array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 106

العرب والصين: مشاركة في صنع مستقبل العالم

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

جاء خطاب الرئيس الصيني شي جين بينج في جامعة الدول العربية في 21 يناير 2016م، ضمن جولته في منطقة الشرق الأوسط والتي شملت مصر والسعودية وإيران، ليكشف عن العمق الاستراتيجي لنظرة الصين إلى علاقاتها بالدول العربية، وإلى تطلعها لبناء شراكة شاملة، ومتعددة الأبعاد والجوانب، وطويلة الأجل بين الطرفين لبناء نظام عالمي جديد، وهو نفس المعاني التي عبّر عنها الرئيس الصيني في مقال طويل له بهذه المناسبة.

ففي هذا الخطاب، أكد الرئيس الصيني على المبادئ الأساسية الحاكمة للسياسة الخارجية لبلاده، والتي تتمثل في مجموعة من الأفكار هي: انتهاج الحوار والتفاوض سبيلاً لحل الخلافات بين الدول، والعمل من أجل تحقيق التنمية، واحترام الخصوصيات الوطنية لكل شعب، والانفتاح على الغير القائم على المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة، والمشاركة المستمرة والحثيثة في الحوكمة العالمية.

أولاً: ماذا تقدم الصين للعالم؟

إذا تجاوزنا حديث الانبهار الإعلامي بالمعجزة الصينية، وقدرة الصين على تحديث اقتصادها وتجديده في عدة عقود بحيث أصبحت أكبر دولة مشاركة في التجارة الدولية وثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة، هذا مع تنامي مستمر في قدراتها العسكرية بالذات في المجال السيبراني Cyber power.

لذلك، فإن ما يحدث في الاقتصاد الصيني يطرح تأثيراته على الاقتصاد العالمي ككل، وعندما تباطأ نمو هذا الاقتصاد من 7.5% في 2013م، إلى 7.3% في 2014م، إلى 6.8% في 2015م، تأثر الاقتصاد العالمي بالسلب وخصوصاً بعد أزمة بورصة شنغهاي وخفض قيمة اليوان الصيني. فما هي الدروس التي تقدمها الصين لكل دول العالم، وخصوصًا تلك الساعية إلى النمو.

الدرس الأول هو احترام الثقافة الوطنية والتاريخ الحضاري لكل شعب ومجتمع. لم تأخذ الصين من تاريخ انتصار ثورتها في الأول من أكتوبر 1949م، موقفًا فكريًا أو سياسيًا " تابعًا " لأحد، وإنما حرصت على تطوير نموذجها التنموي والسياسي من واقعها وظروفها. وأدى ذلك إلى خلاف عميق مع الاتحاد السوفيتي في مطلع الستينيات، وفي خلاف آخر مماثل مع الولايات المتحدة والدول الغربية، فلم تقبل النموذج الرأسمالي – الليبرالي باعتباره نمطًا عالميًا بدعوى أنه قابل للتطبيق في كل مكان، وخاضت غمار عمليتي التحديث والتصنيع في إطار نابع من ظروفها وهو ما أسمته "نظام السوق الاشتراكي".

لقد أسس الصينيون فكرهم التنموي استنادًا إلى الثقافة والتقاليد الصينية القديمة، وبالذات أفكار كونفوشيوس. ولم ينخرط المسؤولون والمفكرون الصينيون في الجدل السقيم حول العلاقة بين التقليدية والحداثة أو بين الأصالة والمعاصرة، فمن وجهة نظرهم أن الحداثة الجادة تنهض على إعادة تفسير التقاليد، وأن المعاصرة الصادقة تجد جذورها في ثقافة الشعب وأخلاقه. ويرصد الباحثون في الفكر الصيني عملية إحياء راهنة للقيم الكونفوشيوسية، وعودة الاهتمام بأفكار ماوتسي تونج مؤسس الصين الحديثة. ولا يعني هذا الاهتمام الرجوع إلى عصر الإيديولوجية أو الأنساق الفكرية المغلقة، بل تعني تجاوز المفاهيم "الاقتصادوية" عن التنمية، فالتنمية تتجاوز الأرقام عن ارتفاع متوسط دخل الفرد أو ازدياد حجم الناتج الإجمالي المحلي، وذلك لأنها تتضمن أبعادًا أخلاقية ومعنوية وروحية.

 وارتفع صوت مندوبي الصين في المؤتمرات العالمية التي نظمتها الأمم المتحدة في التسعينيات رافضًا فرض نموذج واحد أو تعريف أحادي للتنمية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان بدعوى العولمة وصلاحية هذا النموذج أو التعريف لكل البلدان، وأثبتت الخبرة الواقعية أن الأسلوب الذي تبنته الصين كان أكثر نجاحًا وتنافسية.

ويعبر الرئيس الصيني عن هذا المعنى ببلاغة وبساطة منقطعتي النظير عندما يقول إنه "لا يوجد دواء يشفي كل الأمراض، ولا يوجد نموذج للتنمية يناسب كل المجتمعات والثقافات، ولا يوجد أحد يعرف الحل المناسب أكثر من شعب كل بلد".

والدرس الثاني هو "رفض الهيمنة"، فالخطاب السياسي الصيني يؤكد على استقلالية القرار الوطني لكل دولة، وعلى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، وحق كل شعب في اختيار شكل نظام حكمه. يقول الصينيون أيضًا بأن النظام الدولي يتسم بعدم العدالة، وأنه يسمح للدول الكبرى بفرص ممارسة الهيمنة على الدول الصغيرة، وأنه لابد من إعادة النظر في أوضاع النظام الدولي بحيث يكون أكثر عدالة وأكثر مساواة بين الدول.

لذلك، رفضت الصين تدخل الولايات المتحدة والدول الغربية في شؤونها الداخلية وفي شؤون الدول الأخرى بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان وسياسات نشر الديمقراطية. ومع تأكيد الصين والتزامها بتغيير العلاقات السائدة في النظام الدولي، فقد حرصت على تحاشي أسلوب العداء والمواجهة، وسعت لأن يكون ذلك من خلال التعاون مع الأطراف الأخرى – بما فيها الولايات المتحدة – لتحقيق الأمن الدولي وبناء التحالفات وإقامة الشراكات والتوازنات. وبالتوازي مع هذا الأسلوب، سعت أيضاً إلى إنشاء منظمات دولية بديلة كما حدث في إقامة مجموعة دول البريكس التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وإنشاء البنك الآسيوي للتنمية ودعم البنية التحتية، والذي شاركت فيه سبع دول عربية كأعضاء مؤسسين.

وفي هذا السياق، يتحفظ الصينيون على استخدام تعبير "الربيع العربي" للإشارة إلى الانتفاضات الشعبية التي شهدتها بعض دول المنطقة العربية من نهاية 2010م، وأفصحت مناقشاتهم في اجتماعات منتدى التعاون الصيني العربي عن اعتبارهم هذا المفهوم تعبيرًا سياسيًا مفعمًا بالإيحاءات، وأنه أدى في الممارسة إلى عدم استقرار الدول والمجتمعات العربية، وإلى ازدياد انكشافها أمام مختلف صور الاختراق الخارجي، وأن أنصار هذا التعبير الغربي النشأة سعوا لفرض نموذج غربي على البلاد العربية، وهو ما لا توافق عليه الصين من حيث المبدأ. أما النموذج الذي تؤيده، فهو الدولة القوية التي تقوم بدور مهم في تحقيق التنمية ورفع مستوى معيشة مواطنيها، وأن ينبثق تطورها من داخلها. وبنفس المنطق، تعارض الصين أفكار تنظيمات الإسلام السياسي.

والدرس الثالث، هو شجاعة مواجهة الأخطاء والحديث عنها علانية في مؤتمرات الحزب الشيوعي الحاكم وفي تصريحات كبار المسؤولين. فهؤلاء الناس يأخذون أنفسهم بالجدية ولا يخجلون من الاعتراف بالخطأ، أو أن السياسة التي اتبعوها نتج عنها آثار سلبية، ولا يبحثون عن مبررات أو عن "كبش فداء" يختفون وراءه. وهم يتحدثون صراحة عن أن التقدم الاقتصادي الذي أحرزته الصين أدى إلى بروز تفاوتات اقتصادية بين المناطق الجغرافية وبين الفئات الاجتماعية، وإلى شيوع ممارسات فساد إداري ومالي، ويتحدثون بصراحة عن ضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد، وتبني أنماط تكنولوجية جديدة أكثر تقدماً، ويحذرون من تراجع تنافسية السلع الصينية إذا لم يحدث ذلك.

ويرفض الصينيون اعتبار بلادهم "قوة كبرى"، ويتحدثون بكل تواضع عن التحديات التي مازالت تواجه بلادهم، وعن عدد السكان الضخم الذي يتحملون مسؤولية الوفاء باحتياجاته الأساسية ورفع مستوى معيشته.. ويشعر الإنسان بالخجل عندما يقارن هذا التواضع بالتصريحات العربية عن المنجزات والانتصارات.

وفي هذا السياق، ازداد اهتمام الصين بالقضايا السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، فشاركت في عملية تدمير السلاح الكيماوي السوري، ورافقت إحدى سفنها الحربية ما تم تجميعه وراقبت تدميره في أعالي البحر، وكان لها مبادراتها الدبلوماسية بشأن عدد من القضايا العربية كما سوف يأتي فيما بعد.

ثانياً: ماذا يربط الصين بالعرب؟

يرجع اهتمام الصين بالمنطقة العربية إلى كونها أكثر مناطق العالم اليوم سخونة وتفجرًا، ويجري على أرضها حروبًا أهلية متعددة تمثل صراعات إقليمية ودولية تتجاوز حدودها. كما أصبحت مجالًا خصبًا لنشر الأفكار المتطرفة والأنشطة الإرهابية التي تنتشر منها إلى ربوع العالم، ومن الأرجح أن الصين تخشى من تأثير هذه الأفكار على الأقليات المسلمة فيها، وخصوصاً في مقاطعة سينكيانج.

وهناك عدد من العوامل المادية والمعنوية التي تربط الصين بالمنطقة العربية، فعلى المستوى المادي، نمت شبكة واسعة من العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية، والتي أسفرت عن تنظيم عدد 183 رحلة جوية شهرية بين الطرفين، وعن انتقال ما يقرب من مليون شخص سنويًا.

فعلى مستوى العلاقات التجارية، تمثل الدول العربية الشريك التجاري السادس للصين على المستوى العالمي، وتزداد التبادلات التجارية بشكل متسارع، وعلى سبيل المثال زاد حجم التجارة مع السعودية عشر مرات خلال الفترة 2003-2013م، وزاد حجم التجارة الإجمالية بين الصين والدول العربية من 25 مليار دولار عام 2003م، إلى 241 مليار دولار في 2014م. ومثّلت الصين الشريك التجاري الأول لعدد 9 دول عربية في 2015.

كما يربط بين الطرفين مشروع الصين الطموح بشأن طريق الحرير الجديد، وهو المشروع الذي تتبناه القيادة الصينية تحت شعار "الحزام والطريق" بهدف نشر عوائد التنمية في المناطق الغربية الصينية وتعزيز الشراكات والمصالح المشتركة مع الدول المجاورة، وذلك عن طريق إحياء طريق الحرير القديم الذي يربط الصين عبر أوراسيا بالعالم كله: بحرياً من خلال الطرق البحرية في المحيط الهادي والهندي والأطلنطي، وبرياً من خلال شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية. ويربط بينهما أيضاً النفط وقناة السويس والممرات البحرية الأخرى، فالصين هي أكبر مستورد للنفط، ويمثل النفط والغاز العربي حوالي 25% من مصادر الطاقة التي تعتمد عليها.

وعلى الجانب المعنوي، يربط بين الصين والمنطقة العربية أن كليهما أصحاب حضارة زاهرة قديمة. ففي الصين، نشأت "مملكة السماء" التي حققت شأوًا بالغًا في كل مجالات التقدم، وعلى الطرف العربي نهضت الحضارات الفرعونية والفينيقية والأشورية وقرطاجة والديلمون.

وأدت هذه العوامل في مجملها إلى ارتفاع وتيرة مستوى الزيارات بين الطرفين، فقام وزير الخارجية الصيني بأكثر من جولة في الشرق الأوسط، وكذلك الممثل الخارجي للصين في المنطقة. وفي الأعوام 2013-2015م، زار الصين رؤساء دول مصر، والأردن، والبحرين، واليمن، وفلسطين وعدد من وزراء الخارجية العرب. وانتظمت اجتماعات منتدى التعاون الصيني – العربي الذي يجمع المسؤولين والباحثين من الطرفين لبحث القضايا محل الاهتمام المشترك، وذلك ابتداءً من عام 2005م، في بكين وتلاه الرياض في 2008م، وكان أحدث اجتماع للمنتدى في بكين في 2014م.

وكان للصين مبادراتها الدبلوماسية في عدد من القضايا مثل الصراع الداخلي في دارفور، وجنوب السودان، والأزمة السورية في 2015م، ودعت الصين المجتمع الدولي للتحرك لحل القضية الفلسطينية.

في إطار هذه الروابط بين الطرفين، وحسب تصريحات القيادة الصينية، فإن الصين تدعم الدول العربية على المضي قدمًا في الطرق التي تختارها لنفسها وتدعم حقها في اختيار هذه الطرق، وتساعدها على حل قضاياها الساخنة بواسطة الحوار والتفاوض، وتشجع التعاون معها لتحقيق المصالح المشتركة وتبادل المنافع، كما تساندها في الحصول على حقوقها العادلة بشأن القضية الفلسطينية.

ثالثاً: إدارة العلاقات مع الصين

تتحدث الصين أساسًا بلغة المصالح، ولا يعرف زعماؤها في خطابهم السياسي العبارات المرسلة أو الخطب الجوفاء التي لا تحمل مضمونًا محددًا، ومن ثم فإن إدارة العلاقات مع الصين يجب أن تقوم على أسس الجدية والانضباط والاستمرار.

وعلى سبيل المثال، فإن الصين تعتقد في أهمية العلاقات والمصالح المتوازية معًا، ولا تنظر إلى علاقتها بأي دولة على أنها علاقة صفرية بالنسبة لدول أخرى بل تحرص على الاستمرار في علاقات متوازية مع الدول المتصارعة طالما كان لها مصلحة في ذلك، فهي في علاقة تحالف استراتيجي مع روسيا بدون شك، ولكنها لا تشارك موسكو في مواقفها الصدامية مع واشنطن، وهي مثل روسيا تسعى لتغيير النظام العالمي، ولكنها لا تستخدم العبارات الحادة التي يستخدمها الرئيس فلاديمير بوتين. لذلك، كانت بكين هي الطرف المستفيد من تدهور العلاقات بين أمريكا وروسيا وفرض الدول الغربية مجموعة من العقوبات الاقتصادية على موسكو. وبالمنطق نفسه، فإن علاقتها مع الدول العربية لا تؤثر على علاقاتها بكل من إيران وإسرائيل. فكل من هذه العلاقات من وجهة النظر الصينية يمكن أن يتطور ويزدهر بشكل متواز في نفس الوقت.

أتذكر جيدًا في لقاء مع مدير أحد مراكز البحوث الاستراتيجية الرئيسية في الصين، وتعليقًا على كلمة لأحد المشاركين المصريين الذي انتقد سياسة أمريكا في منطقة الشرق الأوسط، قال الضيف الصيني "إننا غير معنيين بعلاقاتكم بأمريكا أو غيرها من الدول، ولكن ما يهمنا هو العلاقات الثنائية بيننا ومدى التزامكم بالتعهدات التي نتفق عليها، أما علاقاتكم بالدول الأخرى، فهذا أمر يخصكم ويتوقف على مصالحكم".

وفي ضوء هذا الفهم، فإن على الدول العربية أن تأخذ التعهدات التي تلتزم بها مع الصين بجدية لضمان استمرار هذه العلاقات. لقد وقعت الصين اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع ست دول عربية منها مصر والسعودية، كما أنها بدأت حوارًا استراتيجيًا مع دول مجلس التعاون الخليجي من عام 2010م.

ومع أن هذا الحوار بدأ متأخرًا مقارنة بالحوارات المماثلة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى، فمن الأرجح أن تزداد أهمية هذا الحوار من وجهة نظر الصين بالنظر إلى الاضطرابات السياسية التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، وأن دول مجلس التعاون تمثل العنصر الأكثر استقرارًا فيها، والذي يزداد وزنه وتأثيره في المحافل العربية والإسلامية. هذا في الوقت الذي تتجه فيه الصين إلى تنويع مصالحها العالمية وتسعى للاستثمارات المشتركة في مناطق مختلفة من العالم. وتكفي الإشارة في هذا المجال إلى تعبير الرئيس بينج بأن الصين والبلاد العربية يشغلان سدس مساحة العالم وربع عدد سكانه، وذلك في سياق تأكيده أهمية المصالح المتبادلة بين الطرفين.

وإذا كان الباحثون والسياسيون يشيرون إلى التحول الأمريكي إلى أسيا Pivot to Asia، فهل آن الأوان لكي يدرك العرب ذلك، وأن تزداد حركتهم في هذا الاتجاه؟

مجلة آراء حول الخليج