array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

احتمالات صفقة أمريكية-إيرانية وانعكاساتها على دول المنطقة

الجمعة، 01 كانون2/يناير 2010

توحي التجربة التاريخية لسلوك الولايات المتحدة وإيران بأن تصريف علاقاتهما يرتبط بالمصلحة القومية. فقد سبق للولايات المتحدة أن غيرت بوصلتها تجاه الصين الشعبية وفيتنام. وكذلك تجاه العراق. أما إيران فقد سبق لها أيضاً أن غيرت علاقاتها الظاهرة مع العراق، ومع دول الخليج العربية، ومع الغرب كذلك.

إن العلاقات الأمريكية-الإيرانية ليست بعيدة عن ذلك؛ فلقد تميز مضمونها بوجود منحنيات متباينة، حيث ازدهرت في سبعينات القرن الماضي، حتى وصلت إلى مرحلة اعتبرت إيران شرطي الغرب في منطقة الخليج، ثم اتجهت العلاقة نحو العداء الظاهر بعد عام 1979. ومع وجود خطاب إيراني متشدد يصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر، فوجئ العالم بصفقة إيران-غيت، التي وفرت السلاح لإيران.

ثم وفي أعقاب أزمة وحرب الخليج الثانية، انتهت إيران إلى إعلان حيادها الظاهر، إلا أن ما ظهر على السطح من أعمال وسياسات (تزامن إخراج التحالف الدولي للقوات العراقية من الكويت مع تسلل بضعة آلاف من المسلحين من إيران للسيطرة على أجزاء واسعة من جنوب العراق وإشاعة عدم استقرار فيه) أكد على وجود تنسيق، ضمني أو صريح، بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العراق. كما أنه، ومع إعلان إدارة بيل كلنتون عن تطبيق سياسة الاحتواء المزدوج ضد العراق وإيران، لم يلحظ تطبيق جدي لتلك السياسة نحو إيران باستثناء أعمال محدودة متعلقة بوضع قيود لتقليص نسب الاستثمار الدولي في حقول الطاقة الإيرانية. ويكاد تطبيق تلك السياسة اقتصر على إخافة الخليجيين العرب من خطر إيراني محتمل لضمان دفعهم فاتورة حماية دولية.

ثم حصل تعاون آخر في أثناء وبعد دخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان، إلا أن ذلك لم يشكل جزءاً من استراتيجية تقارب على كل الجبهات. كما أن الدولتين لم تملكا الإرادة لتحديد إطار علاقاتهما الدبلوماسية. ثم أتى الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 ليؤكد وجود تنسيق بينهما لإدارة عراق ما بعد التغيير السياسي، ولمنع حدوث تقاطع في المصالح والأدوار بينهما. وفي خضم هذه التفاعلات بعثت القيادة الإيرانية في شهر مايو 2003 برسالة إلى الولايات المتحدة، تتضمن تصوراتها لما يمكن أن تكون عليه هذه العلاقة، وما هي على استعداد للقيام به من أجل تحسينها. وأهمها:

أ- القبول برقابة كاملة على برنامجها النووي السلمي، والتوقيع على كافة البروتوكولات التي تكفل فاعلية هذه الرقابة.

ب- الوقوف في الموقف نفسه الذي تقفه الدول العربية من السلام مع إسرائيل.

ج- قطع كل المساعدات المادية والسياسية المقدمة لحركتي (حماس والجهاد الإسلامي)، والضغط عليهما لوقف عملياتهما المسلحة، والضغط على (حزب الله) للتحول إلى حزب سياسي.

د- الاستعداد لتسليم قيادات تنظيم القاعدة، الذين لجأوا إلى إيران بعد عام 2001.

هـ- الاعتراف الأمريكي بنظام الجمهورية الإسلامية وبالقيادات الموجودة.

و- الاعتراف بمكانة إيران الإقليمية، وأدوارها القيادية، ونفوذها وهيمنتها الإقليميين، والتوازن الإقليمي الجديد.

ز- تسليم قوات (مجاهدي خلق) الموجودة في العراق.

وكان الرد الأمريكي بالرفض، مما دفع باتجاه مزيد من التصعيد في علاقتهما، وتحديداً في مجال سعي إيران الدائم لامتلاك القدرات النووية ضمن برنامج توجد مؤشرات عدة إلى أن له أبعاداً عسكرية، وتحريك اللعبة الطائفية في دول المنطقة، على نحو هدد الاستقرار الداخلي لبعضها، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز بوجه الملاحة الدولية، وتمدد إيران لدرجة تحكمها السياسي في العراق. واستمرت الحال حتى استدعى وضع العراق تدخلاً أمريكياً-إيرانياً ضمنياً في عام 2007، فالتقت الدولتان على قاعدة التهدئة، على نحو يسّر للولايات المتحدة توقيع اتفاقية سحب القوات القتالية نهاية العام 2008. ومع وصول إدارة باراك أوباما إلى سدة الحكم، تبادلتا بين شهري مارس وأغسطس 2009 رسائل لإيجاد مخارج للأزمة بكل قضاياها: البرنامج النووي الإيراني، والتوازن الإقليمي، واستمرار النظام السياسي الإيراني، ووضع العراق الإقليمي، وحماية مصالح الغرب في الإقليم. إلا أنه لم يجر الاتفاق على إيجاد مخارج بسبب تباين مواقف الدولتين منها، ولم يتم تفاهم على البرنامج النووي الإيراني إلا في شهر أكتوبر 2009، عندما تصاعدت لهجة الولايات المتحدة بأن الوقت قد بدأ ينفد لإنهاء هذه الأزمة. ورغم ما جرى التوصل إليه من اتفاق (تصدير إيران مخزونها من الوقود النووي منخفض التخصيب 3.8 في المائة إلى روسيا ثم فرنسا لمعالجته ثم إعادته لإيران)، إلا أن الاتفاق لم ينفذ.

الولايات المتحدة لا تستطيع فتح جبهة أخرى في حين لا يزال موقفها الإقليمي محرجاً

أولاً- الصفقة.. احتمال ممكن

لقد كانت علاقة الدولتين تحمل تقاطعاً ضمن القضايا السابقة. والواقع، أن العلاقات هي مزيج من فرص وكوابح، ويصعب الحديث عن علاقات صراع أو تعاون مطلق في كل المجالات. ويتوقف المستقبل على الإرادة السياسية للتحكم في المسار السياسي للعلاقة أو ضبط إيقاعه. وهناك متغيرات عدة قادرة على الدفع بها نحو التطور الإيجابي، كما أنها مملوءة بالمتغيرات السالبة ومن السهل استثمارها؛ إذا ما امتلكت الدولتان أو إحداهما الإرادة السياسية لذلك. وإجمالاً، فإن احتمالات المستقبل باتت لا تتعدى احتمالين عريضين.                                        

1- اللجوء إلى خيار استخدام القوة العسكرية. لكن، الذي يؤخر هذا الخيار أن تكلفة القيام بأي عمل عسكري ضد إيران لا تزال غير مقدرة. وهنا، يلحظ، أن الولايات المتحدة لا تستطيع فتح جبهة أخرى، في حين ما زال موقفها الإقليمي محرجاً، يقتضي معه التراجع وإعادة تقييم وليس التوسع والانتشار. أما على الجانب الإيراني، فيلحظ أن هدف إيران هو تأكيد مكانتها كقوة إقليمية عظمى، وقد استطاعت أن تفرض نفسها على الولايات المتحدة، بسبب تخبط الأخيرة في سياساتها. وربما تجد الإدارة الأمريكية في خفض معدلات التوتر في العلاقة مع إيران عاملاً مهماً يسمح بفتح أبواب لتسوية قضايا أكثر خطورة، وأهمها الصراع العربي-الإسرائيلي بكل ما فيه من تعقيدات وتأثيرات إيرانية.

2- التعاون، وله فسحة بين التعاون الواسع وتعاون محدود. ففي ظل اتفاق بين القوى الكبرى على ضمان أمن النظام الحاكم في إيران من التغيير، من المحتمل أن توافق إيران على تسوية أزمة ملفها النووي. وكتعويض، تقوم القوى الكبرى بتزويد إيران بالتكنولوجيا النووية للأغراض المدنية على أسس تجارية.

فهل يمكن أن تظهر صفقة في هذه العلاقة؟ إذا قلنا إن الصفقة واردة، فإن ما يدعم هذا القول هو الآتي:

أ- الدولة الإيرانية تقوم على مرتكزين: الفارسية، والتشيع الاثني عشري، ويمكن الضغط على مدركات وسلوكيات القيادة السياسية في إيران عبر الضغط على التكوين القومي والطائفي. وقيادات إيران تدرك ذلك، فمناطق الباشتون والأحواز وكردستان مناطق أضيفت إلى جسم الدولة الإيرانية في أوقات تاريخية متباينة، وفيها هشاشة في وضعها السياسي؛ وهي في تماس مع تكوينات مشابهة لها خارج حدود إيران السياسية.

ب- يمكن الضغط على إيران عبر العزل الإقليمي، فلا تزال إيران تجد لها منافذ للتعامل الواسع مع كل من العراق، والإمارات وعُمان ودول وسط آسيا وباكستان. ومنع هذا التعامل والتبادل، وأيضاً منع إيران من الاشتراك في إدارة الشؤون الإقليمية سيمثل عنصر ضغط تجاهها.

ج- إن مواقف الصين وروسيا يمكن إعادة هيكلتها تجاه إيران من الدعم الواسع إلى دعم معنوي، في حالة تلبية احتياجات أساسية لكلتا القوتين. وقد نجحت الولايات المتحدة بمفاوضة روسيا بشأن مشروع الدرع الصاروخية، في تليين موقفها نحو إيران، والأمر نفسه ممكن مع الصين إذا ما عرضت جوانب مساومة فعالة: الدعم الأمريكي لتايوان، ملف كوريا الشمالية وتوسيع التجارة.

وفي كل الأحوال، فإن موقف إيران من عقد صفقة مع الولايات المتحدة لإعادة ترتيب العلاقة الثنائية أمر وارد، نظرياً خلال المستقبل القريب والمتوسط. وما يدعم هذا التوجه أن الأخيرة في ظل الإدارة الحالية تهتم بتقليص نسبة إنفاق الموارد على أزمات خارجية ترهق قدرة الولايات المتحدة على المنافسة العالمية. ومع ذلك تبقى عقدة في إتمام أي صفقة بين الدولتين هي تلك المتعلقة بالمتشددين داخل النظام السياسي في إيران، فلا يمكن تصور أن يقبلوا بتسوية تؤدي إلى إنهاء أدوارهم السياسية.

ثانياً- المضامين الافتراضية لصفقة محتملة

وإذا ما أتينا إلى مضامين أي صفقة مفترضة بين الدولتين، فسنجدها تتسع لتشمل مجالات مختلفة، هي:

1- إيرانياً

أ-القدرات العسكرية والعلمية: امتلكت إيران قدرات بدائية لتصنيع صواريخ متوسطة المدى، وتخصيب اليورانيوم إلى حدود صناعية دنيا. ومضمون الصفقة الممكنة هنا هو السماح لإيران بامتلاك قدرات عسكرية تقليدية متطورة، وتدخل الغرب في بناء قدرات نووية سلمية مضمونة.

ب- الوضع الداخلي: تتشكل إيران من تكوينات قومية ومذهبية متنوعة، وهناك مؤشرات إلى وجود أنشطة سياسية لقوميات وطوائف إيرانية، بدعم تدعي إيران أنه من الغرب ودول إقليمية، ومضامين صفقة ممكنة هي عدم تدخل الغرب بالتركيبة القومية والطائفية لإيران.

ج- النظام السياسي: فالنظام بتياراته المختلفة لا يزال ضمن عنوان عريض هو الجمهورية الإسلامية لا يتقبل الرؤى العلمانية، وإن كان يقبل بالاتجاه الليبرالي. ومضمون الصفقة الممكنة: قبول الولايات المتحدة التعامل السياسي مع ذاك النظام.

د- الإرهاب: خلال المدة بين (2005-2009) تكشفت معلومات عن أن إيران تدعم أغلب التنظيمات المسلحة (التي يصفها الغرب بالإرهابية) والتي تتوخى استخدام القوة والعنف ضد مصالح الغرب والعرب في المنطقة. وحتى تنظيم القاعدة، فالمعطيات على الأرض تبين أن هذا التنظيم صارت له قيادتان ونوعان من الاتجاهات، الأول بقي محافظاً على خط التأسيس. والثاني صارت ميوله واتجاهاته إيرانية. ويعزى التجاوز على الخلاف الإيديولوجي إلى حاجة كلا الطرفين لبعضهما بعضاً في وجه (عدو) مشترك، متمثل في الولايات المتحدة والأنظمة العربية القائمة. بل إن ما هو موجود من معلومات يفيد بأن إيران استثمرت ملايين الدولارات في بناء شبكات من الخلايا النائمة، وزرعها في دول غربية وعربية عدة، تحت عناوين مختلفة. بل، إنها استثمرت حركات سياسية بأكملها، واستخدمتها لتحقيق بعض من أهدافها لإنهاك أو إرباك منافسيها (أعدائها) الإقليميين. ومضمون الصفقة الممكنة هنا: أن تنهي إيران صلة الربط بالإرهاب، وبتلك الخلايا في أقل تقدير أو تعمل على سحبها إلى الفضاء السياسي الإيراني، أو إلى مناطق لا تثير حرجاً للغرب في مراحل لاحقة.

مواقف الصين وروسيا يمكن إعادة هيكلتها تجاه إيران من الدعم الواسع إلى دعم معنوي

2-إقليمياً

أ-العراق: إن قولنا بوجود إيراني في العراق مرتكز على مؤشرين: الأول، أن أعمال العنف كانت تتصاعد كلما توترت العلاقة الأمريكية-الإيرانية، وزار مسؤول أمريكي المنطقة لمناقشة قضية إيران. والثاني، أن الولايات المتحدة وإيران تحاورتا بشأن وضع العراق ثلاث مرات عام 2007. ومضمون الصفقة المتوقعة: الاعتراف بوضع إيران الاجتماعي والاقتصادي في العراق، مع السعي لتحييد النشاط السياسي عنها وجعل هذا النشاط بيد الولايات المتحدة. وربما تنتهي المساومة إلى جعل إقليم الجنوب المفترض ميداناً رحباً لنشاط إيران المذهبي والاقتصادي والسياسي.

ب- الخليج العربي: حيث تحد إيران ساحل الخليج الشرقي وتسيطر على مضيق هرمز، الأمر الذي يجعل حركة التجارة والنقل في هذه البحيرة تحت تأثير إيران الدائم، بل تعمد إيران إلى مدّ تأثيرها نحو الساحل الغربي للخليج حيث ادعاءاتها المستمرة بالبحرين، واحتلالها للجزر الإماراتية، وسعيها لتأليب القضية المذهبية وتحويلها إلى قضية طائفية لرفع معدلات الفوضى خليجياً، ليتسنى لها التدخل اليسير. واحتمالات الصفقة هنا هي:

* تدخل الولايات المتحدة لصالح إعطاء البعد الطائفي أهمية، وربما تقسيم بعض الدول على أسس مذهبية رغبة في إضعاف الكيانات السياسية الخليجية لكي تستمر في طلب الحماية الأمريكية.

* أو ربما تنتهي لإعطاء إيران أدواراً إقليمية بارزة في حفظ الأمن الخليجي، بالاتفاق مع مجموعة دول مجلس التعاون أو دونه. أو ربما بتشكيل منتدى حوار خليجي موسع (الدول المتشاطئة والولايات المتحدة).

* أو ربما تنتهي الولايات المتحدة لإجبار إيران على الاعتراف بأن دول الجزيرة العربية منطقة نفوذ أمريكية صرفة.

3- أمريكياً

أ- أفغانستان: لا تشكل بالنسبة لإيران عنصراً مغرياً، إنما هي عنصر مساومة. فأغلب الحركات الأفغانية لا يوجد توافق إيديولوجي بينها وبين إيران، والتوافق الحاصل هو التقاء مصالح، فتلك الحركات ليس لها مجال مناورة واسع، بينما تجد إيران في تلك الحركات مجالاً لاستنزاف القوى الغربية ودفعها لتقديم تنازلات في قضايا حيوية أخرى. وبالتالي فإن أفغانستان ستعد نتيجة لتسويات وصفقات أخرى محتملة.

ب- العلاقة مع الغرب: مضمون هذه العلاقة هو ما تملكه إيران من ثروة نفطية وغاز طبيعي مقدر باحتياطي بلغت نسبته من الاحتياطي العالمي 11.68 في المائة، و15.85 في المائة على التوالي. فضلاً عن سوق اقتصادي نام، وتوجهات ليبرالية آخذة بالنمو لدى الأجيال الشابة. ومضمون الصفقة أن إيران يمكن أن تعود إلى حظيرة الغرب، بدلاً من الارتباط الحالي بروسيا والصين، إذا ما جرت تسوية مقبولة للقضايا السابقة.

منع إيران من الاشتراك في إدارة الشؤون الإقليمية سيمثل عنصر ضغط تجاهها

إن وضع تصور كلي للعلاقة الأمريكية-الإيرانية سواء نحو الاستمرارية أو التدهور أو التحسن عما هو قائم مرتبط بشكل ومضمون المساومات تجاه القضايا في أعلاه. والمجالات الجانبية في المساومة والتي ستعتبر أوراقاً يمكن إنجازها بشكل أسهل من غيرها هي: وضع إيران الداخلي، استمرارية النظام السياسي الإسلامي، دعم إيران للإرهاب، أفغانستان، العلاقة مع الغرب. والمجالات موضع الخلاف، التي سيتطلب حسمها من الدولتين بعض الجهد، هي: قدرات إيران العسكرية، النفوذ في العراق، وضع إيران في منطقة الخليج. وعلى ضوء المساومة بين الدولتين بشأنها سيقرر اتجاه العلاقة. ونوع الاتفاق سيخضع لحسابات السياسة أكثر منه لأي حسابات أخرى.

وإذا كان لإيران أن تضحي بنفوذها في العراق جزئياً، فإنه ليس من المتوقع أن تضحي بادعاءاتها بممارسة أدوار الزعامة في الخليج، وقد تصل تلك المساومات لواحدة من الآتي:

المشهد الأول: تنمية قدرات إيران العسكرية، مقابل أن تؤدي أدواراً تابعة (وكيل) لصالح الغرب؛ حيث سيكون على إيران أن تؤدي دور القائد الإقليمي. وهذا يتطلب منها تغييراً في اتجاهات سياساتها الخارجية والانفتاح أمام المصالح الغربية. وفي ضوئه ستنتهي العلاقة الأمريكية-الإيرانية لتطور واسع. وما يتيح تحقق هذا المشهد الحاجة المتبادلة بين الطرفين لمعالجة ملفات المنطقة. كما أن إيران تملك مخزوناً ضخماً من موارد الطاقة الذي تحتاجه الولايات المتحدة. وأيضاً حصول إيران على الطاقة النووية لن يكون مشكلة كبيرة للولايات المتحدة حتى لو استخدمت هذه الطاقة للتصنيع العسكري. إذ من المعروف أن السلاح النووي ليس للاستخدام بل للردع فقط، ويمكن بالتالي التعايش الأمريكي مع الأمر (كما جرى مع باكستان) إذا ما لعبت إيران الدور المطلوب أمريكياً منها في أزمات المنطقة. وأخيراً، لدى إيران أوراق يمكن للولايات المتحدة الاستفادة منها: منظومة علاقات جيدة مع تركيا وباكستان والعراق وسوريا.

المشهد الثاني: بقاء قدرات إيران العسكرية التقليدية، مقابل تعهدها عدم تطوير قدرات غير تقليدية، وأن تؤدي أدواراً تشاركية في منطقة الخليج (مثلاً، حوار أمني خليجي موسع يضم أيضاً الولايات المتحدة). وهنا ستتطور علاقة الدولتين بمستوى أقل من سابقه.

المشهد الثالث: نمو قدرات إيران العسكرية التقليدية، وعدم إعطائها أدواراً سياسية في منطقة الخليج، بل عزلها إقليمياً، مع السماح لدول الإقليم بأن تمارس الدور التحريضي ذاته (الطائفي) الذي لعبته إيران خلال المدة (2003-2009)، حيث التحريض للقوميات والمذاهب الموجودة بالاستقلال عن جسم الدولة الإيرانية التي تقوم على تعصب فارسي-اثنا عشري. وفي هذا المشهد لن تتطور العلاقة بين الدولتين، إنما ستبقى في إطار اللا حرب واللا سلام.

المشهد الرابع: وقد تنتكس العلاقة الأمريكية-الإيرانية في ظل اتجاه أمريكي محتمل نحو خفض مستوى النمو في القدرات العسكرية والعلمية الإيرانية، وإن تحقق ذلك عبر عمل عسكري. وهنا لن يكون هناك مجال للحوار بشأن نفوذ إيراني في الخليج، حيث ستكون إيران بحدودها الراهنة هي مجال الفعل السياسي الأمريكي بكل أوجهه وبضمنه العمل العسكري.

ثالثاً- انعكاسات الصفقة المفترضة

لن نناقش المشهد الرابع، فليس موضعه هنا، إنما الذي يهمنا هو الكيفية التي ستكون بها الصفقة، وكيف ستنعكس على المنطقة؟ وهو ما يحويها مضمون المشاهد الثلاثة الأولى في أعلاه؛ ولا ننسى أن إسرائيل تدفع باتجاه أحد المشاهد (الرابع أو الثالث أو الثاني).

1- خليجياً، ويمكن أن نلاحظ الآتي:

أ- علاقة دول الخليج العربية ببعضها بعضاً: إن أخطر أشكال الصفقات على هذه الدول هي تلك الواردة في المشهد الأول، لأنه سيكون على حسابها. وهنا سيكون عليها أن تضحي بعلاقاتها البينية مرضاة لإيران، وألا تقيم أي علاقة بينية إلا بموافقة إيران أو عدم معارضتها. وخلافه، أن بقية المشاهد ستنطوي على مرونة واسعة لدول الخليج العربية في علاقاتها مع بعضها بعضاً.

ب- العلاقة مع إيران: من الصفقات المتوقعة من المشهد الأول سيكون على دول الخليج العربية الإذعان لقرار إيران السياسي كلياً، ففسحة بقائها تصير أمراً سياسياً. أما خلاف هذا المشهد، أن مرونة هذه الدول تتسع في علاقاتها مع إيران من أدوار تشاركية إلى القيام بأدوار الأدوات التابعة لصالح الولايات المتحدة.

ج- العلاقة مع بقية الدول العربية: في حالة المشهد الأول، سيكون وضع هذه العلاقات غير يسير، فإرادة الولايات المتحدة والغرب اللذين يسيطران على أغلب دول العالم العربي تنتهي إلى إعطاء منطقة الخليج لإيران. وهنا ستكون الدول العربية الأخرى محطة غير نافعة لدول الخليج. أما في المشاهد الأخرى، فإن الدول العربية ستجد لها متسعاً لوزن مضاف إلى قوة الدول الخليجية العربية.

د- العلاقة مع الغرب: في حالة المشهد الأول فإن دول الخليج العربية ستكون دولاًً منتجة للمواد الأولية فحسب، وسوقاً مستهلكاً للمنتجات الغربية. وستكون إيران الوسيط الضامن لحدوث ضبط خليجي دائم. وخلافه، ستكون دول الخليج العربية متغيراً في حسابات الغرب، ومجالاً يدافع الغرب به ومن خلاله عن مصالحه.

2-عراقياً، ويمكن أن نلاحظ الآتي:

أ- علاقة العراق مع إيران: إن العراق يمكنه أداء دورين: (الدور المحتمل الأول) في المستقبل القريب، سيبقى مجالاً لنفوذ إيران. وفي المستقبل المتوسط، قد يبقى كلياً أو جزئياً مجالاً لذلك النفوذ، أو قد (الدور المحتمل الثاني) تستثمر الولايات المتحدة التدخل الإيراني في الشأن العراقي كورقة ضغط للضد من إيران، عبر إثارتها قضية التدخل ذاتها في إطار المجتمع الدولي. وهنا، إذا ما تحقق الدور الأول، سواء في ظرف تحسن العلاقة الأمريكية-الإيرانية أو استمرارها، في ظل رغبة أمريكية بخفض الإجهاد على الموارد، ستبقى علاقة العراق بإيران علاقة تابع ليست للعراق مقومات الوجود السياسي المستقل. أما إذا تحقق الدور الثاني، وهذا لن يتحقق إلا في ظرف المشهد الثالث في العلاقة الأمريكية-الإيرانية، فإن الأمر المتصور أن تسوء العلاقة بين العراق وإيران. وفي كل أحوال الصفقات المحتملة أو الممكنة، فإن تبعاتها على إجمالي وضع العراق ستكون سلبية.

ب- العلاقة مع دول الخليج العربية: إذا ما استقرت الولايات المتحدة على وضع العراق أو جزء منه تحت النفوذ الإيراني فإن حدوث أحد المشاهد الثلاثة السابقة سيجعل من العراق عنصر ضغط دائم على خيارات دول الخليج. أما إذا استقرت الولايات المتحدة على إنهاء النفوذ الإيراني في العراق، فإن احتمالات الصفقة في المشهدين الثاني والثالث لن تؤثر في العلاقة العراقية-الخليجية.

ج- العلاقة مع الدول العربية: إذا ما استمرت الولايات المتحدة في وضع العراق تحت النفوذ الإيراني، فستنظر الدول العربية للعراق من منظار أنه دولة غير صديقة في أقل تقدير يتوجب عزل خطرها. أما إذا اتخذت الولايات المتحدة قراراً بتقليص النفوذ الإيراني فيه، فإن حدوث أحد المشهدين (الثاني أو الثالث) سيكون مدعاة لتطور العلاقة العراقية-العربية.

د- العلاقة مع الغرب: إن احتمالات صفقة تعطي العراق أو جزءاً منه لإيران لن تنعكس سلباً على الغرب، لأن الأخير ينظر بحسابات التكلفة والعائد، وبالتالي الصفقة ستكون دوافعها: إما تقليل الضغط على الوجود السياسي والعسكري الأمريكي، وجعل حماية ذلك الوجود ضمن اتفاقيات وتحت مسؤولية إيرانية، أو قد يأخذ جانباً تبادلياً؛ اقتصاد العراق سيكون للولايات المتحدة، ووضع العراق السياسي والاجتماعي والطائفي سيكون من مسؤولية إيران.

المتشددون في إيران لن يقبلوا بأية تسوية قد تؤدي إلى إلى إنهاء أدوارهم السياسية 

3- عربياً، ويمكن أن نلاحظ الآتي:

أ- العلاقة مع إيران: في حالة حدوث المشهد الأول، أو في حالة حدوث المشهد الثاني مع التسليم بوضع العراق في دائرة النفوذ الإيراني، فإنه سيكون على العرب التسليم بقوة إيران الإقليمية أو تغيير علاقاتهم الاستراتيجية من الغرب نحو الصين وروسيا، وبالتالي اعتبار إيران هي العدو. وخلافه سيكون وضع العرب في أي علاقة مع إيران في وضع أفضل استراتيجياً.

ب- العلاقة مع العراق ودول الخليج العربية: تعتبر علاقة العرب بالعراق من ضمن الحلقات الصعب إحياؤها ما لم تعمد الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار بإنهاء الوجود الإيراني فيه. وأي صفقة أمريكية-إيرانية سيكون وضع العراق فيها على حساب علاقاته العربية. أما علاقات العرب بالخليجيين، فإنها ستنتفي جدواها في حالة حدوث المشهد الأول. وخلافه سيكون من مصلحة العرب دعم دول الخليج العربية لكي يعظموا مزاياهم الاستراتيجية على حساب إيران.

ج- العلاقة مع الغرب: في حالة حدوث المشهد الأول، فإن على الدول العربية إما التسليم لخيارات الغرب أو أن تعيد حساباتها الاستراتيجية واتجاهاتها السياسية نحو الشرق (الصين، الهند، روسيا) طلباً للدعم. أما في حالة المشهد الثاني، فإن على العرب السعي لزيادة أوراقهم في العلاقة مع الغرب وبضمنها الاتجاه نحو الشرق، لكي لا يكون الانفتاح الأمريكي-الإيراني على حسابهم. وفي غيرهما من المشاهد في العلاقة الأمريكية-الإيرانية سيكون على العرب إما قبول دور الوكيل وأحياناً الإذعان للولايات المتحدة، أو أداء أدوار تراعي مصالحهم تجاه إفراط إيران في التعبير عن إمكاناتها.

أعمال العنف في العراق كانت تتصاعد كلما توترت العلاقات الأمريكية-الإيرانية 

رابعاً- توصيات

1- العلاقات الدولية لعبة تقوم على فكرة المصلحة، والمرونة في التعامل مع المبادئ. فلا نجعل العلاقة مع الولايات المتحدة مبدأ بحد ذاته يتطلب الدفاع عنه، ولا نجعل أيضاً العلاقة مع إيران كذلك مبدأ، إنما أن يُسأل ما الذي سنجنيه من العلاقة؟

2- في العصر الراهن، تداخلت المبادئ والشعارات على غير المختصين وأهل الرأي، وإيران تدعي بالإسلام كنظام حكم، وهي تعمل وفق برنامج يقوم على وجود مشروع يعتمد على مبدأين: الفارسية والطائفية، ووضع العراق شاهد على ذلك، ووضع اليمن وغزة وعدم استقرار لبنان شواهد أيضاً. وما انفك الإيرانيون يصرحون بأن العراق هو بداية، وأن جزيرة العرب هي هدفهم، فلا نحكم على الدول من الشعارات، بل من السياسات المنفذة.

3- لن يحمي العرب (خليجيين وغير خليجيين)، من جوارهم ومن الولايات المتحدة والغرب سوى تفعيل الاتجاهات الداعية للتماسك في الفعل العربي الجمعي، وأن تكون هناك خطوط حمر تستدعي القتال في سبيلها، مثل منع المساس الإيراني بالوحدة الوطنية للدول العربية، أو التحريض على ممارسة العنف ضد بلد عربي.

4- على الخليجيين العرب البحث عن بدائل خارج دائرة الارتهان الكامل لإرادة الولايات المتحدة. فالأخيرة دولة يهمها مصالحها فقط، وقد تنتهي في لحظة وصول القناعات الإيرانية بقبول الحلول الوسط إلى عقد صفقة. ومحاذير الصفقة البارزة ستكون على حساب العرب أجمعين بدرجات متباينة. وهنا على الخليجيين العرب ألا ينسوا الصين وروسيا، وألا ينسوا أيضاً الهند وباكستان وتركيا، فهي دول تمتلك عناصر ضاغطة على إيران.

5- إذا ما حدثت صفقة، وينتظر الغرب والولايات المتحدة حدوث ظرف ملائم لتنفيذها، فعلى الخليجيين العرب إعلان موقفهم الصريح أن منطقة الخليج منطقة أمن قومي عربي مغلقة، بل إن الخليج بحيرة عربية مغلقة، ليكون خط الدفاع بتماس حدود إيران وليس في أرض عربية، وأن توافق دول الخليج العربية على استبدال القوات الغربية بقوات روسية و/أو صينية داعمة، أو نشر وجود عربي (مصري، سوري، مغربي، جزائري..) في أرض ومياه الخليج.

6- في حال وجود صفقة، تطلب الدول الخليجية العربية أن يجري تقليص مستويات التعامل العربي العام مع القوى الغربية، وقبلها أن تعمل هذه الدول مع الدول العربية المجاورة على إنهاء تام لأي وجود إيراني بحري وبري، رسمي وشعبي.

مقالات لنفس الكاتب