للاقتصاد الأمريكي دور مهم ومؤثر في الاقتصاد العالمي لا يمكن إغفاله. هذه الأهمية تأتي من جوانب عديدة منها؛ حجمه الذي يمثل ربع الناتج المحلي العالمي، وامتلاكه القدرات الكبيرة على الإبداع والابتكار وتطوير وسائل الإنتاج والاستهلاك والمعاملات المالية، بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه الدولار بوصفه العملة الأكثر تداولاً في التعاملات التجارية العالمية. هذه المكانة لم تأت من باب الصدفة بل هي نتيجة طبيعية للنظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية والذي أفرز أنظمة سياسية وأمنية واقتصادية، الغاية منها ترسيخ الهيمنة الأمريكية. لذلك دخل العالم في دوامة بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب زيادة التعرفة الجمركية على البضائع المستوردة لتحقيق مزيج من الأهداف السياسية والاقتصادية. نحاول في هذه المقالة دراسة آثار هذه السياسات من خلال العودة إلى الوراء لفهم العوامل التي أدت الى صعود الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية وأهم التحديات التي يواجهها الآن، ومحاولة الرئيس الأمريكي ترامب مواجهة تلك المشكلات من خلال فرض تعرفة جمركية على الواردات، ومدى فاعلية هذه السياسات وأثرها المتوقع على الاقتصاد الأمريكي والعالمي واقتصاديات المنطقة.
السياسة في خدمة الاقتصاد
نشأ الاقتصاد الأمريكي، على الأقل بصورته التي نعرفها اليوم، من رحم السياسات العالمية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وأفرزت نظاماً عالمياً يعكس الهيمنة السياسية والأمنية وبالتالي الاقتصادية الأمريكية. فأمريكا التي كان يقودها الرئيس روزفلت أثناء الحرب العالمية الثانية قامت بوضع أنظمة ومؤسسات وأعراف ومنظمات عالمية تعكس تصوراتها ومخاوفها وتطلعاتها، وبالتالي تخدم مصالحها العامة وفي مقدمتها الاقتصادية.
قام النظام الاقتصادي العالمي على مؤسسات مالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظومة اقتصادية عالمية تعتمد الدولار، الذي ترتبط قيمته بالذهب، في المعاملات الدولية، وهي المنظومة التي أقرت ضمن ما يعرف بنظام "بريتون وودز" لعام 1944م. كانت نتيجة هذه الترتيبات دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ازدهار غير مسبوقة شهدت نمو الناتج المحلي الأمريكي من 228 مليار دولار عام 1945 إلى 1700 مليار عام 1975م، ليصبح الاقتصاد الأول والأهم عالمياً. كما هو موضح أدناه.
رسم بياني يوضح نمو الناتج المحلي الأمريكي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية
الأزمة الاقتصادية الأمريكية
تخلت الولايات المتحدة عن نظام بريتون وودز في أوائل السبعينات من القرن الماضي عندما قرر الرئيس نيكسون تعويم الدولار وفصله عن غطاء الذهب وترك قيمته لتحددها عوامل العرض والطلب. هذه الخطوة مع وجود بيئة سياسية تحرم زيادة الضرائب ويسودها جشع الشركات الكبيرة والأغنياء المتنفذين سياسياً, أدخلت الاقتصاد الأمريكي أو بالتحديد, الموازنة الحكومية في دائرة الفوضى, متمثلة بالإنفاق غير المنضبط بأية قيود الأمر الذي أدى إلى ارتفاع العجز في الموازنة إلى 1.83 ترليون دولار في عام 2024م، وهو وإن كان أقل بكثير عن المستويات القياسية أثناء أزمة الكوفيد-19 إلا أنه رقم خيالي يفوق الناتج المحلي لمعظم دول العالم والأدهى من ذلك أنه يمثل 37% من الموازنة العامة أي أن الحكومة تستدين أكثر من ثلث موازنتها العامة. نظرة إلى الرسم البياني توضح طبيعة المشكلة المتمثلة بالمستويات التاريخية للعجز في الموازنة السنوية الأمريكية.
رسم بياني يوضح أرقام العجز في الموازنة السنوية الأمريكية للأعوام العشر الماضية (وزارة الخزانة الأمريكية)
تعود الزيادة غير المسبوقة في أرقام العجز في الموازنة إلى عاملين كبيرين هما:
- قانون تخفيض الضرائب الذي وقعه ترامب في دورته الأولى عام 2017م، وتسبب في هبوط الواردات بمقدار 1.9 ترليون دولار على مدى العشر سنوات بين 2018 و2027م، حسب تقديرات مكتب المالية التابع للكونغرس. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الزيادة الكبيرة في الاقتراض الذي سوف تقوم به الحكومة لتغطية العجز في الموازنة الناتج عن تخفيض الضرائب وما يتبع ذلك من زيادة في الفوائد المدفوعة على الدين فإن تقديرات المكتب لنقص الواردات يرتفع إلى 2.3 ترليون دولار.
- قرار إدارة بايدن زيادة الإنفاق الحكومي بشكل غير مسبوق لمواجهة أزمة الكوفيد-19 وآثارها الاقتصادية هذه القرارات أدت إلى إضافة 4.8 ترليون دولار إلى العجز في الفترة بين 2021 الى 2031م.
السياسة الاقتصادية لإدارة ترامب
كانت حالة الاقتصاد وخصوصاً معدلات التضخم وارتفاع الأسعار هي الشعار الأهم الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية التي نجح من خلالها للعودة إلى البيت الأبيض. لكنه في واقع الحال وبدلاً من معالجة التضخم بصورة مباشرة قام بخطوات لتخفيض العجز في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين وذلك من خلال المحاور التالية:
الأول خفض الإنفاق وهذه ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض لأن المواد التي تمثل البنود الأساسية في الموازنة العامة وهي الضمان الاجتماعي (21%) التأمين الصحي (15%) الدفاع (13%)، الصحة (13%) الفائدة على الدين (13%) تشكل 75% من الموازنة وليس بإمكان أحد المساس بهذه الفقرات. هذه الحقائق دفعت بالرئيس ترامب إلى تعيين إيلون ماسك في وزارة جديدة استحدثها لزيادة الكفاءة في أداء الحكومة لكنها في الحقيقة تسعى إلى خفض الإنفاق الحكومي في مجالات عديدة مثل إلغاء المساعدات الخارجية وتقليص عدد الموظفين الحكوميين وإلغاء بعض دوائر الدولة مثل الوكالة الأمريكية للدعم الدولي (USAID) التي تم إلغاء 83% من برامجها وتسريح معظم العاملين فيها الذين يبلغ عددهم أكثر من 10 آلاف موظف حيث تحولت إلى دائرة تابعة لوزارة الخارجية يديرها 15 موظفًا فقط وكذلك السعي لإلغاء بعض الوزارات مثل وزارة التربية التي يعتقد المحافظون أن عملها من اختصاص الحكومات المحلية حصرياً ووزارة الطاقة التي يعتقدون أن توفير موارد الطاقة يعود إلى القطاع الخاص.
المحور الثاني يقوم على رفع مستوى الدخل الحكومي من خلال فرض الرسوم على الواردات وبالفعل فقد أعلن الرئيس ترامب في 2 أبريل الماضي، وهو اليوم الذي أطلق عليه "يوم التحرير"، فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى رسوم أعلى على 57 شريكًا تجارياً لترتفع الرسوم الجمركية إلى أعلى مستوياتها خلال 100 عام.
المحور الثالث الذي تفكر به الحكومة هو تشجيع الصادرات من خلال تقليد السياسة المالية للصين القائمة على تخفيض قيمة عملتها الوطنية كوسيلة لتشجيع الصادرات لأن الاعتقاد السائد لدى الإدارة بأن الصادرات الأمريكية تعاني من ضعف قدرتها التنافسية بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. العقبة التي تقف أمام هذه الرغبات هي الفيدرالي الأمريكي الذي يتحكم بالسياسة النقدية وهو مؤسسة مستقلة عن القرار الحكومي ولذلك لا يخفي ترامب انزعاجه من رئيس المؤسسة جيروم باول.
العلاقة بين التعرفة الجمركية والكساد الكبير
ترجع بعض المصادر الكساد الكبير الذي حل بالولايات المتحدة في الفترة بين 1929م، إلى 1939م، إلى قرار فرض التعرفة الجمركية من قبل الرئيس هوفر عام 1930م، الذي وقع القانون المعروف باسم سموت-هاولي الذي كانت الغاية منه حماية اليد العاملة الأمريكية من آثار الكساد الذي بدأت بالظهور على الاقتصاد العالمي آنذاك حيث تم فرض التعرفة على أكثر من 20 ألف بضاعة مستوردة. الاقتصاد الأمريكي كان على أوج قوته حينها بسبب الارتفاع الكبير في الإنتاجية الذي حصل مع إدخال المكننة والكهرباء وتطوير صناعة السيارات، حيث وصلت نسبة البطالة إلى 3% فقط. لكن بوادر الكساد العالمي أرعبت الساسة الذين لجؤوا إلى سياسة الحماية الاقتصادية من خلال فرض التعرفة على الواردات. جاءت النتائج على عكس التوقعات حيث انخفض الناتج المحلي بنسبة 30% عام 1933م، وارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 25%.
ليس من الإنصاف نسبة التدهور في الأوضاع الاقتصادية إلى التعرفة الجمركية، لأن الواردات كانت تشكل 4% من الناتج المحلي الأمريكي آنذاك وهي تمثل الآن حوالي 14% لكن يمكننا القول بأنها زادت الأوضاع الاقتصادية السيئة سوءاً وهي بالتأكيد فشلت في تحقيق الغاية المرجوة منها وهي أيضاً تعتبر دليلاً على أن النوايا الحسنة ليست كافية لإنجاح المبادرات إذا لم تؤيدها الدراسات المعمقة للآثار القريبة البعيدة ويدعمها التنفيذ الدقيق.
الآثار المتوقعة لسياسة ترامب على الاقتصاد الأمريكي
هناك العديد من التقارير التي قامت بدراسة آثار فرض الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي وتوصلت إلى نتائج من أهمها:
- ضبابية الأوضاع الاقتصادية: المؤسسات الاقتصادية بإمكانها أن تتعامل مع أوقات الرخاء والشدة ولكل منها أدواتها ووسائلها لكنها لا تستطيع التعامل مع الضبابية وعدم وضوح الرؤية. السياسات التي أعلن عنها الرئيس ترامب والطريقة التي عرضها بها وهي أنها وسيلة الغاية منها الضغط على الشركاء للوصول إلى تفاهمات حول العلاقات الثنائية من شأنها أن تدخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة من الضبابية وعدم الوضوح حول المدى المفترض لمثل هذه السياسات وآثارها القريبة والبعيدة. وقد وردت الإشارة إلى هذه الحالة في قرار البنك المركزي الأمريكي في اجتماعه الأخير في شهر مايو الذي قرر فيه تثبيت سعر الفائدة عند مستوى 4.25-4.50%. حيث أشار إلى "ازدياد الضبابية بشأن التوقعات الاقتصادية".
- ارتفاع معدلات التضخم: التعرفة الجمركية هي ضريبة تفرض على المصدرين الذين يقومون بإضافتها كلها أو معظمها إلى المستوردين الذين سوف يضيفونها إلى أسعار السلع التي يدفعها المستهلك ولذلك فهي بالنتيجة سوف تؤدي إلى ارتفاع الأسعار لهذه الأسباب فإن معظم التوقعات تشير إلى ارتفاع في معدلات التضخم, فعلى سبيل المثال فإن تقرير جامعة ميشيغان الذي صدر في شهر مارس الماضي, توقع أن يصل معدل التضخم للعام القادم إلى 4.8%, كذلك فإن تقرير لجنة الأسواق في الاحتياطي الأمريكي رفعت من توقعاتها لمعدلات التضخم الأساسي, الذي لا يشمل الطاقة والغذاء, من 2.5% إلى 2.8% بعد فرض التعرفة الجمركة. وقد أشار إلى هذه المخاطر في اجتماعه الأخير الذي قرر فيه المحافظة على سعر الفائدة عند مستوياتها الحالية، وعزى ذلك القرار " إلى تزايد مخاطر ارتفاع التضخم والبطالة مما زاد من غموض التوقعات الاقتصادية في ظل مواجهة البنك تأثير سياسات الرسوم الجمركية التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب".
- انخفاض الواردات: تشير الدراسات إلى أن فرض التعرفة الجمركية سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ومن ثم يتسبب في انخفاض كبير في الواردات إلى الولايات المتحدة والتي قدرتها بعض المصادر بمبلغ 800 مليار دولار أو ما يعادل 23% من الواردات.
- انخفاض الصادرات الأمريكية: أحد الأهداف التي سعت لها الإدارة من وراء فرض التعرفة الجمركية هي زياد الصادرات من خلال رفع القدرة التنافسية للبضائع الأمريكية ولأن هذه مرتبطة بسعر الدولار لذلك سعت الإدارة إلى العمل على خفض قيمة الدولار. لكن حسابات الحقل غير حسابات البيدر كما يقول المثل لأن سياسات ترامب ربما تترتب عليها نتائج عكسية ومن أمثلة ذلك أن الدول الأخرى سوف تعامل البضائع الأمريكية بالمثل وتفرض عليها رسوماً جديدة مما يقلل من قدرتها التنافسية.
- ارتفاع معدلات الفائدة: يتوقع البنك الفيدرالي الأمريكي أن تؤدي عملية فرض التعرفة الجمركية إلى ارتفاع معدلات التضخم, أو بدقة أكثر تدني نسب انخفاض التضخم عن التوقعات السابقة وبالتالي فإنه سوف يتريث أكثر في تخفيض نسبة الفائدة التي قام برفعها لمعالجة التضخم الذي حصل بعد أزمة الكوفيد-19 فعلى سبيل المثال, فإن الاحتياطي كان يتوقع أن يكون معدل الفائدة 3.4% لعام 2025 و2.9% لعام 2026م، لكنه قام بتعديل النسب بعد فرض التعرفة الجمركية إلى 3.9% و 3.4% للعامين على التوالي أي بزيادة 0.5% لكل من العامين, وهي نسبة لا يستهان بها. إن سعر الفائدة عامل مهم في الاقتصاد الأمريكي لأن ارتفاع الفائدة يقلل من القدرة الشرائية للمواطن خصوصاً في أهم قطاعات الاقتصاد وهي العقارات والنقل وكذلك يقلل من الاستثمار في التقنيات الحديثة بالنسبة للشركات وتؤدي بالنتيجة إلى تقليل الاهتمام بأسواق الأسهم.
نظرة المواطن الأمريكي للرسوم الجمركية
جاءت إدارة ترامب إلى البيت الأبيض بوعود صريحة حول العمل على معالجة التضخم وخفض أسعار البضائع التي كان المواطن يعاني منها في مرحلة ما بعد الكوفيد-19. لذلك سوف يكون هذا المعيار هو الأول في تقييم أداء الرئيس ترامب في فترته الثانية. لمعرفة موقف الرأي العام من قرارات ترامب نعود إلى استطلاع أجراه مركز غالوب في شهر أبريل الماضي وأشارت نتائجه إلى أن أغلبية المواطنين (70%) يعتقدون بأن الرسوم الجمركية سوف تكلف الولايات المتحدة مبالغ أكثر من التي سوف توفرها على المدى القريب وأن 62% يعتقدون بنفس الأثر على المدى البعيد. كما وأن الأغلبية العظمى (89%) يعتقدون بأن الرسوم سوف تؤدي إلى زياد الأسعار. إن نظرة المواطنين معيار مهم في الاقتصاد الأمريكي خصوصاً بالنسبة للبنك المركزي لأن نظرة المواطن تحدد سلوكه الاقتصادي وتنعكس مباشرة على الفعاليات الاقتصادية.
هذه النتائج إذا ما دامت على حالها إلى موعد الانتخابات النيابية أواخر العام القادم فإن من شأنها أن تؤدي إلى خسائر سياسية كبيرة للحزب الجمهوري الذي يمتلك أغلبية ضئيلة في مجلسي النواب والشيوخ لأن المواطن الأمريكي يصوت بالدرجة الأولى حسب وضعه المالي. ولذلك فالمطلوب من الرئيس الذي يفكر جدياً بالترشح لولاية ثالثة (على الرغم من وجود العائق الدستوري الذي يمنع الترشح لولاية ثالثة إلا أن المحكمة العليا قد تفسر تلك المادة على أنها ولايات متتالية) أن يعمل بجد على تغيير الأوضاع الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة للمواطن قبل أي يفكر بالعائق الدستوري.
آثار السياسات على العالم والمنطقة
تفكير الإدارة الأمريكية حول فرض التعرفة الجمركية يمتاز بالبساطة لأنها مبنية على نتائج الخطوة الواحدة لكن التعاملات الاقتصادية لا يمكن معالجتها بهذه الطريقة من التفكير لأنها معقدة وتتطلب حساب خطوات عديدة إلى الأمام ومعرفة الآثار المباشرة وغير المباشرة التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك في المجال العالمي والإقليمي ما يلي:
- الأثر السلبي على نمو الاقتصاد العالمي: تعتبر حركة التجارة بمثابة العمود الفقري للاقتصاد العالمي حيث تشكل اليوم حسب أرقام البنك الدولي ما يقارب من 63% من الناتج المحلي العالمي. لذلك فإن حصول أي مؤثر سلبي على حركة التجارة العالمية سوف يترك آثاراً سلبية على الاقتصاد العالمي وتؤدي إلى تباطئه بشكل كبير. يشرح التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي الذي صدر في أبريل الماضي هذه الأوضاع ويشير فيه إلى استقرار نمو الاقتصاد العالمي بعد سلسلة من الصدمات غير المسبوقة في الأعوام الماضية، وإن كان النمو في عام 2024م، دون المستوى المأمول، وكان من المتوقع أن يواصل المسار ذاته حسبما جاء في عدد يناير 2025م ، ولكن المشهد قد تغير لأن الولايات المتحدة أعلنت عن مجموعة جديدة من التدابير الجمركية بتاريخ 2 إبريل شملت جميع بلدان العالم تقريبًا وبلوغ المعدلات الفعلية للتعريفات الجمركية مستويات لم يشهدها العالم منذ قرن من الزمان ويهدد بلجوء الدول الأخرى إلى الرد على ذلك بالمثل ويشكل هذا الأمر في حد ذاته صدمة سلبية كبيرة للنمو وفي ظل عدم إمكانية التنبؤ بتطورات هذه التدابير.
- انخفاض الطلب على الطاقة: تباطؤ الاقتصاد العالمي سوف يؤدي إلى ضعف الطلب على النفط والغاز الأمر الذي قد يدفع بالدول المصدرة إلى إعادة النظر بمستويات الإنتاج، وبالفعل فقد عكست منظمة أوبك توقعاتها حول الطلب على الطاقة من الزيادة ورفع مستويات الإنتاج وعزت التغيير في الموقف إلى فرض الرئيس ترامب للتعرفة الجمركية. المتغيرات في قطاع الطاقة لها أثر مباشر على الاقتصاد الأمريكي ليس فقط من خلال الأسعار بل من خلال الطلب على الدولار بصفته العملة الأساسية في تعاملات أسواق الطاقة العالمية.
- زيادة الاهتمام بالأسواق الثانوية: فرض الولايات المتحدة للتعرفة الجمركية سوف يدفع بالمنتجين الكبار مثل الصين إلى منافسة المنتجين الصغار على الأسواق الثانوية لأنها البديل عن السوق الأمريكي الكبير لذلك ما إن فرض الرئيس ترامب التعرفة الجمركية حتى بدأت المصانع في الهند مثلاً تتململ بسبب عدم قدرتها على منافسة المنتجات الصينية التي بدأت تنظر إلى الأسواق الهندية على أنها جزء من البديل للسوق الأمريكي. لذلك نتوقع أن تزداد منافسة المنتجات الصينية للصناعات الخليجية وخصوصاً الغزل والنسيج والصناعات الإليكترونية والأجهزة المنزلية والحديد والصلب والألمنيوم في الأسواق العالمية والمحلية.
خلاصة القول بأن السياسة التي يتبعها الرئيس ترامب تشير بوضوح إلى فتح صفحة جديدة في جميع الجوانب ومن ذلك تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها الدولية السابقة وتخليها عن العمل المشترك سواء كان في المجالات السياسية والأمنية أو الاقتصادية في مقابل السعي إلى ترسيخ العمل من خلال العلاقات الثنائية والاهتمام بالرمزيات مثل تسمية خليج المكسيك بالخليج الأمريكي وإطلاق اسم "الخليج العربي". كذلك تسير السياسة الأمريكية اليوم على طريقة التعامل المباشر كما تصفها المقولة الشائعة " شيلني وأشيلك" مع أن الشكوك حول معنى "أشيلك" لذلك على دول العالم التأقلم مع هذا النمط من التفكير وإيجاد المبادرات الآنية التي تتماشى مع ذلك على المدى القصير. هذه السياسات تحمل في طياتها مخاطر كبيرة لأنها في معظمها لم تجرب من قبل ولا يمكن التنبؤ بآثارها البعيدة على الأوضاع في أمريكا أو العالم أو الإقليم لكنها في نفس الوقت قد تجلب معها فرصاً لمن يحسن استغلالها والتأقلم معها.