array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 210

التعريفات الأمريكية تخلق فرصًا للدول العربية أكثر من انعكاسها في صورة أزمة

السبت، 31 أيار 2025

في الثانى من أبريل فجر الرئيس ترامب ما أطلق عليه البعض "قنبلة نووية اقتصادية"، فيما اعتبره البعض الآخر "تسونامى اقتصادى" بدأ بكندا والمكسيك والصين قبل أن يغطى العالم، وذلك بفرضه رسوم جمركية على معظم دول العالم، طالت الحلفاء قبل المتنافسين. ورغم أن هدف ترامب تمثل في حماية الصناعة المحلية، ومواجهة ما وصفه بالخلل التجاري غير العادل، والأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل، وتحفيز الإنتاج الوطني واستعادة الاقتصاد الأمريكى لعصره الذهبي عندما كان ينتج لنفسه وحلفائه، ولذا أسماه "يوم التحرير"، فإن التعريفات خلقت ضغطاً على الشركات الأمريكية التي تعتمد على الاستيراد من الخارج، مما دفعها إلى تخزين مفرط للسلع قبل زيادة التعريفات، أدى إلى تراجع في النشاط الاقتصادي وانكماش الاقتصاد، وأظهرت بيانات وزارة التجارة الأمريكية أن الناتج المحلي الإجمالي قد انكمش للمرة الأولى منذ عام 2022 بنسبة 0.3% في الربع الأول من العام الجارى، فيما أُطلق عليه "ركود ترامب". ورغم أن إدارة ترامب أصرت على أن الانكماش "مؤقت وتقني" وأنه يعود لإدارة الرئيس السابق جو بايدن، فإن للتعريفات وتأثيراتها على الاقتصاد الأمريكى، أكبر الاقتصادات عالمياً، تداعيات تطال العالم أجمع، يمكن إيجازها في الآتى.

أولاً: تغييرات هيكلية في الاقتصاد العالمي ومخاطر انكماش:

تنذر السياسات الحمائية لترامب بتحولات هامة في النظام الاقتصادي العالمي، أهمها:

  1. تقويض منظمة التجارة العالمية وتراجع دورها العالمي:

تمثل التعريفات الجديدة انتكاسة وتدمير لنظام التجارة الحرة الذي قادته الولايات المتحدة نفسها منذ الحرب العالمية الثانية خاصة وأنها صادرة من أكبر اقتصاد عالمي ومن الدولة التي أسست للمنظمة ونظمها. فقد شكلت تعريفات ترامب تغيير هيكلى في نظم التجارة العالمية التى استقرت على مدى ما يقرب من ثمانية عقود منذ اعتماد واشنطن الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة، المعروفة اختصارًا بـ "الجات"، أساسًا لتنظيم التبادل التجاري بين الدول عام 1947م والتي تطورت بدعم أمريكي إلى منظمة التجارة العالمية عام 1995م، وضمت 166 دولة حتى أغسطس 2024م، أي غالبية دول العالم، بهدف ترسيخ مبادئ تحرير التجارة العالمية وخفض القيود الجمركية، والفصل في المنازعات والدعاوى المتعلقة بذلك. ولعبت المنظمة على مدى العقود الثلاثة الماضية دوراً محورياً في دعم حرية التجارة وفتح الأسواق وتعزيز الاعتماد المتبادل بين الدول. ودعمت واشنطن انضمام الصين إلى المنظمة عام 2001م، وقبلت انضمام روسيا عام 2012م، رغبة في صهر الدولتين ضمن هذا التيار العالمي، الذي أصبح لا يخدم المصالح الأمريكية من وجهة نظر ترامب مما يمثل ضربة قاسمة للمنظمة.

  1. مخاطر التباطؤ والانكماش للاقتصاد العالمي:

في تقرير أصدرته منظمة التجارة العالمية في 16 أبريل توقعت انخفاضًا حادًا في التبادلات العالمية وتفاقم حالة عدم اليقين التي تُهدد بإبطاء النمو العالمي، واتجاه تجارة السلع العالمية نحو الانخفاض بنسبة 0,2% هذا العام، خاصة وإن القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثرًا بفعل القرارات الأمريكية تتضمن مدى واسع من صناعة الصلب والألومنيوم والسيارات إلى البترول والأدوية والرقائق والألكترونيات والزراعة والأخشاب وحتى صناعة النبيذ. إن استمرار التعريفات الأمريكية واتخاذ الدول الأخرى تدابير جوابية انتقامية سيؤدى على الأرجح إلى إضعاف قوة الاقتصاد العالمي الذي تعافى بالكاد من ارتفاع التضخم بعد جائحة كورونا، والمثقل بالديون، والذي يواجه مخاطر الصراعات الجيوسياسية، وما يرتبط بها من اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع أسعار آلاف السلع حول العالم.

  1. خريطة جديدة للشراكات التجارية:

 الصيغة الأميركية الجديدة تُحدد التعريفات الجمركية الأمريكية على واردات أي دولة بما يعادل العجز التجاري الأمريكي مع تلك الدولة مقسومًا على وارداتها منها أو 10%، أيهما أعلى وهي معادلة جديدة تجاوزت الصيغة التي اعتمدتها واشنطن سابقًا كعضو في منظمة التجارة العالمية، والتي تقوم على فرض نفس معدل التعرفة الجمركية على جميع شركائها التجاريين، بغض النظر عن المعدلات المتبعة من قبلهم. وعلى حين يرى ترامب أن التعريفات التى فرضها عادلة وتحقق التوازن في علاقة الولايات المتحدة مع شركائها، فإن الشركاء يرونها مجحفة ومهددة لمصالحهم، الأمر الذي قد يدفعهم لتطوير شراكات بديلة تبرز معها خريطة جديدة لحركة التجارة العالمية نتيجة التوترات التى خلقتها سياسات ترامب الحمائية بين واشنطن وشركائها الرئيسيين، كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبى والصين. وتتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأكبر علاقة تجارية في العالم، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 1.6 تريليون يورو (1.7 تريليون دولار) من السلع والخدمات في عام 2023م، أي ما يقرب من 30% من حجم التجارة العالمية. وقد تدفع التعريفات الأمريكية، البالغة 20% على الاتحاد الأوروبى، الأخير إلى تطوير التجارة مع كندا والصين، خاصة وأن الصين رحبت بإجراء مباحثات وتطوير التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وتبحث كندا في إمكانية توسيع التبادلات مع الاتحاد الأوروبي لكونه شريك أكثر موثوقية من الولايات المتحدة.

وحتى في حال استمرار الشراكة مع الولايات المتحدة فإنها ستكون على أسس جديدة، ومثال ذلك الاتفاق الذي أعلن عنه ترامب يوم 8 مايو مع بريطانيا. وتُعد بريطانيا تاسع أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، حيث وصل حجم التجارة الثنائية بين البلدين حوالي 148 مليار دولار في عام 2024م، وفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكي. وقد وصف ترامب، الاتفاق مع بريطانيا بأنه اتفاق "كامل وشامل". ويُلغي الاتفاق الضرر الناجم على بريطانيا عن ثلاث رسوم فرضها ترامب خلال أشهره الأولى في السلطة حيث سيتم تخفيض الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات من 27.5% إلى 10% على 100 ألف سيارة بريطانية الصنع سنويًا، وسيتم إلغاء الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم تمامًا. كما يمنح الاتفاق كل دولة حصة معفاة من الرسوم الجمركية على 13 ألف طن متري من صادرات لحوم البقر، كما تحصل الولايات المتحدة على وصول أفضل إلى السوق البريطانى للإيثانول. كما اتفق البلدان على مزيد من العمل على قوانين التكنولوجيا وإنتاج الأفلام حيث لم تتغير ضريبة الخدمات الرقمية البريطانية على شركات التكنولوجيا العملاقة، كما لم يُتطرق إلى تهديد ترامب الأخير بفرض رسوم جمركية على الأفلام المنتجة خارج أمريكا حيث تفتخر بريطانيا بصناعة أفلام كبيرة وتقدم إعفاءات ضريبية تشجع العديد من الشركات الأمريكية على تصوير إنتاجها في استوديوهات مثل باينوود وشيبرتون. مما يعني أن هناك الكثير من العمل المتبقي، وهو ما أكده محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، الذي اعتبر الاتفاق جيد، لكن الرسوم الجمركية على معظم صادرات السلع البريطانية إلى الولايات المتحدة لا تزال أعلى مما كانت عليه، مما قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد البريطاني بنحو 0.3% على مدى ثلاث سنوات.

ثانياً: التداعيات على الصين:

تبدو الصين أكثر استعداداً لتعريفات ترامب، فقد اعتادت بكين على مثل هذه الإجراءات خلال فترة رئاسته الأولى، التى شهدت تصعيداً وحربًا تجارية في مواجهتها انتهت بالتوصل إلى اتفاق بينهما قبيل رحيل ترامب عن البيت الأبيض في يناير 2020م، اعتبره تاريخي، تعهدت الصين بمقتضاه بشراء بضائع أمريكية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال العامين التاليين، كما تضمن بنودًا تتعلق بحماية الملكية الفكرية استجابة للمطالب الأمريكية. ومن جانبها وافقت واشنطن على عدم زيادة الضرائب الجمركية العقابية المفروضة على الصين. ويبدو أن هذا الاتفاق لم يكن سوى هدنة مؤقتة في خضم الحرب التجارية المستعرة بينهما في سياق تنافس اقتصادي واستراتيجي ضاقت به الأرض ليصل عنان الفضاء. ويمكن بلورة خطوات بكين الجوابية على تعريفات ترامب في محورين أساسيين يمثلان استراتيجية متكاملة ومعدة جيداً.

  1. التصعيد مع الانفتاح على مفاوضات متوازنة مع واشنطن:

خلافاً لما كان يتوقعه ترامب من أن تؤدي التعريفات التى فرضها إلى هرولة الصين للتفاوض مع واشنطن، أبدت الصين جاهزية في رد الفعل، واتخذت خطوات تصعيدية وبدت غير مكترثة بالقدر الذي كان يأمله. فقد أكد الرئيس الصيني، شي جين بينج، في أول تعليق علني له على الموضوع، أن بلاده "ليست خائفة" من تصاعد الصراع التجاري مع الولايات المتحدة، وأنه "لا رابح في حرب الرسوم الجمركية، وأن معارضة الولايات المتحدة للعالم لن تؤدي إلا إلى العزلة الذاتية"، وأنه "لأكثر من 70 عامًا، اعتمدت تنمية الصين على الذات والعمل الجاد ولم تعتمد قط على هبات الآخرين، ولم تخش قط أي قمع ظالم، وبصرف النظر عن كيفية تغير البيئة الخارجية، ستظل الصين واثقة، ومُركزة على إدارة شؤونها الخاصة بكفاءة".

وقد حملت كلمات الرئيس الصينى رسائل قوية لواشنطن تم ترجمتها على الفور إلى حزم جوابية تصعيدية من الرسوم الجمركية، فقامت لجنة التعريفات الجمركية بمجلس الدولة الصيني برفع التعريفات الجمركية على الواردات الأمريكية إلى 125% رداً على رفع واشنطن التعريفات على الواردات الصينية من 34% إلى 84% ثم 104% وصولاً إلى 145%. وأكدت بكين على لسان المتحدث باسم مجلس الدولة الصيني أن فرض الولايات المتحدة المتتالي للتعريفات الجمركية المرتفعة بشكل مفرط على الصين مجرد لعبة أرقام، دون أي أهمية اقتصادية حقيقية، وإنها تكشف فقط عن استخدام الولايات المتحدة للتعريفات الجمركية كأداة للتنمر والإكراه، مما يحولها إلى مزحة، وأنه إذا استمرت الولايات المتحدة في الإضرار بشكل كبير بمصالح الصين، فستتخذ الصين تدابير مضادة بحزم وتقاتل حتى النهاية.

والواقع أن تداعيات التعريفات على الولايات المتحدة لا تقل عن نظيرتها على الصين، ويبلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين حوالي 700 مليار دولار، بينما تُقدّر استثمارات الصين في المحافظ الأمريكية بنحو 1.4 تريليون دولار، ومن ثم فإن البلدين متضررين من التعريفات. فهناك تراجع في مؤشر التوظيف الصناعي داخل المصانع المعدة بضائعها للتصدير في الصين، الأمر الذي يعكس خفض الإنتاج وتسريح العمال ورغم أن الحكومة الصينية لم تعلن رسمياً عن وجود تباطئ في الناتج المحلي الإجمالي إلا أن التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد الصيني ربما يعاني من انكماش قادم. كذلك تواجه الشركات الأمريكية ارتفاعاً في أسعار الواردات وتكاليف الإنتاج، وبدأت الكثير منها توجيه حركة الشحن نحو آسيا غير الصينية وتحويل سلاسل الإمداد إلى دول بديلة مثل الهند وفيتنام مما يعيد رسم خريطة الشحن البحري لكنه يتم ببطء ويكلف الاقتصاد الأمريكي كثيراً خصوصاً في الموانئ التي كانت تعتمد على الواردات الصينية والتى تشهد انخفاضًا ملحوظًا في النشاط وتراجع التوظيف المحلي، وانخفاض حاد في حجوزات الحاويات المتجهة إلى الولايات المتحدة بنسبة 45%، ويعد ميناء لوس أنجلوس، الذي يستقبل الحصة الأكبر من البضائع القادمة من الصين، من بين الموانئ الأمريكية الأكثر تضرراً، ويشمل ذلك موانئ أخرى على الساحل الغربي للولايات المتحدة، والتي تعتمد بشكل كبير على التجارة مع الصين.

في ضوء ما تقدم، جاءت المبادرة الأمريكية بدعوة الصين للمفاوضات، واقترح ترامب للمرة الأولى فرض رسوم جمركية بنسبة 80% على السلع الصينية واعتبر أن ذلك "يبدو مناسبًا". وقد عُقدت المفاوضات بين البلدين في جنيف يومي 10 و11 مايو، بقيادة نائب رئيس مجلس الدولة الصيني خه لي فنج ووزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، لنزع فتيل التصعيد والحرب التجارية بينهما وما تؤدى إليه من اضطرابات في الاقتصاد العالمي. وقد حاولت كل دولة إظهار أنها في موقف تفاوضي أقوى، وتسعى واشنطن إلى خفض العجز التجاري مع بكين وإقناع الصين بالتخلي عما تقول الولايات المتحدة إنه نموذج اقتصادي يعتمد على زيادة التصدير بشكل كبير مقارنة بالاستيراد، وبالإسهام بشكل أكبر في الاستهلاك العالمي، وهو تحول يتطلب إصلاحات محلية تثير حساسية سياسية لدى الصين التى تتصدى لما تعتبره تدخلًا خارجيًا، وتطالب واشنطن بخفض الرسوم الجمركية، والحصول على إعفاء لمدة 90 يومًا من الرسوم الجمركية الأمريكية أسوة بدول أخرى، وتوضيح السلع التي تريد من الصين زيادة مشترياتها منها ومعاملتها كند لها على الساحة العالمية. ومع ختام اليوم الأول للمباحثات أكد ترامب على منصته الاجتماعية "Truth Social" أن الاجتماع، الذي استمر لأكثر من عشر ساعات، كان جيد للغاية وأنه تم الاتفاق على الكثير، وأن المفاوضات كانت وديةً وبناءةً لإعادة ضبط العلاقات. كما أكد وزير الخزانة الأمريكي بأن الولايات المتحدة والصين "لديهما مصالح مشتركة"، وأن الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضتها الدولتان ليست "قابلة للاستمرار"، مما يؤشر إلى انفراجه مأمولة للأزمة.

  1. تعزيز الشراكات التجارية وتوظيفها للنفاذ للسوق الأمريكى:

يدفع الصراع التجاري بكين إلى توسيع نطاق تجارتها مع أسواق أخرى، إذ هبطت صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 21%، وأظهرت بيانات التجارة التي نُشرت يوم 9 مايو ارتفاع الشحنات من الصين إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 8% الشهر الماضي. ورغم كون اليابان وكوريا الجنوبية من حلفاء واشنطن التقليديين فإنهما يتجهان نحو مزيد من التقارب الاقتصادي والتجاري مع الصين، وفي 30 مارس عقد وزراء تجارة الدول الثلاث أول حوار اقتصادي بينهم منذ خمس سنوات، لبحث آليات تسهيل التجارة الإقليمية واتفاقية التجارة الحرة بين كوريا الجنوبية واليابان والصين.

يضاف إلى ذلك تعزيز الشراكات القائمة مع دول جنوب شرق آسيا، والدفع للانتهاء من المفاوضات الجارية لتحديث اتفاقية التجارة الحرة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) والصين. في هذا السياق قام الرئيس الصيني، شى جين بينج، بزيارة كل من فيتنام وكمبوديا وماليزيا، لدعم الشراكة مع الدول الثلاث وتعزيز التنسيق والتعاون للتصدى للتعريفات الأمريكية حيث تعاني الدول الثلاث من رسوم ترامب (كمبوديا 49%، فيتنام 46%، ماليزيا 26%)، ولكنها تظل أقل كثيراً مقارنة بالصين (145%). وخلال زيارته لفيتنام يوم 14 أبريل، تم توقيع 45 وثيقة للتعاون الثنائي منها مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين مجلس الصين لتعزيز التجارة الدولية وغرفة التجارة والصناعة الفيتنامية، التي تصدر شهادات منشأ السلع على النحو الذي سيسمح بتصدير المنتجات الصينية للولايات المتحدة كمنتجات فيتنامية. وتُعد فيتنام مركزاً صناعياً وتجميعياً رئيسياً في جنوب شرق آسيا، حيث تأتي معظم وارداتها من الصين، بينما تعد الولايات المتحدة سوق التصدير الرئيسي لها، وتشكل مصدراً مهماً للإلكترونيات والأحذية والملابس للولايات المتحدة. وتُظهر بيانات الجمارك الفيتنامية أن هانوي استوردت من بكين في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام بضائع بقيمة نحو 30 مليار دولار، بينما بلغت صادراتها إلى واشنطن 31.4 مليار دولار.

  1. الارتكاز على بريكس:

ستؤدى التداعيات المرتبطة بالتعريفات الأمريكية إلى تعميق الشراكة بين بكين وموسكو على المستوى الثنائي وفي إطار مجموعة بريكس. ورغم أن روسيا ليست معنية بالتعريفات لأنه لا يوجد تبادل تجارى مع واشنطن بالنظر للعقوبات المفروضة عليها، إلا إن إحداث تغييرات هيكلية في النظام الاقتصادي العالمي هدف مشترك للصين وروسيا. وعلى حين هزت تعريفات ترامب من صورة الولايات المتحدة كشريك، فإنها تعزز الثقة وتدعم الإقبال وتوسيع قاعدة المشاركة العالمية في الإجراءات والسياسات التي تطرحها البلدان. فعلى مدى عقد ونصف عملت بكين وموسكو على كسر الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، والتحول إلى نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر عدالة وتوازنًا للأغلبية العالمية من خلال مدى واسع من الإجراءات من أهمها التعامل بالعملات الوطنية وإنهاء هيمنة الدولار على المعاملات التجارية والمالية، وتطوير نظم بديلة للتحويلات المالية لنظام سويفت وغيرها. وتشجع إجراءات ترامب الصين وروسيا على مزيد من الدفع بهذه السياسات وجذب المزيد من الدول للانضمام إلى هذا التيار العالمي خاصة دول الجنوب.

ثالثاً: تحديات وفرص للدول العربية:

من الصعوبة بمكان تحديد تداعيات التعريفات الأمريكية على كل الدول العربية نتيجة تفاوت هذه التعريفات من دولة عربية لأخرى، فقد تصدرت سوريا القائمة بأعلى نسبة رسوم (41%)، ثم العراق (39%)، وليبيا (31%)، والجزائر (30%)، وتونس (28%)، إلا إن غالبية الدول العربية ومنها دول الخليج تواجه تعريفات في حدود 10%، ومن ثم فإنه ليس هناك تأثيرات واحدة على كل الدول. كما إن معظم الدول العربية غير معنية بهذه التعريفات كثيراً حيث إن الصادرات العربية للولايات المتحدة، باستثناء النفط، ليست بالحجم الكبير مقارنة بالواردات الأمريكية. وتم إعفاء واردات النفط والغاز والمنتجات المكررة من الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب استجابة لقطاع النفط الأمريكي، الذي عبر عن قلقه من تأثيرها على تدفقات النفط والغاز، وما قد يترتب على ذلك من زيادة التكاليف، بدءًا من النفط الخام الكندي الذي يغذي مصافي الغرب الأوسط، وصولًا إلى شحنات البنزين والديزل الأوروبية التي تُنقل إلى الساحل الشرقي.

في هذا السياق، فإن الأعم الأغلب سيكون تأثير تعريفات ترامب على الدول العربية بشكل غير مباشر، وفي إطار الصدى العالمي للقرارات الأمريكية، فالتداعيات السابق الإشارة إليها على الاقتصاد العالمي ستطول حتماً كل دول العالم ومنها الدول العربية بدرجات وتداعيات متفاوتة، وهناك دول ستعاني أكثر من هذه التعريفات خاصة وأنها منهكة اقتصادياً بالفعل وفي مقدمتها سوريا.

ولكن رغم ما تخلقه التعريفات الأمريكية من تحديات فإنها لا تخلو من الفرص لعدد من الدول العربية خاصة تلك ذات الرسوم المنخفضة، فقد أعلن ترامب استعداده لتوسيع نطاق استراتيجيته التفاوضية بشأن الرسوم الجمركية لتشمل الدول العربية، وقد يكون للتعريفات الأمريكية جانباً إيجابياً يفتح الآفاق أمام فرص جديدة في السوق، فالمصانع الأمريكية التي كانت تصنع منتجاتها في الصين، ستبحث عن دول بديلة. وينطبق الأمر ذاته، على الصين، التي ستبحث عن أماكن أخرى تُصنع فيها منتجاتها وتصدرها للولايات المتحدة بشكل غير مباشر عبر دول تنخفض فيها نسبة الجمارك الأمريكية المفروضة. هذا إلى جانب ما توفره الرسوم الأمريكية من إمكانات تصديرية لبعض الدول العربية في ظل نسبة تعريفتها الجمركية المنخفضة، عبر طرح منتجاتها بالسوق الأمريكي بأسعار منافسة مع مراعاة معايير الجودة العالية.

ومن ثم يتوقع أن تخلق التعريفات الأمريكية فرصاً للدول العربية أكثر من انعكاسها في صورة أزمة، على الرغم من تأثر المنطقة العربية بالاقتصاد العالمي ككل. ويتوقف الأمر على مدى نجاح كل دولة في إدارة الأزمة والتعاطي معها بإيجابية واستباقية، والتحرك السريع بخطة جيدة على المحاور الثلاثة السابقة بالتوازى: التفاوض مع واشنطن، جذب الشركات الأمريكية والصينية، وزيادة الصادرات للسوق الأمريكى.

مقالات لنفس الكاتب