array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 209

نفوذ إيران الإقليمي على مفترق طرق بين الضغوط وغموض مسارات التفاوض مع أمريكا

الأربعاء، 30 نيسان/أبريل 2025

مثّل التمدد الإقليمي أحد أهم الأهداف التي سعت إيران إلى تحقيقها على الدوام. وفي الواقع، فإن هذا الهدف كان قاسماً مشتركاً بين نظام الشاه محمد رضا بهلوي الذي سقط في عام 1979م، ونظام الجمهورية الإسلامية الذي أطاح به. لكن الاختلاف بينهما كان يكمن حول الآليات التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك.

وهنا، تتضح خطورة ما تقوم به إيران في عهد الجمهورية الإسلامية التي أسسها له الخميني. إذ أنها استخدمت آليات لم تؤد فقط إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، وإنما ساهمت أيضاً في تهديد أمن واستقرار العديد من دولها، بعد أن أمعنت إيران في التدخل في شؤونها الداخلية تحت شعار أيديولوجي فضفاض هو "نصرة المستضعفين"، واستغلت في هذا السياق جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية مختلفة. وقد وصل الأمر بإيران لدرجة الترويج إلى أن "المحور الإقليمي" الذي تقوده هو الذي بات يقرر مستقبل المنطقة.

لكن هذا المحور الذي سعت إيران إلى تعزيز دوره يواجه اختبارات صعبة في المرحلة الحالية، بفعل المعطيات الاستراتيجية الجديدة التي فرضتها الحرب الإسرائيلية التي اندلعت في قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023م، ثم امتدت إلى لبنان واليمن وسوريا وربما تصل إلى العراق وإيران في مرحلة لاحقة. فقد أدت الحرب إلى القضاء على قسم من قدرات وكلاء إيران على نحو ساهم في إضعاف نفوذها الإقليمي بشكل كبير.

تراجع نفوذ إيران هو الذي اضطرها في النهاية إلى التجاوب مع الدعوة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 12 مارس 2025م، لإجراء مفاوضات حول البرنامج النووي، والتي أرفقها بإطلاق تهديدات بأن رفض إيران لذلك سيُعرِّضها لضربات عسكرية واسعة النطاق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

وبالفعل، بدأت هذه المفاوضات في العاصمة العمانية مسقط، في 12 أبريل 2025م، حيث تسعى إيران من خلالها إلى إبرام صفقة "اضطرارية" مع الولايات المتحدة الأمريكية، تحاول من خلالها تجنب استخدام الأخيرة للخيار العسكري لتسوية الخلافات العالقة معها، ورفع القسم الأكبر من العقوبات الأمريكية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على البرنامج النووي دون تفكيكه وفق ما يسمى بـ "النموذج الليبي" الذي سعت إسرائيل إلى إقناع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستنساخه فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.

ويمكن القول إن المسارات المحتملة لهذه المفاوضات سوف يكون لها تأثير مباشر على الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة، خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل تداخل الملفات وتشابك مصالح القوى المعنية بها.

أولاً: الأساس الأيديولوجي للنفوذ الإقليمي:

يمثل مبدأ "نصرة المستضعفين" العنوان الأيديولوجي الرئيسي للتمدد الإيراني في المنطقة. وقد جاء ذكره في المادة (154) من الدستور الإيراني التي نصت على أن "جمهورية إيران الإسلامية تعتبر سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى".

من هنا، كان أحد الشعارات الرئيسية التي رفعتها إيران لتبرير انخراطها في الصراعات المسلحة وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة هو "نصر المستضعفين". وقد بدا ذلك جلياً في الصراع المسلح الذي اندلع في سوريا بداية من مارس 2011م، حيث بررت إيران انخراطها فيه إلى جانب نظام الرئيس السابق بشار الأسد، بـ "الدفاع عن المراقد الشيعية". وكان المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي واضحاً في هذا السياق عندما حاول تقليص أهمية التداعيات التي فرضها سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024م، بقوله: "بعض الأشخاص بسبب افتقارهم للفهم وقلة الوعي والتحليل الصحيح للقضايا يقولون إن الدماء التي أريقت في سبيل الدفاع عن الأضرحة قد ذهبت هدراً"، مضيفاً أن "هذا التصور خطأ كبير، لأنه لولا قتال الجنرال سليماني ومدافعي الأضرحة لما بقي من أثر من المراقد المقدسة، سواء السيدة زينب أو حتى كربلاء والنجف".

لكن ثمة إشكاليتين محوريتين يمكن طرحهما في هذا السياق: الأولى، أن الدستور لم يوضح الآلية التي يمكن من خلالها أن تساعد إيران ما تسميهم بـ "المستضعفين في الأرض" دون أن يمثل ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو ما يبدو جلياً في حالات عديدة في منطقة الشرق الأوسط، مثل تدخلها في الأزمات الداخلية لبعض الدول العربية، على غرار لبنان وسوريا والعراق والأراضي الفلسطينية.

وقد بدا ذلك جلياً في الجدل الذي أثارته تصريحات رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان) محمد باقر قاليباف لمجلة "لوفيجارو" الفرنسية، في 18 أكتوبر 2024م، والتي قال فيها أن "إيران مستعدة للتفاوض مع فرنسا حول تنفيذ القرار 1701". وقد اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال السابق نجيب ميقاتي هذه التصريحات تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للبنان وطلب من وزير الخارجية استدعاء القائم بالأعمال الإيراني لإبلاغه احتجاجاً رسمياً على ذلك.

وقد حاول بعض المسؤولين الإيرانيين تأكيد أن الدعم الإيراني لبعض التنظيمات المسلحة ينحصر في الإطار المعنوي فقط، أي لم يتطور إلى تقديم مساعدات مالية أو عسكرية أو غيرها. بل إن وزير الخارجية الإيراني الأسبق – مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية السابق (قدم استقالته في 2 مارس 2025م) -محمد جواد ظريف عكس هذه المقاربة عندما قال، في 17 نوفمبر 2023م – عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة -أن "دعم إيران لحركة حماس لا يعني أن تقاتل إلى جانبها". إلا أن ذلك لم يستقطب اهتماماً كبيراً من جانب القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات منطقة الشرق الأوسط، التي اعتبرت أن ذلك يمثل محاولة من جانب إيران لتقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها بسبب تدخلاتها الإقليمية.

والثانية، أن إيران لم تلتزم بتطبيق هذه المادة حرفياً، ويبدو ذلك واضحاً في تفاعلها مع بعض القضايا الإقليمية والدولية، على غرار الموقف الإيراني من قضية الشيشان، حيث لم تندد إيران بالتدخل الروسي في الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، وذلك بسبب المصالح الإيرانية مع روسيا التي فرضت عليها عدم تبنى سياسة يمكن أن تؤدي إلى حدوث توتر في العلاقات مع الأخيرة.

وقد وصف نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) علي مطهري، في حواره مع وكالة الأنباء العمالية "إيلنا" في 8 سبتمبر 2018م، سياسة بلاده بأنها "انتقائية في تعاملها مع قضايا المنطقة"، في إشارة إلى أن إيران تضع في أولوياتها المصالح قبل الأيديولوجيا وأنها تحدد مواقفها بناءً على ما تقتضيه الأولى.

تغليب إيران للمصالح على الأيديولوجيا بدا واضحاً أيضاً خلال الحرب التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة بداية من 7 أكتوبر 2023م. فمنذ بداية الحرب، كان لافتاً أن إيران حرصت على النأي بنفسها عن التورط فيها، عبر تأكيد أن عملية "طوفان الأقصى" كانت فلسطينية بحتة لم يكن لإيران أي دور فيها. ففي كلمة ألقاها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي أمام كلية عسكرية بطهران، في 10 أكتوبر 2023م، نفى ضلوع إيران في عملية "طوفان الأقصى"، حيث قال إن "أنصار الكيان الصهيوني وآخرين نشروا شائعات في الأيام الماضية ومنها أن إيران تقف وراء هذه العملية. إنهم مخطئون".

ثانياً: الأهداف الرئيسية:

سعت إيران باستمرار إلى استغلال هذا التمدد الإقليمي لتحقيق أهداف رئيسية ثلاثة تتمثل في:

  • تبني سياسة "الحرب بالوكالة": وتعتمد هذه الحرب على استخدام الوكلاء في المنطقة لإدارة الصراع مع القوى المناوئة لها. وقد عبر المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي عن هذه المقاربة، في تصريح له في 5 يناير 2017م، حيث قال لعوائل الإيرانيين الذين قتلوا في سوريا: "لقد ذهبوا إلى هناك من أجل ألا تحارب إيران داخل حدودها، لو لم نحارب الأشرار ودعاة الفتنة من عملاء أمريكا والصهيونية في سوريا، لكنا نصارعهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان".
  • إدارة الصراع مع الخصوم: سعت إيران إلى استغلال نفوذها في بعض الدول من أجل إدارة الصراع مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. إذ حرصت إيران باستمرار على الاقتراب من حدود الأخيرة، عبر توسيع نطاق نفوذها داخل سوريا، قبل سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر 2024م، كما أنها اعتبرت أن وجود القوات الأمريكية في الدول التي يتصاعد فيها نفوذها فرصة لوضع تلك القوات في مرمى الاستهداف الإيراني باستمرار. ومن هنا، يمكن تفسير تعمد الميليشيات الموالية لإيران توجيه تهديدات مستمرة بشن هجمات ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في حالة توجيه ضربة عسكرية ضد إيران.
  • التحول إلى رقم مهم في الملفات الإقليمية: وبمعنى أدق تكريس الدور الإيراني في عملية صياغة الترتيبات السياسية والأمنية التي تشهدها العديد من دول المنطقة، لا سيما دول الصراعات التي يتواجد فيها وكلاء موالون لإيران، على غرار سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية واليمن والعراق وغيرها.

وقد وصل الأمر بإيران إلى درجة أنها كانت تعتبر نفسها "القوة الإقليمية الأولى"، وليس مجرد قوة إقليمية ضمن خريطة تضم قوى عديدة، للدلالة على تفرد موقعها في المنطقة وفقاً لتصور قيادتها. وقد أشار الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي العربي الأسبق إلى سوريا، إلى هذا التصور عندما كان يبذل جهوداً حثيثة خلال فترة توليه منصبه (أغسطس 2012 -مايو 2014م) بهدف إقناع إيران بالتدخل من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة السورية، حيث قال إن الأخيرة اشترطت أن يكون هناك اعتراف دولي بها باعتبارها القوة الرئيسية الأولى في المنطقة، إذ قال له المسؤولون الإيرانيون الذين التقى بهم حسب تصريحاته: "نحن لسنا دولة مهمة في الإقليم، بل نحن الدولة المهمة فيه".

ثالثاً: تداعيات الانكشاف الاستراتيجي:

يمكن القول أن هناك فارقاً شاسعاً بين نفوذ إيران الإقليمي قبل 7 أكتوبر 2023م، ونفوذها بعده. فقد أدت الحرب التي اندلعت في هذا التوقيت إلى القضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية لحزب الله والفصائل الفلسطينية. كما أنها عرَّضت إيران نفسها لضربتين عسكريتين من جانب إسرائيل في 19 أبريل و26 أكتوبر 2024م، أسفرت الأخيرة – حسب الروايتين الأمريكية والإسرائيلية -عن تدمير منظومة الدفاع الجوي الإيرانية.

لكن الضربة الأقوى التي تعرض لها النفوذ الإقليمي الإيراني جاءت بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024م. فقد كانت النتيجة المباشرة لذلك هي خروج إيران من سوريا، وتراجع، إن لم يكن انتهاء، نفوذها الذي سعت إلى تأسيسه وتعزيزه منذ مرحلة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.

إذ أن سوريا لم تحظ بأهمية استراتيجية بالنسبة لإيران لاعتبارات خاصة فقط بالعلاقات القوية التي أسستها الأخيرة مع النظام الذي حكمها على مدى ولايتي حافظ وبشار الأسد. بل إن أهميتها تتجاوز ذلك إلى حد بعيد، لا سيما في ظل موقعها الاستراتيجي الذي كان يربط بين إيران والميليشيات الوكيلة لها في مناطق ودول الصراع، على غرار حزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية.

ورغم أن إيران بذلت جهوداً مضنية من أجل منع إسقاط النظام السوري مع بداية اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011م، حيث قامت بالانخراط مباشرة في الصراع العسكري الذي تلى ذلك، وكان لها دور بارز في تكوين وتدريب الميليشيات الشيعية التي قاتلت إلى جانب القوات النظامية، إلا أنها لم تتبنى السياسة نفسها، عندما بدأت هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع (رئيس الإدارة السورية الحالية) والجيش الوطني السوري والفصائل المسلحة الأخرى في السيطرة على المدن السورية الرئيسية الواحدة تلو الأخرى، بداية من 27 نوفمبر 2024م، حيث سيطرت على حلب، ثم حماة وحمص، وأخيراً وصلت إلى العاصمة السورية التي غادرها الرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024م.

وقد بدأت هذه التطورات في مجملها تفرض تداعيات مباشرة على إيران، يمكن تناولها على النحو التالي:

  • انتهاء دور "همزة الوصل" بين إيران ووكلائها: أدى القضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية لحزب الله، فضلاً عن اغتيال قياداته الرئيسية، لا سيما الأمين العام الأسبق حسن نصر الله، إلى جانب سقوط نظام الرئيس السوري، إلى تراجع النفوذ الإقليمي لإيران بشكل مباشر. فقد كان ذلك معناه المباشر انتهاء دور "همزة الوصل" الذي كان يقوم به النظام السوري بين إيران ووكلائها. إذ لم تعد إيران تمتلك ما يمكن تسميته بـ "مروحة الخيارات" التي كانت متاحة لها في فترة حكم الأسد، فيما يتعلق بتقديم الدعم العسكري والاقتصادي لوكلائها، بعد أن باتت الحدود خاضعة لرقابة من جانب الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل.

والأكثر من ذلك، أن كلاً من إسرائيل وتركيا استغلتا ما يحدث في سوريا من أجل تعزيز نفوذهما داخلها، حيث قامت الأولى بإنهاء اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا والقضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية للجيش السوري، واحتلال المنطقة العازلة بين الدولتين والسيطرة على جبل الشيخ. فيما سعت الثانية إلى توسيع نطاق دورها في صياغة الترتيبات السياسية والأمنية داخل سوريا، على نحو يتوافق مع مصالحها، وهو ما بدا جلياً في توقيع اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" داخل مؤسسات الدولة في 10 مارس 2025م.

  • تصاعد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية: أدى تراجع دور حزب الله وسقوط نظام الأسد، فضلاً عن تعرض ميليشيا الحوثيين لضغوط قوية بسبب الضربات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية بداية من 15 مارس 2025م، إلى تفاقم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ضد إيران. فالدولتان أصبحتا تريان أن هناك واقعاً جديداً طرأ على المنطقة يوفر فرصة لا يمكن تجاهلها فيما يتعلق بتسوية الخلافات العالقة مع إيران، سواء من خلال إجراء مفاوضات جديدة أو استخدام الخيار العسكري.

وقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واضحاً في هذا السياق، عندما خيّر إيران بين الوصول إلى صفقة جديدة حول الملف النووي، وبين السماح لإسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية أقوى من تلك التي نفذتها في 26 أكتوبر 2024م، وقد دفعت تلك الضغوط إيران إلى قبول إجراء مفاوضات مع إدارة الرئيس الأمريكي في سلطنة عمان، بداية من 12 أبريل 2025م، لم تتضح بعد مساراتها المحتملة، رغم التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون والتي وصفتها بأنها "إيجابية" و"بناءة".

  • تزايد التوتر مع الإدارة السورية الجديدة: تعمدت الإدارة السورية الجديدة منذ بداية وصولها إلى السلطة في 8 ديسمبر 2024م، توجيه رسائل مناوئة لإيران، مفادها أنها لن تسمح للأخيرة بالعودة إلى تعزيز نفوذها مرة أخرى. وقد سعت الإدارة السورية عبر ذلك إلى استقطاب الدعم الغربي والعربي للسياسة الجديدة التي تتبناها في هذا الصدد، خاصة أن ذلك توازى مع محاولاتها منع نقل الأسلحة من سوريا إلى معاقل حزب الله في لبنان.

ورغم أن إيران أكدت أن هناك قنوات غير مباشرة تم تأسيسها مع الإدارة السورية الجديدة، إلا أن التطورات الميدانية التي طرأت على الساحة السورية بداية من 6 مارس 2025م، عندما تصاعدت حدة المواجهات المسلحة التابعة للإدارة السورية الجديدة وبعض المكونات المجتمعية السورية، في مدن الساحل السوري، لا سيما اللاذقية وطرطوس، التي تقطنها الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ساهمت في تصاعد حدة التوتر بشكل غير مسبوق بين الطرفين.

فقد اتهم الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إيران، بشكل غير مباشر، بأنها كانت وراء المواجهات التي جرت في محافظات الساحل. هذه الاتهامات دفعت إيران إلى الرد عبر شن حملة سياسية وإعلامية ضد ما يجري على الصعيد السوري. إذ اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية، في 10 مارس 2025م، أن الاتهامات التي توجه لإيران بالمسؤولية عن أحداث العنف التي شهدتها اللاذقية وطرطوس "سخيفة"، مضيفة أنه "لا يوجد أي مبرر للهجوم على العلويين والمسيحيين والطوائف الأخرى". فيما اعتبرت بعض وسائل الإعلام الإيرانية أن ما يجري في سوريا يمثل محاولة لـ "إبادة مكون اجتماعي محدد في سوريا"، في إشارة إلى الطائفة العلوية تحديداً.

ومن دون شك، لا يمكن استبعاد أن يكون لإيران دور فيما يجري في سوريا. إذ أن اندلاع تلك المواجهات في مدن الساحل – التي كانت إيران تمتلك فيها نفوذاً قوياً خلال فترة وجودها في سوريا – يوحي بأن بعض الأطراف التي انخرطت في تلك المواجهات قد تكون على علاقة معها. فضلاً عن أن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي سبق أن ألمح إلى أن إيران لن تتوانى عن استغلال أية فرصة للعودة من جديد إلى الساحة السورية، خاصة بعد أن بدأت قوى إقليمية، مثل تركيا، في محاولة ملء الفراغ الذي نتج عن انسحابها من سوريا عقب سقوط نظام الأسد.

فقد توقع خامنئي، في 22 ديسمبر 2024م، أن "تخرج مجموعة من الشرفاء السوريين لتغيير الوضع القائم"، ووجه حديثه إلى الفصائل التي وصلت إلى السلطة، حيث قال: "لم تكن هناك قوة إسرائيلية ضدكم في سوريا. التقدم بضعة كيلومترات ليس انتصاراً، لم يكن هناك عائق أمامكم وهذا ليس انتصاراً، وبطبيعة الحال، فإن شباب سوريا الشجعان سوف يخرجونكم من هناك بالتأكيد".

  • محاولة استنساخ النموذج السوري داخل إيران: بدأ المسؤولون الإيرانيون يشيرون إلى احتمال اندلاع احتجاجات جديدة في إيران على غرار تلك التي شهدتها في منتصف سبتمبر 2022م، بعد وفاة الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني. ففي خطبة صلاة عيد الفطر، في 31 مارس 2025م، قلل المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي من احتمالات تعرض إيران لهجوم خارجي، لكنه لم يستبعد في الوقت نفسه احتمال اندلاع احتجاجات في الداخل يمكن أن تتحول إلى فوضى.

حرص المسؤولين الإيرانيين على عدم استبعاد هذا الاحتمال يعود إلى رؤيتهم القائمة على أن قوى المعارضة في الخارج ربما تسعى إلى استغلال تراجع النفوذ الإقليمي الإيراني لتعزيز فرص إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، وبالتالي الحلول محله. وقد بدأ بعضها في شن حملة دولية تهدف إلى استقطاب دعم العديد من الدول الغربية لبرامجها السياسية، باعتبار أنها يمكن أن تمثل بديلاً للنظام الحالي.

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن النفوذ الإقليمي الإيراني بات حالياً على مفترق طرق، في ظل الضغوط القوية التي تتعرض لها إيران حالياً على خلفية التداعيات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان، والضربات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في سوريا واليمن، فضلاً عن غموض المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها المفاوضات الحالية التي تجري بين طهران وواشنطن، بداية من 12 أبريل 2025م، والتي سوف تنتج، في كل الأحوال، تداعيات مباشرة على المستوى الإقليمي.

مقالات لنفس الكاتب