array(1) { [0]=> object(stdClass)#13837 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 210

حائط الصد بجمع كلمة الخليج ودول الاعتدال العربي والتركيز على التنمية والمصالح وبناء تحالف الراغبين

السبت، 31 أيار 2025

عندما تقرأ التقارير الكثيرة حول قرارات الرئيس الأمريكي ترامب خاصة حول ما عرف بالحرب التجارية، وسياسة رفع الضرائب والتعريفات الجمركية على واردات الولايات المتحدة من دول كثيرة صديقة وعدوة، والتغيير شبه اليومي في تلك القرارات، لا يستطيع أحد أن يتوقعها! نلمس أن تلك القرارات لا تستند على نظرية اقتصادية متماسكة، فكثير من الاقتصاديين، والمتخصصين وحتى في الولايات المتحدة، ينظرون إلى هذا الأمر بنقد شديد وعلمي في نفس الوقت، وأن تلك السياسة لن تعود على الاقتصاد الأمريكي بالفائدة، أو على الاقتصاد العالمي، هناك خسارة -خسارة في الاقتصاد العالمي، وأيضًا تذبذب غير مسبوق في الأسواق وشبه انهيار في أسعار السلع.

يشبه البعض هذه القرارات برفع الضرائب والمكوس والتعريفات، على ما حدث في عشرينات القرن الماضي في أمريكا، وقد أدت تلك السياسات إلى ما عرف بالكساد العظيم في نهاية عشرينات القرن الماضي، وقد تؤدي نفس قرارات الإدارة الحالية إلى تلك النتيجة، وربما أسوأ، وقد بدأت تباشيرها تظهر.

مع كتابة هذه الورقة، فالأمور لازالت كما هي، ولكن لا أحد يستطيع أن يؤكد أنه عندما تنشر هذه الورقة في يونيو 2025م، سوف يكون الأمر كما هو الآن، وقد تتغير الأمور رأسًا على عقب، باتفاقات بين الولايات المتحدة، وبين الدول المصدرة الكبرى وخاصة الصين، تقدمها الإدارة على أنها (انتصار كبير) وهو المطلوب شعوبيًا !!

السؤال المطروح أن الحرب التجارية أساس بين الصين وأمريكا، لكن الصين قادرة على امتصاص الصدمات، فالاقتصاد الصيني  مركزي  والمجتمع الصيني شمولي لا يستطيع أحد فيه أن يناقش سياسات الدولة،  كما أن المواطن الصيني تعود على العيش بالحد الأدنى، على عكس المجتمع الأمريكي،  الذي يخوض كل سنتين تقريبًا انتخابات نصفية شاملة، من أجل أعضاء يشغلون مجالس القرار ، وهو الكونغرس الأمريكي، وكذلك وجود صحافة حرة، و وجهات نظر مختلفة، ومجرد أن يشعر المواطن الأمريكي بالضغط الاقتصادي ،سوف يتحرك ضد تلك القرارات، وربما يبطلها، إن أضفنا إلى ذلك أن الاقتصاد الصيني يهدف إلى رفاه المواطن ، و الاقتصاد الأمريكي يهدف إلى رضا ( حامل الأسهم )!!

حقيقة الأمر أن قرارات السيد ترامب لا تقتصر على رفع الضرائب والتعريفات الجمركية، ولكنها أيضًا تذهب إلى مجموعة قرارات تمس الديمقراطية الداخلية في أمريكا، منها ما له علاقة بالمهاجرين الأجانب، وما له علاقة أيضًا بالعلاقات الاجتماعية في المجتمع الأمريكي التي تعود عليها، وقد نمت معارضة حتى قضائية يمكن متابعتها في الإعلام الأمريكي، وقد تتزايد!

فنحن أيضًا أمام محاولة لتغيير معادلة الاقتصاد والعلاقات السياسية الدولية، منذ اسقرت بعد الحرب العالمية الثانية، فهل تنجح هذه السياسة في التغيير الجذري؟

علينا أن نستدرك بأن الولايات المتحدة بلد قوي وفاعل على المستوى الدولي، ولكنه في نفس الوقت ليس (كلي القدرة) بمعنى أنه ليس كل ما يريده متخذ القرار في البيت الأبيض داخل وخارج الولايات المتحدة، يمكن أن يتحقق، بل هناك ضغوطًا مضادة، يمكن أن توقف أو تعطل تلك القرارات، سواء من قوى داخلية سياسية أو قوى خارجية اقتصادية.

من الواضح بأن قرارات السيد ترامب الأخيرة، في مجملها تعكس قواعد اللعبة التجارية والاقتصادية، والتي بنيت على فكرة ( دعه يعمل دعه يمر ) وأيضًا تخاطر تلك السياسية بإحداث خلل  هيكلي في علاقات الولايات المتحدة  بتحالفها التاريخي مع أوروبا الغربية، كما يخاطر أيضًا بفتح الباب ما يسميه الغرب (الأعداء الأيديولوجيين) للدخول في صلب التوجه العالمي الاقتصادي والسياسي، وهذا يحمل مخاطر كثيرة .لعل بعض ما يفسر تلك السياسات ما كتبه السيد ترامب في كتابه ( الصفقة)  1986م،  بعض ما  فيه من عناوين ( فكر بشكل كبير ، احصل على الأفضل،  اعرف سوقك جديًا ، توقع الأسوأ ،  لا تظهر خوفك من الانسحاب)!!

 

                                  التحولات الأمريكية التي لا نعرف!

 

الضجة القائمة، هي ضجة تخفي الكثير من عوامل التغير الجوهري التي تعصف بالعالم، هي عرض من مرض، إن صح التعبير، أو هي مقدمة لها أسبابها العميقة، ونتائجها أيضًا، فظاهرة الترامبية، سوف تبقى معنا وتتمدد، في عصر يغير جلده.

هل هي مصادفة أن يكون موعد استقلال أمريكا عن بريطانيا في عام 1776م، هو نفس موعد نشر كتاب الإسكوتلندي آدم سميث المعنون (ثروة الأمم)، والذي يعد حجر زاوية في فهم عسر التحول من عصر الإقطاع إلى العصر الصناعي، وما توجب على ذلك من تغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية.

  في ذلك الكتاب، وهو أول عمل شامل في فهم اقتصاد السوق الرأسمالي، الذي قدمت فيه مفاهيم جديدة ، مثل تقسيم العمل، و اليد الخفية، و القيمة في الاستخدام، و القيمة في التداول ، وأهمية رأس المال، و الادخار و الاستثمار ، و الأهم هو الدفاع عن حرية التجارة البينية ، و أهمية التبادل الطوعي الحر للمنتجات، وتقليص دور الدولة، ومهاجمة الإقطاع ، تعميدًا لعصر جديد، سمي العصر الصناعي، فتم منذ الثلث الأخيرة من القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين، بناء سياسات مبنية على تلك الأفكار التي سطرت في ذلك الكتاب الموسوعي و تبنتها الدول  في علاقاتها الاقتصادية   .

بعد قرنين من الزمان، تغيرت الكثير من المفاهيم، وما كان صالحًا للثورة الصناعية الأولى والثانية كثيرًا منه لم يعد يصلح اليوم، واحتاج الاقتصاد إلى آليات جديدة، بعضها نراها أمام أعيننا اليوم.

بدأت تباشير التغير في بداية القرن العشرين، و صدور قانون أمريكي  عام 1924م،  يحرم دخول  الملونين ( غير البيض) و اليهود إلى الأرض الأمريكية، قصة اليهود لها منحنى آخر ، يجدر  دارسته ، بيت القصيد هنا منع الملونين ومواطنو دول أوروبا الشرقية، منذ ذلك الوقت هاجس ( غير البيض)  الذين يغزون أمريكا، هو الذي دفع قطاع كبير من البيض الأمريكان إلى شبه العنصرية، و تكوين جماعات تحارب ( الآخر الملون)  و بدا الخوف من التغيير اللوني يجتاح الفكر  الأمريكي المحافظ، حتى وصول الرئيس رقم 44 في  20 يناير 2009م، و الذي اسمه باراك  حسين أوباما إلى الرئاسة الأمريكية، تبين أن الموضوع جدي، و ليس فقط افتراضي ،وقد كتب الكاتب المعروف فردمن  مقاله المشهور في نيويورك تايمز  بعد انتخاب أوباما ( الآن فقط انتهت الحرب الأهلية الأمريكية ) وكان مخطئًا ، فقد بدأت تأخذ شكلًا آخر من التعصب الأبيض !!

اليوم تقول الإحصاءات السكانية الأمريكية أن اللون الذي سوف يطغى على سكان أمريكا هو الملون بحلول سنوات قليلة (يعتقد بداية من عام 2040)، هذا ما يثير اليمين الأمريكي الأبيض.

في كتاب كيف تموت الديمقراطية ( بالإنجليزية ) المؤلفان، (لينسك و زبيلات)،  وصدر عام 2018م، مع بداية ظاهرة الترامبية، يرى المؤلفان أن  الديمقراطية لا تموت من خلال الانقلابات العسكرية كما في السابق ؛ تموت من خلال تآكل القيم و المؤسسات الديمقراطية، على يد قادة منتخبين ديمقراطيًا، هؤلاء يقومون بتقويضها تدريجيًا، من خلال إضعاف المؤسسات ،و شيطنة الخصوم، و تقويض القوانين، و رفض القواعد الديمقراطية ، و التسامح مع العنف، و تقليص الحريات ( ألمانيا النازية -  تشلي، بنوشيه – فنزولا ، تشافيز ، المجر و تركيا أردوغان )، حيث تفشل الأحزاب في اختيار نخبها، و تصعد الشعوبية القومية، أو العرقية أو الدينية، في أمريكا الدمقراطية المطلقة تخدم الملونين على المدى المتوسط ! .

رفع النسب غير المعقولة أو المبررة على ضرائب الواردات إلى أمريكا، هو تفصيل لظاهرة أوسع وأهم أي (ظاهرة النكوص إلى الداخل) ومن لا يشبهنا هم عدونا، و (العدو في الداخل)!

في تصريح لنائب الرئيس الأمريكي وكان معلنًا ج د فانس، يقول فيه إن (أعداء أمريكا في الداخل هم أساتذة الجامعات)!

كما تتسع مطاردة كل من له رأي آخر في الملفات العالمية، ومنها القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، كمثل التعاطف مع القضية الفلسطينية، وكل من يفعل ذلك من (الغرباء) يطرد من الأرض الأمريكية، بل في حال تقديم طلب زيارة، يفحص تاريخ الطالب على وسائل التواصل الاجتماعي!

إذًا نحن أمام ظاهرة أوسع من مجرد رفع رسوم على منتجات، نحن أمام انعطافة تاريخية، ليست في أمريكا وحدها، ولكن في العالم الغربي الصناعي، حيث تتحسس قطاعات واسعة من تلك المجتمعات من تغير لون بشرة المجتمع جراء الهجرة من الخارج الملون، وظاهرة الإسلامو فوبيا جزء من هذا التوجه.

 كان هذا الملون مطلوبًا إبان مرحلة اقتصادية معينة (بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية) أو الإنتاج الزراعي الأمريكي في القرن التاسع عشر، اليوم مرحلة الثورة الصناعية انتهت بدرجاتها المختلفة، ودخلنا عصر آخر هو العصر فائق التقنية، هو غير عصر آدم سميث، ولا حتى كار ماركس، إنه عصر جديد كليًا. عصر الإنتاج غير المعتمد، لا على رأس المال ولا على المواد الخام، معتمد على عصر الإنتاج التقني والذكاء الاصطناعي .

بقيت ملاحظة فبالرغم من التحاق شريحة من اليهود في أمريكا بعصر التعصب، وهو نتيجة لأحداث الشرق الأوسط، واعتبار بشرتهم بيضاء أيضًا، إلا أن شريحة كبيرة منهم تتوجس خيفة من تلك العنصرية، وترى أنها سوف تقود بعد فترة إلى عداء لهم، لذلك نجد بعض نخبهم ناقدة للوضع، وبعضها بقسوة، وتنظر للأحداث الجارية من فرض الرسوم إلى تقليص الحريات المدنية بقلق.

العالم في القرن الحادي والعشرين يدخل منعطفًا آخر، حتى الآن لم تتبين معالمه بوضوح.

 

                                                 الموقف من أمريكا

يتصاعد رأي بين المتحاورين العرب، لا يخلو من التحيز، حول الموقف من الولايات المتحدة، في معظمه ينادي بخصومتها، وأن الولايات المتحدة هي في مرحلة (الشيخوخة السياسية)، لكن رأيي ما زال هو أنك تستطيع أن تختلف مع الولايات المتحدة، ولكن لا يتوجب أن تعاديها، فالمشهد العالمي ما زال في معظمه يرسم في واشنطن.

الحديث عن التوجه نحو الصين وروسيا كبديل لتكوين محور وازن مع الولايات المتحدة، مبالغ به، (فالثنائية القطبية) ما زالت بعيدة نسبيًا، وهذا لا يعني أخذ موقف سلبي منها. الاقتصاد الأمريكي هو السائد في العالم، فالناتج المحلي الإجمالي الأمريكي هو ربع الناتج العالمي منذ أكثر من ثلاثين عاماً حتى اليوم، الشركات الأمريكية تملك خُمس الماركات الكبرى العالمية المسجلة في الخارج، أكثر مما تملكه الصين وألمانيا مجتمعتين، وأكبر خمس شركات عالمية للبحث والتطوير هي أمريكية، وقد استفاد من أبحاثها ملايين من البشر، يكفي الإشارة إلى أن أنجح اللقاحات التي كانت فعالة ضد «كوفيد - 19» منذ سنتين كانت أمريكية، وتتمتع أمريكا بسوق استهلاكية ضخمة، تسمح لأي أفكار اقتصادية جديدة بأن تنمو، كما تتمتع بالكثير من الشفافية في الأداءين الاقتصادي والسياسي، ووجود حريات للنقد والمساءلة والاعتراض، وتبقى الولايات المتحدة متفوقة على غيرها، خصوصاً الصين وروسيا وهما المنافس الأكبر.

وعلى الرغم من الدعوات التي تظهر في أوروبا بوجوب استقلالها عن أمريكا، فذلك قول أكثر منه قدرة، وحديث السيد إيمانويل ماكرون الذي ذاع أخيراً هو من باب الحصول على مكان تفاوضي أفضل، منه قدرة على أن تكون أوروبا معتمدة على نفسها في الدفاع، وقد أظهرت أزمة أوكرانيا أهمية الموقف الأميركي، ولولاها لما صمدت كييف إلى يومنا هذا، لقد ساعدت التقنية الأميركية الأوكرانيين من خلال الذكاء الصناعي بوضع كل معلومات الدولة الأوكرانية (سحابياً) ما مكنها من استمرار التواصل من دون معوقات.

وعلى الجانب الآخر، فإن المعسكر الصيني / الروسي ليس موحداً كما يحب البعض أن يعتقد، فالصين تعرف أن ازدهار اقتصادها وبقاءه فوق خط الخطر، هو بسبب تجارتها الدولية ،وليس بسبب استهلاكها الداخلي، لذلك سوف تبقى لعقود تحتاج إلى السوق العالمية، ومنها طبعاً السوق الأمريكية والأوروبية، وبذلك فإن اعتمادها أساساً على الدبلوماسية النشيطة، والتثبت بمبادئ الأمم المتحدة على المستوى الدولي، يخدمان أهدافها أكثر من أي وسيلة أخرى، أما روسيا فقد ثبت أن اتخاذ القرار فيها على الأقل (غير حصيف) إن لم يكن (مغامراً)، فقد قدم للسلطات الروسية الكثير من الإغراءات قبل يناير 2022م،  (جرت العملية الحربية في أوكرانيا آخر فبراير) من أجل حلول وسطى في موضوع أوكرانيا، وقد تغاضت الدول الأوروبية عن احتلال شبه جزيرة القرم، وجزء من أراضي جورجيا، وبعض المناوشات في الأرض الأوكرانية نفسها، في محاولة لإرضاء موسكو، إلا أن الأخيرة حسبتها بشكل خاطئ، وعلى سند من الأيديولوجيا، لم تعد ذات معنى في الظروف الدولية السائدة، فتورطت روسيا في حرب لا تستطيع أن تخرج منها منتصرة، وبقي الجيش الروسي حبيس دائرة من العنف، من دون تقدم أو حسم على الأرض، واعتمدت الحرب في جزء منها على متطوعين لا يحملون أي عقيدة قتالية، وجنود شبه مرتزقة من الخارج فارتكبت الكثير من المذابح، كما أثارت الحرب الكثير من المعارضة الظاهرة والخفية في الأرض الروسية، حيث صوت الناس بأقدامهم في هجرة جماعية اتسمت بالفرار، غير استنزاف هائل للموارد المالية، وتصاعدت عمليات كبت الحريات. بجانب أن ما أرادت موسكو الحد من توسُعه نتيجة تلك الحرب، حدث عكسه، فتوسعت دائرة حلف الأطلسي حول حدود روسيا بدخول كل من فلندا والسويد في ذلك الحلف!

وعلى الرغم من معاناة أوروبا من الحرب الأوكرانية، فإنها بمساعدة أمريكية استطاعت أن تعبر تلك المعاناة، وقد عبرت المصاعب الاقتصادية، بأقل الأضرار، كما قربت من الاستقلال الطاقوي عن روسيا.

الحديث عن تحويل التداول الدولي من الدولار إلى عملات أخرى غير واقعي، فالدولار سوف يبقى هو العملة الدولية الأقوى بسبب قوة الاقتصاد الأميركي، الذي يتمتع بديناميات متسارعة؛ فبدء أي مشروع اقتصادي في الولايات المتحدة هو الأسهل والأسرع، ومرونة سوق العمل هي الأكثر في السوق الأميركية أي (التوظيف والاستغناء) في الوقت الذي تعاني فيه أسواق العمل الأوروبية من كثافة حماية اليد العاملة (الأزمة التي فجرها قانون إضافة سنين للتقاعد في فرنسا) شلت تقريباً الاقتصاد الفرنسي، كما هي الإضرابات في بريطانيا!

إلا أن الأهم من كل ذلك الشعار الذي يرفعه الديمقراطيون (الاستثمار في الديمقراطية) على النطاق العالمي، وهي عقيدة ثابتة لدى الديمقراطيين وحتى الجمهوريين إلى حد كبير، كان قد كتب عنها جو بايدن عشية انتخابات 2020م، في مجلة «الفورن افيرز» على أنها من أولوياته، وقد نُظم لقاءان (عن بُعد) للدول ذات الانتخابات الدورية خلال السنتين الأوليين من دورته، كما أن هناك (مجموعة تفكير جمهورية) تسمى (المعهد الديمقراطي) تدعو للقيم الديمقراطية وتمول من الحزب.

الفرق أن هناك سهولة نسبية في المعسكر الأمريكي بخصوص القدرة على إعادة الهيكلة (السياسية والاقتصادية) بسبب الحريات، في حين تُفتقد تلك المرونة في الأنظمة الأخرى!

                                        أمريكا ودول الخليج

أكثر ما تناولته الأقلام العربية في الأسابيع الأخيرة محاولة استكشاف ما هي العلاقة المستقبلية بين دول الخليج والولايات المتحدة؟ على ضوء التغيرات التي أعلنتها إدارة ترامب، والجميع محق في محاولة الاستكشاف، لأننا على مفترق طرق بين المنهج القديم والذي استمر لعقود، وما يتوجب أن يكون في المستقبل. لا جدال أن ما أطلق تلك الدينامية الجديدة هي حرب روسيا على أوكرانيا وهي حرب سوف تؤثر في شكل العلاقات الدولية ومنها علاقات الدول الكبرى بمنطقتنا العربية بشكل عام والخليجية على وجه التحديد، والعاصفة التي أطلقها ترامب منذ قدومه إلى البيت الأبيض يناير 2025م.

رغم أن الولايات المتحدة تكثر فيها مؤسسات الدراسات و البحث وخاصة علاقتها بالعالم بما فيها عدد وازن من مراكز البحث حول دول الخليج، وكثير من الدراسات تتعرف بدقة على المشكلات العالقة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، إلا أن معظم السياسات لا تأخذ بها في الإدارات المختلفة وعلى الأقل في الأربع إدارات الأخيرة ( منذ بوش الثاني إلى جو بايدن) التفسير أن الإدارات الأمريكية تخضع أكثر و أكثر لضغوط الرأي العام ( السياسي) و هو رأي عام أما غير ملم، أو يحمل تشوهات في ذاكرته الجمعية تجاه دول الخليج، و أيضًا بقية الدول العربية، و تبرر تلك السياسات بشعارات ذات أبعاد إنسانية تسميها (القيم الكبرى) وبعضها ينتهك في داخلها !  مع ترامب سوف يكون الأمر مختلفًا جزئيًا هناك المصالح الاقتصادية هي الحاسمة !!

من هنا جاءت الانعطافة الغربية وخاصة الأمريكية تجاه المنطقة بعد شيء من التجاهل لمشكلاته ليس قليل.

 الأمر يحتاج إلى الكثير من الصراحة مع الغرب وأمريكا، حيث وقفت دول الخليج في مراحل صعبة مع الغرب، لكن عندما تنتهي تلك المراحل تقدم فلسفات مختلفة لتبرير الانصراف عن المشهد، بل وفي بعض الأوقات التحريض ضد الصديق القديم !!

الاصطفاف العالمي المقبل يحتاج أولًا إلى الوضوح والثاني الدقة في التعابير المكتوبة، وأيضًا عزمصا صادقًا على التعاون للحفاظ على علاقات متوازنة، منها جاءت المشاورات المكثفة في شرم الشيخ وعًمان وحتى أنقره من أجل تحضير المواقف وبلورتها الذي سبق لقاء القمة العربية في مايو 2023م، في (المملكة العربية السعودية). فالمنطقة لم تعد كما كانت في سبعينات القرن الماضي، ولا حتى تسعينات القرن الماضي ، لقد جرت مياه كثيرة تحت سطح الأحداث، القيادات تغيرت والشعوب أصبح لها طموحات مختلفة، وهي الاستقرار و النمو ، دون منقصات، ومعروف من أين تأتي مجمل المنقصات للإقليم اليوم،  كان استرضاء الغرب لروسيا ما شجعها على استمرار سياسة التوسع في الجوار وما خلف الجوار ، فإن السكوت عن توسع ايران يشجعها على التمادي و قضم الأراضي العربية تحت شعارات مختلفة لا تتميز كثيرًا عن شعارات بوتين، الأخير تحت ذريعة العرق و الثانية تحت ذريعة المذهب أو ( حرب الشيطان الأكبر)!!  والذي يأخذ منعطفًا الآن في التفاوض بين طهران وواشنطن، من المبكر أن نتوقع النتائج النهائية له، وخصوصًا تأثيره على دول الخليج!

سياسية ترامب الاقتصادية تضر نسبيًا بدول الخليج وخاصة في موضوع أسعار الطاقة والتي انخفضت بشكل كبير مع عدم اليقين الاقتصادي العالمي، مما سوف يؤثر في قدرة هذه الدول على الوفاء بخططها التنموية المرسومة، كما أن مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران سوف ترسم خطوط التوافق والاختلاف مع الجارة، والتي سببت الكثير من المنقصات لأمن الخليج والدول العربية.

دول الخليج جزء من منظومة الاقتصاد العالمي وأي تغيرات جذرية تحدث فيه كما هو حاصل اليوم بالضرورة سوف تؤثر على دول الخليج، ومن المتوقع أن تحدث ضغوطًا أمريكية على دول الخليج للمساهمة المالية النشيطة، فالطلب من مصر أن تمر السفن الأمريكية الحربية والتجارية مجانًا يشير إلى تصاعد طلب المساهمات الاقتصادية التي تطلبها الإدارة القائمة من الحلفاء. ودول الخليج لن تكون بعيدة عن ذلك !!

الاختلاف مع الولايات المتحدة في بعض الملفات قد يحدث، ولكن ليس إلى حد العداء أو القطيعة، فقد كانت دول مجلس التعاون، في العقد الأخير، محطة لتقريب وجهات النظر، على الرغم من أن بعض الملفات شائكة، وتحتاج إلى صبر وبصيرة.

في نهاية المطاف هذا لا يعني عدم الذهاب إلى التحوط، والاعتراف بأن هناك متغيرات دولية عميقة تعصف بالمشهد الدولي، قد يكون لها تأثيرات غير مباشرة على دول الخليج، منها الحرب التجارية العالمية، ومنها احتمال توافق روسي / أمريكي، قد يؤثر في أسعار الطاقة. ومنها الحرب في غزة والتغيير في سوريا، وهي ملفات بالغة الأهمية لدول الخليج.

ولعل أول حائط للصد في هذا التحوط، هو جمع الكلمة بين دول الخليج أولا، وبينها وبين دول الاعتدال العربي، والتركيز على خطط التنمية المستدامة، وتعزيز حقوق المواطنة، ومحاولة بناء تحالف الموافقين على خطوط عريضة لمواجة الملفات المطروحة، باعتدال ودون مزايدة، والتركيز على المصالح المشتركة، ونزع شوك الخلاف العربي – العربي، حيث تجتاح الساحة العالمية موجة من عدم اليقين، وتخلق تحديات ومخاطر لا يستطيع عاقل أن يتجاهلها.

الزمن هو زمن اللايقين وعدم استقرار في السياسات وما علينا إلا أن نتذكر قواعد اللعبة كما يراها ترامب في كتابة (الصفقة) والتي أشير إليها سابقًا !!!

مقالات لنفس الكاتب