عقد مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير الماضي تحت شعار " صعود التعددية القطبية"، فلم تعد الولايات المتحدة تهيمن على النظام الدولي، نهاية القطبية الأحادية ونهاية القطبية الثنائية مع سقوط الاتحاد السوفيتي، فالعالم اليوم يشهد تعددية الأقطاب، الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي ومجموعات دولية تشكل تكتلاً اقتصاديًا وبشريًا عالميًا لا يستهان به مثل تكتل بريكس الذي يضم عشر دول تشكل نصف سكان الكرة الأرضية، أربعة مليار نسمة، وقوة اقتصادية تمثل 41% من الناتج العالمي الإجمالي وتنتج من مصادر الطاقة البترول والغاز الطبيعي والحبوب واللحوم والمعادن المهمة للعالم تتوزع دول المجموعة على مختلف قارات العالم وبالاضافة إلى الدول الأعضاء العشر فهناك دول ثمانية لها صفة الدول المشاركة والتي تتهيأ لأن تكون عضوًا في المستقبل، والتعددية القطبية الحالية تشهد تنافسًا قويًا وحروبًا مشتعلة وخلافات سياسية بين الحلفاء أنفسهم كما هو حال علاقة الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي وعلاقة الولايات المتحدة بتكتل نافتا الذي يضم كندا والولايات المتحدة والمكسيك، فترامب يريد أن تكون كندا الولاية رقم 51 وتسمية خليج المكسيك بالخليج الأمريكي وبناء الجدار الحاجز لوقف تدفق الهجرة من المكسيك وحرب الرسوم الجمركية التي يشنها ترامب على الدول الحليفة وغير الحليفة مثل دول الاتحاد الأوروبي، ومما أثار القلق ما قاله نائب الرئيس الأمريكي فانس في المؤتمر " إن التهديد الذي يقلقني أكثر من أي شيء آخر فيما يتصل بأوروبا ليس روسيا ولا الصين ولا أي طرف خارجي ؛ ما يقلقني هو التهديد من الداخل "، فترامب قفز للتفاوض مع روسيا متجاهلًا أوروبا المهتمة أصلًا بالتهديد الروسي أكثر من حليفتها الولايات المتحدة التي تدعم الأحزاب اليمينية المناهضة للوحدة الأوروبية مما يعقد الدور الأوروبي في أن تكون قوة فعالة على المستوى الدولي، ولذلك جاء الرد الأوروبي في حقها كدول ديمقراطية مواجهة التضليل وخطاب الكراهية ورفض التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية، وتعتقد أن إدارة ترامب تدير ظهرها لأوروبا ولفكرة التحالف عبر الأطلسي.
ترامب التوسع الإمبريالي والصين المصالح المشتركة
أحدث انتخاب ترامب انقلابًا على النظام الدولي ومؤسساته على اعتبار أن اتفاقيات بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت لا تخدم مصالح الولايات المتحدة وهذا يظهر من الحرب التجارية التي أعلنها ترامب في الثاني من أبريل الحالي وفرض الرسوم الجمركية على دول العالم وهذا يعني مواجهة مع الحلفاء والأعداء وحرب على العالم، وحسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو فإن التعددية القطبية تعني أن هناك دول كبرى لديها القوة على تحدي الولايات المتحدة، أن ترامب وروبيو لديهم نظرة التنافس الدولي على غرار ما حدث في تنافس الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر، التوسع الاستعماري فتنافست الدول الكبرى آنذاك على تقسيم القارة الإفريقية كما حدث في مؤتمر برلين 1885م، ولذلك أعلن ترامب رغبته في ضم كندا وجرينلاند وهذا ما أكده في خطاب حالة الاتحاد، أنه يريد توسيع الولايات المتحدة، فنظام ترامب الدولي فوضوي متعدد الأقطاب، ولذلك نجد انسحاب ترامب من منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فالشعارات التي تقوم عليها الولايات المتحدة من الحرية والمساواة وحقوق الإنسان أصبحت في سياسة ترامب من الماضي، وهذا ما تبناه عمليًا بالقيام بحملة التهجير تحت شعار الإقامة غير القانونية في الولايات المتحدة، وتبحث إدارته عن دول أخرى تستقبل هؤلاء، ولذا فسياسة ترامب تتجاهل سياسة الإدارات الأمريكية السابقة التي كانت تسعى لتصدير القيم والديمقراطية الأمريكية التي تسميها القوة الناعمة، فأصبحت إدارة ترامب تتبنى العنصرية وتدعم الدكتاتورية وتتجاهل ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالمقابل نجد أن الدولة التي تنافس الولايات المتحدة وهي الصين تدعو لنظام تعددي القطبية قائم على الحرية والمساواة بين الدول بغض النظر عن مساحتها وعدد سكانها ولا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، فالصين كما يقول وزير خارجيتها وانغ يي تسعى لتعددية قائمة على المساواة واحترام القانون الدولي والالتزام بميثاق الأمم المتحدة والانفتاح والمصلحة المشتركة، ويضيف الوزير الصيني أن التعددية ترفض الهيمنة والاستعمار والنزاعات وإنها تحترم سيادة الدول الأخرى وعدم ابتزازها، فعندما تأسست الأمم المتحدة كان عددها عام 1945م، 51 دولة واليوم عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 193 دولة يكفل القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان المساواة والسيادة . ولهذا نجد أن هناك تناقضًا بين الدول الكبرى التي تشكل التعددية القطبية من حيث الرؤية والمبادئ التي يجب أن تحكم نظام تعددية القطبية ولكن ترامب قد قلب ظهر المجن لكل المبادئ فهاجم المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ومنظمة حقوق الإنسان ويعلن الحرب على النظام الاقتصادي العالمي.
ترامب والعودة لمبدأ مونرو بثوب جديد
كان الرئيس الأمريكي مونرو قد أعلن عام 1823م، أن إجمالي اللاتينية منطقة نفوذ أمريكي بمعنى أن نصف الكرة الغربي العالم الجديد منطقة نفوذ أمريكية ولن تسمح الولايات المتحدة للدول الأوروبية بالسيطرة والاستعمار باعتبارها في دائرة نفوذ أمريكية وأصبحت إجمالي اللاتينية مجال استثمار للشركات الرأسمالية الأمريكية تنهب ثرواتها، بل أصبحت الشركات تهندس الانقلابات العسكرية في تلك الدول للمحافظة على مكاسبها كما حدث في تشيلي بالانقلاب على السلفادور الليندي تحت شعار الماركسية وفي ظل الهيمنة الأمريكية وفي فترة معينة كانت القارة تعرف بقارة الانقلابات قبل أن تنتفض شعوب إجمالي اللاتينة وتبني مؤسساتها الديمقراطية ولكن ترامب يريد إعادة الكرة عليها، وينقلب ترامب ويفرض الرسوم الجمركية على الواردات من كندا والمكسيك وفي تصريح لرئيس وزراء كندا جاستن ترودو " بأن ترامب يسعى لانهيار الاقتصاد الكندي لجعل عملية الضم أكثر سهولة " ويضيف ترودو بأن سياسة ترامب تتميز بالتناقض فهو يشن حربًا اقتصادية على أقرب حلفاء الولايات المتحدة في حين يقوم باسترضاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يصفه ترودو بالدكتاتور الكاذب والقاتل، وتحت ضغط مجلس الشيوخ الأمريكي والرأي العام يبحث ترامب عن تسوية مع كل من كندا والمكسيك لأنهما هددتا بالمعاملة بالمثل بفرض الرسوم على البضائع والسلع الأمريكية، ولهذا ليس غريبًا أن يدعم ترامب نتنياهو في حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل في غزة حسب تأكيد المحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر نتنياهو مجرم حرب.
وتسعى إدارة ترامب بالضغط على دول إجمالي اللاتينية للتخلي عن علاقاتها مع روسيا والصين، فروسيا تصدر لبعض دول إجمالي اللاتينية الأسلحة والتعاون في المجال العسكري كما كوبا ونيكاراغو وفنزويلا، أما الصين فلها علاقاتها الاقتصادية مع دول إجمالي اللاتينية، وفرضت إدارة ترامب على دولة بنما بالانسحاب من مبادرة الطريق والحزام التي أعلنتها الصين، وبلع حجم التجارة البينية بين الصين ودول إجمالي اللاتينية 450 مليار دولار. ولعل الاهتمام الموجه لإجمالي اللاتينية وما يكرره وزير الخارجية ماركو روبيو هو جذوره الكوبية فهو ابن مهاجرين من كوبا، واستقرت الأسرة في ولاية فلوريدا وهو من التيار اليميني المتطرف الذي رسم الصليب على جبهته في مناسبة دينية قبل مدة.
الصين وروسيا محور المواجهة
إن الحرب التجارية التي أعلنها ترامب كان هدفها الأول الصين فقد فرض رسومًا جمركية نسبتها 34% على واردات الولايات المتحدة من الصين، وفرض 20% على واردات الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي وهما من أبرز شركاء الولايات المتحدة التجاريين ولكن ترامب أعفى روسيا من الرسوم الجمركية وعللت المتحدثة باسم للبيت الأبيض" أن روسيا لم تدرج في القائمة لأن العقوبات الأمريكية عليها تعيق بالفعل جزءاً كبيراً من التجارة " ، وبالفعل بسبب العقوبات انخفض حجم التجارة بين البلدين إلى حوالي 3.5 مليار دولار عام 2024م، مقارنة مع 36 مليار دولار عام 2021م، ولكن هناك سبب آخر أن ترامب يسعى لتفكيك التقارب الصيني- الروسي الذي توطد بعد الحرب الروسية ــ الأوكرانية منذ فبراير 2022م، وكانت هناك علاقة بين ترامب وبوتين منذ ولاية ترامب الأولى حيث تردد أن بوتين أسهم في نجاح حملة ترامب في فترته الأولى، ونلاحظ سرعة الحوار بين بوتين وإدارة ترامب ومحادثاتها في الرياض لإيجاد حل للحرب الأوكرانية الروسية.
ولكن هل ينجح ترامب في حربه التجارية بفرض الأجندة الأمريكية في نظام تعدد الأقطاب الدولية، فواقع الحال أن هذه الدول الكبرى اتخذت خطوات لمواجهة سياسة ترامب منذ رئاسته الأولى، فالصين قامت بتوسيع الشركاء التجاريين، مع دول مجموعة آسيان والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية وتوسيع تجارتها مع دول إجمالي اللاتينية والدول الإفريقية، ولمواجهة رسوم ترامب تسعى كل من اليابان والصين وكوريا الجنوبية للاتفاق إلى تبادل تدفق مفتوح وعادل للسلع متعهدين بتعزيز العلاقات الاقتصادية وهناك قلق من دول إجمالي اللاتينية التي يعتبرها ترامب منطقة نفوذ للولايات المتحدة فحسب تقرير صحيفة فايننشال تايمز فقد أدى الصدام الدرامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى زعزعة استقرار دول إجمالي اللاتينية التي كانت بالفعل خائفة من تهديدات ترامب باستخدام القوة العسكرية لاعادة السيطرة الأمريكية على قناة بنما، ونقل التقرير عن دبلوماسي إقليمي "هناك قدر كبير من القلق بين سفارات إجمالي اللاتينية في واشنطن " .يبدو أننا عدنا إلى عام 1897م، وعهد الرئيس ويليام ماكينلي الذي غزا كوبا والفلبين " ، ودعت رئيسة هندوراس شيومارا كاسترو إلى عقد قمة طارئة لقادة المنطقة بصفتها رئيسة مجموعة دول إجمالي اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وقالت: إن القمة ستناقش الهجرة والبيئة والوحدة الإقليمية وحسب مايكل شيفر الباحث في مركز الحوار بين الأمريكيتين في واشنطن أنه من غير المرجح أن يخضع زعماء أمريكيا اللاتينية لسياسة ترامب " يتعين عليهم حقاً إنقاذ ماء الوجه وإظهار فخرهم الوطني وحماية السيادة ": وبالفعل فقد وقفت كل من كوبا وفنزويلا مع الرئيس الكولومبي بيترو في مواجهة ترامب ولا يمكن عودة الساعة إلى الوراء ومن المتوقع الصدام بين دول إجمالي اللاتينية وترامب، ولا شك أن مجموعة بريكس تتخذ موقفًا صارمًا اتجاه سياسة ترامب خاصة بفرضه رسومًا جمركية عالية على دولها فالهند فرض عليها رسومًا 26% وجنوب إفريقيا 30% وأندونيسيا 32% ولذا من المتوقع أن تشكل مجموعة البريكس العشرة مواجهة حادة لأنها هددت بالتخلي عن استعمال الدولار الأمريكي في مبادلاتها التجارية ويمكن القول أن حرب ترامب التجارية أعلنها على 180 دولة مما دفع معظم الدول لإيجاد تكتلات إقليمية لتجنب حرب ترامب التي من المتوقع فشلها.
إن سياسة ترامب حشدت الدول الكبرى المنافسة والدول الحليفة ضد سياسته وتشهد الولايات المتحدة انقساماً داخلياً ضد ترامب وسياسته ففي الأسبوع الأول من أبريل نقلت وسائل الإعلام بخروج 1200 مظاهرة في أنحاء الولايات المتحدة وشاركت 150 من الجماعات النشطة فيها ورفع المتظاهرون في واشنطن شعارات مثل " لا نريد ملوك في الولايات المتحدة واطردوا ماسك " خاصة أن ترامب يوحي أنه يريد فترة رئاسية ثالثة، ودراسة التاريخ تؤكد أن الامبراطوريات تنهار من الداخل، عندما ينخر الفساد فيها، فالامبراطورية الرومانية كما يقول المؤرخ ادوارد جيبون في كتابه اضمحلال الامبراطورية الرومانية وسقوطها أن فسادها الداخلي أدى لسقوطها والامبراطورية السوفيتية انهارت من الداخل، حيث الفساد الداخلي والانهيار الاقتصادي وصراع القوميات وترهلها البيروقراطي ولذا يطرح السؤال هل يكون ترامب هو "جورباتشوف الولايات المتحدة": بالفوضى التي أحدثها في الداخل والخارج، تجاهل القانون الدولي والقيم الديمقراطية والإنسانية ودعم مجرم الحرب نتنياهو وشن حملة على طلاب الجامعات وعلى ملايين المهاجرين ونسي نفسه أن جده مهاجر من ألمانيا في زمن كانت توصف الولايات المتحدة أنها بلد الفرص واليوم في عهد ترامب أصبحت بلد انعدام الفرص حتى أخذت الدول الأوروبية وكندا تشجع رعاياها على عدم السفر للولايات المتحدة.
الدول العربية واستراتيجية المناورة بين الأقطاب المتنافسة
تملك الدول العربية والإسلامية مزايا استراتيجية هامة، فالموقع الجغرافي في قلب العالم القديم خطوط التجارة وموانئ استراتيجية من جبل طارق غربًا إلى قناة السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز وتتحكم الدول العربية في البحر الأبيض المتوسط في موقعها على الضفة الجنوبية كما تملك الدول العربية والإسلامية مصادر الطاقة، البترول والغاز الطبيعي والمعادن المهمة والأراضي الزراعية ولذلك فهذه الدول تملك مصادر القوة فيها بشريًا وطبيعيًا فهي مجتمعات شابة للقوة العسكرية والعمالة الاقتصادية وكما قال الاستراتيجي الأمريكي نيبور "من يسيطر على الشرق الأوسط يتحكم في أوروبا وبالتالي يتحكم في العالم، ولذلك سعت الدول الاستعمارية الأوروبية على تقسيم المنطقة واستعمارها حتى لا تكون قوة موحدة تهددها وكما قال صموئيل هنتنجتون في كتابه صدام الحضارات أن الخطر الذي يهدد الغرب هو قادم من الحضارة الإسلامية وخاصة إذا تحالفت مع الصين، وهذا ما تخشاه واشنطن ولهذا كانت سايكس ـ بيكو 1916م، وعد بلفور 1917م، في وعده للحركة الصهيونية ونجد الرئيس الأمريكي بايدن بعد السابع من أكتوبر 2023م، قال لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها ونجد أن الرئيس الحالي ترامب يقول أن إسرائيل صغيرة ولها أن تتوسع وأطلق يدها لضم الضفة الغربية كما فعل في نقل السفارة الأمريكية للقدس وتأييده أن القدس عاصمة إسرائيل وخالف كل قرارات الأمم المتحدة والإدارات الأمريكية السابقة، وترامب نفسه يعلن سياسة التوسع لضم كندا وجرينلاند التابعة للدنمارك، ولذلك يحتاج العالم العربي إلى استراتيجية شاملة لتفعيل مصادر القوة التي تملكها الدول العربية متضامنة مع عمقها الاستراتيجي دول العالم الإسلامي.
إن الدول الصاعدة في العالم العربي والإسلامي لها تأثيرها الاستراتيجي فالمملكة العربية السعودية ضمن مجموعة العشرين وتركيا وأندونيسيا وهذه الدول الثلاث قوة اقتصادية صاعدة لها دورها الإقليمي والدولي، فالسعودية قامت بالوساطة في جمع واشنطن وموسكو، في الرياض 18 فبراير 2025م، التي حضرها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز والمبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، وتملك دول الخليج العربي قوة تجارية في تعالمها التجاري مع الصين وتصدير البترول لها ومشاريع اقتصادية في الدول الغربية وأن روسيا لها مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط وخاصة موانئ على البحر المتوسط كما هو ميناء طرطوس .
إن الصين وروسيا يهمهما استقرار الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية، فقامت روسيا بالوساطة بين الفصائل الفلسطينية 2008 و2011و2024م، وكذلك أيضًا فعلت الدبلوماسية الصينية في جمع الفصائل الفلسطينية للمصالحة وتوقيع "اعلان بكين "23 يوليو 2024م، كما قامت بالوساطة بين السعودية وإيران، وذلك لحماية مصالحهما، وتستطيع الدول العربية أن تحقق مصالحها من المناورة بالعلاقات الإيجابية معهما، وخلال الحرب الباردة فقد وقف الاتحاد السوفيتي ضد العدوان الثلاثي على مصر 1956م، كما باعدت صفقات السلاح في الوقت الذي رفضته الولايات المتحدة والدول الأوروبية وساهمت موسكو في بناء السد العالي الذي رفضت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا دعم بنائه، وقدمت الصين الدعم لمنظمة التحرير الفلسطينية عند إنشائها ودربت الكوادر العسكرية الفلسطينية في الصين، والعكس من ذلك أسهمت الولايات المتحدة في شن الحرب على أفغانستان والعراق والصومال وتسعى لبلقنة المنطقة من دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتهريب البترول السوري وتتجاهل الإبادة الجماعية في غزة ومذابح السودان .
إن إدارة ترامب وطاقمها ليست ذات خبرة سياسية واستراتيجية وهي إدارة رجل أعمال يحتاج إلى جلب الاستثمارات ولذلك نلاحظ أن ترامب أعلن نيته لزيارة السعودية والإمارات وقطر ، فمع الاستثمارات التي وعدت بها وجد ترامب نفسه بحاجة لتسويق سياسته داخليًا في ظل الانتقادات التي وجهت لادارته والفضائح الأخيرة بمجلس الأمن القومي ما عرفت "بفضيحة سيغنال "، وكما قامت السعودية بجمع واشنطن وموسكو حول أزمة الحرب الأوكرانية فإن قطر لعبت دور الوساطة بين حركة طالبان والولايات المتحدة وخروج القوات الأمريكية من أفغانستان وتلعب حاليًا سلطنة عمان دور الوساطة في جمع إدارة ترامب والقيادة الإيرانية لاستئناف مفاوضات المفاعل النووي الإيراني .
إسرائيل: الخطر الاستراتيجي على الدول العربية
إن الخطر الذي يهدد الاستقرار هو الخطر الإسرائيلي الذي أخذ يتمدد في المنطقة وبدعم إدارة بايدن ومن بعده ترامب، فحرب الإبادة في غزة وحمى انتشار الاستيطان لضم الضفة وتوسع إسرائيل في الحرب على لبنان وإقامة خمس قواعد في الأراضي اللبنانية وانتهاك وقف إطلاق النار ، كما احتلت إسرائيل الأراضي السورية في الجولان وتجاوزت حدود اتفاقية 1974م، وسيطرت على جبل الشيخ المشرف على دمشق وتشن غارات جوية على الأراضي السورية وتدمير البنية العسكرية السورية ودعمت إسرائيل الأكراد في شمال العراق وقوات سوريا الديمقراطية، وخالفت اتفاقية كامب ديفيد مع مصر بوجود القوات الإسرائيلية في منطقة الحدود المصرية ـ الفلسطينية. إن هذا الخطر الإسرائيلي يحتاج لاستراتيجية عربية بالتعاون مع الدول الصاعدة الإسلامية من خلال منظمة التعاون الإسلامي كما هو تركيا وإيران وباكستان وماليزيا وإندونيسيا، وتشن إسرائيل هجومًا إعلاميًا على تركيا لعلاقاتها مع النظام السوري الحالي وتهدد في حالة إقامة قواعد عسكرية تركية في دمشق علمًا بأن تركيا تدعم النظام السوري، ولتركيا دورها في آسيا الوسطى من خلال علاقة تركيا مع أذربيجان تستطيع الضغط على الحكومة الأذربيجانية لإنهاء علاقاتها مع إسرائيل وتعتبر أذربيجان قاعدة مهمة لإسرائيل للتجسس على إيران وتركيا.
تملك باكستان الدولة الإسلامية القنبلة النووية يمكن الاستفادة منها في مواجهة التهديد الإسرائيلي فباكستان لم تعترف بإسرائيل وليس لها علاقات معها والشعب الباكستاني مؤيد قوي للقضية الفلسطينية، ورغم الحرب التجارية التي أعلنها ترامب فإنها لا تمثل خطورة على الدول العربية مقارنة بالعلاقات التجارية الأمريكية مع الصين أو الاتحاد الأوروبي، وحسب مكتب الممثل التجاري الأمريكي فقد بلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع الشرق الأوسط بما فيه دول المغرب العربي 141.7 مليار دولار أمريكي في عام 2024م، حيث بلغت الصادرات الأمريكية للمنطقة 80.4 مليار دولار وإجمالي وارداتها من المنطقة 61.3 مليار دولار بفائض تجاري لصالح الولايات المتحدة 19.1 مليار دولار ، وتأتي السعودية الثانية في الدول العربية في التعامل التجاري حيث بلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع السعودية 25.9 مليار دولار عام 2024م، وتأتي الإمارات العربية في المرتبة الأولى عربيًا في التعامل التجاري حيث بلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع الإمارات 34.4 مليار دولار في عام 2024م، والكرة الآن في ملعب الدول العربية في مواجهة رئيس يلهث خلف الصفقات يريد أموال الاستثمارات وحيث أنه لا توجد مجانية في السياسة فلا بد من مقابل من إدارة ترامب، وقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب من الأراضي العربية المتحدة والعودة لحدود 1967م، وحيث أنه رئيس متقلب المزاج فالإرادة العربية كفيلة بتغيير سياسة ترامب زيارة ثلاث دول لا بد أن يكون لها مردودها الإيجابي للمصالح العربية وورقة المناورة بالعلاقة مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي ومجموعة بريكس كفيلة كورقة ضغط على الإدارة الأمريكية التي أصبحت في مواجهة العالم، وأثبتت عملية 7 أكتوبر مدى ضعف إسرائيل وهي تعيش على الدعم الغربي وخاصة الأمريكي وترامب يلهث خلف صفقة سياسة مع إيران رغم تهويل التهديد وإرسال السفن والمدمرات كوسائل ضغط وحرب نفسية، إن الإرادة العربية في تسخير مزاياها الاستراتيجية كفيلة بحماية المصالح العربية وإزالة العدوان، فاستعمال القوة هي الفاعل الرئيس في العلاقات الدولية والقوة بأشكالها المتعددة العسكرية أو الاقتصادية والعقدية .