array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 215

تاريخ السعودية حافل بالتوسط بين الدول العربية بناء على طلبها أو برغبة المملكة لتوحيد الصفوف

الأربعاء، 29 تشرين1/أكتوير 2025


يمكن ضغط العلاقات (السياسية) الدولية، في ظاهرتين (متناقضتين) رئيسيتين فقط، هما: التعاون والصراع وما بينهما. وهناك بالطبع مستويات متعددة مختلفة، للتعاون... فهو يبدأ من الاتصالات الودية، بين المسؤولين الحكـوميين، ويتصاعـد، ليصل إلى درجة التحالف و"الاتحاد"، بين الأطراف المعنية. وكذلك الصراع...يبدأ، ويتطور، ليصل إلى ما لا تحمد عقباه، ليصل إلى مستوى الأزمة، ومن ثم الحل أو الحرب. وأن علاقة أية دولة بأخرى، في أي وقت معين، تحتــوي على عناصر من الظاهرتين... التعاون (السلام) والصراع (الحرب). وقد يغلب التعاون على العلاقة، وقد يغلب الصراع. ومن النادر ألا ترتبط كل دولة من دول العالم بعلاقات مع غيرهــا، من الدول الأخرى، وخاصة في العصر الحــالي... حيث سهل الاتصال والمواصلات، بما جعل العالم الآن، عبارة عن "قرية كبيرة واحدة". وأصبح كل جزء من العالم يعتمد على الآخر... في عـصــــر "الاعتماد المتبادل".

                

   وينطبق ذلك على الدول العربية الحديثة. إذ ينشب فيما بينها، أو فيما بين بعضها، من حين لآخر خلافات، تصل إلى مرحلة الأزمة الدولية. وكثيرًا ما تصل هذه الأزمة إلى مرحلة الحرب، وتبادل إطلاق النار، بين الأطراف المعنية، إن لم تحل، إما قبل أن تتفاقم، أو بعد ذلك. وهنا، نجد المملكة العربية السعودية، أو الشقيقة الكبرى، كما يشير إليها البعض، تتدخل، عبر "الوساطة" الموافق عليها من قبل الأطراف المعنية. فمن "وسائل" حل الصراعات الدولية، الوساطة، أو المسعى الحميد، أو الدبلوماسية المؤقتة، التي تمارس عبر "المبعوثين الخاصين". و"المبعوث الخاص" هو الدبلوماسي المكلف من رئيس الدولة، أو نائبه، للقيام بمهمة تفاهم معينة، مع مسؤولين في دول أخرى. وتنتهي مهمته بانتهاء ما كلف به.

      والدبلوماسية لا تتوقف غالبًا... حتى في حالة لجوء الدولة إلى الوسائل الأخرى ... بما في ذلك الأداة العسكرية (الصراعات والحروب المسلحة). فالتواصل يرى دائما فيما بين الأطراف المعنية، وغالبًا ما لا ينقطع، حتى في حالة الوساطة، من قبل دولة أخرى، وفي أسوأ حالات العلاقات بينهم.

   ومن شروط السياسي (الدبلوماسي) الماهر هي قدرته على أن يجنب بلاده الصراع مع الغير، ويحل الخلافات فيما بين الغير سلمًا، ما أمكن. وبما أن الحرب تعتبر، في الغالب، كارثة، أو عبء ثقيل، على أطرافها، فإن السياسي الحكيم هو الذي يتفادى إيقاع بلاده في أي حرب، بدءًا من تجنيبها، عبر الدبلوماسية، الصراع، الذي قد يؤدى إلى الحرب.

     ورغم تفرد كل صراع دولي- تقريبًا- بخصائص وظروف مختلفة، إلا أن هناك "آليات" أساسية ... تستخدم في إدارة وحل معظم الصراعات الدولية، وفي إطار الاتصال والتفاوض. ومن أهم هذه الآليات كل من: الوساطة /الدبلوماسية. ولعل أهم مؤشرات الصراع هي حركات التصعيد / أو التهبيط، أي ارتفاع درجة التوتر، أو انخفاضها.

  وفي الواقع، فإن للصراع الدولي- أي صراع دولي- مدى كثافة، ودرجات. فهو يبدأ من نشوب خلاف، وربما تبادل العبارات غير الودية والاتهامات بين المسؤولين في أطرافه... ويتصاعد ليصبح نزاعًا... وقد يتصاعد أيضًا، ليصبح أزمة. ووصول الصراع الدولي لدرجة الأزمة يعني قرب وصوله إلى ذروته، الحرب. وعندها يندلع الحرب (كما يحصل أحيانًا) أو يتم التوصل إلى حل (كما يحصل غالبًا).

    ويمكن وصف الصراع الدولي قبل وصوله إلى نقطة الأزمة، بأنه صراع دولي عادي. أما عند وصوله إلى مرحلة الأزمة، فيصبح صراعًا دوليًا ساخنًا، يحتاج إلى تعامل (إدارة) عاجل وحاسم. وفي كل الأحوال، فإن الدبلوماسية (بعنصرها الرئيس المفاوضات/الوساطة) هي الوسيلة الأهم، التي تنظم وتدير العلاقات الدولية في حالتي التعاون والصراع (السلم والحرب). وفي حالة الصراع الدولي، في كل مراحله، تبرز الحاجة الماسة إلى الدبلوماسية، التي تمسي أكثر إلحاحًا وضرورة، كأبرز ما يتعامل مع الصراع الدولي، ويطفئ نيرانه ويضع حدًا للهيبه، ويحله، بشكل أو آخر.

   وتتميز الدبلوماسية (المفاوضات/الوساطة) في حالة الصراع الدولي بنفس ما تتميز به عادة من خصائص. ولكنها في حالة الصراع الدولي تظهر لها خصائص مختلفة قليلًا. إذ تعمل في أجواء متوترة، وتحت ضغوط أكبر، تتطلب قرارات عاجلة وحاسمة. ففي حالة الصراع الدولي، وخاصة الصراع المحتدم والحاد، فإن أهم ما تتميز به المفاوضات/الوساطة هو التالي:

ضرورة التفاوض القصوى، لوقف كارثة الاشتباك المسلح، الحرب.

خضوع المتفاوضين لضغوط كبيرة، لحل الصراع سلمًا، قبل فوات الأوان.

ضرورة إنهاء الصراع بتحقيق أهداف الأطراف المعنية، أو أكبر قدر ممكن منها.

محدودية الوقت المتاح لإنهاء الصراع سلمًا.

توتر أجواء المفاوضات، وارتفاع صعوبة التواصل فيما بين أطراف الصراع المعني.

                               

   وللمملكة العربية السعودية تاريخ حافل في التوسط فيما بين الدول العربية، بناء على طلبها، وعلى رغبة المملكة المعروفة بالسعي لرأب الصدع، وتوحيد الصفوف، ما أمكن، فيما بين الدول العربية الشقيقة. وكانت معظم الوساطات السعودية تحاول التوسط لتقريب وجهات النظر فيما بين الفرقاء في هذه الدول، ووقف سفك الدماء. ولعل أهم وساطات المملكة الحديثة يمكن تلخيصها فيما يلي:

الصومال: (1992م): بعد الإطاحة بحكومة زياد بري، دخلت الصومال في صراع أهلي طاحن. وقد تدخلت المملكة للمصالحة بين الفرقاء الصوماليين، والعمل على استقرار الصومال.

لبنان: (1989م): بعد حرب أهلية طاحنة، استمرت خمسة عشر عامًا، توسطت المملكة بين الفرقاء اللبنانيين، لإنهاء هذه الحرب، واعتماد "وثيقة الوفاق الوطني" (اتفاق الطائف) الذي أكد على استقلال لبنان، وسيادته. كما وضع إلغاء الطائفية هدفًا له. ولكن النظام السياسي اللبناني لم يستطع حتى الآن، نبذ الطائفية.

سوريا: (2024-2025م): تابعت المملكة بقلق ما عاناه الشعب العربي السوري، خلال العقود الخمسة الأخيرة، من ظلم وقهر، وعدوان، واستبداد، على يد النظام السوري الأسدي. وبمجرد سقوط ذلك النظام، وهروب رئيسه بشار الأسد، نشبت خلافات حادة فيما بين بعض الفرقاء السوريين. هنا تدخلت المملكة لإصلاح ذات البين. وقد تضمنت الوساطة السعودية ما يلي:

أ – إعادة العلاقات السعودية-السورية، التي كانت مجمدة.

ب – دعم الحكومة السورية الجديدة، سياسيًا واقتصاديًا، لتعزيز الاستقرار والنمو في سوريا.

جـ – دعم التعاون الاقتصادي السعودي-السوري، بما في ذلك توريد النفط والغاز.

د – مصالحة سوريا بأمريكا، ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، بوساطة سعودية، هدفها دعم سوريا دوليًا.

فلسطين: (2007م): وقع في مكة المكرمة، بتاريخ 8 فبراير 2007م، اتفاق مكة بين فتح وحماس، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يرحمه الله. حيث اتفق الطرفان على وقف المواجهات العسكرية بينهما، في قطاع غزة، وتشكيل حكومة، وحدة وطنية. وبموجب هذا الاتفاق أيضًا وافقت حماس على الاتفاقيات التي أبرمتها فتح مع إسرائيل.

اليمن: (2011م): كما هو معروف، تتوسط المملكة، بمشاركة عمانية وإماراتية، بين الحكومة اليمنية الشرعية، والمتمردين الحوثيين، حرصًا على سلامة الشعب اليمني، ووقف سفك دمائه في هذا الصراع.

السودان: (2023م- الآن): كانت مفاوضات جدة سلسلة من المحادثات التي تجري بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، إثر الصراع الدامي الذي نشب بين الجيش السوداني، وما يسمى بقوات الدعم السريع، يوم 15 أبريل 2023م، وما زال مستمرًا حتى الآن.

 

   وقد قامت المملكة، ودول عربية أخرى، بدور الوسيط... وهو الدور الذي كان يجب أن تقوم به جامعة الدول العربية، فهو من صميم وظائفها. وتلك هي إحدى نقاط القصور في أداء الجامعة. وقد يقول قائل إن هذه الوساطات السعودية لم تنجح تمامًا. والواقع، أنها، وإن لم تنجح تمامًا، فقد نجحت في تخفيف حدة الخلافات فيما بين المعنيين، ومهدت الطريق للمصالحة التامة. ويلام الأطراف المعنيون لعدم التزامهم بما كانت تفرضه هذه الوساطة من التزامات لصالح وطنهم.

مقالات لنفس الكاتب