بعد نهاية الحرب العالمية الثانية سعت الدول المنتصرة إلى إعادة هندسة النظام العالمي فأنشأت منظمة الأمم المتحدة و في إطارها وضعت أسس و قواعد النظام الاقتصادي العالمي لضبط العلاقات الاقتصادية بين الدول و لمعالجة السياسات التجارية و النقدية و المالية منعًا لتكرار الكساد الكبير الذي حدث خلال فترة الثلاثينات حيث قامت الدول خاصة الصناعية الكبرى سعيًا لمعالجة ضعف نشاطها الاقتصادي بزيادة القيود المفروضة على الواردات و المنافسة في تخفيض أسعار عملاتها لزيادة الصادرات مما أدى إلى انخفاض حجم التجارة العالمية و انعكاس ذلك في انخفاض الناتج العالمي و توظيف العمالة.
عقد برعاية من الولايات المتحدة الأمريكية، مؤتمراً في بريتون وودز (Bretton Woods) عام 1945م، تمخض عنه إنشاء صندوق النقد الدولي بهدف منع وقوع الأزمات المالية في النظام النقدي الدولي من خلال تحقيق التعاون الدولي في النقود وللتخلص من القيود على الصرف الأجنبي وتحقيق استقرار في أسعار الصرف لتسهيل المدفوعات بين الدول كما أنشأ البنك الدولي بهدف إعادة بناء اقتصاديات الدول الأوروبية التي تم تدميرها خلال الحرب العالمية الثانية ثم تطورت أهدافه لتشجيع النمو و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية في الدول الأعضاء.
المؤسسة الثالثة التي كانت يجب أن تنشأ تزامنًا مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هي منظمة التجارة العالمية، ولكن لتحفظات من الكونغرس الأمريكي مرتبطة بالمصالح الأمريكية تأخر إنشاؤها حتى عام 1995م، واستعيض عنها بالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات GATT) وهي اتفاقية متعددة الأطراف وقعت عليها الدول المؤسسة في هافانا وهدفها إزالة الحواجز التجارية (الجمركية وغير الجمركية) ثم استبدلت بها منظمة التجارة العالمية
التي أنشئت باتفاقية مراكش في يناير 1995م، بهدف الإشراف على تجارة السلع – ما عدا البترول – وتجارة الخدمات والملكية الفكرية والاستثمار وجوانب البيئة المؤثرة على التجارة كما تعمل على تسوية المنازعات التجارية بين الدول الأعضاء ومراجعة سياساتها التجارية.
وتعمل المنظمة على تحرير التجارة الدولية من خلال تخفيض القيود التعريفية عند أدنى مستوى ممكن وغير التعريفية أو الكمية ومعالجة مشاكل الإغراق والدعم من خلال جهاز فض النزاعات.
شكلت هذه المؤسسات الاقتصادية ركائز للعولمة في مجال الاقتصاد وخدمت بالأساس مصالح الدول الصناعية المتقدمة التي سعت إلى رفع قيود التجارة في المجالات التي تحوز فيها قدرة تنافسية عالية مثل السلع الصناعية والخدمات المالية والمصرفية وخدمات الاتصالات وحركة عنصر رأس المال فيما يقل التحرير أو يكبل بالقيود في المجالات التي لا تتمتع فيها بمميزات تنافسية عالية مثل السلع الزراعية والمنسوجات وحركة عنصر العمل.
ما هو هدف سياسات الرئيس ترامب الجمركية:
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي مركز الاقتصاد الدولي طيلة القرن الماضي، ولكن الصعود الاقتصادي السريع للصين مع مطلع هذا القرن والمصحوب بنهضة تكنولوجية متطورة أصبح مهددًا لها ولذلك تسعى جاهدة للحفاظ على زعامتها الاقتصادية.
و قد أطلق الرئيس الأمريكي ترامب شعارًا سياسيًا في حملته الانتخابية الأولى و هو جعل أمريكا أولا ثم اتخذ شعار حملته الانتخابية في رئاسته الثانية جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى (Make America Great Again ) و يبرر الرئيس ترامب سياسته الجمركية بأن الولايات المتحدة واقعة تحت غبن تجاري وأن الدول تستغفل الولايات المتحدة وتفرض رسوم أكبر على المنتجات الأمريكية مما أدى إلى تحول الميزان التجاري لغير صالحها و هو في حقيقة الأمر يسعى إلى زعزعة هيكلة التجارة العالمية و إعادة نقل و هيكلة سلاسل الإمداد و بالتالي تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى أمريكا وهو في سبيل تحقيق هذا الهدف يستخدم سلاح الرسوم الجمركية لتحسين القدرة التنافسية للمصنعين الأمريكيين حيث فرض رسوم متفاوتة القيمة على أكثر من 200 دولة وجزيرة وإقليم حول العالم بتركيز أكبر على الصين والاتحاد الأوروبي و كندا والمكسيك كما يستخدم وسائل الضغط السياسي العنيف وأحيانًا التلويح باستخدام القوة العسكرية لتحقيق مكاسب اقتصادية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لأمريكا وعودة الشركات الأمريكية الكبرى إلى الأراضي الأمريكية.
مبررات ترامب بالغبن الاقتصادي غير موضوعية لأنه يركز فقط على الميزان التجاري السلعي في حين أن الميزان التجاري يتكون من سلع و خدمات و يميل ميزان التجارة في الخدمات لصالح الولايات المتحدة حيث تمثل حصة الولايات المتحدة من صادرات الخدمات العالمية في 2024م، حوالي 12,7% مستفيدة من قوتها في قطاعات مثل التكنولوجيا والمعلومات والخدمات المالية والمصرفية وإدارة الأصول والتأمين والاستشارات الإدارية والقانونية والهندسية والمحاسبية وغيرها من القطاعات الخدمية حيث بلغت صادراتها من الخدمات حوالي 929,2 مليار دولار أمريكي ووارداتها حوالي 635,9 مليار دولار أمريكي بفائض تجاري بلغ حوالي 293 مليار دولار أمريكي مما يعكس قوة الولايات المتحدة كمصدر للخدمات.
أثر قرارات ترامب على الاقتصاد العالمي:
الولايات المتحدة الأمريكية دولة ذات أهمية كبيرة في التجارة العالمية والمجتمع المالي حيث إن ناتجها المحلي الأجمال GDP)) يمثل حوالي ربع الناتج العالمي.
بلغ الناتج المحلي العالمي في العام 2024م، حوالي 105 تريليون دولار أمريكي، فيما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 27 تريليون دولار بنسبة 25,7% وبلغ ناتج الصين 17,7 تريليون دولار بنسبة 16,9% والاتحاد الأوروبي حوالي 17 تريليون دولار بنسبة 17,2%. الصين تحتل المركز الثاني عالميًا حسب الناتج المحلي الإجمالي، ولكنها تتفوق على الولايات المتحدة وتصبح أكبر اقتصاد في العالم إذا تم قياس الناتج المحلي الإجمالي حسب تعادل القوة الشرائية (PPP) Purchasing power parity، وهو مفهوم اقتصادي يستخدم للمقارنة بين العملات المختلفة بناءً على ما يمكن شراؤه بها داخل كل دولة وليس فقط على سعر صرفها.
أما من حيث الإنفاق الأستهلاكي فإن الولايات المتحدة تتصدر بفارق كبير حيث تشير إحصاءات عام 2024م، أن الولايات المتحدة تنفق حوالي 18,5 تريليون دولار فيما تنفق الصين 6,5 تريليون دولار و الاتحاد الأوروبي 10,8 تريليون دولار عام 2024م، وتظهر الأرقام أن الفرد الأمريكي ينفق استهلاكيًا أكثر بكثير من غيره حيث يبلغ إنفاقه السنوي حوالي 54.4 الف دولار، يليه الياباني بإنفاق سنوي يبلغ 25 الف دولار ثم الأوروبي بــ 24 الف دولار بينما الفرد الصيني ينفق 4,6 الف دولار والهندي 1,5 الف دولار وهما الأقل إنفاقًا للفرد رغم ضخامة اقتصادهما الكلي.
هذه الأرقام تبين الحجم الكبير للاقتصاد الأمريكي ولذلك أية سياسات اقتصادية أمريكية تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي. وقد أدت قرارات الرئيس ترامب العدائية برفع الرسوم الجمركية على جميع الواردات من كل دول العالم خاصة الواردات الصينية والكندية وواردات الاتحاد الأوروبي على إشعال حرب تجارية عالمية جعلته يتراجع بتخفيض بعضها أو تجميدها لفترة زمنية محددة أو سحبها استجابة للمفاوضات التجارية وردود فعل سوق الأسهم.
وقد أدت هذه التقلبات في سياسات ترامب الجمركية إلى انهيار في أسواق المال العالمية وحققت كثير من أسهم الشركات الكبرى خسائر فادحة وتراجعت الثقة وتباطأ نمو التجارة الدولية وستكون الأسواق الناشئة خاصة الهند والأرجنتين ومعظم دول إفريقيا وجنوب شرق آسيا هي الأكثر تضررًا.
وإضافة لما سبق فإن التوترات التجارية تسببت في تراجع الاستثمارات العالمية خاصة في القطاعات الصناعية والتكنولوجية مما جعل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يخفضان توقعاتهما لنمو الاقتصاد العالمي خلال فترة الحرب التجارية، إضافة إلى ذلك أدت هذه السياسات إلى ارتفاع تكلفة المواد الأولية والسلع المصنعة بسبب الرسوم الجمركية مما يؤدى إلى إعادة ترتيب سلاسل التوريد ونقل بعض الصناعات إلى دول أخرى للاستفادة من الفروق في الرسوم الجمركية المفروضة.
سأتناول فيما يلي أثر هذه القرارات على بعض الدول والمنظمات والتحالفات الدولية:
أولا:
تأثير هذه القرارات على الداخل الأمريكي:
أثرت قرارات ترامب بفرض رسوم جمركية على الواردات خاصة من الصين ودول أخرى بصورة مباشرة وغير مباشرة على المواطن الأمريكي.
وكانت أبرز نقاط التأثير ما يلي:
1/ ارتفاع أسعار السلع حيث أدى ارتفاع الرسوم الجمركية إلى زيادة تكاليف المواد المستوردة مما أدى إلى رفع أسعارها على المستهلكين كما أدى إلى رفع معدلات التضخم وأهم السلع التي شهدت ارتفاعًا في الأسعار هي الإلكترونيات، الأدوات المنزلية، الملابس وقطع الغيار.
2/ انخفاض القوة الشرائية لبعض الأسر حيث لم تكن الزيادات في الأجور كافية لتعويض ارتفاع تكاليف المعيشة.
3/ انخفاض صادرات بعض المنتجات الزراعية الأمريكية كالصويا والذرة نتيجة لفرض الصين رسوم جمركية عالية عليها في إطار ردها على الرسوم الأمريكية، مما كبد المزارع الأمريكي خسائر كبيرة.
4/ تقلص الإنتاج وتسريح العمال في بعض الصناعات مثل صناعة السيارات نتيجة لارتفاع أسعار المكونات والمواد الخام المستوردة.
5/ زيادة العبء على الميزانية العامة نتيجة لدعم الحكومة الأمريكية المباشر للمزارعين لتعويض خسائرهم.
ثانيًا: تأثير قرارات ترامب على الصين:
قرارات ترامب هدفت للضغط على الصين التي حازت على أعلى الرسوم الجمركية المفروضة امريكيًا، وقد اعتبرت الصين أن هذه القرارات والإجراءات غير عادلة ومخالفة لقواعد منظمة التجارة العالمية وفاجأت العالم بردة فعلها القوية وردت الصاع صاعين بفرض رسوم كبيرة على الواردات الأمريكية مبدية استعدادها لخوض حرب تجارية، ورغم التصعيد أكدت الصين استعدادها للحوار مع الولايات المتحدة مشددة على ضرورة أن يكون ذلك على أساس الاحترام المتبادل والمساواة وقد ظهر تأثير هذه القرارات على الاقتصاد الصيني في الآتي:
1/ تراجع الصادرات الصينية إلى أمريكا نتيجة لأن الرسوم الجمركية جعلت المنتجات الصينية أغلى في السوق الأمريكية.
2/ أدت هذه القرارات إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني مما دفع الحكومة الصينية لاتخاذ إجراءات تحفيزية محلية.
3/ خسارة بعض الاستثمارات وفرص العمل في الصين نتيجة لنقل بعض الشركات العالمية لمصانعها إلى دول أخرى لتفادي الرسوم الكبيرة المفروضة على الصين.
4/ دفعت هذه القرارات الصين على زيادة الاعتماد على السوق الداخلي وتنمية الاستهلاك المحلي.
5/ سعت الصين إلى توسيع علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي وإفريقيا ودول البركس والشرق الأوسط لتعويض الخسارة في السوق الأمريكي.
6/ تأثر بعض القطاعات مثل الإلكترونيات والنسيج والأجهزة المنزلية بشكل مباشر بسبب انخفاض الطلب الأمريكي.
7/ القيود التكنولوجية التي فرضتها الولايات المتحدة على بعض الشركات الصينية الكبرى زادت من حدة التوترات السياسية والدبلوماسية بين البلدين.
ثالثًا: تأثير القرارات على الاتحاد الأوروبي:
العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي علاقات استراتيجية متكاملة ومستقرة بحكم التحالف السياسي و العسكري و الأمني الذي يربط بينهما وبحكم الروابط الثقافية والتاريخية وقد انعكست هذه العلاقات الراسخة على ملفات الاقتصاد و التجارة و الاستثمار حيث يمثل الطرفان أكبر شريكين تجاريين لبعضهما البعض و يتجاوز حجم التجارة بينهما مئات المليارات سنويًا كما أنهما يستثمران بشكل كبير في اقتصادات بعضهما البعض و هناك تنسيق وثيق بينهما في المعايير التجارية و التنظيمات الصناعية و السياسات الاقتصادية. وللولايات المتحدة الأمريكية فضل كبير في إعادة إعمار البلدان الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية حين أطلقت مشروع مارشال عام 1947م، بعد الدمار الكبير الذي خلفته الحرب.
قرارات الرئيس ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الاتحاد الأوروبي في إطار سياسته الاقتصادية زادت التوترات بين الحلفاء التقليدين وأثرت على التنسيق في ملفات أخرى مثل الأمن و الدفاع خاصة في ظل تباين المواقف بينهما في الحرب الروسية الأوكرانية بعد إعادة انتخاب الرئيس ترامب و قد شجعت هذه السياسات الأمريكية الاتحاد الأوروبي للتفكير جديًا في تعزيز الاعتماد على نفسه عسكريًا و سياسيًا و اقتصاديًا كما شجعته على التفكير في حماية صناعاته بشكل أكبر و تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية و قد كان لقرارات ترامب آثار اقتصادية واضحة على الاتحاد الأوروبي أهمها:
1/ أدت زيادة الرسوم إلى زيادة ارتفاع تكلفة الواردات الأوروبية في السوق الأمريكي.
2/ غلاء المنتجات الأوروبية بسبب الرسوم الجمركية أدى إلى تقليل الطلب الأمريكي وبالتالي تراجع الصادرات الأوروبية.
3/ الرد الأوروبي بفرض رسوم جمركية معاملة بالمثل زاد أسعار المنتجات الأمريكية في البلدان الأوروبية.
4/ الشركات عبر الأطلسي واجهت صعوبات في التكامل الصناعي بسبب تعطيل سلاسل التوريد وزيادة تكلفة مدخلات الإنتاج المستوردة من الولايات المتحدة
تأثير قرارات ترامب على الدول العربية:
الولايات المتحدة الأمريكية شريك تجاري للعديد من الدول العربية ولذلك فمن المرجح أن تؤثر القرارات الأمريكية بزيادة الرسوم الجمركية سلبًا على النمو الاقتصادي للدول العربية خاصة تلك التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي وأبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة والذين لهم علاقات وثيقة معها هم الإمارات العربية المتحدة بإجمالي تبادل تجاري بلغ حوالي 34.4 مليار دولار والمملكة العربية السعودية بحجم تبادل تجاري 25.9 مليار دولار ثم مصر ، و المغرب، و قطر، و الأردن، و الكويت، و الجزائر ، و سلطنة عمان، و البحرين على هذا الترتيب.
إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يقدر بنحو 141,7 مليار دولار في عام 2024م، حيث بلغت الصادرات الأمريكية إلى المنطقة ما قيمته حوالي 80,4 مليار دولار فيما بلغت قيمة إجمالي الواردات حوالي 61,3 مليار دولار بفائض تجاري بلغ 19,1 مليار دولار لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
والرسوم الجمركية على الدول العربية خاصة التي تملك علاقات كبيرة مع الولايات المتحدة غير كبيرة حيث بلغت فقط 10% وهذا يجعل الأثر غير مباشر نسبيًا لكنه ملحوظ في بعض الجوانب خصوصًا على الاقتصادات العربية المرتبطة بالأسواق العالمية أو التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة وأهم الآثار على الدول العربية هي:
1/ الرسوم الجمركية الأمريكية زادت من أسعار الصادرات العربية مثل الألمونيوم مما يقلل من فرصها في السوق الأمريكي.
2/ تباطؤ النمو العالمي وتأثر الاقتصادات الكبرى بسياسات ترامب الحمائية أثرت على الطلب العالمي مما ساهم في تقلب أسعار النفط مما انعكس على موازنات الدول العربية المصدرة للنفط.
3/ بيئة عدم اليقين بسبب السياسات الحمائية قد تؤثر على خطط استثمارية طموحة لبعض الدول العربية للاستثمار في أمريكا أو عبر الشركات متعددة الجنسيات.
4/ الدول العربية المرتبطة بسلاسل التوريد العالمية تأثرت بشكل غير مباشر بسبب اضطراب التجارة العالمية.
5/ الدول ذات العلاقة الضعيفة مع أمريكا مثل اليمن والسودان وسوريا لم تتأثر بشكل كبير بالرسوم الجمركية الأمريكية.
6/مصر قد تتضرر في حصيلة رسوم العبور عبر قناة السويس في ظل التباطؤ المتوقع في سلاسل الإمداد والتجارة العالمية ولكنها في جانب آخر ستكون من أكبر المستفيدين لأنها تمتلك إمكانات تصديرية هائلة خصوصًا في ظل تعريفتها الجمركية المنخفضة في مقابل تلك الدول المتضررة برسوم أكبر.
7/ قد يكون هناك أثر إيجابي لضعف الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الدول العربية حيث يمكن أن تكون البلدان العربية ملاذًا للكثير من الشركات الصينية وغيرها لنقل استثماراتها ومصانعها إلى المنطقة العربية للاستفادة من قلة الرسوم الجمركية على الدول العربية ولقصر سلاسل الأمداد لأوروبا وأمريكا خاصة في ظل مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين لتعزيز الترابط التجاري والاقتصادي بين آسيا وإفريقيا وأوروبا عبر شبكة من البنى التحتية والاستثمارات. وستكون المناطق الحرة في جبل علي وقناة السويس وجدة وطنجة إضافة إلى سلطنة عمان مناطق محتملة لجذب الاستثمارات والمصانع من الدول التي تعاني ارتفاعًا في الرسوم الجمركية عليها.
أثر قرارات ترامب على أداء منظمة التجارة العالمية (WTO):
تشرف منظمة التجارة العالمية على النظام التجاري المتعدد الأطراف والذي يقوم على مجموعة القواعد الدولية التي يكون على الدول أن تطبقها في علاقاتها التجارية فيما بينها والهدف الأساسي هو تشجيع الدول على اتباع سياسات انفتاحية تضمن انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية. وقد تم الوصول إلى الاتفاقيات التي تحكم التجارة الدولية من خلال جولات تفاوض طويلة وصعبة ولذلك فإن قرارات الرئيس الأمريكي ترامب بزيادة الرسوم الجمركية تقوض جهود المنظمة في تيسير التجارة العالمية وتشعل حربًا تجارية تؤدي إلى فقدان الثقة في النظام التجاري القائم على قواعد المنظمة.
وقد أدى فرض ترامب لهذه الرسوم الجمركية دون الرجوع إلى منظمة التجارة العالمية على فتح الباب أمام دول أخرى لتبني إجراءات انتقامية أحادية ردًا على القرارات الأمريكية دون الرجوع إلى المنظمة.
كذلك قوضت الولايات المتحدة نظام تسوية النزاعات منذ تجميد الرئيس ترامب في فترته الرئاسية الأولى لتعيين القضاة في هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية مما أدى إلى تعطيل عملها فعليًا منذ أواخر عام 2019م، وهذا جعل من الصعب على المنظمة فرض أحكامها أو حل النزاعات بين الدول الأعضاء.
خاتمة:
الرئيس الأمريكي ترامب استخدم سياسة الصدمة من خلال فرض الرسوم ثم تأجيل تنفيذها لبعض الدول ليدخل في تفاوض في ظل ابتزاز للدول ليحقق مكاسب اقتصادية ولكن ردة فعل بعض الدول مثل الصين و كندا والاتحاد الأوروبي و تأثير القرارات على أسواق المال العالمية التي شهدت انهيارات كبيرة و اضطراب سلاسل التوريد العالمية و ارتفاع الأسعار على المستهلكين وانخفاض ثقة المستثمرين وتباطؤ النمو العالمي كل هذه الآثار السلبية تستوجب السعي لمعالجة الاختلالات في النظام التجاري العالمي ومراجعة الأسس التي يقوم عليها من خلال الحوار البناء و الذي يشمل إصلاح منظمة التجارة العالمية و تحديث قواعد التجارة العالمية لتحقيق التوازن في العلاقات التجارية و تشجيع القنوات الدبلوماسية لحل الخلافات بدلًا من الإجراءات الأحادية و يتطلب ذلك تنسيق بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و الصين على إصلاح شامل للنظام التجاري العالمي.