array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 209

خمسة أهداف أمريكية في منطقة الشرق الأوسط و3 محاور لسد عجز الموازنة

الأربعاء، 30 نيسان/أبريل 2025

يمر العالم هذه الأيام بمتغيرات غير مسبوقة، تحدث على وتيرة متسارعة تصيب من يحاول متابعتها، ناهيك عن فهمها .  تعود البداية إلى قبل أربع سنوات عندما غزت روسيا جارتها أوكرانيا تحت ذريعة حماية أمنها القومي. شكل ذلك الحدث زلزالاً هز أركان النظام العالمي وتوالت بعده الهزات الارتدادية مثل أمواج البحر فكان من أهمها النقلة الكبيرة في العلاقات الأمريكية-الصينية التي تحولت من الشراكة إلى المنافسة والاحتواء، ثم جاء تهديد الصين بغزو تايوان ولم يفق العالم من تلك الصدمات حتى جاءت الانتخابات في العديد من الدول الأوروبية التي شهدت صعود أحزاب اليمين إلى المجالس المحلية والبرلمان الأوروبي تحت شعارات شعبوية هي أقرب إلى النازية منها إلى أي شيء آخر تنادي بتقويض أساس الوحدة الأوروبية وتنذر بعودة أوروبا إلى سابق عهدها من التشتت والاقتتال ثم جاءت الحرب في غزة التي أثبتت عجز النظام الدولي عن إدارة أزمة تعتبر صغيرة بالمقاييس العالمية وأخيراً وليس آخراً  كانت الانتخابات الأمريكية التي قدمت لليمين الأمريكي أكبر انتصار شمل أجهزة الحكومة الثلاث وهي الرئاسة وأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.  هذه الأحداث، وإن بدت بعيدة عن بعضها البعض، إلا إنها في حقيقة الأمر مترابطة فيما بينها وترسم صورة مقلقة لمستقبل العالم على المدى المنظور وتهدد بدخول النظام العالمي في نفق مظلم، لا يعرف ما الذي سيأتي بعده. نحاول في هذه المقالة الربط بين هذه الأحداث وأثرها على النظام العالمي، من خلال التذكير بأسس ذلك النظام والطريقة التي من الممكن أن تؤثر فيها الأحداث الجارية والقادمة على المنطقة وأمنها الإقليمي. 

الدور المحوري للولايات المتحدة في النظام العالمي

قام النظام العالمي الحالي بعد انتصار الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة على دول المحور المتمثلة بألمانيا واليابان وإيطاليا في الحرب العالمية الثانية، حيث شكلت الدول المنتصرة النظام العالمي على أسس تضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية وتحول دون عودة القوى التي خسرت الحربين الأولى والثانية.  وكان من أهم تلك الأسس:

-الأنظمة الأمنية والسياسية: اقتضت الترتيبات الأمنية إنشاء منظمة الأمم المتحدة كبديل لعصبة الأمم التي فشلت في إيقاف الحرب العالمية الثانية حيث تمت إضافة مجلس الأمن الذي يمتلك صلاحيات واسعة في حل النزاعات ومحكمة العدل الدولية بالإضافة الى التواجد العسكري الأمريكي في العديد من الأماكن مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية والفلبين واليابان والتواجد البريطاني-الفرنسي وتقاسم النفوذ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتقاسم النفوذ بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في أوروبا وجنوب شرق آسيا وإنشاء حلف الأطلسي لضمان أمن أوروبا الغربية وعدم اشتعال التنافس بين دولها ثانية.

-النظام الاقتصادي: قام على إنشاء مؤسسات مالية عالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وإقامة منظومة اقتصادية عالمية تعتمد الدولار، الذي ترتبط قيمته بالذهب، في المعاملات الدولية التي وضعت ضمن نظام "بريتون وودز" لعام 1944م، هذا النظام أدخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ازدهار غير مسبوقة شهدت نمو الناتج المحلي الأمريكي من 228 مليار دولار في عام 1945م، إلى 1700 مليار عام 1975م.

الأزمة الاقتصادية الأمريكية

تخلت الولايات المتحدة عن نظام بريتون وودز في أوائل السبعينات من القرن الماضي عندما قرر الرئيس نيكسون فصل الدولار عن غطاء الذهب وجعل قيمة الدولار عائمة تحددها عوامل العرض والطلب.  هذه الخطوة مع وجود بيئة سياسية تحرم زيادة الضرائب ويقودها جشع الشركات الكبيرة والأغنياء المتنفذين سياسياً أدخلت الاقتصاد الأمريكي، أو بالتحديد، الموازنة الحكومية في دائرة الفوضى، متمثلة بالإنفاق غير المنضبط بأية ضوابط أو قيود سوى كسب ود الممولين للحملات الانتخابية ومنح الفتات للناخبين وذلك أدى إلى ارتفاع العجز إلى 1.83 ترليون دولار في عام 2024م، وهو رقم خيالي يفوق الناتج المحلي لمعظم دول العالم، والأدهى من ذلك أنه يمثل 37% من الموازنة العامة أي أن الحكومة تستدين أكثر من ثلث موازنتها العامة. نظرة إلى الرسم البياني أدناه توضح طبيعة المشكلة المتمثلة بالمستويات التاريخية للعجز في الموازنة السنوية الأمريكية.

 رسم بياني يوضح أرقام العجز في الموازنة السنوية الأمريكي للأعوام العشر الماضية (وزارة الخزانة الأمريكية)

أرقام العجز في الموازنة يعود جزء كبير منها إلى قرار إدارة بايدن زيادة الإنفاق الحكومي بشكل غير مسبوق لمواجهة أزمة الكوفيد-19 وآثارها الاقتصادية، وقبل ذلك قرار الرئيس ترامب تخفيض الضرائب عام 2017م، والذي كان موجهاً لصالح الأغنياء والشركات الكبيرة، وهو يسعى الآن لجعل ذلك القرار دائماً والذي يعني انخفاضًا في الدخل الحكومي قد يصل إلى 400 مليار سنوياً.  لذلك يسعى الرئيس إلى معالجة المشكلة من ثلاثة محاور:

الأول خفض الإنفاق، وهذه ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض، لأن المواد التي تمثل البنود الأساسية في الموازنة العامة وهي الضمان الاجتماعي (21%)، التأمين الصحي (15%)، الدفاع (13%)، الصحة (13%) الفائدة على الدين (13%)، تشكل 75% من الموازنة، وليس بإمكان أحد المساس بهذه الفقرات.   هذه الحقائق دفعت بالرئيس ترامب إلى تعيين ايلون ماسك في وزارة جديدة استحدثها لزيادة الكفاءة في أداء الحكومة لكنها في الحقيقة تسعى إلى خفض الإنفاق الحكومي في مجالات مثل إلغاء المساعدات الخارجية وتقليص عدد الموظفين الحكوميين وإلغاء بعض دوائر الدولة مثل الوكالة الأمريكية للدعم الدولي (USAID) التي تم إلغاء 83% من برامجها وتسريح معظم العاملين فيها الذين يبلغ عددهم أكثر من 10 آلاف موظف حيث تحولت إلى دائرة تابعة لوزارة الخارجية يديرها 15 موظفًا فقط وكذلك إلغاء بعض الوزارات مثل وزارة التربية التي يعتقد المحافظون أن عملها من اختصاص الحكومات المحلية حصرياً ووزارة الطاقة التي يعتقدون أن توفير موارد الطاقة يعود الى القطاع الخاص.

المحور الثاني يقوم على رفع مستوى الدخل الحكومي من خلال فرض الرسوم على الواردات، وبالفعل فقد أعلن الرئيس ترامب فرض رسوم قد تقارب 50% على الواردات، وهذه سوف نشرح بعض آثارها المحتملة لاحقاً.

المحور الثالث الذي تفكر به الحكومة هو تشجيع الصادرات من خلال تقليد الصين في سياستها المالية، القائمة على تخفيض قيمة عملتها الوطنية كوسيلة لتشجيع الصادرات، لأن الاعتقاد السائد لدى الإدارة بأن الصادرات الأمريكية تعاني من تدني قدرتها التنافسية مع البضائع الصينية بسبب ارتفاع أسعارها نتيجة ارتفاع الدولار في الأسواق العالمية.

هذه السياسات سوف تكون لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي ومنطقة الخليج التي تربط عملتها المحلية بالدولار، وكذلك أسواق الطاقة التي تستخدم الدولار على أساس أنه العملة الأساسية في تعاملاتها.

أهم ملامح السياسة الخارجية الأمريكية

تقوم السياسة الخارجية في فترة ترامب الثانية على مبدأ بسيط، هو أنه ليس للولايات المتحدة أصدقاء أو حلفاء لا يمكن الاستغناء عنهم (باستثناء إسرائيل)، وليس لها أعداء دائمون لا يمكن التصالح معهم، والشيء الثابت في المعادلة هو المصالح الأمريكية، التي ينظر إليها من خلال زاوية قريبة، وهي خدمة أهداف السياسة الاقتصادية، التي تم اختزالها إلى شيء واحد، وهو زيادة الدخل الحكومي، وهو الهدف الذي سوف تسعى إلى تحقيقه من خلال المواقف التالية:

-       تقليل التزامات الولايات المتحدة الأمنية والعسكرية تجاه أوروبا، كوسيلة لتخفيض الإنفاق، ولدفع الدول الأوروبية إلى تحمل تبعات الوجود العسكري الأمريكي وزيادة الإنفاق العسكري لتلك الدول والضغط عليها لشراء المعدات العسكرية الأمريكية. لكن هذه المقاربة سوف تدفع بالدول الأوروبية إلى المبادرة بإنشاء قوة أوروبية تحت قيادة ألمانية-فرنسية وتقليل الاعتماد على حلف الأطلسي، وبالتالي إضعاف الدور الأمريكي في أوروبا.

-       تقارب الولايات المتحدة مع روسيا ومحاولة فك الارتباط بينها وبين الصين، وذلك من خلال إغرائها بتقاسم الكعكة الأوكرانية وإيقاف الحرب الدائرة هناك مع الإقرار بالمكاسب التي حققتها روسيا فيها وهي احتلال الأقاليم الشرقية من أوكرانيا، والتعهد بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، أما الولايات المتحدة فسوف توقع اتفاقًا مع الحكومة الأوكرانية لضمان أمنها مقابل الحصول على الموارد الأولية الموجودة فيها ومن ضمنها المعادن النادرة.

-       الضغط على حكومات الدول التي تعتمد على المظلة الأمنية الأمريكية مثل دول الخليج واليابان وكوريا الجنوبية والدول الأوروبية لزيادة استثماراتها في الاقتصاد الأمريكي مقابل الدعم الأمني الأمريكي، الذي تثبت الأحداث يوماً بعد يوم أنه لا يساوي الكثير.

-       السيطرة على أهم ممرات التجارة العالمية مثل منطقة الخليج، وبحر قزوين، والبحر الأحمر، وإعادة السيطرة على قناة بنما.  بالإضافة إلى دعم العديد من المبادرات الاقتصادية مثل ممر التنمية الاقتصادي الذي يربط الخليج بأوروبا، والغاية من هذه التحركات هي الحيلولة بين الصين وتمددها الاقتصادي من خلال مبادرة الحزام والطريق.

-       إحكام السيطرة على الموارد الأولية مثل النفط والغاز والمعادن النادرة، ولذلك تسعى الإدارة إلى توقيع اتفاق مع حكومة أوكرانيا يمنح الولايات المتحدة نسبة كبيرة من خامات المعادن النادرة الموجودة في أراضيها، كذلك دعوة الرئيس ترامب إلى ضم كندا وغرينلاند.

الآثار المتوقعة لسياسات إدارة ترامب

ليس من السهل التنبؤ بالآثار البعيدة للسياسات العامة والاقتصادية لإدارة ترامب، وذلك لعدة أسباب منها المكانة الفريدة للولايات المتحدة في السياسة والاقتصاد العالميين، ومنها أن السياسة والاقتصاد اليوم أكثر ترابطاً واعتمادًا على شبكات توريد وعلاقات أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، لذلك لا يمكن التنبؤ بما سوف يحصل قياساً على التجارب السابقة. لكن ومع ذلك يمكن استشراف بعض النتائج العامة لهذه السياسات ومن أهمها ما يلي:

  1. النتيجة الأولية التي لا غبار عليها وهي أن الولايات المتحدة قد تخلت عن دورها في النظام العالمي الذي قامت بإنشائه بشقيه السياسي والاقتصادي الأمر الذي يفتح الأبواب مشرعة أمام العديد من الأزمات لعل من أولها الحروب التجارية والفوضى في الأسواق المالية العالمية وتقوية التعامل الثنائي بين الدول على حساب دور المنظمات الدولية والإقليمية وهذا يعني أن العالم سوف يمر بمرحلة انتقالية غير واضحة المعالم تكون المخاض لنظام عالمي جديد تحكمه الشركات العالمية الكبيرة التي تمتلك الموارد المالية والمعلومات والتقنيات المتطورة التي تتحكم بكل مفاصل الحياة المهمة وتمكنها من تسيير الدول كبيرها قبل صغيرها.
  2. السياسة الاقتصادية القائمة على فرض نسب عالية من التعرفة الجمركية سوف تؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع وزيادة في معدلات التضخم في الولايات المتحدة والعالم. وقد تشكل البداية لحروب تجارية بين الدول المصدرة والمستوردة، مما يهدد بكساد اقتصادي عالمي، وتهيئة الأوضاع لبروز قيادات شعبوية تقود العالم نحو المجهول.
  3. فرض التعرفة الجمركية سوف يؤدي إلى نتيجة عكسية وهي ارتفاع أسعار المنتجات الأمريكية، لأن غالبية السلع الأمريكية تعتمد على معدات مصنعة أو مواد أولية من خارج الولايات المتحدة، مثل أجزاء السيارات التي تصنع في المكسيك وكندا، وهي مواد سوف ترتفع أسعارها نتيجة فرض التعرفة وانخفاض الدولار. أما الادعاء بأن ذلك سوف يدفع الشركات للتصنيع محلياً فإن ذلك، إن صح، سوف يستغرق سنوات عديدة.
  4. تسعى إدارة ترامب إلى تقليل أعداد المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، وهذه من شأنها أن تحرم الشركات الأمريكية والقطاع الزراعي بالتحديد من العمالة الرخيصة، وسوف تؤدي إلى مشكلات في الإنتاج وارتفاع في أسعار المواد الأساسية، وهي عوامل تزيد من مخاطر التضخم، الذي يمثل الخطر الأكبر على الاقتصاد.
  5. إن احتمال حصول انخفاض كبير في أسعار الدولار سوف يضعف الثقة بالعملة الأهم عالمياً، ويدعم جهود بعض الدول وفي مقدمتها الصين وروسيا لدعم تقليل الاعتماد على الدولار في التعاملات العالمية، وإبداله بسلة من العملات العالمية الأكثر استقراراً، وهذه سوف تكون لها عواقب سلبية غير محسوبة على الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد اعتمادًا كبيراً على مكانة الدولار في الأسواق العالمية، وقد تكون أضراره أكبر من منافع الزيادة في الطلب على البضائع الأمريكية.
  6. هناك سلبية أخرى تترتب على فرض التعرفة الجمركية على الواردات، وهي أنها تمنح الإدارة الأمريكية وسيلة للضغط على الشركات الأمريكية، أو للتفضيل فيما بينها، لأن قيمة التعرفة لا تعتمد على معايير محددة، ولذلك فهي سوف تمنح معاملة تفضيلية للشركات ذات النفوذ في الإدارة، والتي يمكن أن تؤدي للإضرار بالمنافسين.

أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة

كانت المنطقة وما تزال أحد أهم أهداف السياسة العالمية، لأنها تمتاز بموقع استراتيجي جعل منها ساحة مفتوحة للصراع بين القوى العالمية المتنافسة عليها وعلى ما فيها من موارد طبيعية وبشرية، فلا غرو أن تكون من أولويات إدارة ترامب التي سوف تركز على المحاور التالية:

  1. إطفاء الحرائق المشتعلة: تسعى الإدارة إلى تفكيك الأزمات الدائمة التي عانت منها المنطقة لأنها وصلت إلى القناعة بأن هذه الأزمات قد استنفذت أغراضها وأن انشغالها بالملفات الأمنية في المنطقة قد أفاد التمدد الاقتصادي الصيني، ولذلك فهي تسعى إلى إعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة وتركيز الجهود على الاقتصاد، وقد بدأت ملامح هذه القضية تتضح في سوريا بعد إسقاط نظام الأسد ولبنان ومحاولة إنهاء الصراع في السودان والتصدي لجماعة الحوثي في اليمن.
  2. تصفية الملف النووي الإيراني: القضية المهمة التي تشغل الرأي العام العالمي والمنطقة هي عملية التصعيد مع إيران حيث شهدت الفترة الماضية تبادل العديد من الرسائل بين واشنطن وطهران, ابتدأت برسالة شديدة اللهجة من الرئيس ترامب يحذر فيها إيران من مغبة استمرار الوضع الحالي وأهمية العودة إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى حلول للقضايا العالقة بين الطرفين وفي مقدمتها البرامج النووية والصاروخية وأذرع إيران في دول المنطقة وخصوصاً لبنان والعراق وسوريا واليمن بالإضافة إلى التعاون الأمني والعسكري مع الصين وروسيا.  وقد ردت إيران بالموافقة على إجراء مفاوضات غير مباشرة بوساطة عمانية.  هذه المفاوضات ستكون على درجة كبيرة من التعقيد، لأنها تشمل مواضيع تقنية وفنية شائكة، بالإضافة إلى عوامل أخرى تزيدها صعوبة، ومنها:

-       تباعد وجهات النظر بين الطرفين: تريد الولايات المتحدة أن تتناول المفاوضات جميع الملفات العالقة التي تشمل البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي والتمدد الإيراني في المنطقة، والتعاون العسكري الإيراني مع روسيا والصين، وهي تريد أن تصل إلى نتيجة في هذه الملفات الشائكة في فترة قصيرة جداً، ومن دون أن تتنازل لإيران عن أي شيء سوى رفع العقوبات، إيران من جانبها تريد أن يقتصر التفاوض على البرنامج النووي، مع الحصول على تنازلات من الجانب الأمريكي لإثبات حسن النية.

-       غياب الثقة بين الأطراف: ليس هناك شيء أصعب من التفاوض في أجواء غياب الثقة التي تمثل العامل الأساس في أي اتفاق.  الجانب الأمريكي يشير إلى المخالفات الإيرانية للاتفاقات السابقة والمحاولات العديدة من إيران للتستر على أنشطتها النووية كأسباب لانعدام الثقة والرغبة في الوصول إلى اتفاق ليس فيه إيه ثغرات محتمله لذلك يركز على أهمية التثبت ،ونظام المراقبة الإيراني هو الآخر لديه العديد من الأسباب التي تدفعه إلى عدم الثقة بالطرف الآخر ومن أهمها إلغاء الرئيس ترامب للاتفاق السابق من جانب واحد ومن دون إبداء مبررات واضحة لذلك يؤكد على أهمية وجود "ضمانات" بتحقيق الالتزامات وعدم إمكانية إلغاء الاتفاق من جانب واحد.

-       العوامل غير المباشرة: الموقف الرسمي والشعبي في إيران يدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق وتجنب الحرب، كذلك موقف الرئيس ترامب الذي يقدم نفسه على أنه مفاوض من الطراز الأول، وهو لا يريد الحرب لأنه لا يحب الحروب كما وأنه يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام.  لكن المظاهر وعوامل أخرى لا علاقة لها بالمواضيع المطروحة قد تشكل عقبات في سبيل تحقيق النتائج فعلى سبيل المثال الجانب الأمريكي يهتم بشكل كبير بنظرة الراي العام الأمريكي لذلك يحرص على إظهار الرئيس الأمريكي بمظهر القوي الذي يفرض إرادته على الآخرين ومن هنا يأتي الإصرار على عدم تقديم التنازلات لأن ذلك يهز من صور الرئيس في الرأي العام ، أما الجانب الإيراني فهو الآخر يحرص على إبراز صورة إيران بوصفها الند لأمريكا لكنه في نفس الوقت لا يريد الظهور أمام الرأي العام الإيراني جالساً مع الشيطان الأكبر على طاولة المفاوضات ناهيك عن تقديم التنازلات ومن هنا جاء الإصرار على المفاوضات غير المباشرة وهي شكلية تعقد المشهد وتطيل أمد المفاوضات أكثر مما هو مطلوب. 

-       تأثير القوى الخارجية: إذا لم تكن العوامل التي ذكرناها أعلاه كافية لتعقيد المفاوضات، فإن هناك العديد من الأطراف التي تؤثر على الطرفين بصورة أو بأخرى.  أولها وأهمها أن إسرائيل لا تخفي عدم رضاها عن المفاوضات لأنها تفضل الخيار العسكري الذي يخدم مصالحها بدرجة أكبر من المسار التفاوضي، لأن اشتعال جبهة إيران يوفر فرصة كبيرة أمام حكومة اليمين الإسرائيلية لتحقيق العديد من طموحاتها التوسعية في كل من سيناء والضفة الغربية وجنوب سوريا ولبنان.

الصين من جانبها لا تريد للمفاوضات النجاح لأن ذلك يشكل انتصارًا للمنافس الأمريكي ويبعد إيران عنها كذلك سوف يوطد الاتفاق المحتمل المكانة الأمريكية في منطقة الخليج ، ذات الأهمية الكبيرة لها كما وأنها استفادت من العقوبات المفروضة على إيران في الحصول على النفط الإيراني بأسعار زهيدة وبالعملة الصينية ، كذلك فإن تورط الولايات المتحدة في نزاع عسكري في إيران سوف يستنزف قواها ويشغلها عن العديد من القضايا الأخرى ويفتح أمام الصين منافذ لتحقيق مكاسب في جبهات عديدة مثل تايوان والملف الاقتصادي والتمدد في بحر الصين والمنطقة.

  1. 3. دمج إسرائيل أمنياً واقتصاديا مع دول المنطقة

الهدف الأساس لإدارة ترامب هو تحقيق الصفقة الكبرى في المنطقة والتي تتضمن إعلان خطة طريق لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، مهمتها الأولى هي إدارة الملف الأمني بالتعاون مع إسرائيل.  وسوف تهلل لذلك باعتباره يحقق شرط المبادرة العربية في إقامة الدولة الفلسطينية ومن ثم الدفع بدول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية نحو التطبيع.  العقبة الكبيرة التي تقف أمام هذا السيناريو هي أن أغلبية الحكومة الإسرائيلية لا تؤيد فكرة إقامة دولة فلسطينية بأي شكل كان.  الخطوة التالية في التفكير الأمريكي هي دمج إسرائيل أمنياً واقتصادياً مع دول المنطقة، وقد مهدت الطريق لذلك بتحول إسرائيل من قيادة أوروبا إلى القيادة المركزية التي تشمل دول الشرق الأوسط، وبادرت إلى دمج إسرائيل بدول المنطقة اقتصاديًا من خلال بعض المبادرات الاستراتيجية وفي مقدمتها ممر التنمية الاقتصادي.

  1. التصدي للتمدد الصيني في المنطقة

كما أسلفنا فإن أحد أهم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية هو التصدي للنفوذ الصيني في المنطقة، من خلال إحكام السيطرة على طرق التجارة العالمية ومنها الخليج العربي والبحر الأحمر ومبادرة الممر الاقتصادي التي تهدف إلى مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية.

  1. تنمية العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة

ترفع الإدارة شعار الاقتصاد أولاً ولذلك سوف تسعى إلى زيادة استثمارات دول المنطقة في الولايات المتحدة، وزيادة مساهمة الشركات الأمريكية في اقتصاد المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب