array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 211

العماد عون بنى خطابه على ثنائية محاربة الفساد وتعزيز هيبة الدولة بحصرية السلاح

الأحد، 29 حزيران/يونيو 2025

في مجمل الأدبيات السياسية والوطنية في لبنان، تتبوأ عبارة "حصر السلاح بيد الدولة" المرتبة الأولى، فيظهر المشهد وكأنّ لبنان يريد الانتقال من مرحلة مأساة وحزن وخراب إلى مرحلة فرح وبناء وزهوّ، لكنه الانتقال الذي يمر عبر جسر واحد وهو جسر الدولة الواحدة التي تمثل الشرعية المطلقة التي يبحث عنها شعب يبحث عن راحة ووطن.

إن بشاعة المشهد في عين المواطن اللبناني جعل المسألة تتجاوز بعدها السياسي، فنزع السلاح من الميليشيات وحصره في الدولة، هو وضع تقليدي، لا بل يمكن أن يتحول إلى أزمة وطنية، في العديد من الدول، فالكثير من الدول التي عاشت حروبا أهلية طاحنة كالحرب الأهلية اللبنانية، شهدت أزمة سلاح خارج الشرعية، لكن ظل النظر إليه على أنه استحقاق لا يحتاج إلى أكثر من خطة حتى يجد طريقه إلى الحل. لكن الحالة اللبنانية مختلفة، كلياً مختلفة، فلقد تحوّل المصطلح، أي كلمة "سلاح" إلى عقدة، إلى مفردة تنتج كراهية، وإلى كلمة تولد غضباً داخلياً، فكلمة السلاح باتت في مخيلة اللبناني مرادفا لعبارة " سلاح حزب الله"، تلك العبارة التي أضحت لعنة عند الشيعي قبل السني وعند المسلم قبل المسيحي، في وطن، لم تتفق شرائحه وطوائفه تاريخيًا على قضية من قضاياه، لكنها تتفق اليوم على حصر السلاح بيد الدولة ونزع سلاح حزب الله .

المسألة يحتاج شرحها إلى بعض من الواقعية وكثير من الجرأة، فلقد حسمت حرب إسناد غزة التي شنها حزب الله على إسرائيل، والتي دمرت على إثرها إسرائيل جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، وجعلت الناس تتهجر قسراً من بيوتها هربًا من موت محتم، حسمت أن شيئًا تغير في النظر إلى سلاح حزب الله، وهو شيء كبير، ضاعف من كبره مقتل أمين عام حزب الله، والذي بموته، افتقد الشارع الشيعي منطقاً كان قادراً إلى حد مقبول على إقناع الشارع اللبناني بجدوى السلاح، لكن الشارع خصوصًا عند الشيعة تغير مزاجه وتغيرت قناعته، عندما وجد نفسه أمام معادلة تقول: السلاح قتل صاحبه.

ويخطئ من يظن أن هناك نوعًا من التجني أو المبالغة بتصوير المشهد وكأنّ المشكلة، كل المشكلة، في لبنان هي سلاح حزب الله، فقد يقول قائل بأنّ السلاح منتشر في كل لبنان وبأن الكثير من الأحزاب السياسية لم تزل تحتفظ بكميات من الأسلحة، لا بل قد يقول قائل بأن ما مخزّن في المخيمات الفلسطينية في لبنان من أسلحة يوازي ما يمتلكه حزب الله. هذا المنطق يقود إلى تناول مسألتي حصر السلاح بيد الدولة ونزع السلاح غير الشرعي بكثير من الدقة والمسؤولية في آن.

ا-مقتضيات حصر السلاح بيد الدولة:

  • إن أي حديث عن مقتضيات وموجبات حصر السلاح بيد الدولة إنما هو حديث يجب أن يبدأ من الحرب الأهلية وجهود المملكة العربية السعودية في إنهائها تحت سقف الطائف ووفق ما عُرف باتفاق الطائف. ذلك الاتفاق الذي أريد منه وضع حد للحرب الأهلية وبنزع كل فتيل قد يؤدي إلى إشعالها من جديد، قبل أن يراد منه إعادة رسم السلطة في لبنان وفق أسس ومرتكزات جديدة، جاء في طليعتها خطة إلقاء الطائفية السياسية التي لم ينجز اللبنانيون أي بند فيها. فقد نص اتفاق الطائف على تسليم الميليشيات أسلحتها للدولة على مراحل، وحصل ذلك بالفعل، وبقي حزب الله استثناء إذ ظل محتفظاً بسلاحه".
  • إن مقولة " حصر السلاح بيد الدولة" ليس مجرد مقولة سياسية عابرة، فهي منطق سياسي ناتج عن حتمية دستورية عالمية تنطلق من أن الدولة تتكون من ثلاثة عناصر وهي الإقليم والشعب والسلطة، بما تعنيه السلطة من امتلاكها الحصري للقوة والقهر كي تفرض القانون على كامل الإقليم، وهي القوة التي لا يجب أن ينازعها بها أحد، سواء أكان تنظيمًا أو أفراداً أو عصابات او ميليشيات. وإن إسقاط هذا الكلام على الواقع اللبناني يقود إلى القول ان الجمهورية اللبنانية، ونتيجة مجموعة الأزمات التي مرت بها منذ ما بعد اتفاق الطائف الذي وضع حدًا للحرب الأهلية، هي بأشد الحاجة اليوم إلى الظهور على المسرحين الوطني والدولي كدولة حقيقية تملك القوة الشرعية وسلطة حقيقية لا تنافسها سلطة أخرى. وأن المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المالية والاقتصادية، التي تريد أن تدعم لبنان تشترط وجود دولة حقيقية قادرة وفاعلة، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تحققت الأركان الدستورية الثلاثة لقيام الدولة ككيان سياسي.
  • ينسجم هذا المنطق الموضوعي مع ما ورد في اتفاق الطائف والمكرس دستورياً بأن قرارات الحرب والسلم في بيد الحكومة اللبنانية، أي مجلس الوزراء اللبناني، وبأنّ رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تأتمر بأمر مجلس الوزراء. غير أن هذه الشرعية لا يمكن أن تجد طريقها إلى التطبيق في الواقع اللبناني الراهن، وذلك لأن قرارات الحرب والسلم هي في حقيقة الأمر، وكما أثبتت كل الأحداث والوقائع، هي بيد جهة أخرى تملك السلاح المتوسط والثقيل، وهو حزب الله.
  • ومن مقتضيات حصر السلاح بيد الدولة، الحفاظ على السيادة، وعدم ترك أبواب لبنان مشرعة أمام دول تريد تعزيز نقاطها على المسرح الدولي لتحقيق مكاسب أو تنفيذ ابتزازات من خلال ما تملكه من نفوذ في دول أخرى. هذا الكلام يقود إلى المشكلة المتعلقة بالسلاح الفلسطيني في لبنان، داخل المخيمات الإثني عشر أو خارجها. فبالنسبة إلى ملف السلاح الفلسطيني، فمنذ توقّف الحرب الإسرائيلية على لبنان في 27 نوفمبر من هذا العام، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، شكل هذا الملف جزءًا أساسيًا من النقاشات الداخلية، وشغل حيزاً مهماً في خطاب القسم تحت بند حصرية السلاح، علمًا أن اتفاق الدوحة عام 2008 م، شكل مرتكزًا قويًا لنزع السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات. وأن إيجاد حل جذري لسلاح المخيمات له سببان، الأول الاشتباكات الموسمية والسياسية التي تندلع داخل المخيمات بين الفصائل الفلسطينية العاملة في لبنان والتي ولد من رحم تناقضاتها ودخول السياسات التي لا دخل لها بالقضية الفلسطينية جماعات متطرفة قريبة من القاعدة، كتنظيم فتح الإسلام في مخيم البارد والذي كلف الفلسطينيين واللبنانيين بل والجيش اللبناني أرواحاً وأمنًا وسلام. والثاني تحريك هذا السلاح ضد إسرائيل بناء على إشارات إقليمية لتحقيق مصالح ليس لها علاقة مباشرة بحق الشعب الفلسطيني في التخلص من الاحتلال، ما يضر بالأمن القومي اللبناني وبالسيادة اللبنانية. الجدير ذكره في هذه المسألة هو أن دخول السلاح إلى المخيمات يعود إلى اتفاق القاهرة عام 1969م، بين منظمة التحرير والحكومة اللبنانية، وهو الاتفاق الذي سمح للفلسطينيين بإقامة قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، والعمل السياسي في داخل المخيمات، ما أعطى شرعية للعمل الفلسطيني داخل البلاد، وامتلاك السلاح في المخيمات، قبل أن يلغي لبنان الاتفاق بشكل رسمي عام 1987م.
  • ومما لا شك فيه أن مقتضيات سحب السلاح من الميليشيات، من حزب الله وغيره، لها صبغة دولية، فالعديد من قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية أدرجت نزع سلاح الميليشيات كبند واضح فيها، لا سيما قراري مجلس الأمن الدولي 1559 و1701. والحكومة اللبنانية تجد نفسها وطيلة سنوات عاجزة عن تطبيق هذين القرارين وغيرهما، بسبب عدم موافقة حزب الله على تسليم سلاحه إلى الدولة. الخطير في الأمر أن كل العمليات العدائية الإسرائيلية ضد لبنان، خصوصًا تلك التي شُنّت بعد القرار 1701، كانت تتذرع بعدم التزام الدولة اللبنانية بمندرجات هذا القرار.

2-إرادة الدولة اللبنانية في حصر السلاح بيدها:

إذا كان العهد الحالي، ممثلاً بكل من رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس الحكومة نواف السلام، أكثر وضوحًا وأكثر حزمًا في مسألة حصر السلاح بيد الدولة ونزع كل سلاح خارج إطار الشرعية، فإنّ كل الحكومات والعهود التي تعاقبت منذ اتفاق الطائف توقفت عند الشرعية وقرارات السلم والحرب التي يجب أن تكون بيد الدولة، لكن كان منطق المسايرة من جهة والارتباطات السياسية من جهة ثانية وسطوة العامل السوري على الداخل اللبناني من جهة ثالثة، ومسائل أخرى يعرفها اللبنانيون، حالت دون إيجاد حل لموضوع السلاح خارج مؤسسة الجيش بصفتها المؤسسة التي تمثل الشرعية العسكرية والأمنية الوحيدة في الدولة، وبصفتها المؤسسة الوحيدة التي يجمع اللبنانيون على دورها العابر للحدود السياسية والطائفية والمذهبية. وفي كل تلك المرحلة التي سبقت عهد الرئيس جوزف عون، كان الكلام عن السلاح محكوم بضرورة وجود استراتيجية دفاعية تشكل بديلاً آمناً يحل مشكلتين: مشكلة نزع السلاح من الميليشيات ومشكلة الاستفادة من أي عنصر قوة يمتلكه لبنان لردع أي عدوان إسرائيلي عليه. لكن أظهرت الأمور أن الخلاف حول مضامين هذه الاستراتيجية وبرنامجها كان مستحكماً، بدليل أنه وحتى اليوم لم يحصل إزاءها أي اتفاق، خصوصًا بين الشرعية اللبنانية وحزب الله.

مجموعة من التطورات الدولية والإقليمية والمحلية حصلت في السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005م، وصدور قرار مجلس الأمن 1559 والذي قضى بحتمية حل الميليشيات في لبنان، مروراً بحرب تموز 2007م، والتي أحدثت دماراً كبيراً في لبنان، جعلت المنطق اللبناني الرسمي والشعبي المعارض لسلاح خارج إطار الدولة، منطقاً قوياً. لكن الحرب الأخيرة التي أدخل حزب الله لبنان فيها تحت شعار إسناد غزة، والتي دمرت الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، والأخطر أنها الحرب التي قضت على أكثر من نصف حزب الله العسكري وكل منطق حزب الله السياسي، شكلت عنصر التقاء لدى كل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، سنّة وشيعة، خصوصًا أن هذه الحرب أظهرت عدم القدرة العسكرية لحزب الله في تأمين الحماية بالمقدار الذي يقدمه، فأمين عام الحزب قتلته إسرائيل مع كامل قيادة الصف الأول السياسية والعسكرية، واستطاعت إسرائيل أن تصل إلى أي مكان مدني أو عسكري أرادت أن تصل إليه. ولأول مرة، شعر ولمس الشيعي المهجر في لبنان، أن منطق الحماية الذي كان يبشر به حسن الله قد سقط، فالقيادة الجديدة للحزب لم تقنع جماهيره بمنطق جديد يجعل اللبناني يتقبل فكرة جدوى السلاح.

هذه العناصر الجديدة في البيئة اللبنانية ترافقت مع وصول العماد جوزف عون إلى سدة الرئاسة الأولى، وقد بنى بمجرد تسلمه مهامه كرئيس للبلاد خطابه على ثنائية تناغمت إلى حد كبير مع رغبة السواد الأعظم من اللبنانيين، وهي الثنائية المشكلة من محاربة الفساد المستشري في البلاد وتعزيز هيبة الدولة وهو التعزيز الذي يتطلب حصرية السلاح وتجسيد قوة الشرعية. لقد بنى جوزف عون خطاب القسم على هذه الثنائية، وعمل على تطبيقها على أرض الواقع منذ اليوم الأول، فعلى صعيد مكافحة الفساد شعر اللبنانيون بأنّ نوايا السلطة الجديدة ذاهبة فعلًا في هذا الاتجاه، وقد حصلت أمور عديدة في البلاد عكست هذه النوايا، فمسؤولون ووزراء سابقين، أحيلوا على التحقيق بملفات فساد، وحملة تطهير واضحة طالت إدارات الدولة المدنية والأمنية.

 وعلى صعيد حصر السلاح بيد الدولة ونزعه من قبل الميليشيات أيا كانت، ووضع سلاح المخيمات بشكل جدي على الطاولة، سار العهد مجموعة من الخطوات إلى الأمام. فبالنسبة للسلاح الفلسطيني، شكلت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان واتفاقه مع السلطات اللبنانية على حل مشكلة السلاح الفلسطيني حجر زاوية في الملف ترافقت مع اجتماعات متعددة بين مسؤولين لبنانيين ومسؤولين تابعين للفصائل الفلسطينية. وقد بدأت أولى النتائج الجدّية مع تسلم قوات الشرعية اللبنانية مواقع ونقاط عسكرية لتنظيمات فلسطينية خارج المخيمات في كل من البقاع وبيروت، فيما أكدت مصادر حكومية لبنانية أن السلطات وضعت برنامجًا واضحاً للمباشرة بسحب السلاح من المخيمات الفلسطينية، يفترض أن تبدأ منتصف يونيو المقبل، وأن الحكومة في مساعيها في سحب السلاح الفلسطيني تهدف إلى تطبيق بندًا خاصًا في اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في نوفمبر 2024م، هذا مع العلم أن السلاح الفلسطيني في لبنان هو على ثلاث درجات، خفيف ومتوسط وثقيل. والجدير ذكره في هذا المجال، أنه في نهاية ديسمبر الماضي أكدت "لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني" إنهاء ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وبشكل نهائي ذلك بعد أن تسلم الجيش اللبناني مراكز عسكرية تابعة لفصائل فلسطينية، عقب سقوط النظام السوري، الذي كان داعمًا لها. ونجحت الدولة في طي هذا الملف بالتراضي.

وفي واقع الأمر ليس فقط الدولة بمؤسساتها وسلطاتها تريد حصر السلاح، وإنما الشعب اللبناني أيضاً يريد ذلك، فمنعطفات كثيرة حصلت في لبنان، كانت كفيلة بإسقاط معادلة "شعب، جيش، مقاومة"، وهي معادلة أشبه بمظلة لبنانية كان يستظل بها حزب الله. إن ما كان يقال همساً حتى في البيئة الشيعية، ظهر إلى العلن بعد الحرب الأخيرة التي كانت غالية الثمن على هذه البيئة تحديدًا. هذا الهمس تُوّج بسؤال صعب يقول: ما وظيفة هذا السلاح؟، ومصدر السؤال أمور كثيرة، يمكن وضعها في إطارين: الإطار السياسي، بمعنى خدمة هذا السلاح لمصالح إقليمية تركت لبنان عندما ضُرب مؤخراً، والإطار العسكري، بمعنى عدم قدرة هذا السلاح على تأمين الحماية للبنان ولشعبه، خصوصًا أن الكثير من مخازنه قد دمر بواسطة آلة الحرب الإسرائيلية التي اعتمدت على ذكاء اصطناعي عسكري دمر بذكاء ووصل إلى المخازن والمستودعات والشخصيات والقيادات.

لقد كان لسلاح حزب الله ثلاث وظائف وهي الردع، الحماية والتحرير، وكل وظيفة منها كانت كافية لـ"شرعنته"، وتسويق التمسك به، بيد أن أيًا منها لم يعد موجودًا اليوم، فإسرائيل اقتدرت في تدمير معادلة "الردع المتبادل" التي رفعها الحزب بعد حرب 2006م، ولبنان من شماله إلى جنوبه مرورًا بضاحيته، بات بلا حماية، وعرضة لاستباحة إسرائيلية.

3-تحديات نزع سلاح حزب الله:

في خطاب القسم، والخطابات التي تلته، لم يقدم رئيس الجمهورية اللبنانية، منطقًا كيدياً في مقاربته لسلاح حزب الله، فدومًا نجده يضع المسألة في إطاره الوطني الذي يغلب المصلحة الوطنية على باقي المصالح، فهو ردد في مناسبات عدة إن أي خطوة تجاه سحب سلاح "حزب الله" تتطلب حوارًا وطنيًا ضمن استراتيجية دفاعية شاملة، ولأول مرة يقارب رئيس لبناني المسألة زمنياً، حيث قال بأنه يسعى إلى أن يكون 2025م"عامًا لحصر السلاح بيد الدولة"، موضحًا أن أفراد "حزب الله" يمكنهم الالتحاق بالجيش اللبناني و"الخضوع لدورات استيعاب. وبصفته قائدًا للجيش ومتمتعًا بخبرة عسكرية، فهو رفض كل الطروحات التي كانت تطرح في العهود السابقة والتي تمحورت حول دمج حزب الله العسكري في الجيش كلواء خاص لما لذلك من مخاطر يدركها الجنرال عون، نجده يشدد على رفض أي استنساخ للتجارب الخارجية، مثل إدماج “حزب الله” كوحدة مستقلة داخل الجيش، كما حصل مع “الحشد الشعبي” في العراق. فبدلًا من ذلك، طرح إمكانية انضمام أفراد الحزب إلى المؤسسة العسكرية، ضمن إطار قانوني وتدريب مؤسسي، كما حصل مع العديد من الأحزاب بعد الحرب الأهلية.

وبالرغم من وجود ثقة لبنانية عارمة أعطيت للرئيس جوزف عون لم ينلها أي رئيس جمهورية سابق، وبالرغم من حجم الدعم والتأييد العربي والدولي الذي غُمِر به هذا الرجل، إلا أن ذلك غير كاف في استحقاقات وطنية كبرى كاستحقاق حصر السلاح بيد الدولة، فالحكم في لبنان ليس رئاسياً، والقرار ليس في يد شخص واحد، لكن نجاح الحكم يتوقف على وحدة الهدف الوطني، بمعزل عن الطوائف ومصالحها. قد يقول قائل بأن الرئيس جوزف عون فرصة للجميع على اختلاف انتماءاتهم، لكنه قول غير كاف أيضًا، فالقضية كبرى، وتحتاج إلى أن تلتقي الشيعية السياسية مع طروحات رئيس الجمهورية في منتصف الطريق، في مرحلة أدرك فيها الجميع، أن دعم لبنان وإخراجه من أزماته متوقف على حل مسألة سلاح حزب الله. فهل يفعلها الثنائي الشيعي، ويضع مصلحة الوطن في المقدمة؟ هذا ليس مجرد سؤال، وإنما هو مفتاح واقعي لدخول لبنان مرحلة جديدة من السلام والرخاء.

بالطبع، ليست الصيغة اللبنانية وطبيعة نظام الحكم (برلماني وليس رئاسي)، هي التحدي الوحيد لسحب سلاح حزب الله، فالتحدي الإقليمي أكثر قساوة من التحدي المحلي، إذ ليس سراً ولم يعد يختلف اثنان على الوظيفة الأساسية لسلاح حزب الله، فالمصالح الإيرانية المرتبطة بالتفاوض حول النووي والصواريخ الباليستية تتطلب ثبات ورقة حزب الله. المسالة ليست مسألة ثبات الورقة فحسب، فهي أيضًا مسألة زر إقليمي يحرك حزب الله وفق ما تشتهي سفن غير لبنانية، وهذا الزر هو من أشعل فتيل حرب يوليو 2007م، وحرب إسناد غزة 2023م، والتي أودت بحياة كل حزب الله السياسي وأكثر من نصفه العسكري، لدرجة يشعر فيها أي مناصر لحزب الله اليوم انه حزب بلا زعيم.

لكن يبقى التحدي الأبرز أمام نزع سلاح حزب الله هو التحدي المتمثل بحزب الله نفسه، فبالرغم من مداهنة الحزب لرئيس الجمهورية، وبالرغم من نصف انحناءة رأس عند حزب الله بسبب خسائره الهائلة نتيجة حرب الإسناد الأخيرة والتي وقف فيها عاجزًا أمام بيئته التي ازدادت تساؤلاتها عن جدوى السلاح وعن حقها بالعيش الكريم ومنطقها القوي بعدم وقوف إيران إلى جانبها عندما كانت على شفير الهلاك لولا اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبعد حزب الله نحو شمال الليطاني، بالرغم من كل ذلك لم يزل العناد يوسم خطابها، فالأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم يقول أنه لا يمكن مناقشة نزع السلاح، إلا في إطار شروط "مرتبطة بالسيادة الوطنية. لكن لا يمكن الاتفاق على ماهية هذه الشروط ذات المفهوم الفضفاض، فمفهوم السيادة بالنسبة لحزب الله يختلف عن مفهومها لدى اللبنانيين.

أمام هذا الواقع – المعضلة، ينتظر السؤال عن آلية حصرية السلاح بيد الدولة، ينتظر، في ظل مخاوف من وضع لبنان تحت الفصل السابع، وهو وضع ساهمت فيه أخطاء كثيرة وقعت في الجنوب وكان آخرها الاعتداء على أعضاء "اليونيفيل"، وأن الطروحات التي ظهرت حول انسحابها من لبنان هي طروحات خطيرة تسرّع وضع مجلس الأمن يده على الملف اللبناني، في ظل عدم استبعاد التزام روسيا والصين الصمت والسماح باستصدار قرار عسكري من مجلس الأمن. هذه المخاوف تنمو في ظل سباق محلي ودولي، فيبرز تساؤل جديد يقول: هل يمكن للمرجعيات الدينية الرسمية أن تقدم حلًا من خلال مؤتمر وطني، يزيل المخاوف من جهة ويحصر السلاح بيد الدولة من جهة ثانية ويوفر ضمانات سياسية وعملية لعدم الاعتداء الإسرائيلي على لبنان؟

مقالات لنفس الكاتب