array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 214

الدولة الفلسطينية المستقبلية ستكون جزءًا من الحوار المتوسطي كوريث للسلطة الوطنية

الثلاثاء، 30 أيلول/سبتمبر 2025

لطالما شكل "حل الدولتين" هدفًا أصيلًا للدبلوماسية الدولية التي ظلت تسعى منذ ثلاثينيات القرن الماضي إلى تحقيقه بشكل أو بآخر. وقد حظي بتأييد أممي في العديد من المناسبات باعتباره أساسًا لتسوية الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي. كما أبدت الحكومة الإسرائيلية في السابق موقفًا مواتيًا من حيث المبدأ؛ حتى وإن رهنت موافقتها النهائية ببعض المحاور المتعلقة بمقترح قيام دولة فلسطينية مستقلة. وعلى رأسها ثلاثة بنود أساسية: تحديد أراضي الدولة الفلسطينية، وضع مدينة القدس والمسجد الأقصى، بالإضافة إلى المستعمرات الإسرائيلية بالضفة الغربية وعودة اللاجئين. فضلًا عن، مناقشة الهيكل المؤسس للدولة الفلسطينية وسيادتها على أراضيها بما في ذلك إنشاء قوات أمنية فعالة. ورغم أن الأوضاع الراهنة قد لا تُبشر بالخير إلا أن صياغة رؤية مستقبلية تظل أمرًا بالغ الأهمية.

يزداد الحديث مؤخرًا عن الدور المحتمل لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في دعم حل الدولتين، وهو ما أصبح يُنظر إليه كاحتمال واقعي. ويستحضر هذا النقاش زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيجدور ليبرمان إلى بروكسل، والتي أثارت تساؤلات حول إمكانية تواجد الناتو في قطاع غزة، ويعيد إلى الأذهان دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس إلى تواجد بحري للحلف على طول الساحل اللبناني من أجل مكافحة الإرهاب وتجارة السلاح في خضم الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006م. وهي الفكرة التي ساهمت في إيجاد الدافع من وراء تشكيل بعثة "اليونيفيل" تحت إشراف الأمم المتحدة والتي لا تزال محتفظة بوجودها حتى اليوم.

وخلال الفترة ذاتها، قام الأمين العام لحلف الناتو بزيارة إلى رام الله لاستكشاف آفاق تدريب قوات الأمن الفلسطينية. في حين شهدت مدينة بروكسل بعض المحادثات غير الرسمية بشأن إمكانية التدخل المباشر لحلف الناتو: باعتباره قرارًا شائكًا لا يمكن اتخاذه بشكل أحادي، بل يستلزم توافر الشروط الأساسية مُمثلة في قبول الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني معًا ومباركة مجلس الأمن الدولي بتفويض متفق عليه. ولكن من المؤسف أن الأزمات السياسية التي ظلت تعصف بالمنطقة بين الحين والآخر تسببت في استحالة وضع أي شكل من أشكال التخطيط الجاد والمُتسق.

دعونا نتذكر أن فكرة تواجد الناتو داخل المنطقة لم تكن حديثة العهد أو غير مألوفة. فقد أقام التحالف الغربي شرَاكتين بالفعل مع عدد من دول المنطقة تحت مظلة مبادرة "الحوار المتوسطي"، التي تدعم تواصله السياسي وتعاونه العملي مع 11 دولة إقليمية بما في ذلك إسرائيل، مع تنامي احتمالات انضمام كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، ذلك بالإضافة إلى مبادرة" إسطنبول للتعاون".

يُشار إلى أن رؤساء أركان دول الناتو يجتمعون مرتين سنويًا مع شركائهم للتباحث بشأن بعض القضايا العالمية محل الاهتمام المشترك والمبادرات المشتركة المحتملة. كذلك لعب حلف الناتو دورًا نشطًا في إسقاط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي عام 2011م. وينبغي التذكرة دوما بأن هذه المشاركة حظيت بقبول جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. فضلًا عن دوره الفعال في بناء جسرًا جويًا لدعم إيصال المساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور ومشاركته في العملية البحرية ضد القراصنة الصوماليين. وحاليًا، يُبقي الناتو على حضور عسكري في العراق، بموافقة تامة من قبل الحكومة العراقية. إلى جانب مقره المقام في سلطنة عمان ومركز التدريب التابع له داخل الكويت.

مما لا شك فيه أن العدوان الروسي على أوكرانيا استحوذ على اهتمام حلف الناتو وموارده من أجل المساعدة في الدفاع عن أوكرانيا. ونظرًا إلى أن الحرب لا تزال مستمرة، أصبح الاهتمام بالمنطقة العربية أقل مما كان عليه في السابق. رغم ذلك، أكدت قمة الناتو، التي عقدت في واشنطن يوليو 2024م، مجددًا على أهمية المنطقة وضرورة رسم خارطة طريق لاستعادة زخم الجهود والمبادرات الدولية.

لا يُعد حل الدولتين قضية تقنية، بقدر ما تحمل أبعاد سياسية. فربما نشهد مخاض دولة فلسطينية قادرة على الوقوف على قدميها، وإدارة شؤونها، ولديها قواتها الأمنية الذاتية. بما يمكنها من العيش في سلام جنبًا إلى جنب مع إسرائيل وجيرانها في المنطقة، وأن تصبح عضوًا في المجتمع الدولي. ورغم التدهور الحاد للأوضاع على الأرض، بحيث قد يبدو الهدف من وراء هذا المقال التحليلي غير واقعي، إلا أنه ينبغي الحفاظ على بصيص أمل بشأن إمكانية تبدل الأشياء ومطالعة مستقبل مختلف يتم التوصل خلاله لتسوية إيجابية.

من المؤكد أنه في حال أبصرت دولة فلسطينية النور يومًا ما، مثلما يحدونا الأمل، ستكون حتمًا في حاجة إلى دعم قوي من قبل المجتمع الدولي سواء على صعيد بناء المؤسسات، أو الإدارة، أو المساعدات الاقتصادية والمالية. وهنا، يتسنى للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو الاضطلاع بدور بناء دون إقصاء دور الدول العربية والأعضاء الآخرين بمنظمة الأمم المتحدة. حيث يزخر الاتحاد الأوروبي بالفعل بخبرات غنية من حيث المساعدات الإنمائية والدعم الفني بأشكال شتى وفي مجالات عدة. فيما يعد حلف الناتو داعمًا أمنيًا بالفطرة وكذلك بالنسبة للمؤسسات التابعة له. من ثم، تشكل مشاركته قيمة مضافة مؤكدة وذلك لسببين على الأقل: فمنذ أن تم تأسيسه في عام 1949م، تراكمت لدى التحالف الغربي خبرات واسعة عززت قدرات أعضائه في مجالات الدفاع، والردع، ومنع الأزمات، والإدارة، والأمن التعاوني. وعلى امتداد عقود طويلة، عمد حلف الناتو إلى تطوير شراكات مع عدد متزايد من الشركاء الدوليين الذين بلغ عددهم حتى الآن 35 دولة. ناهيك عن سجله الفريد من المشاركات داخل المنطقة، لاسيما منذ انعقاد قمة إسطنبول في عام 2004م، التي شهدت إطلاق اثنين من البرامج الطموحة -"الحوار المتوسطي"، ومبادرة" إسطنبول للتعاون"- اللتين حققتا نجاحًا وحصدتا إجماعًا سياسيًا، بفضل تأكيدهمَا على مفهوم " الملكية المشتركة". وتتميز المُبادرتان بالأداء العملي بما يشمل ما نطلق عليه " قابلية التشغيل البيني للعقول البشرية" باعتبارها مُتمما للممارسة الفعلية. وهو ما يعد موضع أهمية خاصة، نظرًا لأن التاريخ أظهر كيف كانت منطقة البحر المتوسط ساحة للتناحر بين أوروبا ومنطقة بلاد الشام وشمال إفريقيا بدلًا من توحيدهم. بالتالي، يبدو منطقيًا أن يتم صياغة نوع من التوافق في الآراء حول "الأمن" بين الدول التي لم يكن لديها حتى وقت قريب الكثير لتتَشاركه. ولعل خير مثال على ذلك، "كلية الشرق الأوسط" التي أطلقت في ديسمبر 2006م، خلال قمة ريغا، ومقرها داخل كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما. والتي لا تزال تعمل بانتظام حتى يومنا هذا تحت مسمى "دورة التعاون الإقليمي"، وتحظى بمشاركة كافة الدول المعنية أو المُهتمة بالشراكات.

جدير بالذكر أيضًا أن الوثائق التي نُشرت بواسطة حلف الناتو، في أعقاب انعقاد قمة إسطنبول في يونيو عام 2004م، تنص على أن " لفظ "دول" لا يعني إقصاء مشاركة السلطة الفلسطينية عن أنشطة التعاون المطروحة بموجب هذه المبادرات، وذلك شريطة أن تحظى هذه المشاركة بموافقة مجلس الأمن". وقد عكست هذه السطور انفتاحًا بالغ الأهمية على خيارات الأمن التعاوني في بيئة إقليمية شديدة التعقيد. بالتالي، فإذا ما اُعتبرت الدولة الفلسطينية المستقبلية وريثًا شرعيًا للسلطة الفلسطينية، ستكون في هذه الحالة مرشحة بطبيعة الحال لأن تصبح جزءًا من الحوار المتوسطي. وهو ما يكفل لها بعض المزايا السياسية الواضحة نظرًا لكون إسرائيل شريكًا في الحوار، إلى جانب كل من الأردن، ومصر، وتونس، والجزائر، وموريتانيا. بما يُسهل تعزيز الشفافية والوضوح في الشؤون الأمنية. على الجانب الآخر، يضم حلف الناتو في عضويته 32 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة، وكندا إلى جانب غالبية الدول الأوروبية.

كذلك من المتوقع أن يغدو التعاون والمبادلات حسنة النية بين الدول أكثر سهولة ويسرًا بفضل وضوح الأهداف المدرجة على أجندة التعاون العملي والحوار السياسي بين الدول والتي تتجدد سنويًا من حيث المبدأ. فمن شأن ذلك، جنبًا إلى جنب مع الاجتماعات واللقاءات التي تعقد بشكل متكرر على المستوى متعدد الأطراف، أن يُثمر في نهاية المطاف إلى تشكيل إطار مناسب يضمن لكافة الأطراف العمل بأريحية. ورغم أنه يبدو سيناريو حالمًا، إلا أن إدراكه ليس ببعيد المنال إذا تغيرت المعطيات السياسية الأساسية.

فما الذي نحن بصدد مناقشته، بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور على صعيد الثقة والتعاون؟ إن الغرض من إقامة الشراكات، كما أوضحنا سالفًا، يكمن في تدعيم الأمن والاستقرار من خلال الانخراط عبر الأطلسي. إلى جانب تقديم نصائح مخصصة لمعالجة سبل بناء المؤسسة الدفاعية، وتدعيم الميزانية الدفاعية، ومكافحة الإرهاب. وذلك أيضًا من خلال تبادل المعلومات، وتوطيد العلاقات المدنية-العسكرية، والتخطيط الدفاعي، ومكافحة الاتجار غير المشروع، والأمن الحدودي، والمساعدات الإنسانية والإغاثية في حالات الكوارث، والتخطيط للطوارئ المدنية. وهو ما يعطينا فكرة واضحة عن الدور الذي من الممكن أن يمارسه حلف الناتو، يُضاف إليه مساهمته الفعالة في دعم الاستقرار والأمن الإقليميين ليكون بمثابة تتويج للجهود الدولية المبذولة في هذا الصدد وتعزيزها بشكل متبادل. ورغم أننا نشير في حديثنا عن الناتو كمنظمة؛ لكنه يظل بإمكان الدول الأعضاء أن تقوم بمبادرات ثنائية؛ وهنا يتبادر إلى ذهن المرء الولايات المتحدة باعتبارها مزودًا أمنيًا بالفطرة.

خلاصة القول، ثمة إمكانية لبناء قدرات الدولة الفلسطينية المستقلة وتدريب عناصرها، وقد جرت الجهود في السابق من أجل استكشاف سبل تحقيق ذلك. كما أظهرت الوثائق الصادرة عقب انتهاء قمة إسطنبول أنه لم يكن هناك اعتراض على ذكر السلطة الفلسطينية ضمن المباحثات، بما يُشير إلى الانفتاح نوعًا ما على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة. مجددًا يعد " حل الدولتين" قضية سياسية بامتياز وهو ما تجلى في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عُقدت في سبتمبر، فثمة اتجاه متزايد نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية واستبعاد حماس كطرف فاعل؛ مع احتفاظ إسرائيل باليد العليا.

وهكذا، فقد حاولنا من خلال هذه السطور توضيح كيف من الممكن أن يسد حلف الناتو حالة الفراغ الأمني، ويدعم جهود المجتمع الدولي، آملين في رؤية هذا الهدف المنشود يتحقق.

مقالات لنفس الكاتب