array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 209

إلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية يزيد الجوع في اليمن والصومال والسودان وسوريا

الأربعاء، 30 نيسان/أبريل 2025

أتخذ الرئيس الأمريكي منذ توليه الرئاسة الأمريكية جملة من القرارات المرتبطة بمسائل الاقتصاد والتجارة والبيئة والتغير المناخي والتنمية الدولية سيكون لها تداعيات كبيرة ومؤثرة لاسيما تلك المتعلقة بالانسحاب من بعض المنظمات والهيئات الدولية لاسيما منظمة الصحة العالمية التي تسهم الولايات المتحدة بنحو (14.5%) أي نحو (988) مليون دولار من موازنة هذه المنظمة البالغة (6.8) مليار دولار للعام 2024-2025م، الأمر الذي سيؤدي إلى إيقاف العديد من البرامج والمشاريع التي تقوم المنظمة بها في العديد من الدول النامية لمواجهة الأمراض الوبائية والانتقالية. كما سيكون لقرار حل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية آثار سلبية على المشاريع الدولية والإغاثات الإنسانية الحيوية حول العالم، حيث تُعد الولايات المتحدة أكبر مانح منفرد للمساعدات عالميًا، وقدمت في 2024م، ما قيمته (66) مليار دولار.

  كما سيكون لانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ لعام 2015م، تداعيات خطيرة على البيئة والتغير المناخي ويقلل من مصادر تمويل صندوق المناخ الأخضر الذي أنشئ عام 2010م، في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ككيان تشغيل للآلية المالية لمساعدة البلدان النامية في ممارسات التكيف والتخفيف لمواجهة التغير المناخي. كما سيكون لقرار الرئيس ترامب بتقديم الدعم والقروض لمنتجي النفط والغاز الصخري وكذلك لشركات إنتاج الحديد والصلب والألمونيوم أثر سلبي على البيئة، حيث سيسهم ذلك في ارتفاع معدلات التلوث، وبالتالي تفاقم آثار التغير المناخي نتيجة لارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة. كما أن فرض رسوم جمركية على (182) دولة سيكون له تداعيات، على الاقتصاد العالمي الذي يعاني معدلات نمو اقتصادي منخفضة.

 سنتناول في هذا المقال تأثير السياسات الاقتصادية الأمريكية في ظل الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على البيئة والتغير المناخي، علاوة على بيان أثر الانسحاب الأمريكي من الكثير من المنظمات والاتفاقيات الدولية على مسارات التنمية الدولية، بالإضافة إلى بيان أثر هذه السياسات على الاقتصاد العالمي.

 

أولاً-تأثير السياسات الاقتصادية الأمريكية على البيئة والتغير المناخي    

   يتبنى الرئيس ترامب سياسة ترتكز على تعزيز الاقتصاد الأمريكي حتى لو كان ذلك على حساب الالتزامات الدولية. وكان انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ خلال دورته الرئاسية الأولى في عام 2017م، مصداقاً لهذا المسار. تهدف الاتفاقية، إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية من خلال تقليص انبعاثات غازات الدفيئة لكنها واجهت بانتقادات حادة من إدارة ترامب آنذاك بوصفها تشكل عبئاً اقتصادياً على الولايات المتحدة، إذ رأى أن الالتزامات البيئية المفروضة تعرقل النمو الصناعي وتحد من فرص العمل لاسيما في قطاع النفط والفحم. عاد ترامب في مطلع ولايته الثانية ليعيد تأكيد قراره السابق مجدداً بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، وعلاوة على الأسباب السابقة، ترى إدارة ترامب الحالية أيضاً أن الالتزام بالاتفاقية يضع قيوداً غير عادلة على الاقتصاد الأمريكي في وقت تتزايد فيه المنافسة مع القوى العظمى الأخرى كالصين وروسيا وهما دولتان لم تظهرا التزاماً جدياً بالاتفاقية.

انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ في يونيو 2017م، مستندًا إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية. فقد اعتبر ترامب أن الالتزامات التي تفرضها الاتفاقية ستؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي، حيث ركز على أن تقليل انبعاثات الكربون يتطلب استثمارات ضخمة في الطاقة المتجددة، مما قد يؤدي إلى فقدان الوظائف في قطاعات الطاقة التقليدية مثل الفحم والنفط. كما عبر عن مخاوفه بشأن زيادة تكاليف الطاقة للمستهلكين والشركات، مما قد يقلل من قدرة الولايات المتحدة التنافسية في السوق العالمية.

  وغني عن البيان، فإن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس سيُعقد جهود العالم في تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه بموجب الاتفاقية المذكورة، والتي تتلخص في تجنيب ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من درجتين مئويتين، فالولايات المتحدة مسؤولة عن (15%) من إجمالي الانبعاثات الكربونية على الصعيد العالمي، ولكنها أيضاً مصدر رئيسي للتمويل والتكنولوجيا التي تعتمد عليها الدول النامية في محاربة ارتفاع درجات الحرارة. كما هناك موضوع القيادة الأخلاقية التي قررت الولايات المتحدة التخلي عنها. سيكون لذلك عواقب للجهود الدبلوماسية الأمريكية الأخرى التي لا علاقة لها بالمناخ.

   إن الاقتصاد الأمريكي هو من بين الأكثر تعقيدًا وتأثرًا بالتحولات المناخية. أظهرت دراسات عديدة، بما في ذلك تقارير من مختبرات الأبحاث، أن التوجه نحو الطاقة النظيفة يمكن أن يؤدي إلى خلق ملايين من فرص العمل في قطاع الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، قد تُقدَّر فرص العمل في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمئات الآلاف في السنوات القادمة في حالة الالتزام ببرنامج الطاقة المتجددة. كما أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية كان يعني فقدان هذه الفرص النموذجية. ففي عام 2020م، كان هناك نحو 250 ألف فرصة عمل في صناعة الطاقة الشمسية وحدها، وهذه الأرقام قد تنخفض بشكل ملحوظ نتيجة للسياسات المناخية غير المستدامة. وقد أظهر تقرير من الجمعية الأمريكية للطاقة الشمسية أن هذه الصناعة قد تشهد تسريحًا للعمال في الحالات التي يتم فيها تقويض السياسات الداعمة.

   وصفوة القول يُشكل انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق باريس بشأن التغير المناخي تهديداً قد يقود إلى انهيار الاتفاقيات الدولية المعنية بالبيئة، وإلى ضعف قدرة المجتمع الدولي في التصدي لمشكلات المناخ والبيئة علاوة على تأثيره على صندوق تعويضات أضرار المناخ.

  وسيكون لدعم إدارة ترامب لمنتجي النفط والغاز بما في ذلك الغاز الصخري الذي يُعتبر إحدى الركائز الأساسية في سعي ترامب لتحقيق "هيمنة الولايات المتحدة على الطاقة" في السوق العالمية، لذلك اختار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب كريس رايت وزيرًا للطاقة، والذي يُعد من أشد المؤيدين لتطوير النفط والغاز وكثيرًا ما انتقد رايت ما يسميه النهج "من أعلى إلى أسفل" في التعامل مع المناخ من قبل الجماعات الليبرالية واليسارية، وجادل بأن حركة المناخ في جميع أنحاء العالم "تنهار تحت وطأة ثقلها" وفق تعبيره وكتب أن هناك حاجة إلى المزيد من إنتاج الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم لانتشال الناس من الفقر.

ثانياً-الآثار الاقتصادية لانسحاب الولايات المتحدة من المنظمات الدولية على التعاون الإنمائي الدولي

  تُعد الولايات المتحدة المساهم الأكبر في تمويل موازنات المنظمات والهيئات الدولية المعنية بالتنمية الدولية والإنسانية، حيث كانت الولايات المتحدة المانح والشريك الأكبر لمنظمة الصحة العالمية قد ساهمت بمبلغ 1.284 مليار دولار خلال الفترة 2022-2023م.

 ومع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة مجدداً قام بالتوقيع على أمر تنفيذي بانسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية. وتعد الإدارة الجديدة أن المنظمة ليست فعالة بما فيه الكفاية، وتخضع لتأثيرات سياسية، وتطلب تمويلاً كبيراً من الولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة تساهم بنحو (18%) من إجمالي تمويل المنظمة، مما جعلها الداعم الأكبر بفارق كبير عن غيرها.

وتأسيساً على الوضع الجديد قامت الإدارة العليا للمنظمة بتحديد الأولويات لضمان استدامة عملياتها، مُشددة على ضرورة توجيه الموارد نحو القضايا الأكثر إلحاحاً لضمان استمرار التأثير الإيجابي للمنظمة على الصحة العالمية. وفي ظل التحديات المالية الجديدة، يسعى مسؤولو المنظمة إلى تأمين تمويل إضافي من الدول الأعضاء والجهات المانحة لتعويض الفجوة المالية.

  وغني عن البيان، إن جزءًا كبيراً من إجراءات منظمة الصحة العالمية للاستجابة لحالات الطوارئ الصحية في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغزة وأماكن أخرى يتم تنفيذها بدعم مالي من الولايات المتحدة. وأن منظمة الصحة العالمية قد أوقفت التوظيف وحدّت من السفر بسبب أزمة السيولة التي تعرضت لها بعد انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة.

   كما أوقف ترامب التمويل الأمريكي (الذي كان يتراوح بين 300–400 مليون دولار سنويًا) لأونروا وأصدر أمرًا بمنع التعامل مع الوكالة في يناير 2025م.وسوف يشكل هذا الانسحاب تهديداً لخدمات الصحة والتعليم لقرابة (5.6) مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا وفي غزة والضفة الغربية، كما أوقفت إدارة ترامب تمويل برامج الطوارئ التابعة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، والتي تسهم في إبقاء ملايين الأشخاص على قيد الحياة في كل من أفغانستان وسوريا واليمن و11 دولة فقيرة أخرى، يعاني العديد منها صراعات.  وأكد برنامج الأغذية العالمي بأن هذا القرار قد يُشكل حكماً بالإعدام لملايين الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد والمجاعة. وبلغ إجمالي قيمة المساعدات المقطوعة أكثر من (1.3) مليار دولار، وفقًا لأرقام منظمة (Stand Up For Aid) منها 562 مليون دولار لأفغانستان، و107 ملايين لليمن، و170 مليون للصومال، و237 مليون لسوريا، و12 مليون لغزة.

  وصفوة القول فإن انسحاب الإدارة الأمريكية من بعض المنظمات الدولية تأتي في سياق الرفض لأشكال التعاون الدولي، مع التركيز على المكاسب قصيرة الأمد والسيادة الوطنية. رغم أن هذه الخطوات تُعزز شعبية ترامب لدى قاعدة مؤيديه، بيد أنها تثير مخاوف من تآكل النظام الدولي المرتكز على التعددية، وزيادة الفراغ الذي قد تملؤه قوى كالصين أو روسيا.

ثالثاً-الآثار الاقتصادية للسياسة الأمريكية على التنمية الدولية

  ضمن سياسته لتقليص التدخل الأمريكي في الشؤون الدولية، وجه ترامب ضربة قوية للجهود التنموية العالمية، حيث أمر بسحب معظم موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) من مهامهم حول العالم، حيث كان يعمل بالوكالة قرابة (100) ألف موظف ودبلوماسي نسبة كبيرة منهم موظفون محلياً. وترتب على ذلك تعليق عشرات البرامج الحيوية في مجالات الصحة والتعليم ومكافحة الأوبئة، في أكثر من 120 دولة. لم يكن لهذا القرار وقع محلي فقط، بل أثار موجة من التحذيرات الدولية، حيث اعتبره خبراء التنمية ضربة قاسية للجهود الإنسانية، لاسيما في الدول التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الأمريكي.

 ووفقاً لبيانات حكومية أمريكية لعام 2023م، فإن المخصصات المالية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية بلغت 42 مليار دولار، أي نحو 0.6 % من الإنفاق الحكومي السنوي الأمريكي البالغ 6.75 تريليون دولار. ويشير التوزيع القطاعي لمساعدات الوكالة إلى قطاع التنمية الاقتصادية يستحوذ على الجزء الأكبر من المساعدات بنحو (18.8) مليون دولار أي بنسبة (44.3%) يليه المساعدات الإنسانية (9.4) مليار وبنسبة (22.2%)، ثم الصحة (7.2) مليار دولار وبنسبة (17%).

شكل (1) توزيع مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بحسب القطاعات لعام 2023 " مليار دولار"

المصدر: تم إعداد الشكل من قبل الباحث بالاعتماد على التقرير السنوي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لعام 2024

    رغم انسحاباته المتسارعة، لم يقرر ترامب بعد الخروج من منظمة التجارة العالمية لكنه لم يفوّت فرصة تهديدها علنًا. في عدة تصريحات سابقة، أبدى الرئيس الأمريكي استياءه من آليات عمل المنظمة، زاعمًا أنها تصب في مصلحة القوى الاقتصادية الأخرى على حساب الولايات المتحدة. في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز عام 2018م، قال ترامب: "إذا لم يتطوّروا، فسأنسحب من منظمة التجارة العالمية." كما كرر هذا التهديد لاحقًا في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ، معتبرًا أن المنظمة "أنشئت ليستفيد الجميع باستثنائنا نحن." وعلى الرغم من عدم صدور قرار رسمي حتى الآن، إلا أن المتابعين يرون أن إدارة ترامب قد تستخدم ورقة الانسحاب من المنظمة كورقة ضغط لإعادة صياغة قواعد التجارة الدولية وفقًا لرؤيتها.

    وتجدر الإشارة إلى أن الانسحابات قد أثارت حالة من الجدل العالمي، حيث اعتبرها البعض إعادة تموضع استراتيجية لإعادة التركيز على المصالح القومية، بينما وصفها آخرون بأنها تفكيك ممنهج لدور واشنطن القيادي في النظام الدولي. وقد سارع الخبراء الدوليون إلى التحذير من تداعيات هذه القرارات، خاصة على جهود مكافحة الأوبئة، حقوق الإنسان، والمساعدات التنموية. في ظل هذه التحولات المتسارعة، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل تعيد الولايات المتحدة صياغة دورها العالمي وفقًا لرؤية ترامب، أم أن الضغوط الداخلية والخارجية ستجبرها على إعادة النظر في هذه القرارات الجريئة؟

   أدى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف المساعدات الخارجية إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، مع تعليق شحنات الغذاء الطارئة وتجميد برامج التغذية في مناطق منكوبة مثل السودان وغزة، واليمن مما يعطل جهود الإغاثة ويهدد ملايين الأشخاص بالجوع الحاد.

    كما ضرب القرار الأمريكي عنصرًا حيويًا في الحرب على الجوع وهي شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة التي أُغلقت مع تعليق عمل الوكالة الأمريكية للتنمية.كانت الشبكة، التي أُنشئت عام 1985م، بعد مجاعات إفريقيا المدمرة، تُصدر تقارير حاسمة لتنبيه العالم إلى الأزمات الوشيكة، مستندةً إلى بيانات من 34 دولة. وبدون هذه الشبكة يفقد العالم آليةً كانت تُجبر الجهات الدولية على تحريك ملفات شائكة، كما حدث في دارفور عندما ضغطت الشبكة للإعلان عن مجاعة "زامزام" رغم اعتراضات الحكومة السودانية.

أثار القرار الأمريكي غضبًا دوليًا بعد توجيه "أوامر إيقاف عمل" لشركتي "مانا نوتريشن" و"إيديسيا نوتريشن"، الرائدتين في إنتاج أغذية علاجية لأطفال يعانون سوء التغذية الحاد. ويحذر الخبراء من تداعيات كارثية، مع ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع إلى (282) مليونًا في 59 دولة خلال عام 2023م، وفقًا لتقرير الأزمات الغذائية العالمي لعام 2024م.

رابعاً-الآثار الاقتصادية للسياسة الأمريكية على الاقتصاد العالمي:

  لا شك بأن القرارات التي أتخذها الرئيس الأمريكي ترامب بشأن فرض الرسوم الجمركية على أغلب دول العالم ستكون لديها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي لاسيما وأن الولايات المتحدة تُعد أكبر مستورد للسلع على الصعيد العالمي، حيث بلغت قيمة وارداتها السلعية نحو (2.9) تريليون دولار لعام 2024م، وتستحوذ كل من الصين والمكسيك وكندا على نحو (42.1%) من إجمالي الواردات الأمريكية.

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على: United States Census Bureau

  وتجدر الإشارة إلى أن أحد الأسباب الرئيسة التي دعت الولايات المتحدة إلى فرض الرسوم الجمركية على كل من الصين وكندا والمكسيك هو السعي لتقليص العجز التجاري، حيث بلغ متوسط قيمة هذا العجز مع الصين خلال السنوات الخمس الأخيرة نحو (323,48) مليار دولار، وشكل إجمالي العجز في الميزان التجاري الأمريكي الصيني نحو (1.6) تريليون دولار وهو ما يشكل نحو (5%) من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، والجدول التالي يُبين ذلك.

جدول (1) العجز التجاري الأمريكي مع الصين (2020-2024م) مليار دولار

السنة

الصادرات

الواردات

العجز في الميزان التجاري

2020

143,55

438,95

-295,4

2021

147,78

426,89

-279,11

2022

154,13

526,26

-382,13

2023

151,44

504.35

-352,81

2024

124,58

432,55

-307,97

الإجمالي

721,48

2,338.90

-1,617.42

Source: United States Census Bureau

   وغني عن البيان، فإن الإدارة الأمريكية تعتقد بأن الولايات المتحدة تقوم باستيراد منتجات من دول كالصين، دون أن يكون هناك مقابل كافٍ من الصادرات، والأمر الذي يؤدي إلى فقدان العديد من الفرص الاقتصادية، ومن خلال فرض رسوم على الواردات، تأمل الحكومة الأمريكية في تحفيز الصناعات المحلية وزيادة الصادرات.كما ترى الولايات المتحدة أن بعض الدول، مثل الصين، تمارس ممارسات تجارية غير عادلة مثل الإعانات الحكومية الكبيرة للشركات الوطنية، مما يؤدي إلى منافسة غير متكافئة، وترتكز الرسوم الجمركية كأداة للضغط على هذه الدول لتغيير سياساتها. تهدف الرسوم الجمركية إلى حماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، وإذ يمكن أن تؤدي المنتجات الرخيصة المستوردة إلى تدمير الصناعات الوطنية، خاصة في قطاعات كالصلب والألومنيوم، ومن خلال فرض رسوم على الواردات، يعتقد صانعو القرار الأمريكيون أنه سيكون من الممكن حماية هذه الصناعات الحيوية.

   في مطلع أبريل 2025م، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن فرض رسوم جمركية متبادلة حادة رسوماً جمركية متبادلة” على واردات بلاده من دول العالم كافة لكن بنسب متفاوتة، وذلك للنهوض مجدداً بالصناعة الأمريكية وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري وسد العجز في الموازنة العامة. ودخلت الرسوم الجديدة حيّز التنفيذ على مرحلتين كالآتي: في 5 أبريل للتعريفات البالغة نسبتها 10%، وفي 9 أبريل لتلك التي تزيد عن هذا الحدّ. وقد لاقت هذه الخطوة تنديداً من شركاء واشنطن وخصومها في آن واحد وتحذيراً من مخاطرها الجسيمة على الاقتصاد العالمي، لاسيما إذا ما علمنا بأن الولايات المتحدة استوردت سلعاً قيمتها نحو 3300 مليار دولار عام 2024م.ثم قامت الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية باستثناء الهواتف الذكية والحواسب لتصل إلى (145%)اعتبارًا من 10 أبريل 2025م، وقابلتها الصين برفع الرسوم الجمركة لتصل إلى (125%) وذلك اعتبارًا من 12 أبريل 2025م.

 

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على كلمة الرئيس الأمريكي والبيت الأبيض

ونالت الدول العربية نصيبها من الرسوم الجمركية الأمريكية، ولكن بنسب متفاوتة كانت أعلاها لسوريا (41%) وأدناها لدول الخليج العربي (10%)، حيث أن الميزان التجاري الخليجي الأمريكي يكون لصالح الولايات المتحدة، والشكل البياني التالي يُبين ذلك.

شكل (4) الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الدول العربية

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على كلمة الرئيس الأمريكي والبيت الأبيض

    وترامب المعجب بالنهج الحمائي المطبق في الولايات المتحدة في أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20، يقلل من المخاوف بشأن مخاطر التضخم وانهيار البورصات، وتحدث محللون في غولدمان ساكس في مذكرة عن المخاطر الاقتصادية المرتبطة بمجموعة واسعة من الرسوم الجمركية سيكون لها التأثير السلبي ذاته مثل زيادة في الضرائب، على الاستهلاك والقدرة الشرائية. كما ويُعد ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة أحد التأثيرات الرئيسية لفرض الرسوم الجمركية، فعندما تفرض الحكومة رسومًا على الواردات، يتحمل المستهلكون في النهاية هذا العبء من خلال زيادة أسعار المنتجات، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل القدرة الشرائية للأفراد، مما يؤثر على مستوى رفاهية المجتمع. وكذلك سيؤثر فرض الرسوم الجمركية على سلاسل التوريد، فبينما تسعى الشركات إلى تقليل التكاليف من خلال استيراد المواد الخام والمنتجات الجاهزة بأسعار منخفضة، ولكن مع فرض الرسوم الجمركية، قد تواجه الشركات صعوبة في تأمين هذه المواد بأسعار معقولة، مما يعطل سلاسل الإمداد العالمية ويؤدي إلى تأخير الإنتاج، كما سترفع الرسوم الجمركية تكلفة ممارسة الأعمال التجارية خارج الولايات المتحدة، ومع ذلك، حتى الشركات التي تصنع في الولايات المتحدة يمكن أن تتأثر، لأن العديد منها يعتمد على قطع غيار ومواد أجنبية كسلع وسيطة.وفي نهاية المطاف فإن شعور المستهلكين بتأثير تلك التكاليف الأعلى يمكن أن يختلف حسب الصناعة والمنتج.

   وغني عن البيان، فإن قرار ترامب بفرض الرسوم على الجميع يعني تخلي الولايات المتحدة عن دورها كحارس للنظام التجاري العالمي، الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، حين خرجت الولايات المتحدة كالمشرفة الرئيسية على الأسواق المفتوحة، وبلغ ذروته عام 1995م، بتأسيس منظمة التجارة العالمية، وقد صعدت الصين داخل هذا النظام، مكتفية بإبداء الالتزام الشكلي بالقواعد بعد انضمامها 2001م، رغم انتهاكها للعديد منها. وطالما اتهمت بتشويه النظام التجاري العالمي من خلال تقديم إعانات ضخمة وقروض منخفضة التكلفة من المصارف الحكومية لصناعات مفضلة. أما اليوم، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية تنتهك عمداً المبدأ الجوهري لعدم التمييز كما هو منصوص عليه في المادة الأولى من معاهدة إنشاء منظمة التجارة العالمية، ونتيجة لذلك، فإن الدول والتكتلات التجارية العالقة بالمنتصف لم تحاول إنقاذ النظام القديم، وإنما تؤسس نظاماً جديداً أقل اعتماداً على الطلب الأمريكي وأكثر حماية من فائض الطاقة الإنتاجية الصيني.

   وغني عن البيان، فإن التعريفات الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين الأمريكيين عبر مجموعة من السلع المستوردة، حيث تحمل الشركات بعض أو كامل تكاليفها المتزايدة على المستهلكين. يمكن أن تشمل المنتجات المتأثرة كل شيء، بدءاً من البيرة والويسكي والتيكيلا، مروراً بشراب القيقب والوقود والأفوكادو والبيض. وقد تقرر بعض الشركات أيضاً استيراد كميات أقل من السلع الأجنبية -أو التوقف تماماً عن استيرادها – ما قد يجعل المتاح من تلك السلع أغلى ثمناً. قد ترتفع أيضاً أسعار السلع المصنعة في الولايات المتحدة باستخدام مكونات مستوردة. على سبيل المثال، تعبر عادةً مكونات تصنيع السيارة حدود الولايات المتحدة والمكسيك وكندا عدة مرات قبل أن يتم تجميع السيارة بالكامل. وكان من المتوقع أصلاً أن ترتفع أسعار السيارات نتيجة للتعريفات الجمركية السابقة. ووفقًا لمحللين في مجموعة أندرسون الاقتصادية، يمكن أن ترتفع تكلفة السيارة المصنعة باستخدام أجزاء من المكسيك وكندا وحدها بمقدار 4 آلاف إلى 10 آلاف دولار، ويعتمد ذلك على نوع السيارة.

   وفي الختام نقول بأن السياسات الاقتصادية لترامب فيما يتعلق بفرض الرسوم الجمركية سيكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، وتزايد معدلات البطالة، والتقليل من حجم التجارة الدولية، وانخفاض في أسعار النفط والغاز نتيجة للركود الاقتصادي، أما فيما يتعلق بإلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فسيكون له تداعيات خطيرة على التنمية الدولية، حيث سترتفع معدلات الفقر والجوع في العديد من البلدان التي كانت تتلقى المعونات والمساعدات الأمريكية كاليمن والصومال والسودان وسوريا، وبالتالي ستتلقى جهود المجتمع الدولي ضربة موجعة فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030م، لاسيما ما يتعلق بالهدفين الأول والثاني المعنيين بمحاربة الفقر والجوع وتحقيق الأمن الغذائي، خصوصاً مع انسحاب الولايات المتحدة من تمويل البرنامج الغذائي العالمي.

مقالات لنفس الكاتب