array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 210

التفاوض مع أمريكا أحد الخيارات الخليجية لتعديل أو إلغاء الرسوم وبلورة موقف موحد وعقد اتفاقية شراكة جديدة

السبت، 31 أيار 2025

في إطار سعي الولايات المتحدة لدعم اقتصادها الوطني وتحسين ميزانها التجاري، أقر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حزمة من السياسات الحمائية التي لم تشهدها الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن، حيث فرض تعريفات جمركية تراوحت بين 10% و145% عبر دول العالم.  أدت هذه الإجراءات إلى اضطرابات واسعة في أسواق المال العالمية، وتقلبات في أسواق الأسهم، وارتباكات في الأسواق الناشئة وسلاسل التوريد، مما اضطر العديد من الدول إلى البحث عن آليات لتخفيف تأثير هذه الرسوم على اقتصاداتها. اختلفت ردود الفعل الدولية تجاه الرسوم الأمريكية، حيث بادرت بعض الدول بالتصعيد وفرض رسوم جمركية مماثلة على المنتجات الأمريكية الواردة إليها، أو الدخول في مفاوضات بشأن هذه الرسوم، أو الانتظار لإيجاد مخرج آخر يجنبها الدخول في حرب تجارية مع الولايات المتحدة. تأثرت دول الخليج العربي بهذه التعريفات الجمركية والتي بلغت 10% على كل الصادرات الخليجية غير النفطية و25% على منتجات الألومنيوم والحديد، مما جعلها أقل تنافسية في الأسواق الأمريكية. لذا يتناول هذا المقال التأثيرات المختلفة للرسوم الجمركية الأمريكية والخيارات المتاحة أمام دول الخليج العربي للحد من مخاطرها وإمكانية الاستفادة من هذه الأزمة لبناء إطار استراتيجي جديد لعلاقاتها مع الدول الكبرى خلال القرن الحادي والعشرون.

أثارت قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية مرتفعة موجة من الارتباك في النظام التجاري الدولي، خاصة وأن هذا النهج الجديد يتناقض مع الفلسفة الاقتصادية التي تتبناها الولايات المتحدة كدولة ليبرالية تعمل على تطوير النظام الرأسمالي، وتشجيع الدول النامية على فتح أسواقها، واتباع سياسات السوق الحر، ودفع القطاع الخاص للقيام بدور قيادي في عملية التنمية. يعبر هذا النهج المغاير الذي تتبعته الولايات المتحدة في ظل الإدارة الأمريكية الحالية عن الرغبة الأمريكية في التخلي عن مسؤولية قيادة النظام الدولي الذي أشرفت على إنشائه وإدارته منذ عام 1945م، واتباع سياسيات قومية واحادية في العلاقات الدولية. ظهر هذا الاتجاه في إعادة بلورة سياسة "أمريكا أولًا" والدخول في صراعات اقتصادية مع القوي الكبرى والناشئة، شملت اتفاقيات للحصول على المعادن النادرة وفرض رسوم جمركية مرتفعة على معظم الشركاء التجاريين، مما ينذر بتغيرات جيوسياسية واقتصادية في النظام الدولي الحالي.

تستدعي هذه الخطوة الراديكالية إلى ضرورة فهم الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة على الإقدام على اتخاذ قرارات فرض الرسوم الجمركية. فعلى الرغم من صدارته للاقتصاد الدولي، يعاني الاقتصاد الأمريكي من ترهل وضعف على مدى العقدين الماضيين، حيث انخفضت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي العالمي لتصل إلى 22.5% مقارنة بنسبة 40% في عام 1960م، ويرتفع الدين العام إلى 31 تريليون دولار، بينما وصل العجز التجاري إلى 160 مليار دولار في مارس 2025م. تعكس هذه البيانات قلق حقيقي لدى الإدارة الأمريكية ورغبة قوية في تغيير الوضع القائم من خلال التمرد على الوضع القائم وتطبيق سياسات تجارية أحادية الجانب تضمن لها السيطرة على الموارد الطبيعية، وتفوقها الصناعي من أجل تحسين ميزانها التجاري وتحقيق وفرة كبيرة في الموازنة العامة للدولة.

تمثل التعريفات الجمركية الأمريكية أحد الأليات المتبعة لتحقيق أهداف سياسة "أمريكا أولا"، ووسيلة لإرغام الدول على الدخول في مفاوضات تجارية لاكتساب حوافز جديدة وامتيازات تجارية واستثمارية للشركات الأمريكية، وطريقة للحد من الواردات من أجل تحسين الميزان التجاري ودعم الاقتصاد الوطني.  على الرغم من أن هذه الدوافع مشروعة لتطبيق سياسات حمائية، إلا أن الطريقة الأحادية التي اتبعها الرئيس الأمريكي في فرض الرسوم الجمركية أتت بنتائج عكسية على الولايات المتحدة وشركائها التجاريين والاقتصاد الدولي بشكل عام. اضطرت دول صديقة مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي على اتباع سياسة المعاملة بالمثل وفرض تعريفات جمركية مماثلة بنفس النسب على السلع الواردة من الولايات المتحدة، وصعدت الصين بالتهديد بحرب تجارية بعد وصول رسومها الجمركية إلى 125% على الواردات الأمريكية و145% على المنتجات الصينية إلى السوق الأمريكي.

الرسوم الجمركية وتأثيرها على الاقتصاد الدولي

أحدثت الرسوم الجمركية الأمريكية موجة من الاضطرابات في النظام الاقتصادي الدولي، تضرر على أثرها الدول الصناعية الكبرى والاقتصاديات الناشئة، بالإضافة إلى الشركات العاملة عبر الحدود، والأفراد المستهلكين للسلع المستوردة مما أثر على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. ظهرت هذه الاضطرابات في التقلبات الحادة في مؤشرات الأسهم العالمية مثل داو جونز الصناعي وستاندرد أند بورز 500 وناسداك، وارتفاع الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب والسندات الأمريكية منخفضة المخاطر لحماية رؤوس الأموال. كما أثرت الرسوم الأمريكية على السياسات النقدية بسبب مخاوف المستثمرين من تراجع معدلات النمو، وانخفاض أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدولار الأمريكي، في حين شهد الدولار الأمريكي أسوأ انخفاض منذ عام 1973، مما دفع البنوك المركزية إلى التدخل لتخفيف السياسات النقدية وخفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد والأسواق المالية.

أدت أيضًا الرسوم الجمركية الأمريكية إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، حيث بدأت العديد من شركات الشحن في إعادة النظر في استراتيجيات سلاسل التوريد الخاصة بها نتيجة لقلة الطلب وبحث الدول عن أسواق بديلة، مما اضطر كثيرًا من شركات الشحن العالمية إلى إلغاء جزء كبير من الشحنات المتجهة من الصين إلى الولايات المتحدة بسبب القلق من صراع تجاري بين أكبر اقتصادين في العالم. كما انعكست الرسوم على تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار المنتجات، مما أدى إلى رفع معدلات التضخم وانخفاض نسبي في مستوى المعيشة. تبلورت نتائج هذه الاضطرابات في إعادة تقييم معدلات النمو بناء على المعطيات الجديدة، حيث تنبأت منظمة التجارة العالمية بانخفاض حجم التجارة العالمية بنسب تتراوح بين 1% الى 2% خلال العام الحالي، بينما خفض صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في 25 أبريل 2025 م، تنبؤاته لنمو الاقتصاد العالمي من 3.3% الى 2.8% في عام 2025م.

تداعيات الرسوم الجمركية على منطقة الخليج العربي

فرضت الولايات المتحدة رسوم جمركية بنسبة 10% على كل الصادرات غير النفطية من دول الخليج العربي الى الأسواق الأمريكية، في حين رفعت نسبة هذه الرسوم إلى 25% على المنتجات الحديد والألومنيوم. اختلف المحللون الاقتصاديون في تقدير تداعيات هذه الرسوم على الاقتصاديات الخليجية، حيث أكد صندوق النقد الدولي نمو اقتصاديات الخليج في ظل الرسوم الجديدة نتيجة صلابة الوضع المالي وتدفقات إيرادات النفط وسيولة نقدية تسمح لهذه الاقتصاديات بامتصاص آثار العريفات الجمركية الأمريكية.

ظهر هذا التفاؤل في توقعات صندوق النقد الدولي بأن يرتفع نمو الاقتصاد الإماراتي من 3.8% في 2024 م، إلى 4% في 2025م، ثم إلى 5% في 2026م، بينما يرتفع معدل نمو الاقتصاد الكويتي من سالب -2.8% في 2024م، إلى 1.9% في 2025م، ثم 3.1% في 2026م. توقع الصندوق أيضًا نمو الاقتصادين القطري والعماني بنسب 2.4% و2.3% على التوالي في 2025م، و5.6% و3.6% على التوالي في 2026م، بينما خفض صندوق النقد توقعاته للمملكة العربية السعودية من 3.3% إلى 3% في 2025 م، ومن 4.1% إلى 3.7% في 2026م. بالرغم من هذا التباين في توقعات النمو، أرجع الصندوق توقعاته إلى تدفق عائدات النفط الخليجي الذي يمثل 35% من إجمالي صادرات النفط العالمية، وإيرادات الغاز الطبيعي الذي يمثل 14% من صادرات الغاز العالمي، وأن هذه الإيرادات تمثل رافداً أساسياً لميزانيات دول الخليج العربي.

ومع ذلك يري كاتب هذه المقال أن إيرادات النفط المنخفضة تدريجيًا لن تعوض مخاوف الاقتصاديات الخليجية من تداعيات الرسوم الجمركية أو حرب تجارية لأن هذه الاقتصاديات بدأت تعاني من نقص كبير في إيرادات النفط نتيجة انخفاض أسعار النفط الخام من 77 دولارًا للبرميل في بداية شهر أبريل الماضي إلى 62 دولار للبرميل في 10 مايو الحالي. من المتوقع أن يزداد تأثير الرسوم الجمركية على دول الخليج بانخفاض أسعار النفط وايراداته في ظل إصرار الولايات المتحدة على تطبيق الرسوم، وتصاعد التوترات التجارية لعدم احتمالية التوصل إلى تفاهمات تجارية بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى الاضطرابات الجيوسياسية بعد اندلاع شرارة الحرب بين الهند وباكستان.

لا شك أن الرسوم الجمركية الأمريكية تمثل تحديًا مباشرًا للعلاقات التجارية بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة. فقد تأثرت بالفعل معظم الدول الخليجية من الرسوم المرتفعة على الحديد والألومنيوم التي تم تطبيقها في 12 مارس 2025م. الجدير بالذكر أن دول الخليج تنتج 6.4 مليون طن متري يعادل 10% من إجمالي الإنتاج العالمي من الألومنيوم البالغ 64 مليون طن متري سنويًا، تصدر منه 3.8 مليون طن متري سنويًا. كما تنتج دول الخليج كميات كبيرة من الحديد بأنواعه المختلفة، حيث تستحوذ الإمارات على ما يزيد عن نصف إنتاج المنطقة ووصل إنتاج شركة الإمارات للحديد فقط ما يزيد عن 3.5 مليون طن سنويًا.

ويمكن قياس مدى الخسائر المادية لدول الخليج بسبب الرسوم مع بيانات صادراتها إلى الأسواق الأمريكية. فإذا أخذنا صادرات الألومنيوم كمثال، نجد تصدر الإمارات العربية المتحدة والبحرين القائمة لإنتاج الألومنيوم، حيث تنتج الإمارات أكثر من 2.7 مليون طن متري من الألومنيوم، وتأتي ثاني أكبر مصدر للألومنيوم، بعد كندا، بحوالي 8% من الألومنيوم الخام وسبائك الألومنيوم إلى الولايات المتحدة. ونظرًا للانخفاض الكبير المتوقع بسبب الرسوم الجمركية قامت الشركات الأمريكية باستيراد 68,560 طن من الألومنيوم في مارس 2025م، مقابل 16,124 طن فقط في مارس 2024م، لتخزين كميات كبيرة قبل تطبيق الرسوم، مما ينذر بانخفاض شديد في صادرات الأمارات في الأشهر القادمة. 

من المتوقع أيضًا أن تشهد البحرين التي تعد رابع أكبر مصدر للألومنيوم للولايات المتحدة خسائر كبيرة نتيجة تصدير جزء كبير من إنتاجها الذي يبلغ أكثر من 1.62 مليون طن متري من الألومنيوم إلى الأسواق الأمريكية. تجدر الإشارة هنا إلى أن منتجات الألومنيوم تمثل جزءًا كبيرًا من إجمالي صادرات البحرين، حيث مثلت صادرات خلائط الألومنيوم الخام 43%، وأسلاك الألومنيوم غير المشغولة بسماكة تزيد عن 7مم 13%، والألواح المستطيلة من خلائط الألومنيوم 9.3% من إجمالي صادرات البحرين إلى الولايات المتحدة في عام 2021م، هذه الأرقام تعبر عن حجم الخسائر التي سوف تتكبدها البحرين بسبب الرسوم الجمركية، خاصة وأن التجربة السابقة لفرض الولايات المتحدة رسومًا على منتجات الألومنيوم بنسبة 10% في 2018م، أدت إلى خفض الصادرات بنسبة 31% في 2018م، مقارنة بصادرات عام 2017م.  مقارنة بالإمارات والبحرين، سوف يكون تأثير الرسوم الجمركية أقل على المملكة العربية السعودية وقطر وسلطنة عمان لإنتاجهم الألومنيوم بكميات أقل، حيث بلغ إنتاجهم حوالي 986 ألف طن متري، و682 ألف طن متري، و401.7 ألف طن متري، على التوالي.

بالإضافة إلى ذلك، تنذر حالة عدم اليقين في النظم التجاري الدولي وعدم الاستقرار في أسواق الطاقة نتيجة التعريفات الجمركية بانخفاض ملحوظ في الإنتاج الصناعي وضعف الطلب على المنتجات المعدنية، والكيماوية، والبتروكيماوية، التي تمثل نسب كبيرة من المنتجات الخليجية غير النفطية المصدرة إلى الولايات المتحدة. من المتوقع أيضًا أن يتعرض قطاع الصناعات التحويلية إلى قيود مباشرة قد تحد من إيراداته نتيجة اعتماد معظم الصناعات التحويلية على مدخلات إنتاج مستوردة، وبالتالي يخضع المنتج لرسوم جمركية قبل التصنيع وأثناء التصدير. إن تعرض المنتج لعدد كبير من الضرائب والرسوم الجمركية يزيد من تكلفة الإنتاج ويجعل المنتج الخليجي غير منافس في الأسواق العالمية. بالإضافة لذلك، تؤدي الرسوم الجمركية إلى زيادة أسعار السلع نتيجة ترحيل الرسوم للمستهلكين مما ينعكس في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض في مستوى الرفاهية التي تعود عليها المواطن الخليجي. هناك أيضًا تأثيرات مالية ناتجة عن ارتفاع الرسوم مثل زيادة العجز التجاري وارتفاع فاتورة الاستيراد في دول الخليج نظرًا لاعتمادها على الأسواق العالمية في تلبية احتياجاتها من السلع الأساسية والاستهلاكية.

وأخيراُ وليس آخراً، يمثل فرض الرسوم الجمركية على الصادرات الخليجية تحديًا كبيراً للعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، على الرغم من ارتباطهما بعلاقات قوية في مجالات الطاقة، والبتروكيماويات، والتعاون الأمني، والعسكري، كما تعتبر دول الخليج أكبر مستورد للأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية، وبالتالي فإن المكاسب من الرسوم لا تتناسب مع حجم الخسائر الأمريكية في حالة حدوث أي تغيرات سياسة من الجانب الخليجي. يمكن أيضًا التنبؤ بأن تطبيق هذه الرسوم قد يدفع كلًا من سلطنة عمان والبحرين إلى إعادة النظر في اتفاقيات التجارة الحرة التي تربطهما بالولايات المتحدة، خاصة وأن بضائعهما لم تعد تتمتع بالميزة التفضيلية ودخول الأسواق الأمريكية بدون تعريفيات جمركية.

موقف القوى الكبرى من الرسوم والفرص المتاحة لدول الخليج العربي

يعبر الاتجاه السياسي الذي تتخذه الولايات المتحدة عن الأحادية في اتخاذ القرارات والتقليل من أهمية الحلفاء الاستراتيجيين مثل دول الخليج في السياسة الخارجية الأمريكية. إن التركيز على سياسة أمريكا أولًا انعكس ليس فقط في لهجة وتعليقات الرئيس الأمريكي على الأحداث الداخلية والخارجية، ولكن أيضًا على نهج السياسة الخارجية التي تعتمد على التنافسات الجيوسياسية على حساب الترابطات الاقتصادية. لا شك أن هذه السياسة تهدف إلى التأكيد على زعامة الولايات المتحدة للنظام الدولي في ظل سياسات روسيا القومية التي تسعى إلى إعادة بناء نفوذها المفقود بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسياسات الصين القومية التي تثبت للعالم أنها قوة عظمى صاعدة لها مكانتها في النظام العالمي الجديد، وبناء على مدي حدة الصراع بين هذه القوى سوف يتم إعادة هيكلة النظام الدولي، مع احتمالية تكوين تحالفات جديدة تكون أكثر استجابة لاحتياجات الدول النامية والاقتصاديات الناشئة.

في هذا الإطار، وفي ظل عدم استعداد الولايات المتحدة لتوفير الضمانات الأمنية وفتح أسواقها أمام منتجات حلفائها الاستراتيجيين، بدأت كندا الحليف الأكبر للولايات المتحدة باتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة ما سمته بالقومية الاقتصادية العدوانية في أمريكا بعد فرض رسوم بنسبة 25%، كما تسعى الكثير من الدول النامية إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية مع الصين كبديل للسوق الأمريكي. لذا يجب على دول الخليج العربي البحث عن حلفاء جدد وأسواق تسمح باستيعاب منتجاتها بدون قيود جمركية أو تنازلات سياسية، مع ضرورة تطوير استراتيجية تحالفات جديدة تضمن لها مكانة مرموقة في النظام الدولي الجديد.

بالنسبة للدول الخليجية، يعد خيار التفاوض مع الولايات المتحدة أحد الخيارات المطروحة لتعديل أو لإلغاء الرسوم الجمركية، كما تعد هذه فرصة لبلورة موقف موحد وعقد اتفاقية شراكة جديدة مع الولايات المتحدة تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي تراعي فيه المصالح الاقتصادية مع الولايات المتحدة، وفي حالة تعذر ذلك يمكن للبحرين وسلطنة عمان إعادة التفاوض على بنود اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية التي تم توقيعها في 2009م، يعتقد بعض الخليجيين أن الحصول على اتفاق عادل أمر صعب تحقيقه نظرًا لاتباع المفاوض الأمريكي الضغوط السياسية لتحقيق أهداف اقتصادية، وبالتالي البحث عن أسواق بديلة يمثل الخيار الأمثل لدول الخليج من أجل تكوين شراكات جديدة ودخول أسواق واسعة تسمح باستيعاب المنتجات الخليجية بشكل دائم على المديين القصير والبعيد.

على الصعيد الإقليمي، تستطيع دول الخليج العربي تعميق التكامل الاقتصادي الخليجي وتعزيز التعاون العربي من أجل بناء اقتصاد خليجي متنوع وقوي ويساعد على تعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي، وتوسيع دائرة التنويع الاقتصادي ليشمل تنويع في الصناعات والمنتجات والأسواق، بالإضافة إلى الاستثمار في بناء قدرات بشرية وطنية تساعد على سد احتياجات سوق العمل الخليجي، على أن تقوم الحكومات الخليجية بتحويل مبالغ كبيرة من استثماراتها الخارجية لبناء قاعدة صناعية قوية وتطوير صناعات عالية التقنية مثل السيارات والصناعات الدوائية والشرائح الإلكترونية. إن تعزيز العمل العربي المشترك أصبح ضرورة حتمية من أجل فتح أفاق كبرى في مجالات الصناعة والتجارة والاستثمار، لذا يجب تعظيم الاستفادة من الأسواق العربية الواسعة التي تشمل 493 مليون نسمة تقريبًا، لتحتل المنطقة العربية المركز الثالث بعد الهند والصين من حيث عدد السكان، وسوق واعد يتمتع بمميزات اقتصادية وسوقية متنوعة يمكنها استيعاب الاستثمارات الخليجية وتزويد منطقة الخليج باحتياجاتها السوقية المختلفة.  

على الصعيد الدولي، يجب على دول الخليج تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع التكتلات الاقتصادية الكبرى، حيث يتمتع الاتحاد الأوروبي بقدرات إنتاجية وتسويقية تضاهي السوق الأمريكي، بينما تشهد كلًا من السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (كوميسا) تطورًا اقتصاديًا كبيرًا في السنوات القليلة الماضية، في حين تأتي القارة الآسيوية في مقدمة الاهتمامات الخليجية خاصة بعد صعود الصين لتحتل المركز الثاني (19.5 تريليون دولار) في الاقتصاد العالمي، تليها اليابان في المركز الرابع (4.3 تريليون دولار)، ثم الهند في المركز الخامس (4.2 تريليون دولار)، مما يدل على تحول الثقل الاقتصادي تجاه الشرق. تتميز القارة الآسيوية بوجود عدة تكتلات اقتصادية ضخمة، أهمها مجموعة دول البريكس بسوق استهلاكي كبير يحتوي على 3.5 مليار نسمة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، والجماعة الاقتصادية الأورو آسيوية، حيث تسعى هذه التكتلات إلى توسيع السوق المشتركة لاستيعاب المزيد من الإنتاج والاستثمارات وتعزيز التنافسية والكفاءة الاقتصادية في معظم القطاعات الاقتصادية ولا سيما القطاع الصناعي.  

وفي النهاية، يؤكد هذا المقال على أن الرسوم الجمركية الأمريكية ليست مجرد إجراء تقني لتحسين الميزان التجاري الأمريكي، بل نقلة نوعية في السياسة الخارجية الأمريكية تهدف إلى إعادة هيكلة النظام الاقتصادي الدولي بشكل يضمن للولايات المتحدة الاستمرار في الهيمنة على النظام الدولي، دون إدراك حقيقي بأن موازين القوى الاقتصادية تميل تجاه الشرق. يؤكد المقال أيضًا على أن كلاً من العلاقات الاستراتيجية الخاصة في مجالي الأمن والطاقة واتفاقات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين لم تحم هذه الدول من الرسوم الجمركية العالية ولا الضغوطات السياسية من أجل تأمين امتيازات إضافية لدعم الاقتصاد الأمريكي. كما يشير المقال إلى أن دول الخليج العربي لديها خيارات عديدة وأن تطبيق الرسوم الجمركية ربما يمثل فرصة لإعادة تقييم علاقاتها التجارية الحالية وفتح آفاق جديدة للاندماج في التكتلات الاقتصاديات الكبرى من أجل خلق مكانة جديدة لدول الخليج في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

مقالات لنفس الكاتب