array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 211

حظر إخوان الأردن وضع حدًا لمفهوم دولة داخل الدولة بهيكل طامح للسلطة وتغيير المجتمع

الأحد، 29 حزيران/يونيو 2025

لم يكن إعلان وزير الداخلية الأردني في 24 أبريل 2025م، بتنفيذ قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين مفاجئاً أو طارئاً أو حتى يمكن إرجاعه للظروف التي تمر بها المنطقة، بل هو صدر فعليًا في العام 2019م؛ حيث حظرت الحكومة الأردنية كل أنشطة جماعة الإخوان المسلمين على الأراضي الأردنية، وشمل القرار إغلاق مقارها ومصادرة ممتلكاتها، بعد اتهام الإخوان بمحاولة المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى؛ واعتبر أي نشاط لها عملاً مخالفاً للقانون، لتمر القضية في مراحل التقاضي الرئيسية إلى أن صدر حكم محكمة التمييز الأردنية في يونيو 2019م، قرارًا قطعياً بموجبه تحل جماعة الإخوان المسلمين وفقاً لأحكام القانون الأردني.

بعد مضي ما يقارب شهرين على إعلان قرار التنفيذ من قبل الحكومة الأردنية "حظر" جماعة الإخوان المسلمين في الثالث والعشرين من أبريل 2025م، لا يزال النقاش حول ذلك القرار مستمراً، خاصة فيما يتعلق باعتباره ساري المفعول من تاريخه؛ مع اعتقاد البعض أن هناك جوانب غير معلنة للقرار، مع تهويل البعض الآخر للتداعيات الناتجة عن قرار الحظر.

إن استمرار النقاش حول قرار "حظر" الإخوان في الأردن أمر طبيعي وصحي بحكم أهمية ذلك القرار وسياقاته وتوقيته وتقبل المجتمع الأردني للقرارات القضائية، إذ هناك من يعتبر أن القرار مثّل نقطة تحوّل في علاقة الدولة الأردنية مع الإخوان المسلمين، وتغيّراً واضحاً في سياسات الحكومة الأردنية تجاه الجماعة، التي روّجت على مدار عقود أنّ علاقتها مع الدولة الأردنية وأجهزتها "تفاهمات ضمنية". في حين أنّ تطبيق قرار الحظر في هذا التوقيت يدل على أنّ أجهزة الدولة قيّمت مفهوم المخاطر الشمولي بشكل واضح، ولم تعتبر نفسها في منافسة مع أي جهة أو حزب، بل على العكس أعطت الحزب المرخص (حزب جبهة العمل الإسلامي) مساحة سياسية جديدة مبنية على القانون والتشاركية في مراحل الإصلاح السياسي التي تتبناها الدولة.

فقد قامت الدولة بتنظيم الانتخابات النيابية لمجلس النواب العشرين في العاشر من سبتمبر 2024م، بناء على مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وتوصياتها، خاصة فيما يتعلق بقانوني الأحزاب السياسية والانتخابات، ومنحت كل المساحات الممكنة والفرص المتكافئة لكل الأحزاب الأردنية، وعلى رأسهم جبهة العمل الإسلامي، للمشاركة الفاعلة في مسيرة الإصلاح السياسي، في ظل إجراءات انتخابية في غاية النزاهة والشفافية، مكنّت حزب "جبهة العمل الإسلامي" من الفوز ب 31 مقعداً من أصل 138، أي ما نسبته 22.5% من مقاعد مجلس النواب.

كل ذلك في ظل توقيت سمته العامة هي وصول التحديات الإقليمية إلى أعلى مستوياتها بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023م، وما تلاها من تغيرات متسارعة كالحرب في غزة، وتداعي المحور الإيراني، وسقوط النظام السوري، وغيرها من التحديات الناشئة والتي تعتبرها الدولة الأردنية جزء من روتينها اليومي.

جمعية أردنية خيرية عابرة للجغرافيا لا تعترف بالدولة الوطنية!

ولكي نعرف لماذا وصلنا لمرحلة الحظر علينا أن نعود لتاريخ الجماعة والجمعية، وكيف ساهمت المواقف الضبابية للجماعة والجمعية في إنهاء هذه الرابطة مع الدولة وفقاً للقانون الذي أسست بموجبه الجمعية.

فقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن فعلياً في العام 1945م، بوصفها امتداداً فكرياً وتنظيمياً للجماعة الأم في مصر (تأسست عام 1928م)، ونالت الترخيص الحكومي الرسمي في العام 1946 بوصفها "جمعية خيرية" أردنية، ليتطور وضعها القانوني بقرار حكومي إلى "جماعة إسلامية متعددة الوظائف" في العام 1953م.

صفة "الجمعية الخيرية" ثمّ "الجماعة متعددة الوظائف" التي عملت تحت ترخيصها الجماعة كانت غطاءً قانونياً لازماً لتنظيم عملها السياسي، وهو ما ينسجم مع توجهات الجماعة الأم في مصر، كما مع سياسات الكثير من الفروع في الدول العربية والإسلامية، وهو ما ساعد الجماعة في الانتشار وخوض غمار العمل السياسي مبكراً، وعبر عدة محطات من المدّ والجزر في علاقات الجماعة مع الحكومة من جانب، ومع القوى والأحزاب السياسية الأخرى من جانب آخر. وكان من أهم تلك المحطات توقف النشاط الحزبي من عام 1957 حتى عام 1989م، وهو الحظر الذي لم يشمل جماعة الإخوان بحكم صفتها القانونية كجمعية، والذي ساهم في تطور عمل الجماعة السياسي بعد اصطفافها إلى جانب الحكومة في مواجهة الأحزاب المحظورة.

في هذا السياق بدأت الجماعة بترشيح رموزها لعضوية البرلمان بصفتهم الحزبية الرسمية بعد عام 1965م، وليس كمستقلين كما كانت تفعل في السابق، وشرعت بتأسيس شبكة عريضة من الجمعيات والمراكز التابعة لها في المملكة، محافظة على استقرار علاقاتها مع الحكومة خلال أزمات حادة تعرضت لها البلاد، كأزمة عام 1970م، مع الفصائل الفلسطينية المسلحة، وهو ما منح الجماعة هامشاً أوسع للعمل السياسي من خلال تقلّد بعض رموزها لمناصب حكومية متقدمة، كإسحق الفرحان وعبد اللطيف عربيات، وصولاً إلى الفوز بثلاثة مقاعد برلمانية في العام 1984م، ثم 22 مقعداً في برلمان 1989م.

ولئن شكّلت عقود الأربعينيات وحتى الثمانينيات عقود الانفتاح وإعطاء المساحة اللازمة للجماعة في علاقاتها بالحكومة الأردنية، إلا أنّ عقد الثمانينيات شكّل بداية محدودية الحركة وتقييد العلاقات في كثير من المواضع، حين رصدت أجهزة الدولة دوراً بارزاً للإخوان في اضطرابات جامعة اليرموك عام 1985م، ومعارضة الجماعة ورفضها المعلن لقرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية عام 1988م، بالإضافة إلى الدور المؤثر لتأسيس حركة "حماس" من قبل فرع الجماعة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الفرع التابع تنظيمياً لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وهي المفاصل التي كشفت طابع جماعة الإخوان المسلمين البنيوي بوصفها جماعة عابرة للحدود رغم عملها الرسمي كمؤسسة "أردنية" مرخصة من جانب، كما كشفت الدور المؤثر للملف الفلسطيني في رسم سياسات الجماعة من جانب آخر.

مراحل تدهور العلاقة وإشاراتها

بالانطلاق مما سبق، فقد بدأت إشارات تدهور العلاقة ومحدودية الحركة في مسيرة إخوان الأردن في العام 1977م، مع تأسيس مع عرف باسم "تنظيم بلاد الشام" الذي دمج إخوان قطاع غزة والضفة الغربية وفلسطينيي الخليج ضمن هيكلية الجماعة الأردنية بقيادة المراقب العام الأسبق "محمد عبد الرحمن خليفة"، ثم عقد الإخوان في الأردن لمؤتمر داخلي تحت اسم "مؤتمر فلسطين" في العام 1983م،  بمبادرة من خالد مشعل ويوسف العظم، والذي خرج بوثيقة عمل خاصة بالموضوع الفلسطيني وتنظيم العمل العسكري من عشر صفحات، فتأسيس "قسم فلسطين" أو "جهاز فلسطين" في العام 1985م،  بمبادرة مشعل ومن أجل متابعة تنفيذ توصيات وثيقة عام 83، وهو ما ساهم لاحقاً في تأسيس حركة "حماس" مع تفجّر الانتفاضة الأولى في ديسمبر 1987م، ثم الإعلان الرسمي عن هوية الحركة بوصفها "جناح من أجنحة الإخوان المسلمين" في أغسطس 1988م، وتبنيها لمشروع سياسي بديل لمشروع منظمة التحرير الفلسطينية.

في هذا السياق يمكن تتبع مسار التحولات الصامتة لإخوان الأردن، والذي بدأ بالخروج إلى العلن مع قرار "فك الارتباط" بين الضفتين وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني "إعلان الاستقلال" وطرح برنامج السلام مع إسرائيل في العام 1988م، وما تبع ذلك من مفاوضات واتفاقيات ومعاهدات سلام بدأت بمؤتمر مدريد في العام 1991م، وانتهت باتفاقية وادي عربة في العام 1994م، مروراً باتفاقية أوسلو في العام 1993م، حيث ظهرت مواقف إخوان الأردن المتماهية مع خطاب التنظيم الدولي للجماعة من ناحية، ومع مواقف حركة حماس الفلسطينية من ناحية ثانية، وهو ما ساهم في تعظيم الفجوة ما بين الإخوان والحكومة الأردنية من جانب، وأظهر خلافات الإخوان الأردنيين الداخلية من جانب آخر.

الحكومة الأردنية والاستجابة المبكرة

لم تكن الحكومة الأردنية بعيدة عن متابعة ومراقبة وتقييم الحالة العامة والعابرة للدولة الوطنية في مسيرة الإخوان المسلمين، كما لم تتأخر استجابتها لتحديات مسار التحولات الإخوانية التي بدأت بالظهور العلني، رغم محاولة الإخوان الحفاظ على توازن العلاقات مع الحكومة ظاهرياً من خلال تكتيك تشكيل ذراع سياسي مستقل شكلياً عن الجماعة هو حزب "جبهة العمل الإسلامي" في العام 1992م.

بداية استجابة الحكومة الأردنية تمثلت في تبني سياسة جديدة تقوم على الاحتواء السياسي من جانب، ورفع الاستعداد الأمني لمواجهة المخاطر من جانب ثان، وهو ما ظهر ابتداءً في إقرار قانون "الصوت الواحد" في العام 1993م، والذي ساهم في تقليص عدد نواب الجماعة في انتخابات عام 93 إلى 17 نائب، ودخلت تلك الاستجابة مرحلة أشد حزماً مع قرار إبعاد قادة حماس في العام 1999م، وما تلاها من إجراءات أمنية كالإعلان عن تفكيك خلية مسلحة تابعة لحماس في الأردن، ووضع اليد على جمعية المركز الإسلامي التابعة للجماعة في عام 2006م، وتفكيك جناح عسكري مسلح للإخوان في العام 2014م، واتخاذ بعض الإجراءات الصارمة من قبل الحكومة بعد تورط الإخوان في تصعيد أزمة المعلمين في العام 2019م، ثم صدور الحكم القضائي بحل الجماعة في العام 2020م.

وبموازاة إجراءات الحكومة الأردنية ازدادت حدة الخلافات الداخلية في أوساط إخوان الأردن على خلفية سياسات الجماعة وبعدها عن الالتزام بالهم الوطني الأردني، وهو ما ساهم في تراجع قوة الإخوان من جانب، وتمايز التيار الأردني المعتدل داخل الجماعة عن التيار المتشدد المتماهي مع حماس والتنظيم الدولي، وهو ما ظهر في عدة محطات مفصلية، كتراجع عدد نواب الإخوان إلى ستة في انتخابات 2007م، وقيام التيار الأردني المعتدل برئاسة المراقب العام السابق عبد المجيد ذنيبات بتأسيس "جمعية الإخوان المسلمين" في العام 2015م، وما تبع ذلك من انشقاقات واستقالات جماعية من الجماعة.

لماذا ذهبت الحكومة الأردنية لتنفيذ قرار حظر

بالعودة إلى موضوع المقال الرئيس المتعلق بخلفيات قرار حظر جماعة الإخوان الأردنية وأسبابه غير المعلنة من جانب، وبتفاعل تداعياته المستقبلية من جانب آخر، تبرز فرضية أنّ الجماعة هي من أوصلت الأزمة إلى هذا الحدّ مع الحكومة، وهي الفرضية التي تعززها العديد من الشواهد والمعطيات، وعلى رأسها:

أولاً: أنّ سياسة الحكومة التاريخية مع الجماعة منذ أيام تأسيسها الأولى قامت على التفاهم والتعاون بما يخدم المصالح الوطنية العليا للأردن في أبعادها العربية والإسلامية، ولم تشهد تلك السياسة أي تغيرات تذكر رغم بعض المحطات التي تجاوزت فيها الجماعة خطوط ذلك التفاهم حتى عقد الثمانينيات من القرن الماضي، بل إنّ سياسات الدولة الأردنية تجاه الإخوان المسلمين تمايزت بشكل ملحوظ عن سياسات كافة الدول العربية، وعلى رأسها دول محور الاعتدال، التي تعاملت بسياسات خشنة في الغالب مع الإخوان.

ثانياً: مع تزايد إشارات التحوّل في خطاب الإخوان وممارساتهم بعد عقد الثمانينيات من القرن الماضي، اتسمت سياسات الحكومة بالمعالجة الواقعية الهادئة دون أي تسرع أو تصعيد من أجل منح الجماعة فرصاً لتصويب مسارها، رغم حساسية تلك الارهاصات وخطورة ما حملته من مؤشرات.

ثالثاً: مؤشرات التحوّل المبكر في مسيرة الإخوان مسّت خطوطاً حمراء فيما يتعلق بالهوية الوطنية الأردنية، والأمن القومي الأردني، وسياسات الدولة المعتدلة والواقعية، خاصة مؤشرات تأسيس "تنظيم بلاد الشام" العابر للحدود وما تبعه من دمج للإخوان الفلسطينيين في هياكل التنظيم الأردني ثم تحكمّهم في سياساته وقرارته بعد تجاوز المملكة (دولة ومجتمعاً) لأزمة 1970، وهو الأمر الذي ظهرت مخاطره بشكل واضح بعد تأسيس حركة حماس.

رابعاً: تبنّي الإخوان لسياسات أكثر تشدداً فيما يتعلق بتراجع الهمّ الوطني الأردني ومهاجمة سياسات الدولة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى وتأسيس حركة حماس، كما ظهر في مواقف الجماعة من قانون "فك الارتباط" بين الضفتين ومن اتفاقيات السلام العربية، وهي السياسات التي انعكست في محاولات نقل الصراع إلى الأراضي الأردنية من خلال تأسيس مجموعات مسلحة (تارة لحماس وتارة للإخوان) وعمليات تهريب السلاح عبر الحدود الغربية للمملكة خلال الثلاثين عاما الماضية.

خامساً: مع اندلاع ما عرف بأحداث "الربيع العربي" في العام 2011م، وسرعة استغلال التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لموجات تلك الأحداث، خاصة في تونس ومصر وسوريا، ارتفعت نبرة خطاب إخوان الأردن بشكل لافت، لدرجة رفض المشاركة في لجنة الحوار الوطني، وتشكيل تحالف معارض يطالب بتعديلات دستورية تحدّ من صلاحيات جلالة الملك، ورفض آلية تعيين مجلس الأعيان، والمشاركة في التحريض على الحكومة خلال أزمة الوقود في نوفمبر 2012م، وصولاً إلى مقاطعة انتخابات 2013م، ثم تراجع حدّة تلك النبرة بعد مظاهرات يونيو 2013م، التي أطاحت بحكم محمد مرسي والإخوان المسلمين في مصر.

السابع من أكتوبر والسيولة والهلامية

دخلت المنطقة برمتها حالة شديدة "السيولة والهلامية" بعد السابع من أكتوبر 2023م، وكان من تداعيات تلك الحالة المستمرة بشاعة المجازر والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة، وتسارع سياسات التهويد والتهجير في الضفة، إضافة الى الضربات القوية التي تلقاها محور إيران، وفي مقدمتها سقوط نظام بشار الأسد على يد المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا.

في هذا السياق شهدت سياسات إخوان الأردن تصعيداً كبيراً على كافة الصعد، في الخطاب الإعلامي كما في الميدان، خاصة فيما يتعلق بعمليات تهريب المال والسلاح للضفة الغربية، وتنفيذ "عمليات فردية" عبر الحدود الغربية للمملكة، ومهاجمة سياسات الحكومة، والأخطر: تشكيل "خلايا عسكرية" وتصنيع صواريخ ومسيرات بتنسيق مع أطراف أخرى في لبنان منذ عام 2021م، وهي الخلايا التي فككتها دائرة المخابرات العامة في عام 2025م، وتبعها إعلان الحكومة الأردنية عن حظر نشاطات الجماعة واعتبارها "جمعية غير مشروعة" في أبريل 2025م.

فقد مثّل تشكيل تلك الخلايا الإرهابية مفصلاً حرجاً في علاقات الدولة بالإخوان، ونقطة تحوّل في طبيعة إجراءات الحكومة بحق الجماعة، بحكم خطورة المخططات المنوي تنفيذها من قبل تلك الخلية من جانب، وبحكم حالة التحريض المنظّم التي مارسها نواب من حزب العمل الإسلامي ضد الدولة بذريعة مشاركتها في "جسر بري" يمد إسرائيل بالبضائع، رغم النفي الرسمي لتلك الشائعة بوصفها "وحي من الخيال" كما أشار رئيس الحكومة والناطق الرسمي باسمها في ذلك الوقت.

هذا الحدث المفصلي بذاته حمل الكثير من الدلالات، وعلى رأسها أنّ كل سياسات الحكومة السابقة تجاه جماعة الإخوان لم تعد كافية بعد مرحلة "السيولة والهلامية والاحتواء غير الفعال" التي كشفت انفصال الجماعة عن الواقع الأردني وأولوياته من جانب، كما أظهرت سرعة التحولات التي تجاوزت، وتتجاوز باستمرار، ما كان يعتبر من "الثوابت الاستراتيجية" سابقاً، حيث لم يعد لتلك الثوابت من وجود بعد السابع من أكتوبر من جانب ثان، وهو الأمر الذي ينسحب على الإخوان أنفسهم من جانب ثالث، من حيث جاهزيتهم للانخراط في مشاريع إقليمية جديدة تستهدف، ليس أمن المملكة القومي فحسب، بل وجودها ومصير شعبها في حد ذاته، سواء جاءت تلك المشاريع من جهة الحدود الشمالية مع سوريا، أو من جهة الحدود مع الضفة الغربية.

وأخيراً، وبالبناء على ما سبق، وامتداداً له، فقد عملت سياسات الحكومة الأردنية الجديدة وقراراتها الأخيرة بحظر جماعة الإخوان على وضع حد لفكرة أننا حكومة داخل حكومة ودولة داخل دولة من خلال هيكل بنيوي سرعان ما أثبت أنه غير متوازن، وطامح للسلطة بما تشمله من تخطيط وتحكم وسيطرة وتغيير المجتمع من خلال القوة الناعمة، ولكن، وعلى الرغم من ذلك، فمن المبكّر الحديث عن وضع حدّ "للبنية التحتية" للجماعة، بما تشمله من أعضاء ومؤسسات وشبكة علاقات داخلية وخارجية من ناحية، وبما تتسم به تلك البنية من منهجية تتعدى "البراغماتية" لأقصى أشكال التكيّف والانحناء المؤقت أمام العواصف بانتظار فرص أخرى مواتية من ناحية ثانية، كالإعلان عن فك الارتباط بالتنظيم الدولي للإخوان أو الانفصال عن حركة حماس، ولكنني أعتقد جازما أنّ الدولة الأردنية لديها تصور واضح عن هذه البنية التحتية وهيكلها وما المطلوب من الجماعة في هذه المرحلة، ولا يمكن أن ننسى جماعة الإخوان المسلمين فكراً وممارسة، وهي الجماعة المؤسسة لفقه "الأولويات" وفقه "الموازنات" وفقه "الواقع" وغيرها من أنواع الفقه البراغماتي.

 والإجراءات القادمة ستعطينا دلالات على السياسات الأمنية دائمة التجدد من قبل الحكومة وأجهزتها، وقد يكون في مقدمتها سنّ تشريعات تمنع إنشاء أي تكتل على أسس طائفية (دينية أو مذهبية أو إثنية)، وعدم التهاون مع أي تقاطعات غير وطنية، ورفع مستويات التنسيق مع دول الاعتدال العربي إلى أعلى مستوياتها في مواجهة ظواهر التطرف والإرهاب العابر للحدود.

في مثل هذه القضايا الحساسة والتي تأخذ مساحة واسعة من النقاش العام من المهتمين والمختصين ومن عامة الشعب، يكون القانون هو الفيصل الذي ينهي الجدل ويعيد ترميم العلاقة ويصحح مسار النقاش، مثلما رخصت الجمعية 1946م، وفقاً للقانون الأردني، ثمّ حُلّت وحظرت أنشطتها في 2025م، وفقاً للقانون ذاته وبموجب أحكامه.

مقالات لنفس الكاتب