ساهمت العديد من العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بروز ظاهرة الإسلام السياسي، والحركات الإسلامية في المجتمعات العربية. فقد كان للمشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة والتشرذم الاجتماعي أثر في تمزق العلاقات الاجتماعية وتباينها بين الأجيال المختلفة، ودور في بروز الميليشيات المسلحة وحركات الإسلام السياسي. وساهمت الضغوطات الدولية ومحاولة التكييف مع الأوضاع العالمية، وحالات التنافس والحروب والصراع الدولي في تغذية ونمو هذه الظاهرة. وكان للعوامل السياسية الداخلية وفساد أنظمة الحكم واستبدادها وتعسفها دور هام في انتشار هذه الحركات في العديد من الدول العربية. وعلى الجانب الآخر ساهمت الأزمات الاقتصادية وتراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة واكتظاظ السكان في المدن نتيجة الهجر من الأطراف، وتدهور الخدمات الحكومية، وعجزها عن تلبية الاحتياجات الإنسانية فظهرت الحركات الإسلامية كحركات إصلاحية، يمكنها تغيير الأوضاع والظروف الاجتماعية المتردية ومكافحة الأنظمة الفاسدة من خلال بناء الدولة الإسلامية.
انتشرت الحركات الإسلامية، والميليشيات المسلحة في مختلف الدول العربية، واتسع تدخلها في مختلف الأمور وتزايد عدد جماهيرها باستخدام أيدولوجياتها الدينية التعبوية المؤثرة، ونجحت في تقوية وجودها الجماهيري المنظم مما جعلها من الأنظمة القوية وأتاح لها السيطرة على مساحات جغرافية في مناطق عديدة من الدول العربية، ساعدها في ذلك تطوير علاقات خارجية مع قوى دولية وإقليمية، وامتلاكها لموارد اقتصادية وقدرات تسليحية تقارب الجيوش النظامية.
تبع ذلك أن تنامت ظاهرة الإرهاب، واختلفت تفسيراتها ودوافع ظهورها، فهناك من أرجع ذلك إلى حالات التنافس والصراع الدولي الذي ساعد في تغذية ونمو هذه الظاهرة، واعتبرها آخرون ظاهرة طبيعية يمكن أن تتفشى في أي مجتمع نتيجة عوامل مختلفة، سياسية، اقتصادية أو اجتماعية أو أيديولوجية. وقد شاع استخدام مفهوم الإرهاب على نطاق واسع، بالرغم من عدم وجود تعريف مُتفق عليه لهذا المفهوم على المستوى الدولي أو المستوى العلمي، ويعود ذلك إلى اختلاف العوامل الأيديولوجية المتصلة بهذا المصطلح واختلاف البنى الثقافية، فما يُعدُّ عملًا إرهابيًّا من وجهة نظر دولة أو مجتمع معين، قد لا أن يكون كذلك في نظر دولة أخرى أم مجتمع آخر.
تاريخ ظهور جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي
تشكلت الحركات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إما امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر في عام 1928م، على يد حسن البنا، ومن ضمنها جماعة الجهاد الإسلامي في مصر، وجماعة الإخوان في الأردن وفلسطين والسودان والجماعات الإسلامية في دول الخليج، أو من خلال الاقتداء بنموذجها، كجبهة الإنقاذ في الجزائر والنهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب. وقدم الإسلاميون أنفسهم إلى شعوبهم من خلال شبكات الدعم الاجتماعي التي تخدم الفقراء والمحتاجين؛ واستفادت من تصاعد في معدلات التدين في بداية السبعينيات، خصوصًا في أوساط الشباب، كردة فعل على العولمة التي جعلت الشعوب تبحث عن هويتها وتمايزها، كما ذكر أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت "أن صعود حالة التدين السياسي يعود لردة فعل الشعوب على العولمة المتوحشة". ويعتقد آخرون أن تراجع المد القومي العربي بعد عام 1970م، كان عاملاً مهماً في تنامي التيارات الإسلامية التي تحينت الفرصة من أجل السيطرة على المجتمعات العربية والإسلامية. ومع استمرار الأوضاع السياسية المضطربة في العديد من الدول العربية، وفي التشرذم الذي انتشر في ظل غياب استراتيجية عربية موحدة لمكافحة الإرهاب، تكونت بيئة خصبة لازدهار الجماعات الإرهابية والتنظيمات الجهادية المرتبطة بعامل الهوية الدينية مثل القاعدة وداعش وغيرها، والهوية المذهبية أو الطائفية كميليشيا الحوثيين في اليمن، وحزب الله والميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب السياسية في لبنان، وجيش المهدى والحشد الشعبي وغيرهما من الميليشيات المماثلة في العراق، والهوية القبلية والمناطقية كبعض الجماعات في اليمن وليبيا والسودان (علي الدين هلال). فظهرت التنظيمات "الجهادية السلفية المقاتلة" كالقاعدة" التي تبنت المسؤولية عن أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وداعش أو تنظيم الدولة، والذي استولى على مساحة كبيرة من سوريا والعراق قبل تراجع سيطرته في كلٍ منهما مع نهاية عام 2017م، وضعفت خلاياه في أغلب الدول التي تواجد فيها مثل سوريا، العراق، اليمن، الصومال، مالي، أفغانستان.
ساهمت مجموعة من عوامل في صعود ظاهرة الإسلام السياسي في فترة السبعينيات، بعضها اقتصادي مثل الفقر والبطالة، وأخرى اجتماعية كردة فعل على حملات التغريب، وغيرها سياسية نتيجة للاستبداد السياسي والقهر والاحتلال الإسرائيلي وفشل الأنظمة الاشتراكية في المنطقة. تمثل هذا الصعود في أشكال كان لها تأثير على معظم مظاهر الحياة العامة، فظهرت البنوك الإسلامية، والأحزاب الإسلامية، والمدارس والجامعات الإسلامية، وانتشر الحجاب والزي الشرعي، المراكز الدينية.
ظلّت معظم الحركات الإسلاميّة في بداياتها، وقبل ثورات الرّبيع العربيّ، تعمل في إطار العمل الدّعوي لنشر الفكر الإسلاميّ، وتتحيّن الفرصة المناسبة للاستيلاء على السُّلطة وإعلان دولتها الإسلاميّة. وتركّزت جهودها على وضع العقيدة والإيديولوجيا في خدمة أهدافها في الوصول إلى السُّلطة. فأصبح مفهوم “سُلطة الدّين” و” دين السُّلطة” ملازماً لكلّ مرحلة من مراحل الدّولة الشّرق أوسطيّة ولأنظمتها التي وضعت الدّين في خدمة إحكام قبضتها على السُّلطة واستمراريّتها. (جميل رشيد: 2024م).
وظهر ذلك جليًا في حركة الإخوان المسلمين في مصر، وحركة النهضة الإسلاميّة في تونس. حيث كشفت أيديولوجيّة الإسلام السّياسيّ عن حقيقتها بشكل سافر. ففي تجربة مصر بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السُّلطة عبر صناديق الانتخاب، تبيّن استئثارهم بالسُّلطة وتهميش باقي الفئات والقوى السّياسيّة والمجتمعيّة الأخرى، فضلاً عن جعل نفسها مركز جذب واستقطاب للقوى السّلفيّة والتكفيريّة في العالم، وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صعوداً في معدلات التدين، ولا سيما في أوساط الشباب. ومع الثورة المضادة في مصر عام 2013 م، ونزول الشّعب المصريّ إلى الشّوارع والسّاحات، تمت الإطاحة وحظر جماعة الإخوان المسلمين، بمجرد أن "استطاعت الشَّرعية الثّوريّة الإطاحة بالشَّرعية الدُّستوريّة التي يتبجّح بها الإخوان". وفي نفس السياق قمعت الاحتجاجات المستمرة في تونس حزب النهضة وقيدت نشاطاتها، وأجبرت على التخلي عن السلطة لصالح حكومة تكنوقراط. كما خسر حزب العدالة والتنمية في المغرب في الانتخابات البرلمانية. ترتب على ذلك أن فقدت الأحزاب الإسلامية زخمها، ولم تعد هذه التنظيمات تلعب دوراً كبيراً في السلطة السياسية في أغلب دول المنطقة مقارنة بالوضع في السنوات التالية للانتفاضات العربية.
فقد تبين أن أسباب التّناحر بين التّيارات الإسلاميّة وأنظمة بلدان الشّرق الأوسط هو الصراع على السُّلطة والنّفوذ والمكاسب، وليس لإرساء العدل والمساواة وإحقاق الحقوق، أو تطبيق الشّريعة الإسلاميّة وتشكيل دولة إسلاميّة، وأثبتت التّجارب المريرة التي مرّت بها شعوب المنطقة أنّ الخلط بين السُّلطتين الدّينيّة والسّياسيّة "خطأ قاتل يشعل الفتن والحرائق المذهبيّة، ويُغلق العقل ويُقيّد الفكر وحُرّيّة النّاس، ويفرض تنميطاً معيّناً على الأفراد والمجتمعات التي تغدو مع الزّمن خارج إطار التّاريخ والحياة والتّفاعل والتطوّر" (جميل رشيد:2024). فقد ظلّت الحركات الإسلاميّة تدور ضمن حلقة مُفرَغة من الوهم، بإعادة شعوب المنطقة إلى القبول بالعيش وفق شروط أوّل دولة إسلاميّة تأسّست في التّاريخ، أو كما أطلق عليها تنظيم “داعش” اسم “دولة خلافة على منهاج النبوّة”، وهو ما يتعارض كليّاً مع حقائق العصر الحديث الذي يستوجب إبقاء الدين بعيداً عن السّياسة.
لقد أثبتت أحداث الرّبيع العربيّ، أن لا إسلام معتدل على الإطلاق، وأنّ كلّ دعوة من هذا القبيل، إنّما تعد ترويجاً لفكرة استبدال استبداد سياسيّ باستبداد دينيّ – سياسيّ لا يَقُلُّ عنه ممارسة في كبت الحُرّيّات وقمع الشعوب. فقد سعت تلك الأنظمة تحت الشعارات الدينية لمصادرة حُرّيّات المجتمع وإلغاء التعدّدية وفرض النّمطيّة الإسلاميّة الواحدة كأسلوب وحيد، دون أن تترك خيارات أخرى أمام المجتمعات، ولم تعمد تلك الحركات في كلّ من مصر وتونس إلى إجراء مراجعة نقديّة لمسيرتها خلال الرّبيع العربيّ، بل انحدرت نحو التطرّف أكثر واستخدمت سلاح الإرهاب والتّحالف مع القوى الأجنبيّة في تهديد استقرار بلدانها، واعتبار نفسها عابرة للحدود والجغرافيا الوطنيّة، لتفرّخ العديد من الحركات الإرهابيّة تحت مُسمّى “الجهاد”. (جميل رشيد).
في الوقت الحالي أدركت الحركات الإسلامية ضرورة التكييف مع الأوضاع الدولية القائمة، فسعت إلى التخلي عن كثير من شعاراتها وأهدافها وفلسفاتها التي تأسست عليها، وأصبح قادتها أكثر انفتاحًا وتقدمًا "فحلَّت القيادات الشابة الصاعدة من شبكات التجارة والخدمات الاجتماعية التي يديرها الإسلاميون محل علماء الدين التقليديين؛ وكبرهان للتطور الفكري والشكلي اعتمدت عدة جماعات إسلامية عربية على استقطاب شابات ليتحدَّثن باسمها ،وسخرت قنوات الاتصال الحديثة من شبكة الإنترنت وثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لتقدم نفسها كقوى قادرة على التكيُّف مع التغيُّرات الاجتماعية الحديثة التي تشهدها المجتمعات المتطورة.
طرق التمويل والجهات الداعمة
بدعوى الدفاع عن قيم الحرية والديموقراطية، رحبت أوروبا بوجود تنظيمات الإسلام السياسي وعملت على دعمها، وأصبحت بعض عواصم الدول الأوروبية ملاذاً آمنا لأنشطـتها واستثماراتها. وسيطرت تيارات الإسلام السياسي في تلك الدول على مراكز الفكر والمؤسسات الخيرية والمراكز الإسلامية الأوروبية. ترافق ذلك مع استغلال بعض الحكومات الغربية هذه الجماعات لأهداف سياسية، "ودخلت معها في شراكة تتعلق بالقيام بأدوار تتوافق مع بعض العواصم الأوروبية، ويتعلق بعضها بالضغط على الحكومات العربية مقابل دعمها مالياً وتوفير حماية لها. نجحت هذه التنظيمات في الحصول على البيئة الحاضنة لها من دون أن تدخل في صدام مباشر مع الحكومات الأوروبية أو مع القوانين المعمول بها في أوروبا، وأصبحوا مؤثرين في أوروبا ومحركين لأنشطة التنظيم في الشرق الأوسط، ومستقطبين للمسلمين المقيمين في تلك الدول. تزامن ذلك مع نجاح التنظيمات في القيام باستثمارات مالية ضخمة وإنشاء شركات تُستخدم أرباحها في خدمة هذه التنظيمات، وتأسيس مراكز وجمعيات إسلامية خيرية وحقوقية تتخفى جماعات الإسلام السياسي تحت ستارها لتمويل العمليات الإرهابية التي ترتكب في دول الشرق الأوسط.
ويمكن القول إن الغالبية العظمى من هذه التنظيمات تستند في وجودها واستمرارها على الدعم الخارجي، فقد اتجهت العديد من هذه الكيانات في السنوات الأخيرة إلى تقوية شبكة علاقاتها وتحالفاتها مع أبرز القوى الإقليمية. حيث تولت إيران عملية تمويل وتسليح العديد من الميليشيات في الدول العربية مثل حزب الله والحشد الشعبي وغيرها من الأحزاب المذهبية، وتحالفت مع الحوثيين في اليمن، بهدف إحراز مزيد من النفوذ في العالم والعربي وفي اليمن بصورة خاصة لكونه الممر المائي الرئيسي للنفط في العالم، ويحظى بموقع استراتيجي متميز، ووزن جيو سياسي مؤثر في المنطقة يتيح لها فرصة التحكم في حركة المرور في خليج عدن ومضيق باب المندب الذي يعد نقطة الربط الرئيسية التي تصل الخليج العربي والمحيط الهندي بالبحر الأحمر، وصولاً إلى قناة السويس.
الإسلام السياسي ودول مجلس التعاون
أن لدول المجلس تاريخها الخاص مع الإسلام السياسي، والذي برز في الخمسينيات والستينيات حين وفرت معظم دوله حق اللجوء لجماعة الإخوان المسلمين الفارين من الاضطهاد في مصر وسوريا وغيرها من الدول العربية. وقد عمل الكثيرون منهم في الحكومات المحلية وسيطروا على أنظمة التعليم التي استغلوها في التأثير على الأجيال الناشئة ونشر تفكيرهم السياسي والديني. وكانت الواجهات السياسية للإخوان في الخليج ممثلة في كل من جمعيات الإصلاح، والتي تأسست في البحرين، 1941م، وذراعها السياسي جمعية المنبر الوطني الإسلامي، وجمعية الإرشاد الإسلامية في الكويت التي تأسست 1952م، وأغلقت في 1961م، وأنشئت على أعقابها جمعية الإصلاح الاجتماعي في 1963م، وبعد التحرير تحولت إلى الحركة الدستورية الإسلامية، وجمعية الإصلاح في الإمارات التي تأسست 1974م، في دبي، ورأس الخيمة. لم تقتصر التجمعات الإسلامية في الخليج على التيارات الإخوانية فقط، بل كان للسلفيين والشيعة حضورهم أيضًا، وفق تجمعات مشابهة وواجهات مختلفة.
نَشط الإخوان المسلمون في العمل الدعوي، ونجحوا في استقطاب شرائح مختلفة من المجتمع الخليجي من خلال توغلهم في المؤسسات والجمعيات الشعبية، وشأن الإخوان في التشَّكل بحسب البيئة "فقد كيّفوا جهودهم بحسب المساحات التي تتاح لهم؛ فركزوا على التعليم والاهتمام “بالأنشطة الطلابية، وتركز نشاطهم ضمن مؤسسات المجتمع المدني، ومن دون التدخل المباشر في الشؤون السياسية، ونجحوا في مجال الأعمال التجارية، التي كونوا منها ثروات ساهمت في تمويل التنظيم في دولهم الأصلية.
وفي حين أن العلاقة مع الإخوان المسلمين تصدعت في عام 1991م، حين دعمت بعض شرائحها غزو صدام للكويت وعندما طعنت حركة الصحوة المتأثرة بالإخوان في شرعية النظام الملكي في السعودية (لورينزو فيدينو:2020)، إلا أن المخاوف في دول الخليج اشتدت مع حلول الربيع العربي، وانتصار جماعة الإخوان في مصر وتونس.
أدركت جميع دول الخليج أن الإخوان على وجه التحديد لا تؤمن بالدولة القومية، وسيادة الدول ليست من القضايا التي تعنيهم، بل جل ما يعنيها هو فرض رؤاها وتصوراتها على الدول العربية بل والعالم بأكمله، وأنها هي الأساس لمعظم الحركات الإرهابية والذي هو وسيلة وصولهم إلى الحكم من خلال تفكيك النظم الحاكمة والسيطرة عليها. فقد فشلت في التحول إلى جماعة سياسية، أو منظمة اجتماعية أو حتى كيانا دعويا مسؤولا أمام الدول والمجتمعات. وتجلت اختراقات الإسلاميين للبيئة الخليجية وتأجيج الصراعات وتكريس فكر الإسلام السياسي والمتاجرة بقضايا الأمة الإسلامية على حساب الدول والمؤسسات، هي القاعدة، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في دول الخليج. وكانت معارضة دولة الإمارات لجماعة الإخوان المسلمين أكثر اتساقًا واستباقية عن غيرها من الدول الخليجية، فقد قررت في 2014 إدراج 82 منظمة إرهابية محددة، من ضمنها جماعات مثل القاعدة والدولة الإسلامية والإخوان المسلمين وكياناتها الغربية(فيدينو2020). وقد حذت دول مجلس التعاون الأخرى حذو السعودية والإمارات في حظر الجماعات الإسلامية، فيما عدا قطر التي ما زالت تحافظ على روابطها بجماعة الإخوان المسلمين العالمية ودعمت كل من الإخوان في مصر وتونس وغيرها منذ بداية الربيع العربي.
ويرى عمر البشير أن المجتمع الخليجي لم ينشأ على تكوينات سياسية واتجاهات فكرية متضادة، بل ما "زال يحمل لبنات المجتمع القبلي العشائري في مستوياته الكبيرة، التي دخلت عليه قيم المواطنة دون أن تمر عبر مراحل المدنية، فشكلت النظم الكبيرة القائمة على الولاء، الوعاء الذي تسير فيه المدنية، فبنيت المدنية لا من جلد الشعب، بل من جلد الدولة". لذلك غابت المعارضة السياسية -ما عدا الكويت والبحرين ـ عن المجتمع الخليجي لأن "العقد الاجتماعي الخليجي مركب ومبني على علاقة خاصة بين القاعدة والقمة، وإسقاط القراءة التاريخية الأوروبية في القرن الثامن عشر لصيرورة الأنظمة الملكية على دول الخليج، تسطيح مبالغ فيه".
من هذا المنطلق، وفي ظل المناخ الأمني المليء بالتحديات، أدركت دول مجلس التعاون أن إقامة التحالفات أمر حيوي لتعزيز أمنها في مواجهة التهديدات الخارجية وبعض التهديدات الداخلية، وردع من يحاول تهديد أمنها بشكل مباشر، وهو ما أدى إلى إقامة تحالفات واتفاقات أمنية بين بعضها البعض أو مع بعض الدول العربية الشقيقة أو الدول الصديقة. وبرز ذلك من خلال إقامة التحالفات العسكرية مثل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وكذلك التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، ناهيك عن اتفاقات التعاون العسكري والأمني الثنائية مع الدول الصديقة، إضافة إلى التعاون العسكري داخل مجلس التعاون والذي شهد بداياته إنشاء قوات درع الجزيرة وتطورها في عام 1982م، والمصادقة على الاتفاقية الأمنية في عام 1994م، ثم إنشاء مركز العمليات البحري الموحد بشكل رسمي في 2016م. وفي عام 2000م، تم التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك وإنشاء لجنة عسكرية عليا للتنسيق الأمني. ثم افتتاح مقر القيادة العسكرية الخليجية الموحدة بالرياض لتحل محل قيادة قوات درع الجزيرة في عام 2021م.
الخاتمة
في حين تشير بعض الآراء إلى أن الإسلام السياسي عاد مرة أخرى إلى المخبأ، إلا أنه ما زال يجاهد من أجل لعب الدور الذي يرغب فيه بهدف تشكيل المستقبل السياسي للمسلمين، ورغم أن كل المؤشرات تشير لتراجع التدين السياسي على كل الصعد، إلا أن ما يبدو من استطلاعات الرأي للدورة السابعة للباروميتر العربي أن الإسلام السياسي من الممكن عودته. ففي أغلب الدول العربية التي شملها الاستطلاع، أعرب مواطنوها من الصغار والكبار سنّاً على السواء عن تفضيل واضح لزيادة دور الدين في السياسة. وهذه النتائج تشير للمرة الأولى على زيادة دعم الإسلام السياسي بقدر يُعتدّ به منذ انطلاق الانتفاضات العربية في 2011م، رغم أن هذه التوجهات في الآراء قد لا تستمر، إلا أنها لو استمرت، فأنه من الممكن أن تعيد للإسلام السياسي أهميته كقوة سياسية كبرى في المنطقة العربية.
وفي نفس الوقت يحذر أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت من أن عام 2025م، قد يشهد تحولات خطيرة في خريطة الإرهاب، لا سيما مع استغلال بعض الجماعات الإرهابية للأحداث الإقليمية مثل الحرب في غزة لإثارة مزيد من التوترات، ومحاولة التمدد في مناطق جديدة، كما حدث في سلطنة عُمان، التي شهدت أول هجوم إرهابي لها منذ سنوات. فقد أعطت عملية طوفان الأقصى دفعة معنوية لأتباع الحركات الإسلامية قد تلهم طيفًا من هم في استرداد ثقتهم بالمشروع الإسلامي، لاكتشاف دورًا جديدًا في هذه المرحلة حتى لو كان أثره محدودًا. مما يستوجب ضرورة السعي لخلق نهج جديد يتجاوز الحلول الأمنية التقليدية، ويشمل تعزيز الاستقرار السياسي، وتجفيف منابع التمويل، ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تستغلها الجماعات الإرهابية لتجنيد الشباب” ويظل ذلك رهنًا بالقدرة على إحداث تجديد في التصورات والرؤى الفكرية والسياسية، وتقديم قيادات جديدة." (هشام جعفر)