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

مثلت سوريا تاريخيًا وكذلك منذ تأسيس النظام العربي الرسمي في١٩٤٥م، رقمًا مهمًا في المعادلات العربية، خاصة بالنظر لجوارها لفلسطين الذي جعل لها دورًا محوريًا في التفاعلات التي ارتبطت بالصراع العربي-الإسرائيلي، ثم تسببت استدامة النظام الذي أسسه حافظ الأسد في١٩٧٠م، واستمر حتى ديسمبر الماضي، بعد أن ورث الابن أباه عام ٢٠٠٠م، وكذلك علاقة النظام بإيران، في تراجع المكانة العربية لسوريا إلى أن وقعت أحداث الانتفاضات الشعبية العربية في مطلع العقد الثاني من هذا القرن، ومثل النظام السوري واحدًا من أكثر حالاتها عنفًا، ومع ذلك فقد تميز بقدرته على البقاء بسبب تماسك جيشه الطائفي من خلفه، واستعانته أولًا بدعم من إيران و"حزب الله" اللبناني، ثم بتدخل روسي عسكري مباشر منذ سبتمبر٢٠١٥م، وبدا لسنوات أن الحال سيبقى على ما هو عليه في ظل هذه المعادلة، رغم أن نظام الأسد قد فشل سواء في القضاء على خصومه الداخليين، خاصة وقد كان لهم بدورهم داعموهم الخارجيون، أو في التوصل لصيغة لسوريا جديدة توازن بين مصالح النظام ومطالب معارضيه، وتعزز هذا الانطباع -أي بقاء الحال على ما هو عليه- بعودة نظام الأسد لتمثيل سوريا في الجامعة العربية حرصًا من النظام العربي على أن يكون له دور في رسم المستقبل السوري، لكن تطورات المواجهة مع إسرائيل منذ ٧أكتوبر٢٠٢٣م، والتي شارك فيها "حزب الله" منذ بدايتها أفضت في نوڤمبر الماضي إلى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان أعقبه على نحو سريع سقوط نظام الأسد في الشهر التالي على يد فصائل مسلحة ذات مرجعية إسلامية كانت مصنفة من جهات عديدة كتنظيمات إرهابية، وبدا منذ الوهلة الأولى أن هذه التطورات وإن خلصت سوريا من نظام فقد صلاحيته وشرعيته قد فتحت الباب لفصل جديد من فصول المعضلة السورية، وتهتم هذه الورقة بالتأمل في أبعاد هذا الفصل الجديد ومآله، وتنقسم لهذا الغرض إلى قسمين يتناول أولهما الأبعاد الداخلية للمعضلة الجديدة، بينما يتناول الثاني أبعادها الخارجية، على أن تتلوه خاتمة تحاول التأمل في استشراف المستقبل، وما يمكن عمله لحماية سوريا من مخاطر داهمة.

 

أولًا-الأبعاد الداخلية للمعضلة

   معروفة هي الطبيعة الفسيفسائية للمجتمع السوري كمجتمعات عربية وغير عربية كثيرة، ومعروفة كذلك خبرة نظام الأسد الذي دام لأكثر من نصف قرن بحكم الأب (١٩٧٠-٢٠٠٠) وابنه (٢٠٠٠-٢٠٢٤)، والذي اعتمد على حكم الأقلية العلوية، فضلًا عن انخراطه في مشكلات مع أقليات مهمة كالجماعة الكردية التي خرجت عن سيطرته أصلًا مع أحداث الربيع العربي، وأعلنت حكمًا ذاتيًا من جانب واحد، وأسست لها قوة مسلحة، وقد أسقطت فصائل سنية مسلحة نظام الأسد، لكن سقوطه كان ينذر ببدء تجربة جديدة يتبادل فيها الظالمون والمظلومون مواقعهم، فالفصائل التي أسقطت النظام بقيادة "جبهة تحرير الشام" لم تكن سنية المذهب فحسب، وإنما كانت لها أيديولوجيتها المتطرفة وخبرتها الماضية التي جعلت دولًا عديدة تصنف هذه التنظيمات باعتبارها إرهابية بامتياز، وبالتالي فهي ليست مؤهلة بالتأكيد لحل معضلة الهيمنة الطائفية التي أوجدها نظام الأسد لصالح الطائفة العلوية، وإنما هي أقرب بالتأكيد لتأسيس معادلة طائفية جديدة تتبدل فيها الأدوار، ومن الواضح أن الرجل الأول على رأس القوى التي أسقطت نظام الأسد يتسم بذكاء ملحوظ، ولذلك فقد سارع ببلورة خطاب سياسي يتحدث عن سوريا جديدة لا مكان فيها للتمييز وعدم المساواة، وبالتالي هي تتسع للجميع ومشاركتهم، غير أن الأمور في الواقع العملي لم تجر بهذه البساطة، وكانت هناك ملاحظات عديدة في هذا الصدد.

   وأول الملاحظات أن الفصائل المسلحة التي أسقطت النظام قد انفردت بالسلطة، مع أن معارضي الأسد كانوا يضمون طيفًا واسعًا قام بأدوار متنوعة في معارضة نظامه لسنوات، ويبدو هذا الانفراد طبيعيًا في دروس الخبرات السابقة، فلم يحدث في التجارب المماثلة أن قام الذين استولوا على السلطة بفتح الباب لغيرهم لمشاركتهم في الحكم، غير أن الملاحظ كان الانفراد التام بمفاتيح السلطة دون حتى ولو تمثيل رمزي لباقي القوى، ومن الحقيقي أنه تم لاحقًا إشراك عناصر تنتمي لقوى أخرى، لكن اختيار هذه العناصر تم بعناية بحيث لا تمثل أي تحدٍ للنظام الجديد، ويتسق مع هذا أن كل الخطوات التي يمكن وصفها بأنها محاولة من النظام لبناء شرعيته كمؤتمر الحوار الوطني والإعلان الدستوري قد وردت عليها ملاحظات أساسية، كما في الكيفية التي تم بها اختيار أعضاء المؤتمر وقصر مدته، ومضمون الإعلان الدستوري الذي وُصف بحق بأنه يؤسس لنظام يدور حول فرد واحد يجمع بين كل السلطات التنفيذية، ويختار ثلث أعضاء المجلس التشريعي، ويتحكم من الناحية العملية في اختيار الثلثين الآخرين، وهو غير قابل للعزل، ناهيك بطول المرحلة الانتقالية التي تمتد لخمس سنوات، وبعض العبارات الواردة في الإعلان كالقول بأن الفقه الإسلامي وليست الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع وغير ذلك من الملاحظات، والخلاصة أننا إزاء بنية لنظام جديد لا تتواءم مع اعتبارات التوافق والتفاهم بين مكونات المجتمع السوري شديدة التنوع.

   أما الملاحظة الثانية فتنبع من التناقض بين الخطاب القيادي الرسمي وما يجري على أرض الواقع، فمنذ البداية كان واضحًا أن ممارسات الفصائل المسلحة التي يُقَدًّر عددها بالعشرات، والتي شاركت "جبهة تحرير الشام" في إسقاط الأسد قد اتسمت في حالات كثيرة بالانفلات الذي عكس مواقف تتناقض كل التناقض مع مقولات الخطاب القيادي الرسمي، وهكذا رُصِدَت بالصورة والصوت ممارسات طائفية بغيضة، بما فيها تلك التي تنطوي على أعمال عنف تصل إلى حد القتل، وجرى في البداية التهوين من شأن هذه الممارسات إلى أن وقعت أحداث الساحل السوري في شهر مارس الماضي، والتي انطوت على مذابح وحشية بشأن مكونات سورية محددة على رأسها الطائفة العلوية لدرجة أن بعض المنتمين إليها قد فروا إلى الجبال أو إلى القاعدة الروسية، وما زالوا محتمين بها حتى كتابة هذه السطور، وهي السابقة الأولى في تقديري لاحتماء عناصر مدنية بقاعدة عسكرية أجنبية طلبًا للنجاة بحياتهم، وقد حاولت مصادر النظام تبرير ما وقع بأنه رد على هجوم ممن أسمتهم بفلول النظام، واتهمت إيران و"حزب الله" اللبناني بالضلوع في الأحداث، وإن بدا هذا التبرير ضعيفًا بالنظر لتراجع نفوذ الحزب في بلده فما بالنا بخارجها، فضلًا عن الضربات التي تلقاها النفوذ الإيراني في سوريا وغيرها، وقد أفضت هذه الأحداث لردة فعل قوية وصلت أصداؤها لمجلس الأمن الذي دعت الولايات المتحدة وروسيا لجلسة عاجلة له انتهت ببيان رئاسي أدان بشدة العنف واسع النطاق في اللاذقية وطرطوس، ودعا السلطات المؤقتة إلى إجراء تحقيقات عاجلة وشفافة ومستقلة ومحايدة وشاملة، ومحاسبة مرتكبي أعمال القتل الجماعي، وكلها تطورات تهدد شرعية النظام التي اكتسبها بسلاسة غير متوقعة يُعْتَقَد أنها راجعة لما ترتب على سقوط نظام الأسد من فوائد للقوى الغربية تمثلت أساسًا في استبعاد إيران ولو إلى حين من معادلات الشرق الأوسط الجديد، وطمأنة النظام الجديد لإسرائيل بشأن نواياه السلمية تجاهها، وقد دعت كل هذه التداعيات رأس النظام إلى تشكيل لجنة للتحقيق سوف تكون اختبارًا حقيقيًا لسياساته الفعلية، حيث أن ما وقع لا يمكن تفسيره إلا بأحد أمرين أولهما أن تكون الأحداث تعبيرًا عن التوجهات الفعلية للنظام، وهو ما يناقض الخطاب الرسمي، والثاني أن قيادة النظام لا تسيطر على الفصائل المسلحة، ولهذا دلالته الخطيرة بالنسبة للمستقبل، وكذلك للجهود التي تبذلها قيادته لبناء جيش وطني من هذه الفصائل، ولعل هذا يفسر السرعة التي اتُّخذ بها قرار تشكيل لجنة تحقيق رسمية لم يرشح عن عملها أي شيء حتى كتابة هذه السطور، وكذلك السرعة التي تم بها التوصل لاتفاق بين النظام والمكون الكردي، وهي خطوة بالغة الأهمية غير أن ثمة ملاحظات وردت عليها، وبالذات من منظور صعوبات التطبيق.

   والخلاصة أنه على الرغم من السلاسة التي تم بها إسقاط نظام الأسد، بل وتعامل المحيط العربي والدولي مع النظام الجديد، وهو تعامل يرقى لمرتبة الاعتراف، بدليل حضور الرئيس السوري المعين قمة القاهرة الطارئة في ٦مارس الماضي، إلا أن النظام مازال يواجه معضلة التوصل لمعادلة مستقرة ومقبولة تنظم العلاقة بين مكونات المجتمع السوري شديدة التنوع، وسوف يجلب النجاح في التوصل لهذه المعادلة الأمن والاستقرار الداخلي في سوريا من جانب، ويحميها من التدخلات والتهديدات والمخاطر الخارجية من جانب آخر، كما سيرد في الجزء التالي.

 

ثانيًا-تحديات خارجية خطيرة

   الفكرة الأساسية في هذا الجزء أن النظام الجديد في سوريا لم يواجه تحديات خطيرة من بيئته العربية أو الإقليمية (باستثناء إسرائيل) أو العالمية على عكس ما كان متوقعًا، ذلك أنه بالنظر إلى مرجعية التنظيمات التي أسقطت نظام الأسد والموقف السابق لمعظم الدول العربية من هذه التنظيمات كان المتوقع أن يُقابل وصولها للسلطة في دمشق باعتراض هذه الدول أو على الأقل تحفظها، غير أن ما حدث كان العكس، فقد تواصل معظم الدول العربية الوازنة مع النظام الجديد بدرجات وأشكال مختلفة فيما يُعَد اعترافًا واقعيًا، واكتمل هذا الموقف بوضوح مع انعقاد قمة القاهرة الطارئة في ٦مارس الماضي حيث دُعي لحضورها الرئيس السوري الجديد، ويمكن طرح عدد من التفسيرات لهذا القبول السلس، أولها أن نظام الأسد رغم عودته للجامعة العربية لم يكن ذلك النظام الذي يمكن التمسك به، بالنظر لفشله في التوصل لحل للمعضلة السياسية في بلاده لا بحلول توفيقية ولا بحسم عسكري، والاعتبار الثاني أن علاقته الخاصة بإيران و"حزب الله" اللبناني لم تكن موضع قبول من عدد من الدول العربية على الأقل، ولذلك فإن الخلاص من النفوذ الإيراني في سوريا كان مبعث ارتياح لهذه الدول، ولعل الاعتبار الثالث ينبع من دروس مقاطعة نظام الأسد عربيًا بعد الانتفاضة الشعبية، وهي المقاطعة التي أفضت إلى غياب أي تأثير عربي يُذكر على محاولات التوصل لتسوية للمعضلة السورية إبان نظام الأسد، وحصر هذه الجهود في الثلاثي الروسي-الإيراني-التركي، وعليه يمكن تفسير مسارعة العديد من الدول العربية إلى التعامل مع الوضع الجديد في دمشق بالرغبة في الحفاظ على دور عربي مؤثر في سوريا الجديدة، خاصة وقد كان واضحًا أن تركيا قد حلت محل إيران في النظام الجديد، وهذا ينقلنا إلى مواقف القوى الإقليمية والعالمية من النظام.

   ومن المؤكد أن أهم هذه القوى هي إيران وتركيا وإسرائيل، أما إيران فقد مثل سقوط نظام الأسد ضربة قوية لنفوذها في سوريا بل ولبنان أيضًا، بالنظر لفقدان "حزب الله" القناة البرية الوحيدة لدعمه، ومن الواضح أن إيران قد سلمت بهزيمتها في سوريا في وقت مبكر، وأغلب الظن أن عملية تنسيق ما قد تمت لتنظيم خروج عناصرها من سوريا، بدليل عدم وقوع قتلى أو أسرى إيرانيين في أيدي أنصار النظام الجديد، ولا يُعتقد أن النظام الإيراني يملك حاليًا أوراقًا ذات شأن للتأثير في مجريات الأمور في سوريا، أما تركيا فقد كان دعمها واضحًا وتأييدها تامًا لعملية إسقاط النظام السوري، وبدا هذا واضحًا من كثافة الاتصالات الدبلوماسية والاستخباراتية بين النظام التركي والوضع الجديد في سوريا، بحيث أنه يمكن القول دون أدنى مبالغة أن تركيا قد حلت محل إيران كداعم إقليمي رئيسي لهذا الوضع، وكان متوقعًا بالنظر لهذا أن يكون لتركيا تأثير واضح على تعامل النظام الجديد مع المشكلة الكردية بصفة خاصة، نظرًا لموقف تركيا الحاسم من هذه المشكلة، ولذلك ينظر عديد من المراقبين بعين الشك لمدى إمكانية تنفيذ الاتفاق الأخير بين "قوات سوريا الديمقراطية" والنظام نظرًا لعموميته وترجيح اصطدامه بعقبات عديدة تعترض التوصل لتسويات ترضي الأطراف الثلاثة (النظام الجديد والمكون الكردي السوري وتركيا) عند التنفيذ والتعامل مع التفاصيل.

   أما إسرائيل فقد باتت تمثل التحدي الرئيسي للوضع القائم في سوريا، مع أنها المستفيد الأول من سقوط نظام الأسد الذي لم تخف رغبتها في إسقاطه بتهديد نتنياهو للأسد فور توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، كما أن وزير دفاعها تباهى بإسقاط إسرائيل للنظام، كذلك فإن خلفية علاقتها بجبهة النصرة التي تولدت عنها "جبهة تحرير الشام" معروفة، وتتمثل في علاج جرحى النصرة في المستشفيات الإسرائيلية، والأهم من ذلك أن قيادة النظام الجديد في سوريا لم تدع مجالًا لشك في نواياها السلمية تجاه إسرائيل من خلال تصريحات شديدة الوضوح بأن الوضع الجديد في سوريا لن يمثل تهديدًا لأحد، وأن الأولوية في سوريا الجديدة للشأن الداخلي، وأنها أصلًا غير قادرة على تبني أي سلوك صدامي في تفاعلاتها الخارجية، ومع ذلك فقد تصرفت إسرائيل باعتبار أن الوضع الجديد في سوريا يمثل تهديدًا لها، فقام نتنياهو على الفور بإلغاء اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام١٩٧٤م، واحتلال المنطقة العازلة بل والتوغل فيما وراءها، والاستيلاء على الموقع العسكري السوري في جبل الشيخ، والأخطر قيامها بتدمير شامل للقوة العسكرية السورية بما في ذلك المصانع ومراكز البحوث العسكرية، في واقعة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، وكان تبرير هذا العمل أن إسرائيل لا يمكن أن تطمئن لوقوع الأسلحة السورية في أيدي من لا تأمن نواياهم تجاهها، مؤسسة بذلك مبدأً خطيرًا في إدارة الصراعات بين الدول مفاده أن دولة ما يمكن أن تحكم على نوايا النظام الحاكم في دولة أخرى بأنها نوايا معادية محتملة بالنسبة لهذه الدولة، فتقوم بناءً على ذلك بتدمير القوة المسلحة للدولة الهدف، وزادت إسرائيل على ذلك كله دعاواها الخاصة بحماية الأقليات في سوريا، والدروز بصفة خاصة، وإقامة علاقة مباشرة معهم، وكلها تصرفات تمثل تهديدات جسيمة للأمن السوري لا تملك السلطات الحالية في سوريا أي قدرة على مواجهتها، اللهم إلا بالشكاوى الدبلوماسية التي يعرف الجميع جدواها ومصيرها.

   وعلى الصعيد العالمي لم يواجه الوضع الجديد في سوريا أي تحديات تُذكر على الرغم من خلفية الممسكين الجدد بالسلطة في دمشق، وكان المنطق العام للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو انتظار الأفعال على أساس افتراض أن الخطاب السياسي الجديد لحاكم دمشق يمثل قطيعة مع الماضي الذي دفع الولايات المتحدة يومًا لرصد مكافأة مقدارها ١٠ملايين دولار للقبض على رأس النظام الجديد في سوريا، ويُعتقد أن التبرير الأساسي لهذا الموقف أن الوضع الجديد في سوريا قد خَلَّص التحالف الغربي بضربة واحدة من النفوذين الإيراني والروسي في سوريا، وما لهذا الخلاص من تداعيات على الأوضاع في الشرق الأوسط، بل إن التطورات السورية رغم ما انطوت عليه من هزيمة سياسية لروسيا لم تؤد إلى إثارة العداء بينها وبين النظام الجديد، وبعد فترة من التحفظ المفهوم بدأت روسيا في التواصل مع هذا النظام، ولم تصدر أي تصريحات عدائية روسية تجاهه، وكان واضحًا أن الرغبة في الحفاظ على القاعدتين العسكريتين الروسيتين في سوريا لعبت دورًا في هذا الصدد، ورغم كل هذه المواقف الدولية المهادنة للنظام الجديد في سوريا فقد جاءت أحداث الساحل السوري على نحو لم يكن من الممكن تجاهل دلالاته، وبالتالي فقد حدثت ردود فعل واسعة أدانت ما حدث، وطالبت بمحاسبة عادلة ومنصفة، وكانت الدعوة الأمريكية والروسية لاجتماع مجلس الأمن لمناقشة الأحداث، وما أعقبه من بيان رئاسي أدان ما وقع، وطالب بمحاسبة المسؤولين عنها وتوفير الحماية للجميع، أقوى تعبير عن ردود الفعل هذه، وإن لم تفض إلى تغيير في المواقف الدولية من الوضع الجديد في سوريا بدليل التقارير التي تحدثت عن وساطة أمريكية بين أكراد سوريا والنظام الجديد فيها.

 

خاتمة

   على العكس مما كان متوقعًا من أن يفضي سقوط نظام الأسد في سوريا إلى حل المعضلة السورية التي دامت لأكثر من عقد منذ بدأت الانتفاضة الشعبية ضد النظام فإن الطريقة التي سقط بها والقوى التي أسقطته مهدت الطريق لفصل جديد من فصول هذه المعضلة حاولت هذه الورقة بيان أبعاده الداخلية والخارجية، وقد يكون من الملائم أن يعوض النظام العربي الرسمي غيابه السابق عن جهود حل معضلة نظام الأسد مع شعبه بحضور قوي يحاول به مساعدة الشعب السوري وقواه السياسية المتنوعة في عبور الجسر إلى مستقبل آمن.

مقالات لنفس الكاتب