array(1) { [0]=> object(stdClass)#13837 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 210

أضاع العراق فرصة الانتقال من إدارة الخلافات إلى بناء توافقات استراتيجية في قمة بغداد

السبت، 31 أيار 2025

مثلت القمة العربية الرابعة والثلاثون التي انعقدت ببغداد في  مايو 2025م، محطة جديدة في مسار العمل العربي المشترك وقياس مدى التزام الدول العربية بميثاق الجامعة العربية وأهمية هذه المؤسسة في خلق مسارات يمكن من خلالها التوصل إلى مواقف وحلول عربية لعدد من الملفات، وكذلك شكل انعقاد القمة رهان على قدرة النظام الإقليمي العربي على استعادة شيء من فاعليته في ظل مرحلة تحولات دولية وإقليمية بالغة الحساسية؛ وكان لإدراك العراق أهمية تواجده كدولة عربية فاعلة تستطيع أن تقدم ما يحقق تضامنًا عربيًا يعزز موقعه ويستعيد من خلاله دور المحوري، تقدمت الحكومة العراقية بطلب لاستضافة القمة العربية في بغداد 2025م ، خلال اجتماعات القمة العربية التي عقدت بالجزائر عام 2022م، في محاولة لإعطاء صورة جديدة لإيمان العراق بمحيطة وانتمائه العربي.

  • خصوصية قمة بغداد:

  عادت إلى بغداد القمة العربية، بعد 13 عامًا من انعقادها، لكن بظروف وخصوصية تختلف جذريًا عن الظروف التي عقدت فيها في العام 2012م، فالقمة الرابعة والثلاثين التي يستضيفها العراق على مستوى القادة تتزامن مع المتغيرات المتسارعة في المنطقة وحجر الزاوية فيها هو التأكيد. الأمريكي والإسرائيلي على رسم الشرق الأوسط الجديد والذي سيشمل عددًا من الدول العربية والذي يعد ضبابيًا لدى عدد منها مما يدفع إلى ضرورة التعاطي العربي مع هذا المشروع ، كذلك اتصفت القمة بخصوصية حيث أنها تأتي بالتزامن مع انهيار المشروع الإقليمي لإيران في سوريا ولبنان واليمن، باستثناء العراق، فهذا الانهيار ولد فراغا جيو سياسيًا مما يعرض الأمن  العربي لمزيد من المخاطر من إمكانية ملء هذا الفراغ من دول إقليمية أخرى، فضلًا عن أن القمة تُعقد مع خصوصية عربية تتمثل بطبيعة التحولات التي شهدتها النظم السياسية في سوريا والمتمثلة بسقوط نظام بشار الأسد مما يتطلب دعمًا عربيًا للمرحلة الانتقالية فيها، وانهيار حزب الله وفقدانه السيطرة السياسية والعسكرية في لبنان واستعادة الدولة فيه، واستسلام الحوثيين بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية والذي سيؤدي تاليًا إلى قبولهم بمسار سياسي يضمن الشرعية في اليمن، الأمر الذي سيجعل لهذه التحولات انعكاسات على فاعلية هذه الدول في القرار العربي  أولاً وقرارها في اجتماعات قمة بغداد تالياً؛ كذلك فإن تزامن عقد القمة مع المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول مصير  الملف النووي الإيراني وبقية الملفات، كان قد أعطاها أهمية لطرح انعكاسات طاولة المفاوضات في سلطنة عمان سواء كانت ستنتهي بصفقة شاملة أو إلى سيناريو الردع العسكري وما يمكن أن يؤدي هذا الخيار من تداعيات على الدول العربية.

 

   نظر العراق إلى القمة العربية برمزية انعقادها في عاصمته وما تحققه هذه الاستضافة من تشكيل صورة غير نمطية عنه كدولة ساعية للاندماج بشكل أكبر مع العمل والمواقف العربية المشتركة ، كما أن الماسكين على المعادلة السياسية فيه وجدوا أن رعاية هذا الالتئام العربي في بغداد  قد يحقق لهم قبولًا عربيًا، سيما وأنهم أبدوا سابقًا مواقف متباينة تجاه العودة العراقية للمنظومة العربية، كذلك ما يمكن أن تقدمه الاستضافة من رسالة تتجاوز الحدود العراقية نحو الدول الغربية الفاعلة بأن العراق أصبح مؤهلًا للقيام بأدوار في عدد من الأزمات كوسيط أو كمنصة لتقريب وجهات النظر بين الدول المتخاصمة عربيًا وإقليميًا.

  • التحديات الاستباقية للقمة:

  واجهت القمة العربية في بغداد عدة تحديات ما قبل انعقادها منها ما هو عراقي ومنها ما يرتبط بقدرتها على النجاح ، فلأول مرة في تاريخ القمم العربية يحدث أن يتحول  أمر انعقادها إلى جدل سياسي داخلي، إذ صرح أحد قيادات الإطار التنسيقي الحاكم " عن رفض انعقاد القمة العربية " تحت ذريعة عدم حضور القادة العرب، مما يؤشر رفض مبطن لها، رغم أن الحكومة كانت قد استكملت استعداداتها اللوجستية، وكذلك يبين وجود صراع داخل بين تيارين داخل المجموعة الحاكمة في بغداد، مما أضعف دعم القرار الرسمي وتحضيراته للانعقاد؛ كذلك فإن الاعتراض على دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع أحد أهم التحديات التي واجهت حكومة محمد السوداني يمثل نموذجًا لذلك الانقسام بين العراق الرسمي وشبه الرسمي، فحضور الشرع، اعتبر عند  بعض الأطراف الداخلية الحليفة للسوداني اعترافًا رسميًا بالتحول السوري وإعلانًا مباشرًا لتطبيع العلاقة مع الفاعلين الجدد في دمشق، ما يعني نهاية سردية الاتهامات التي وجّهت للشرع، والتي تبنتها حكومة السوداني وحلفاء إيران قبل ساعات من هروب الأسد، ليتصالح معه بوساطة دولة ثالثة فيما بعد، فرئيس الوزراء سينظر لهذا الحضور على إنه بوابة لبناء الثقة مع الشرع والمنظومة العربية الداعمة للمرحلة الانتقالية في سوريا، وهذا التوجه لرئيس الوزراء دفع إلى تصعيد وصل إلى التهديد بالقيام بتظاهرات في بغداد ضد حضور الشرع بعد أن تم تنظيم تظاهرات في مدينة البصرة ضد زيارة الرئيس السوري، كذلك تصاعدت عبر منصات التواصل الأصوات المتطرفة المرتبطة بالفصائل المسلحة، ما أدى على ما يبدو، إلى إرسال رسائل سلبية لقادة عرب بعدم ترحيب العراقيين بهم، خصوصاً الجدل الذي رافق دعوة السوداني للشرع لحضور القمة، مما شكل مانع لعدم حضور الشرع، غير الراغب بمزيد من تدهور العلاقة مع العراق، وأعطى انطباعًا سلبيًا لدى الدول العربية عن مستوى الجدل الداخلي حول انعقاد القمة .

 

  تحولت القمة العربية في بغداد ولكونها تأتي قبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، إلى مادة لكسب النقاط وفرض الإرادات السياسية من قبل الأحزاب أو حتى من الحكومة تجاه خصومها، فعلى الرغم من أن عقد القمم العربية يأتي في إطار الالتزام الدوري للجامعة والدول العربية بالاجتماع السنوي، إلا أن محاولات تشكيل اعتقاد بأن عقدها في بغداد بهذا التوقيت هو نتيجة لدبلوماسية ناجحة للسوداني استطاع من خلالها إقناع الدول بالحضور للقمة، تسببت للحكومة بانتقادات واسعة لتسويق هذا الاعتقاد ومحاولة التوظيف السياسي لحدث عربي في تعزيز حظوظه من أجل الحصول على الولاية الثانية، مما استفز بيئته السياسية المتمثلة بالإطار التنسيقي الشيعي وركيزته الأساسية الفصائل المسلحة الموالية لإيران مما حفزها لتوجيه اتهامات للحكومة بتقديمها التنازلات لعدد من الدول العربية لهذا الغرض، سيما وأن جزءًا من المجموعة الشيعية والتي تسيطر حاليًا على السلطتين التشريعية والتنفيذية تعد مسؤولة عن إعاقة علاقات العراق مع منظومته العربية، وبناءً على هذا الجدل والصراع الداخلي تحولت القمة إلى قياس كونها رافعة للسوداني بمقابل محاولات من شركائه بخفض رصيده السياسي والذي يتعرض بالأساس إلى تراجع في شعبيته نتيجة عدم القدرة على مكافحة الفساد وتفكيك السلاح وهيمنته على مؤسسات الدولة وسوء الخدمات والتلكؤ في تنفيذ البرنامج الحكومي .

  إن زيارة إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني التي سبقت انعقاد القمة بيومين، كانت رسالة سلبية  بهيمنة إيرانية على العراق، مما عقد الموقف أمام الحكومة العراقية في وقت أرادت فيه أن تظهر انفتاحًا على الدول العربية والخليجية بالتحديد، وعدت هذه الزيارة استفزازًا للقادة العرب خصوصًا وأن بعض الدول عانت من نفوذ إيراني امتد لسنوات طويلة، مما جعل هذه الزيارة محط استفهام وسؤال من عدد الدول التي خططت لحضور القمة، وليس من الواضح بالتحديد ما كانت تهدف إليه هذه الزيارة ، إلا أن الثابت أنها أحرجت حكومة السوداني أمام الجامعة والدول العربية .

 

 شكلت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية قبل انعقاد القمة العربية في بغداد ، التحدي الأكبر بالنسبة للحكومة العراقية التي كانت تستعد لطرح حزمة مبادرات لعدد من القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية والتحول في سوريا ودعم لبنان والمفاوضات بين واشنطن وطهران ، إلا أن نتائج الجهود الدبلوماسية التي حققتها السعودية خلال زيارة ترامب لها والمتمثلة برفع العقوبات بشكل كامل عن سوريا واللقاء الذي جمع ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وكذلك التأثير الكبير الذي مارسته المملكة على الرئيس الأمريكي الزائر لها بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة وتحقيق حل عادل لهذه القضية والشعب الفلسطيني ، فضلًا عن الجهود غير المعلنة التي تعمل عليها الرياض بين واشنطن وطهران وبما يحقق الاستقرار للمنطقة، وما حققته الرياض من تحول اقتصادي عالمي من خلال زيارة ترامب بالشكل الذي جعلها شريكًا في الاقتصاد الأمريكي، كل هذا جعل القمة العربية في بغداد تواجه تحدي كبير بما يمكن أن تقدمه القمة أمام قرارات اتخذت بعلاقات ثنائية أو من خلال القمة الخليجية - الأمريكية التي رعتها الرياض، حققت ما لم يكن متوقعًا لدعم الدول العربية، وهذا دفع وزير الخارجية العراقي إلى التصريح بأن "زيارة ترامب للمنطقة مهمة، وأحيي الإخوة في السعودية لتنظيم هذه الزيارة ولعقد القمة الخليجية – الأميركية. القرارات المتخذة في تلك القمة ستصب في مصلحة المنطقة، وهذا يعني أن القمة التي ستُعقد في بغداد والقمة الخليجية – الأميركية ركيزتان أساسيتان لإدارة الأمور في المنطقة، ويعني أيضاً أن هاتين القمتين تكامليتان وليس هناك تناقض بين الحدث في بغداد والحدث في الرياض، والواضح أن بغداد أدركت حجم المنجز الذي حققته المملكة العربية السعودية للعمل العربي المشترك بالشكل الذي عدته مدخلًا لنجاح جهودها ومبادراتها في القمة العربية على مستوى القادة.

 

 تمثل قمة جدة التي عقدت بالمملكة العربية السعودية في العام 2023م، نموذجًا لنجاح  القمم على مستوى تاريخ اجتماعات القادة والعمل العربي المشترك والقرارات التي صدرت منها أو على المستوى التنظيمي الناجح في كل المقاييس، وقمة جدة التي حضرها العراق ممثلاً برئيس الوزراء محمد السوداني ، في أول حضور له لاجتماعات القمة العربية على مستوى القادة بعد تسنمه المنصب في العام 2022 م، شكلت دالة نجاح ومسار للحكومة العراقية ظهرت واضحة من خلال تحضيراتها لعقد القمة في بغداد ، لذا كانت الاستعدادات اللوجستية داخليًا تحاول الوصول لذات الخطوات البروتوكولية لقمة جدة وكذلك في الجانب السياسي سواء على ما يرتبط بحضور القادة العرب أو فيما سيطرحه العراق من مبادرات يمكن من خلالها أن تتوازن قمته مع ما حققته قمة جدة من قرارات وتضامن وتعاون ووئام عربي ملفت وشكلت عملًا عربيًا متقدمًا ، مما شكل تحديًا لحكومة السوداني في إيجاد نسخة مماثلة لقمة جدة .

 

  • النتائج والتقييم:

  أدركت حكومة السوداني أن نجاح القمة يعتمد على مستوى تمثيل القادة العرب فيها وعلى ما تطرحه في القمة من مشاريع قرارات أو مبادرات يمكن التفاعل معها وبما يحقق إجماعًا عربيًا يظهر من خلال البيان الختامي للمجتمعين ، لكن شكل انخفاض مستوى التمثيل وغياب الملوك والأمراء والرؤساء العرب عائقًا أمام اكتساب مخرجات القمة القوة التي يمثلها تصويتهم على بيانها الختامي ، مما دفع العراق إلى اعتبار ذلك مخيباً ومحط مراجعة دبلوماسية ، وعلى الأرجح فقد كانت حملة الاستعداء للقمة ولحضور الرئيس السوري أحمد الشرع والذي لم يحضرها ، السبب الأساس في اتخاذ بعض الدول خفض تمثيلها ، كما أن العراق لم يستطع خلال التحضيرات للقمة العربية من حسم بعض الملفات الخلافية او التعاطي بشكل إيجابي معها ومثال ذلك مسألة ترسيم الحدود البحرية مع دولة الكويت وإشكالية إلغاء المصادقة على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله ، مما أعطى رسالة بأنه غير قادر على حسم ملف ثنائي عربي .

  ومع محاولات العراق تقديم خطة مبادرة عربية شاملة خلال اجتماع القادة العرب وفق ما عرف بخارطة (18) مبادرة ، إلا أن السوداني واجه حرجًا كبيرًا تجاه بعض المواقف ومنها القبول العربي بحل الدولتين بخصوص القضية الفلسطينية والمرفوض عراقيًا، والتنديد بالتدخلات الايرانية بالشؤون الداخلية للدول العربية، ورفض التهديد الذي يصدر من بعض الجماعات المسلحة للأمن القومي لدول الخليج العربي، مما جعل العراق وهو الرئيس للقمة في موقف دبلوماسي هو الأصعب تجاه القضايا الملحة عربيًا، الأمر الذي وضع بغداد وقمتها كمحطة اختبار للنوايا العراقية للانخراط بالعمل العربي المشترك، ورغم أن البيان الختامي حمل تأكيدًا على القضايا المحورية المعتادة، وفي مقدمتها دعم القضية الفلسطينية وطالب أيضاً المجتمع الدولي ولا سيّما الدول ذات التأثير، "على تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية للضغط من أجل وقف إراقة الدماء وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة دون عوائق إلى جميع المناطق المحتاجة في غزة" ، وكذلك دعمت القمة قضايا عربية عديدة من أبرزها دعم سوريا لمواجهة التحديات التي تواجها، والقلق من التطورات الميدانية في ليبيا وفضلًا عن دعم الشرعية لليمن وتثمين الدور الجديد في لبنان، لكن البيان الختامي التزم ذات النسق الدبلوماسي لأغلب القمم العربية فيما يخص القرارات، رغم إصرار محمد السوداني رئيس الوزراء على استعادة فاعلية العراق مع الدول العربية من خلال قرارات القمة العربية والتي عدها لحظة فارقة إذ تتقاطع تطلعات العراق الوطنية مع السعي العربي الأوسع لتجاوز الانقسامات والانطلاق نحو إطار عمل للتعاون العربي الفعال والشامل.

                                       

 مثلت قمة بغداد 2025م، فرصة مهمة للعراق لطرح مشروع مراجعة شاملة لوظيفة القمم العربية وأدواتها و تطوير ميثاق الجامعة العربية وآلياتها التنفيذية، فالأزمات التي تواجه العالم العربي – من تصاعد الخلافات بين الدول العربية أو التأثيرات الخارجية والتحديات الأمنية وتغيرات النظام الدولي – تفرض الانتقال من إدارة الخلافات إلى بناء توافقات استراتيجية وهذا ما لم يضعه العراق في حساباته حين استضافته للقمة مما أدى إلى ضياع هذه الفرصة والتي كان يمكن أن تكون أحد أهم الإشارات على امتلاك العراق لرؤية منفردة لاستضافته القمة؛ ولا يمكن القفز على حقيقة أن العراق كان يسعى من خلال استضافته القمة العربية إلى استعادة دوره العربي الفاعل والظهور كدولة تتمتع بالوسطية بين المحاور المتصارعة إقليميًا والتوازن تجاه القضايا العربية، وهو مسار أراد منه نجاح هذه القمة سياسيًا وتنظيميًا، إلا أن القمة قوّضتها الصراعات السياسية والتوترات الداخلية المستمرة بين الفصائل والطوائف والغياب الدبلوماسي للعراق عن عدد من الفعاليات العربية التي ناقشت التطورات في عدد من الدول العربية ما بعد أحداث 7 أكتوبر 2023م، مما حول القمة في بغداد إلى "قمة شكلية " وذات نتائج محدودة .

مقالات لنفس الكاتب