array(1) { [0]=> object(stdClass)#13837 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 210

اقتربت الرياض وواشنطن من إبرام اتفاقية دفاعية أمنية تاريخية والتعاون النووي المدني رغم التعثر

السبت، 31 أيار 2025

تتخطى جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط، التي انطلقت في الثالث عشر من مايو 2025م، وامتدت حتى السادس عشر منه بزيارات إلى المملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، مجرد نطاق الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي تصدرت المشهد الإعلامي. فرغم أهمية هذه العقود المقدرة بنحو 283 مليار دولار والمخططة بنحو 3.6 ترليون دولار وفقاً للإعلانات الرسمية والتي تؤكد على قوة العلاقات الاقتصادية، إلا أن الزيارة تحمل في طياتها أبعادًا جيوسياسية حاسمة لا يمكن تجاهلها، نستعرض أبرزها في النقاط التالية:  

  • إعادة صياغة التحالفات وتأكيد الحضور

تشهد السياسة الخارجية الأمريكية تحركات متسارعة لإعادة صياغة التحالفات وموازين النفوذ، لاسيما في المناطق الحيوية كالخليج العربي، الذي ما زال يشكّل محوراً أساسيًا في معادلات الطاقة والاستثمار والأمن الدولي في ظل عالم يتسم بتعقيدات اقتصادية وجيوسياسية متزايدة. ومن تلك التحركات هذه الزيارة كواحدة من أدوات تثبيت المصالح الاستراتيجية الأمريكية وتوقيع الشراكات الكبرى، و التي تلتقي مع سعي دول الخليج إلى مراجعة علاقاتها مع الولايات المتحدة، بالابتعاد عن التفاهم القائم على النفط مقابل الأمن، نحو شراكات أقوى تتجذر في الاستثمارات الثنائية والرؤى المشتركة ضمن معادلة أكثر تنسيقًا واستقرارًا، خاصة أن التحولات الجارية بالمنطقة  – من حرب غزة، إلى إعادة تشكيل سوريا، إلى تصاعد المنافسة مع الصين – تفرض على الجانبين مقاربة أكثر واقعية وابتكارًا لإعادة ضبط الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط، و بلورة تفاهمات عملية، تمهّد الطريق لإعادة تعريف الدور الأمريكي في الشرق الأوسط في العقد المقبل، بعيدًا عن الحروب المفتوحة، وقريبًا من شراكات التنمية والنفوذ الذكي.

فلا يزال الشرق الأوسط ساحة رئيسية للتنافس الجيوسياسي، وقيام الرئيس ترامب بأول زيارة خارجية مُقررة له في ولايته الثانية إلى الشرق الأوسط يُرسل رسالة مفادها أنه يُعطي الأولوية للمنطقة، والتزام واشنطن بحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وسط تصاعد النفوذ الصيني والروسي. فقد شملت الأشهر الأولى لترامب في منصبه مناورة لتحسين العلاقات مع روسيا وتكثيف المنافسة مع الصين، ولكن كلا البلدين لديهما نهجهما وعلاقاتهما الخاصة مع الشرق الأوسط، ويجب إدارة الارتباط بين المشهد الجيوسياسي الأوسع والديناميكيات في المنطقة بطريقة منسقة ومتماسكة.

وفي ظل سياق متوتر من الاضطرابات الإقليمية والتحولات الاستراتيجية المتسارعة، كان ضروريا إعادة تأكيد النفوذ الأمريكي في المنطقة مع إعادة رسم توازنات القوى الإقليمية من خلال تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج في مختلف المجالات خاصة في المجالات الاقتصادية والبنية الأساسية الذكية والمجالات الصناعية والتكنولوجية إلى جانب المجالات الأمنية والسياسية ، وجميعها تمثل دعائم محورية للسياسة الأمريكية في المنطقة منذ عقود، لذا أكد ترامب علي أهمية وجود الشرق الأوسط المستقر والمزدهر مرحبًا بالعمل الذي تشهده المنطقة في مختلف مجالات التنمية معتبرًا دول الخليج مركزًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا بالمنطقة.

فالجولة الخليجية لترامب عكست تحولًا واضحًا في النهج الأمريكي تجاه المنطقة، يجمع بين الاقتصاد والقوة العسكرية، في مقاربة جديدة تهدف إلى إعادة صياغة التحالفات الإقليمية دون اللجوء إلى الحروب. فترامب جاء للمنطقة بخطة واضحة تقوم على اقتناص الفرص وبناء شراكات استراتيجية ذات طابع اقتصادي، مع عدم استبعاد الأدوات العسكرية، حيث طرح ترامب دبلوماسية اقتصادية تقوم على الصفقات، مدعومة بحضور عسكري صارم يحمي أمن المنطقة بوصفها قلعة رأس المال في الشرق الأوسط، وهو ما يشكل نهجًا جديدًا مغايرًا للسياسات الأمريكية السابقة في المنطقة، ويعيد ضبط الإيقاع الإقليمي على إيقاع المصالح الاقتصادية بدلا من الانزلاق نحو الصراعات المفتوحة.

وبجانب تكريس الحضور الأمريكي في منطقة حيوية، هدفت الزيارة أيضًا لتعزيز صورة ترامب كقائد قادر على إدارة التوازنات الدولية، ما يمنحه دفعة سياسية في مواجهة انتقادات خصومه في الداخل الأمريكي بشأن سياسته الخارجية، إذ تظهره كصانع قرار يدير تحالفات مع أنظمة تمتلك وزناً اقتصادياً ونفوذاً إقليمياً، وهذا ما عكسه هجوم ترامب على الديمقراطيين، والجناح التقليدي لحزبه الجمهوري في خطاباته بالمنطقة أثناء الزيارة.

  • لحظة الخليج

تضمنت جولة ترامب الخليجية ملفات عدة، مهمة للطرفين؛ كما أن القمة الخليجية-الأمريكية الخامسة، التي عقدت في 14 مايو، بالرياض تداولت هذه الملفات أيضًا، ما أعطى دفعة قوية للشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، كما أظهرت توجهًا أمريكيًا نحو التركيز على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، مع تقليل القضايا السياسية الشائكة في المنطقة.

انطلاقًا من الضرورات الاقتصادية الأمريكية الملحة في الداخل، والتطورات الجيوسياسية العالمية، وما تحمله من مكاسب سياسية واقتصادية مزدوجة، تعكس تداخلاً عميقًا بين حسابات الداخل الأمريكي ومقتضيات التنافس الدولي، تعول واشنطن على الدور الخارجي المتنامي للدول الخليجية الثلاث أو ما يُعرف بــ "لحظة الخليج " للإسهام في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي، اقتصاديًّا واستراتيجيًّا، انطلاقًا من التأثير الكبير للدول الخليجية في سوق الطاقة العالمية وتمتعها بموقع لوجستي عالمي بإشرافها على نطاق كبير من الممرات الدولية المهمة للتجارة الدولية، فضلا عن مكانتها الإقليمية التي جعلتها فاعلًا مؤثرًا على الساحتين الإقليمية والعالمية .

زيارة ترامب إلى الخليج العربي والتي أثمرت في العلن عن صفقات عسكرية واقتصادية هي الأكبر في التاريخ، أسست لواقع جديد في الشرق الأوسط تكون فيه دول الخليج المحور والمرتكز الأساسي، بمعنى إعادة تموضع دول الخليج ليس فقط كوسيط لواشنطن في الخطوط الأمامية في الأزمات الإقليمية، من غزة إلى طهران مرورًا بسوريا واليمن والسودان وأوكرانيا وغيرها، وإنما أعطت لدول الخليج العربي ولا سيما السعودية المركزية في قيادة الشرق الأوسط الجديد. كما أن استهلال ترامب لجولته من السعودية مفاده أن المملكة لم تعد مجرد حليف، بل شريك مركزي في صياغة ملامح النظام الإقليمي والدولي، معززًا مكانة السعودية كدولة لا يمكن تجاوزها، ليس فقط في الإقليم، بل على صعيد السياسة الدولية برمتها، وقد أكدت المشاعر الإيجابية التي عبر عنها المواطنون الخليجيون على الأهمية الرمزية العميقة لهذه الزيارة بالنسبة لقادة الدول الثلاث خاصة السعودية، وتعزيز مكانة الأمير محمد بن سلمان كزعيم إقليمي بارز.

  • صفقات ضخمة وتطلعات تنموية:

صاحب هذه الزيارة صفقات اقتصادية ضخمة، يمكن وصفها بالتاريخية من حيث قيمتها وأهميتها، تندرج ضمن منطق استراتيجي متكامل يخدم المصالح الأمريكية والخليجية معاً، كما أن حضور هذا العدد الكبير من المسؤولين بالبيت الأبيض والرؤساء التنفيذيين لشركات أمريكية عالمية كبرى في منتديات الاستثمار المصاحبة للزيارة يؤكد عمق التقارب بين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للطرفين.

 في السعودية محطة ترامب الأولى؛ وقع والأمير محمد بن سلمان اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية، ووقع مسؤولون بالبلدين 145 صفقة واتفاقية بقيمة تزيد عن 300 مليار دولار على أن تزيد في مرحلة تالية إلى 600 مليار ثم ترليون دولار ، شملت التعاون في مجال الطاقة، والبنية التحتية، وتنمية وتنويع سلاسل التوريد المعدنية الحيوية، والبحوث الطبية والدوائية، والصناعة، والنقل الجوي، والجمارك، وصناعة السيارات، ورصد الطقس الفضائي، و البيئة، والفنون الآسيوية، والتعاون القضائي والأمني واتفاقيات في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي مع شركات أمريكية كجوجل، وإنفيديا، وأمازون ، وسيسكو ، وسوبر مايكرو، و أي إم دي ، وأوبر، وغيرها بقيمة 136 مليار دولار ، لإقامة مراكز بيانات ، ومنطقة الذكاء الاصطناعي وصندوق للذكاء الاصطناعي بالمملكة، وشراء شرائح ذكاء اصطناعي والخوادم والشبكات اللازمة للبنية التحتية الرقمية بالمملكة، وعقود تدريب على التقنيات والذكاء الاصطناعي لمصلحة الشباب السعودي .

 إضافة لاتفاقيات بملياري دولار مع شركات أميركية في مشاريع البنية التحتية السعودية، بما في ذلك مطار الملك سلمان الدولي ومجمع القدية الترفيهي، حيث تتخذ 1300 شركة أمريكية من السعودية مقرًا لها، ما يرفع إجمالي استثمارات المملكة في السوق الأمريكية لنحو 1.37 تريليون دولار، متقدمة على كندا التى تحتل المركز الثالث حاليًا بنحو 1.1 تريليون دولار، بينما تبلغ الاستثمارات الأمريكية بالسعودية 25% من إجمالى الاستثمارات الأجنبية بالمملكة.

وفي قطر (محطته الثانية)، بلغت قيمة الاتفاقات التي وقعها ترامب وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد ما يزيد على 243.5 مليار دولار، وحددا خططا لزيادة الاستثمار إلى 1.2 تريليون دولار، خلال العقد المقبل في قطاعات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والرعاية الصحية التي تتوافق مع أجندة إعادة التصنيع في الولايات المتحدة.

وتضمنت الاتفاقيات الموقعة صفقة بقيمة 96 مليار دولار مع الخطوط الجوية القطرية لشراء 210 طائرات بوينج تعدّ الأكبر في تاريخ شركة الطيران الأمريكية، كما وقعت شركة الربان كابيتال القطرية اتفاقية مع شركة الحوسبة الأمريكية كوانتينم لاستثمار مليار دولار في تكنولوجيا الكم وتطوير القوى العاملة.

في الإمارات محطته الثالثة التي تعهدت باستثمارات تبلغ 1.4 تريليون دولار في السوق الأمريكي خلال 10 سنوات، في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، تم توقيع صفقات بقيمة 200 مليار دولار من بينها: 14.5 مليار دولار لشراء 28 طائرة بوينج ، وخطط لتوسيع إنتاج النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بقيمة 60 مليار دولار ، ومشروع مصهر الألمنيوم الأولي بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم في أوكلاهوما، واستثمار في مشروع الجاليوم لدعم إمدادات المعادن الحيوية في الولايات المتحدة.

اتفاق مع شركة كوالكوم الأمريكية لتطوير مركز هندسي عالمي جديد في أبوظبي يركز على الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، ورفع حصة الإمارات من الرقائق الذكية الأمريكية إلى مليون شريحة، وبناء مجمع جديد للذكاء الاصطناعي بالشراكة بين شركة  G42الإماراتية وشركات أمريكية به أكثر من 2.5 مليون من رقائق معالجة NVIDIA B200 ؛ بقدرة 5 جيجاواط من سعة مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، ما يُوفّر منصةً إقليميةً لمُقدّمي خدمات الحوسبة السحابية .

هكذا دعمت الاتفاقيات أهداف التنويع الاقتصادي طويل الأمد للدول الخليجية، كما يتضح من القطاعات الرئيسية لتلك الصفقات التي تراهن على ارتفاع معدلات العائد من هذه الاستثمارات في الأسواق الأمريكية والخليجية، لكونها تستهدف قطاعات اقتصادية سريعة النمو، وعلى صلة وثيقة بالتحولات التكنولوجية في الاقتصاد العالمي، وهذا ما أشار إليه ولي العهد السعودي عندما قال :أن الولايات المتحدة تمثل وجهة رئيسية لصندوق الاستثمارات العامة السعودي وتستحوذ على 40 % من استثماراته، خصوصًا في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يدعم نقل المعرفة وتبادل الخبرات بين الجانبين، وتنويع مصادر الدخل السعودي وتمكين القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو في أكبر اقتصاد بالمنطقة، ما أدى لارتفاع قيمة الصادرات غير النفطية للمملكة إلى 82 مليار دولار عام 2024م، في تأكيد على نجاح سياسات التنويع الاقتصادي والاستثمار في القطاعات الواعدة.

هذه الزيارة أبرزت أيضًا ظهور الخليج كأحد أكبر اللاعبين في سباق الذكاء الاصطناعي، وقد وضعت إدارة بايدن قيودًا على بيع الرقائق لدول الخليج، للحفاظ على الهيمنة الأمريكية ومنع إعادة تصديرها إلى الصين، لكن هذه الصفقات التى أعلن عنها ورفع القيود، تُظهر أن الأجواء تغيرت من تكامل متردد مع دول الخليج إلى تبني كامل لدورها كممولين وشركاء في ثورة الذكاء الاصطناعي، فتركيز جزء مهم من هذه الصفقات، على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وقطاعات المستقبل، يؤكد عمق الروابط الخليجية-الأمريكية من جهة، ويؤكد التطلعات التنموية للدول الخليجية من وراء هذه الصفقات من جهة أخرى ، فعلى سبيل المثال سعت الإمارات إلىى إبرام هذه النوعية من الصفقات في مجال الذكاء الاصطناعي مع واشنطن لجعل الإمارات في موقع تكنولوجي متقدم على مستوى الشرق الأوسط ، وتعزيز مكانتها كرائد إقليمي بل وعالمي في هذا المجال بحلول عام 2031م، وفي المقابل يهدف ترامب لتفكيك التقارب بين الإمارات والصين في مجالات البنية التحتية الرقمية وشبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى فتح آفاق جديدة للاستثمارات الإماراتية الأمريكية في قطاع الطاقة المتجددة والتنمية الاقتصادية المستدامة .

كما تدعم تلك الصفقات القدرات التكنولوجية خليجيًّا، لتوسيع ما تملكه هذه الدول من قدرات مع توطين جزء من سلاسل الإنتاج والتشغيل والتصدير للتكنولوجيا الرقمية، داخل هذه الاقتصادات، وتنمية القوى العاملة وبناء أنظمة الابتكار. إذ تسعى دول الخليج إلى تطوير كوادر وطنية عبر شراكات مع جامعات وشركات تقنية أمريكية رائدة، ومن أدوات هذه الشراكة : أدوات التنبؤ الأمني، وأنظمة مقاومة التغير المناخي المعززة بالذكاء الاصطناعي، وغيرها، ما يعني أن تصبح هذه الدول صاحبة المكانة الأبرز إقليميًا في هذا النوع من التكنولوجيا الرقمية، فضلا عن تعزيز التعاون معها في مجالات الأمن السيبراني والمعايير الرقمية والذكاء الاصطناعي الذي يمثل قطاعًا رائدًا للاستثمارات الأمريكية في الاقتصادات الخليجية في ظل تحالف قوي بين الشركات الخليجية والأمريكية، مستثمرةً مليارات الدولارات في البنية التحتية الذكية، والدفاع المؤتمت، ما يؤسس لتحالف رقمي طويل الأمد لا يقل أهمية وتأثيرًا عن الاتفاقيات الأمنية التقليدية.

  • الصفقات الدفاعية والضمانات الأمنية:

وقعت عدة اتفاقيات دفاعية بين واشنطن ودول مجلس التعاون الثلاث ما يجدد الالتزام الأمريكي بأمن الخليج، وهو الأمر الذي أثيرت حوله الشكوك خلال الإدارات الأمريكية السابقة، كما تعيد تلك الاتفاقيات منطقة الخليج العربي إلى صدارة الاهتمامات الجيوسياسية العالمية للولايات المتحدة، بعد أنْ تراجعت لفترة.

قدم ترامب حزمة من تقنيات الدفاع الأمريكية المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الخليج، بدءًا من أسراب الطائرات بدون طيار، وصولًا إلى أنظمة بحرية ذاتية القيادة، ومنصات رصد تهديدات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، ومن ثم دمج التكنولوجيا في البنى الدفاعية الخليجية، لتركّزعلى التكامل الأمني السيبراني، والدفاع الجوي المشترك، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والمراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي، وبروتوكولات الأمن السيبراني، التي باتت من الركائز الأساسية في استراتيجيات الدفاع الإقليمي الخليجي، مع تعزيز هذه الضمانات بزيادة الإنفاق الدفاعي الخليجي، ورفع حجم المشتريات من الصناعات العسكرية الأمريكية . وهو ما يتّسق مع نهج ترامب المعتمد على مبدأ "المقابل المادي" في التحالفات، كما يتماشى مع تطلعات دول الخليج لتعزيز أمنها الداخلي دون الانجرار إلى تحالفات عسكرية غير مرنة، حيث طرح مجددًا فكرة إنشاء تحالف أمني خاص بالدول الخليجية العربية، لتأطير الشراكات الدفاعية القائمة منذ عقود، وسيكون لهذا التحالف دور مزدوج: ردع المغامرات الإيرانية، وإرسال رسالة مفادها استمرار التزام واشنطن بأمن الخليج، رغم انشغالاتها الاستراتيجية العالمية. ومن الاتفاقيات التي وقعت مع السعودية، مذكرة نوايا لتحديث وتطوير قدرات القوات المسلحة السعودية بالقدرات الدفاعية المستقبلية، وخدمات عسكرية بقيمة تقترب من 142 مليار دولار من أكثر من 12 شركة دفاعية أمريكية، وقد وصفها المسؤولون الأمريكيون بأنها "أكبر صفقة أسلحة في التاريخ"، تشمل أسلحة متطورة بينها طائرات نقل ومسيّرات أتوميكس من طراز إم كيو-9 بي سي جارديان وطائرات أخرى وصواريخ وأجهزة رادار، فضلًا عن مجالات التعاون الصناعى العسكرى وتوطين الشركات الأمريكية لبعض الصناعات العسكرية بالسعودية ، ومذكرة نوايا لتطوير القدرات الصحية للقوات المسلحة السعودية، وخطاب نوايا لتعزيز التعاون المشترك، في مجالات الذخيرة، والتدريب، وخدمات الإسناد، والصيانة، وتحديث الأنظمة، وقطع الغيار، والتعليم للأنظمة البرية والجوية وتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما اقتربت الرياض وواشنطن بشكل كبير من إبرام اتفاقية دفاعية أمنية رسمية تاريخية، والتعاون بشأن برنامج نووي مدني لكن الصفقة تعثرت بسبب طلب واشنطن تطبيع السعودية مع إسرائيل وإصرار السعودية على التزام إسرائيل بمسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.

إضافة لصفقة دفاعية لدولة الإمارات، بقيمة 1.4 مليار دولار، تتضمن معدات وأسلحة حديثة، وخاصة للقوات الجوية ، وقعت قطر وأمريكا اتفاقين بقيمة 3 مليارات دولار لتزويدها بنظام الطائرات المسيرة عن بُعد MQ-9Bوهي من أحدث أنظمة الطيران المسيّر متعددة المهام، وشراء أنظمة أمريكية متقدمة لمكافحة الطائرات المسيّرة من نوع (FS-LIDS)، وتكنولوجيا الدفاع ضد الطائرات المسيرة من شركة رايثيون آر تي إكس لتصبح قطر أول مشترٍ دولي لهذا النظام الدفاعي،كما وقع ترامب وتميم على إعلان مشترك للتعاون بين حكومة دولة قطر والحكومة الأمريكية، إضافة إلى بيان نوايا للتعاون الدفاعى لتعزيز شراكتهما الأمنية، بقيمة تربو على 38 مليار دولار، تشمل استثمارات مشتركة في قاعدة العديد الجوية، ودعم قدرات الدفاع الجوي والأمن البحري القطرية.

أكد ترامب على التزام بلاده بالضمانات الأمنية لدول الخليج، مع الدعوة لتعزيز التكامل العملياتي عبر تدريبات عسكرية مشتركة، وتبادل فوري للمعلومات الاستخباراتية، ونظم دفاع صاروخي متكاملة، ويتيح هذا الاندماج بين التكنولوجيا الذكية العسكرية وأنظمة الدفاع للدول الخليجية قدرًا أكبر من الاستقلالية، مع الحفاظ على أمريكا كشريك تقني مفضل، في مواجهة منافسين مثل الصين وروسيا. وقد عبر ترامب عن هذه المضامين، حينما خاطب القوات الأمريكية في قاعدة العديد بقطر، بقوله: “كدنا نخسر الشرق الأوسط بسبب سياسات إدارة جو بايدن”، ثم تأكيده أن بلاده ستستمر في توفير الأمن المشترك، أو بتعبيره “سنحمي الشرق الأوسط"، فما زالت دول الخليج تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأمريكي لردع التهديدات الإقليمية، خصوصًا تلك الصادرة عن إيران والجماعات المسلحة غير الحكومية كحزب الله والحوثيين. ولعل أكبر انتصار حققته دول الخليج كان الضمانات الأمنية التي تلقتها من ترامب، والتي تعهدت فيها واشنطن "بحماية" شريكها الأمني القديم في مواجهة التهديدات القادمة من إيران وغيرها من الجهات.

  • إعادة تموضع لمواجهة الصين

إن الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب تحاول إعادة التموضع في منطقة الشرق الأوسط، في سياق منافسة جيوسياسية متصاعدة مع الصين، هذه العودة الأمريكية لا تعتمد على إدارة الأزمات كما كان، بل تقوم على مقاربة واقعية قائمة على الاقتصاد والقوة الصلبة فالعامل الصيني كان على أجندة زيارة ترامب للمنطقة، حيث سعى إلى إقناع دول الخليج الست، لإبعاد نفسها عن بكين، لهذا تم إطلاق استثمارات خليجية أمريكية كبيرة ومتنوعة بهدف جذب دول الخليج بعيدًا عن الصين، كما أن الصفقات التجارية النوعية وخاصة في مجالات السلاح والدفاع تهدف أيضاً إلى تقليص نفوذ الصين وروسيا، خصوصاً بعدما أصبحت بكين الشريك التجاري الأول لدول الخليج.

 إضافة إلي التحالفات الأمنية التقليدية، قدمت واشنطن خيارات تنموية وتكنولوجية واستثمارية وعسكرية لدول الخليج كبدائل عما يمكن أن تقدمه لها الصين وروسيا، لترسيخ شراكات تنموية واستثمارية عميقة معها خاصة في المجالات التكنولوجية المتقدمة بهدف التصدي للنفوذ الصيني المتنامي في المنطقة، لا سيما من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، حيث ستشكّل هذه الاتفاقيات ليس فقط توازنًا إستراتيجيًا في مواجهة النفوذ الرقمي الصيني، بل وبدائل قوية عن نظيرتها الصينية، لذا قدم ترامب خيارات مغرية للدول الخليجية لتنمية بنيتها التحتية الرقمية في مجالات الجيل الخامس، والخدمات السحابية، وسياسات السيادة الرقمية عبر صفقات الذكاء الاصطناعي بهدف تقديم بدائل تكنولوجية وتمويلية أمريكية تقلّص من الاعتماد على الصين، وتعيد ربط اقتصادات الخليج بالسلاسل الأمريكية. ولقد استثمرت الدول الخليجية هذه الرغبة الأمريكية بالتوصل لاتفاقات تكنولوجية وصناعية وصفقات متنوعة غير مسبوقة، ستؤدي لإحداث نقلة نوعية في الاقتصادات الخليجية وتسرع من عمليات النمو والتنمية الشاملة المستدامة التي تنفذها.

 في سياق أوسع، تندرج الزيارة ضمن مساعي ترامب لإعادة بناء تحالفاته في الشرق الأوسط، في ظل تراجع الثقة الأوروبية، وعودة النفوذ الروسي-الصيني إلى المنطقة. وعلى هذا الأساس، تسعى إدارة ترامب إلى تأطير الخليج كمنصة استراتيجية لانطلاقة جديدة، توظف فيها أدوات الدبلوماسية، والابتكار التكنولوجي، وتأسيس شراكات تجارية واقتصادية عالمية تكرس لمفهوم عالم أحادية القطب الأمريكي.

  • احتواء إيران ... الاتفاق النووي الإيراني وأمن الخليج

تبقى إيران في صدارة أولويات السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، وتعكس جولة ترامب نهجًا شاملًا لاحتواء نفوذها المتنامي. فما زال ينظر لطهران كتهديد استراتيجي، لامتلاكها شبكة نفوذ واسعة من خلال الميليشيات الموالية لها في لبنان والعراق واليمن، ما جعل ترامب يتهمها من الرياض بأنها مصدر لعدم الاستقرار الإقليمي مع توجيه دعوة واضحة لطهران للتفاوض بجدية بشأن برنامجها النووي، فقد اختار ترامب سياسة "الضغوط القصوى" تجاه طهران وفرض عليها عقوبات متجددة، غير أنه بدأ مفاوضات معها لإبرام اتفاق بشأن برنامجها النووي، ملوحًا في الوقت نفسه بـ "العصا"، حين عبر عن تفاؤله بشأن إمكان تجنّب ضربة عسكرية على مواقع طهران النووية.

ويدعو القادة الخليجيون ترامب إلى ربط أي اتفاق نووي بآليات تحقق صارمة، وبنود تقيّد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونشاطاته العسكرية عبر الوكلاء، وهو ما يؤكد أن دول الخليج لم تعد تكتفي بالدبلوماسية عن بُعد، بل تطالب بدور مباشر في صياغة ترتيبات الاتفاق. وقد يسعى ترامب إلى استثمار هذا الإجماع الخليجي لانتزاع تنازلات أوسع من طهران، لا سيما فيما يتعلق بتدخلاتها في الصراعات بالوكالة في العراق ولبنان واليمن، ما يفتح الباب أمام تهدئة إقليمية أكثر استدامة، رغم استمرار بعض العقبات السياسية.

 وعلى عكس مفاوضات 2015م، التي أفضت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، تتقاطع رغبة الرئيس الأمريكي مع رغبة دول الخليج في إنجاح المفاوضات والتوصل إلى اتفاقٍ نووي جديد يقي المنطقة مزيدًا من الاضطراب وعدم الاستقرار من جراء المواجهة الخطِرة المحتملة بين إيران (وحلفائها) من ناحية، والولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية أخرى. ويبدو أنَّ واشنطن وحلفاءها في الخليج يميلون حاليًا إلى مسار دبلوماسي يهدف إلى فرض قيود يمكن التحقق منها على البرنامج النووي الإيراني، مع تخفيف المخاوف من سباق تسلّح إقليمي، وخلق إطار أمني أوسع قوامه الترابط الاقتصادي كقوة استقرار، حيث يمكن لدول الخليج أن تؤدي دورًا داعمًا في هذه المفاوضات، من خلال تقديم حوافز إقليمية كتعاون اقتصادي أو مشاريع تكامل في مجال الطاقة مرتبطة بالتزام إيران.

وتهدف المناقشات الأمريكية المكثفة مع قادة الخليج إلى بلورة نهج منسق ومتكامل يجمع بين عدة مسارات: عقوبات اقتصادية صارمة، وضغوط دبلوماسية متواصلة، ودعم عسكري متزايد للحلفاء الإقليميين. وذلك للموازنة بين الضغط المتصاعد على إيران وضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة ككل، كما تتضمن التدابير الملموسة في هذا الإطار تعزيز التعاون البحري الاستراتيجي مع الإمارات لتأمين مضيق هرمز، الذي يُعد ممراً حيوياً لنحو 20% من تجارة النفط العالمية، وتوقيع اتفاق مع الدوحة لتعزيز منظومة الأمن السيبراني الإقليمي لمواجهة الهجمات الإلكترونية المتزايدة المنسوبة لإيران، بالإضافة إلى تعزيز التعاون العسكري الأمني مع السعودية بصفقات تسليح كبرى، ومع ذلك، يتجنب ترامب أي تصعيد عسكري مباشر مع إيران.

ويمكن القول بأن اعتماد ترامب مسمى الخليج العربي أو خليج العرب، بدلًا من مسمى الخليج الفارسي في خطابه؛ يعكس دعمًا رمزيًا قويًّا لدول الخليج العربية في مواجهة إيران، ويعكس بوضوح أولويات سياسته الخارجية ورؤيته للمشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط والنفوذ الأمريكي بالمنطقة، كما أنه يرسل رسالة مفادها أن دول الخليج العربية شريك استراتيجي رئيسي لواشنطن، خاصة فيما يتصل بالتحالف المناهض لإيران، لذا رحب ترامب بتخلص لبنان من النفوذ الإيراني وحزب الله قائلا : هناك فرصة لبناء دولة مزدهرة فعالة مع جيرانها، كماشدد على أهمية الحل الشامل للأزمة اليمنية بما يحقق الأمن والاستقرار والسلام ووقف النار مع جماعة الحوثي، مرحبًا بعودة الهدوء للبحر الأحمر كممر ملاحي ذو أهمية خاصة للعالم والمنطقة .

وهكذا جاءت هذه الزيارة في وقت تواجه فيه إيران ومحورها عزلة دولية غير مسبوقة، لتصبح طهران أبرز الخاسرين في المرحلة المقبلة في حال لم ترضخ للشروط والإجراءات الأمريكية، لذا أكدت إيران أنها مستعدة لإبرام اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها فورًا ، مع التعهّد بعدم تصنيع أسلحة نووية أبداً، والتخلص من مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب، وتخصيب اليورانيوم حصرًا إلى المستويات الضرورية للاستخدام المدني، والسماح للمفتشين الدوليين بالإشراف على العملية، وذلك كله مقابل الرفع الفوري لجميع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ورد ترامب أنه يريد لإيران أن تنجح وأن تصبح دولة عظيمة، لكن لا يُسمح لها بامتلاك أسلحة نووية  .

  • استعادة سوريا

تحتل سوريا، عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024م، موقعًا محوريًا في الاستراتيجية الأمريكية، حيث كانت مسألة إعادة إدماج سوريا في ظل حكم الرئيس الشرع في النسقين الإقليمي والدولي، والتي تقودها دول الخليج، وخاصةً السعودية، وإعادة تطبيع العلاقات الأمريكية-السورية على جدول أعمال زيارة ترامب إلى الرياض، ولقائه الرئيس السوري في أول اجتماع من نوعه منذ 25 عامًا، بحضور ولي العهد السعودي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (عبر تقنية الفيديو). وفي لقائه بالشرع، وعد ترامب بتطبيع علاقات بلاده مع سوريا، وبحث معه قضايا عدة، على رأسها مكافحة الإرهاب؛ ولاسيما ما يتعلق بتنظيم داعش، وقضية المقاتلين الأجانب في سوريا ،وترحيل عناصر المقاومة الفلسطينية، والحد من النفوذ الروسي والإيراني، وضمان أمن الأكراد، وسبل تحقيق استقرار دائم في سوريا بمشاركة جميع طوائف الشعب السوري في النظام الجديد علي أسس تحقق مشاركة الجميع بدون استثناء، مطالبًا الشرع بتطبيع العلاقات مع إسرائيل لكنه لم يذكر سحب إسرائيل قواتها من الأراضي السورية التي توغلت فيها مؤخرًا والعودة إلى خطوط هدنة 1974م، و أعلن ترامب رفع العقوبات عن سوريا مؤكدًا رغبة بلاده المشاركة في إعادة إعمار سوريا، وهو القرار الذي استقبلته الحشود في دمشق بترحيب كبير، كما أشاد به مسؤولون خليجيون وسعوديون باعتباره خطوة حيوية لإعادة دمج سوريا في الفضاء العربي، و تعزيز القيادة الجديدة، وضمان وحدة أراضي سوريا ونجاح عملية إعادة الإعمار التي ستبدأ، ما يقطع الطريق أمام عودة النفوذ الإيراني، وهذا القرار يفتح "نافذة فرص" واعدة لمستقبل سوريا، لكنه يتطلب في الوقت نفسه دبلوماسية دقيقة ومتوازنة لمواءمة المصالح الإقليمية المتشابكة والمتضاربة في سوريا، خاصة ما يتعلق بالدورين التركي والإسرائيلي، فتركيا تهتم بألا تتحول سوريا إلى مصدر تهديد لها خاصة من قبل الأكراد، بينما تمارس إسرائيل سياسة عدوانية تجاه سوريا، وربما يؤدي الانفتاح الأمريكي تجاه سوريا لتغير السلوك الإسرائيلي “العدواني” تجاه سوريا.

  • حرب غزة:

كانت "غزة" حاضرة بقوة فى لقاءات ترامب خلال زياراته للدول الثلاث، حيث أكد القادة على العمل من أجل وقف الحرب فى غزة وأمن الفلسطينيين، وطالبوا بضرورة الحل العادل الشامل وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، وإمداد القطاع، بالمساعدات الغذائية والطبية والإنسانية على نحو عاجل، عن طريق طرح آلية جديدة لإدخال المساعدات تسيطر عليها أو تُديرها الولايات المتحدة، و أن يتم الانسحاب الإسرائيلي الكامل على مراحل من غزة، وتأمين الحصول على دعم مالي لإعادة إعمار القطاع الذي دمرته الحرب.

وفي هذا الشأن، قال ترامب خلال القمة الخليجية الأمريكية إنه يجب الإفراج عن كل الرهائن في غزة والعمل من أجل إحلال السلام بدعم من قادة هذه القمة. وأشار وزير الخارجية السعودي إلى أن السعودية وأمريكا توصلتا إلى اتفاق بشأن إنهاء الحرب في غزة، يتضمن وقف العمليات العسكرية وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين.

وتزامنت زيارة ترامب لقطر (14 مايو) مع انعقاد جلسة مباحثات بشأن التوصل لوقف إطلاق نار في قطاع غزة، في الدوحة، شارك فيها وفد إسرائيلي رفيع المستوى، وكل من المبعوث الأمريكي الخاص بالشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والمبعوث الأمريكي لشؤون المحتجزين، آدم بولر. كما عقد الرئيس ترامب اجتماعًا مغلقًا مع المسؤولَين الأمريكيين، بمشاركة أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومشاركة غير مباشرة من حركة حماس، لبحث وقف الحرب في قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى لكن لم يُعلن شيئًا في هذا الملف.

وبرغم أن ترامب، لم يثر خلال القمة الخليجية-الأمريكية، قضية تهجير سكان غزة التي تعارضها دول مجلس التعاون بشدة، أو تأسيس إدارة أمريكية مؤقتة أو انتقالية لغزة بعد الحرب، فإنه عاد ليجدد رغبته، خلال اجتماع منتدى الأعمال في الدوحة في 15 مايو، في تملك أمريكا لقطاع غزة، وتحويله إلى منطقة حرة، وستظل هذه القضية محور خلاف بين الدول الخليجية  وأمريكا، حيث تدعم دول الخليج المبادرة العربية لإعادة إعمار غزة، وأن تقترن جهود إعادة الإعمار بضمانات تحول دون عودة الحرب، ومنها نشر قوات حفظ سلام دولية أو مراقبين دوليين في غزة لضمان الاستقرار وبناء الثقة، مع منح السلطة لمؤسسات محلية تكنوقراطية أو بإشراف دولي لا تشارك فيه حماس، مع تقديم دعم للسلطة الفلسطينية، ومشاريع تنموية طموحة في قطاع غزة تمولها الدول المشاركة في عملية إعادة الإعمار، ما يؤدي لإضعاف قبضة حماس تدريجياً على القطاع، وممارسة الضغوط المتصاعدة على مصادر التمويل الخارجي لحماس للحد من نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة.

 ويشكل تحييد حماس ركيزة من ركائز السياسة الأمريكية التي ينتهجها ترامب، حيث يعمل على حل سياسي يستبعد حماس من المعادلة تماماً، التي ينظر إليها على أنها عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام الدائم في المنطقة. ووصف ترامب الإفراج عن رهينة أمريكي من قبضة حماس، الذي أدار مفاوضاته المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، بأنه "بادرة حسن نية" تستحق الترحيب، غير أنه لا يزال متشبثًا بموقفه الصارم بشأن ضرورة إقصاء حماس من أي مسار تسوية، وكان لافتًا مواصلة إسرائيل الحرب في غزة ضد حماس مباشرة بعد إطلاق سراح عيدان بنفس القسوة.

  • استبعاد إسرائيل وإتفاقات أبراهام

المثير أيضًا في جولة ترامب هو استثناء إسرائيل منها، وهي الحليف الاستراتجي الأول لواشنطن في المنطقة، ما فسره مراقبون بأنه قد يكون مؤشر "ضجر" من قبل ترامب في علاقته مع نتنياهو، بسبب تواصل حرب غزة؛ بالرغم من رغبة ترامب في إنهائها، إلا أن الانحياز الأمريكي لإسرائيل يبقى راسخًا، خاصة في ظل عدم تقديم ترامب أي حلول للحرب في غزة، بسبب تحيزه لإسرائيل وتوفير كل أشكال الحماية المادية والعسكرية والسياسية لها.

قد تخفف ترامب من عباءة الالتزامات الأمريكية التقليدية تجاه إسرائيل في التعاطي مع ملفات المنطقة، حيث جاءت الجولة عقب اتفاق التهدئة مع الحوثيين في اليمن، والحوار المباشر مع حركة حماس لإطلاق سراح الأسير عيدان ألكسندر، والذهاب في جولات حوار مع طهران إلى أبعد من رغبة تل أبيب، وأخيرًا رفع العقوبات عن سوريا، وكلها خطوات غير مرغوبة إسرائيليًا، كما أن اختيار السعودية كأول وجهة خارجية لزيارة رسمية لترامب يحمل دلالات رمزية، خصوصًا أن المملكة لا تعترف بدولة إسرائيل.

 إن استبعاد إسرائيل ليس صدفة، إنها رسالة استراتيجية لإسرائيل، بأن سياسة ترامب الخارجية تنحو بعيدًا عن الاصطفاف التلقائي مع التفضيلات الإسرائيلية، ولا سيما أن تل أبيب تجر واشنطن بشكل متزايد إلى تصعيد إقليمي، كما أن ترامب ينظر إلى الخليج كقوة استقرار، بينما ينظر إلى إسرائيل -خاصة في عهد نتنياهو-على أنها مصدر للتقلبات، وبعبارة أخرى، برز الخليج كمشارك إيجابي للقوة الأمريكية في المنطقة، في حين أصبحت إسرائيل مستغلة سلبية للقوة الأمريكية.

كما يراعي هذا القرار الاستراتيجي بتجاوز إسرائيل في الوقت الحالي حساسيات الشركاء العرب، الذين ينتقدون بشدة السياسات الإسرائيلية الحالية خاصة تجاه غزة، فضلًا عن التوترات المتزايدة بين ترامب و نتنياهو، فيما يتصل بحرب غزة، ما يمهد الطريق لزيارة مستقبلية لتل أبيب ربما تحت قيادة إسرائيلية جديدة أكثر انفتاحاً على الحلول السلمية، يمكن خلالها الإعلان عن مبادرة سياسية لوقف حرب غزة، خاصة وأن أولويات ترامب في المنطقة هي تمتين العلاقات العربية الأمريكية كخطوة أولى بما يهيئ حتمًا مناخًا إقليميًا أكثر مواءمة لزيارة مثمرة إلى تل أبيب في المستقبل يحقق من خلالها ترامب اختراقًا بصفقة نحو وقف الحرب في غزة وإعادة الإعمار وتأسيس نموذج حكم جديد فيها، يحظى بدعم المانحين الدوليين وشرعية الفاعلين الإقليميين، وعودة الزخم للاتفاقات الإبراهيمية، حيث سيسعى إلى ربط جهود وقف حرب غزة وإعادة الإعمار بتعزيز التطبيع العربي- الإسرائيلي، خاصة و أن ترامب يريد أن يقدم نفسه للعالم كصانع سلام في منطقة طالما ارتبطت بالنزاعات المزمنة . بيدَ أن هذا المسار محفوف بمخاطر سياسية، خصوصًا في حال رفضت إسرائيل تقديم تنازلات جوهرية، أو استمرت الانقسامات الفلسطينية الداخلية، خاصة وأن السعودية تصرعلى ربط التطبيع باعتراف إسرائيل بحلّ الدولتين، وهو أمر ترفضه إسرائيل – نتنياهو.

وكانت الاتفاقيات الإبراهيمية بندًا آخر على جدول أعمال جولة ترامب الخليجية. وقد حث ترامب السعودية على الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، بينما حث الإمارات على تجديد التزاماتها الحالية. ولكن كانت المفاجأة إشارة ترامب أن سوريا ستنضم في نهاية المطاف إلى الاتفاقيات.

ويستهدف ترامب السعودية للانضمام إلى مسار التطبيع مع إسرائيل، مقدمًا عرضًا بـأن يتزامن توقيع اتفاقية دفاعية أمنية والتقدم في المجال النووي المدني في المملكة بالتطبيع مع إسرائيل لكن السعودية تمسكت بموقفها المبدأي وهو وقف الحرب في غزة وإعادة إعمارها، وبموافقة إسرائيل على حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل التوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل والتطبيع، وهو ما ترفضه إسرائيل، ومن ثم لم تحقق جولة ترامب تقدمًا في هذا الملف سوى العمل على تهيئة الظروف الإقليمية لوقف الحرب في غزة .

  • حرب أوكرانيا:

وفي زيارته للسعودية وقطر والإمارات، استثمر ترامب في الوساطة لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، وحث الطرفين الروسي والأوكراني على وقف إطلاق النار ومتابعة الانخراط في مفاوضاتٍ مباشرة لتسوية الصراع بينهما، ويرى ترامب أنّ دول الخليج – وخاصةً السعودية – قناةً مفيدةً للتواصل مع موسكو. وقد استضافت السعودية بالفعل محادثات بين الولايات المتحدة وروسيا، معززةً بذلك مكانتها بصفتها وسيطًا محايدًا، فضلًا عن أدوار مهمة لكل من الإمارات وقطر.

وفي كلمته أمام القمة الخليجية-الأمريكية، أكد ولي العهد السعودي استعداد المملكة لمواصلة مساعيها الرامية للوصول إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة الأوكرانية. وفي زيارته إلى قطر، وجه الرئيس الأمريكي حديثه إلى أمير قطر قائلًا: “أنتم تساعدوننا بإحلال السلام في مناطق عدة مثل روسيا وأوكرانيا وسنرى تطورًا في هذا الملف".

      آفاق لمشهد جيوسياسي جديد

جولة ترامب نجحت في توجيه رسائل سياسية عدة، من تحول في السياسة الأمريكية تجاه بعض قضايا المنطقة، أهمها رفع العقوبات عن سوريا، والتقارب مع القيادة السورية الجديدة، مع تراجع ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل إلى المرتبة الثانية، في ظل استمرار التصعيد العسكري على غزة، لكنه لم يقدم استراتيجية واضحة لحل أزمات المنطقة، بما في ذلك الملف النووي الإيراني والحرب على غزة أو الأزمة اليمنية أو السودان رغم تمسكه بمسار جدة لحل الصراع هناك بمساعدة السعودية، بل اكتفى بالخطاب المعهود عنه، كما تواجه هذه الأهداف الجيو سياسية الطموحة، منافسات إقليمية متجذرة، وتعقيدات بالغة للنزاعات المستعصية، وتوقعات متباينة ومتضاربة أحياناً من الأطراف المختلفة، فالنجاح سيتوقف على القدرة على إدارة الديناميكيات السياسية والأمنية المعقدة في المنطقة بحكمة وتوازن، في ظلّ تحولات جيوسياسية سريعة .

مقالات لنفس الكاتب