array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 137

خـط الاقتصاد الـعـالمي الـجـديد أسـاس أزمة الـمنطـقـة ومفـتاحه سوريا ويعزل روسيا

الثلاثاء، 14 أيار 2019

تحميل    ملف الدراسة

 عرف المشهد الدولي للطاقة خلال السنوات الأخيرة تطورات متسارعة بشكل دراماتيكي، سواء من خلال اكتشاف احتياطات نفط وغاز جديدة، أو من خلال دخول مصادر طاقوية جديدة إلى السوق، لعل أهمها الغاز الصخري وتطوّر تصنيع الوقود البيولوجي أو الحيوي واستهلاكه، كل هذا وأكثر أضاف عوامل تأثيرٍ جديدة على السوق الدوليّة، التي شهدت تقلّبات حادّة في الأسعار وأثّرت بشكلٍ كبيرٍ على النموّ الاقتصادي والاستقرار السياسي العالمي، حيث يمكن ملاحظة أن هناك تناميًا متزايدًا للطلب العالمي على الطاقة بلغت نسبته 157% بين العامين 1970 و2013م، حيث تزايد الطلب بشكلٍ بارز في البلدان النامية التي شهدت ثورة صناعية (حوالى 500%). ومن المتوقّع أن يزيد الطلب الإجمالي بحوالى 49% إضافية حتى العام 2040م.

       من جهة أخرى شكّل الصراع على ممرّات الطاقة ومعابرها، أحد الأوجه الخفيّة للصراعات الجديدة في مناطق متنوعة، على غرار شرق أوروبا، الشرق الأوسط و منطقة شمال أفريقيا، وشكل هذا الصراع الخفيّ تارة والظاهر تارة أخرى أحد أهم أسباب الإهتمام الصيني والروسيّ بالإنضمام إلى هذه الفضاءات، تحت دواعي ومبرّرات أمنيّة، بينها غايات اقتصاديّة تتمثّل بالمحافظة على مستوى التأثير الحالي في هذه السوق الحيويّة، أو تأمين تدفّق النفط بما يتوافق مع المصالح الخاصة بكلّ منهما.

       التطوّرات المشار إليها أعلاه تثير مجموعة هامة من التساؤلات، بعضها مرتبط بالخريطة الطاقوية الجديدة وتأثير التحولات الجديدة في مجال الطاقة عليها، إلى جانب تساؤل يبرز بشكل كبير جدًا  وهو أحد المحاور الأساسية في هذه الدراسة والمرتبط بالجانب الجيوسياسي وقدرة النفط على رسم حدود العالم الجديدة و التأسيس لمناطق السلام مثلها مثل مناطق النزاع و الصراع.

أولاً: الخريطة الطاقوية الجديدة

        عند الحديث عن الجغرافيا السياسية يتم الإشارة إليها على أنها ليست فقط عملية قراءة المكونات الجغرافية لأية دولة ما وفهم كيفية تأثيرها على سياسة الدولة وسلوكها الخارج، بل هي أيضًا معركة الفضاء والقوة التي يتم لعبها في محيط جغرافي محدد، ومثلما هناك جيوسياسية عسكرية، جيوسياسية دبلوماسية وجيوسياسية اقتصادية، هناك أيضًا جيوسياسية طاقوية. حيث أنه وبالنسبة للموارد الطبيعية وطرق التجارة التي تجلب هذه الموارد للمستهلكين، فهي أساسية لدراسة الجغرافيا. ويستند كل نظام دولي في التاريخ الحديث والحديث في وقت مبكر على مورد للطاقة، حيث و في حين أن عصر الفحم والبخار كان خلفية للإمبراطورية البريطانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فإن عصر البترول كان خلفية للإمبراطورية الأمريكية من نهاية القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن الحادي والعشرين.

        إن إلقاء نظرة على كيفية تغير الإنتاج العالمي للطاقة - سواء من حيث الكمية أو المصدر - على المدى الطويل، يجعلنا نقوم بتخطيط استهلاك الطاقة العالمي من عام 1800م، حتى عام 2015م، حيث إذا بدأنا في عام 1800م، نجد أن إجمالي الطاقة في العالم تم إنتاجها من الكتلة الحيوية التقليدية (حرق الأخشاب والمواد العضوية الأخرى بشكل أساسي)، حيث كان العالم (معظمه في المملكة المتحدة) يستخدم كمية صغيرة من الفحم - حوالي اثنين في المئة فقط، و لم يبدأ توسعنا في استهلاك النفط إلا في حوالي عام 1870م، وبعد عقدين من الزمن أعقبه الغاز الطبيعي والطاقة الكهرومائية. بحلول عام 1900م، زاد استهلاك الفحم بشكل كبير، حيث كان يمثل ما يقرب من نصف الطاقة العالمية (النصف الآخر المتبقي من الكتلة الحيوية، حيث ظل النفط والغاز والكهرباء المائية ضئيلًا). بحلول منتصف القرن العشرين، كان مزيج الطاقة قد تنوع بشكل كبير؛ تجاوز الفحم أنواع الوقود الحيوي التقليدية وكان النفط يصل إلى حوالي 20 %.  وبحلول عام 1960م، انتقل العالم إلى إنتاج الكهرباء النووية. أخيرًا، تعد مصادر الطاقة المتجددة اليوم (الوقود الحيوي الحديث والرياح والطاقة الشمسية) جديدة نسبيًا، ولا تظهر حتى الثمانينيات والتسعينيات، و لم يتم إدراج مصادر أخرى قابلة للتجديد، مثل التقنيات الحرارية الأرضية والبحرية، لأن مستويات الإنتاج صغيرة جدًا.

       في عام 2015م، استهلك العالم 146000 تيراوات / ساعة من الطاقة الأولية - أكثر من 25 مرة أكثر من عام 1800 لكن غالبًا ما يكون مزيج الطاقة اليوم، بدلاً من مستويات الاستهلاك التي يجدها الناس مفاجأة، بينما قد يكون لدى البعض انطباع بأن مصادر الطاقة المتجددة تمثل حصة كبيرة من الاستهلاك العالمي للطاقة، إلا أن مساهمتها الإجمالية تظل صغيرة في الواقع.

 

 

        من الناحية المفاهيمية، هناك خريطة عالمية جديدة للطاقة تهيمن عليها سوق المستهلكين المتنامية للطاقة في آسيا وسوق متنامية للإنتاج في الولايات المتحدة، لقد  أصبحت آسيا نقطة الصفر "للنمو" بقدر استهلاك الطاقة، حيث سيأتي 85 % من النمو في استهلاك الطاقة من منطقة المحيط الهادئ. حيث تستهلك الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية ما لا يقل عن ربع الهيدروكربونات السائلة في العالم، ووفقًا لموقع World Energy Outlook فإن الصين سوف تمثل 40 % من الاستهلاك المتزايد حتى عام 2025م، وبعد ذلك ستظهر الهند باعتبارها "أكبر مصدر للطلب المتزايد"، و سيرتفع معدل نمو استهلاك الطاقة في الهند إلى 132 % ؛ أما في الصين والبرازيل سوف ينمو الطلب بنسبة 71 % ، وفي روسيا بنسبة 21 %.

        هذا التنامي المتسارع و المتزايد في الطلب على الطاقة من جهة و توزع الخريطة الجيوسياسية للطاقة على قارتي آسيا و أوروبا بسبب أن منطقة الهند والمحيط الهادئ ستصبح معتمدة بشكل متزايد على الشرق الأوسط للحصول على نفطها. حيث و بحلول عام 2030، سيأتي 80 % من نفط الصين من الشرق الأوسط، و 90 % في حالة الهند (لا تزال اليابان وكوريا الجنوبية تعتمدان بنسبة 100% على واردات النفط)، و سيتم دعم اعتماد الصين على الشرق الأوسط بسبب اعتمادها المتزايد والمتزايد على آسيا الوسطى السوفيتية السابقة في مجال الطاقة. بينما أصبحت منطقة الهند والمحيط الهادئ أكثر طاقة بالاعتماد على الشرق الأوسط، في نصف الكرة الآخر، تبرز الولايات المتحدة كعملاق عالمي منتِج للطاقة ، حيث أن إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة سيتضاعف أكثر من ثلاثة أضعاف بين عامي 2010 و 2020م. فإذا كانت الولايات المتحدة تفتح سواحلها المطلة على المحيطين الأطلسي والهادئ أمام عمليات الحفر، فإن إنتاج النفط في الولايات المتحدة وكندا يمكن أن يعادل الاستهلاك في كلا البلدين في النهاية.و بالفعل، خلال عقد من الزمان، ارتفع الغاز الصخري من 2 % إلى 37% من إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، حيث تفوقت هذه الأخيرة الآن على روسيا كأكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم. تضع بعض التقديرات الولايات المتحدة على أنها تتفوق على المملكة العربية السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم بحلول نهاية العقد الحالي، على الرغم من أن هذا غير مرجح، و يمكن ملاحظة  أن هذا سيعود إلى فترة ما قبل بداية الهيمنة الأمريكية على الطاقة، و كذلك عندما يتم دمجها مع رمال النفط الكندية ونفط البرازيل فإن هذه التحولات لديها القدرة على تحويل الأمريكتين إلى "الشرق الأوسط الجديد" في القرن الحادي والعشرين، رغم أننا نحتاج أن نتذكر أن إنتاج النفط الأمريكي قد يتراجع بعد عام 2020م.

ثانيًا روسيا-تركيا: الجيوبوليتيك والأمن الطاقوي

       ربما تكون روسيا قد ارتكبت خطأً كبيرًا في تأمين موقعها في مستقبل الشرق الأوسط، حيث بصرف النظر عن علاقتها المبدئية بإيران، يبدو أن روسيا كانت تغازل ديمقراطية سنية قوية للغاية في تركيا، حيث أن هذه الأخيرة  مهمة للغاية بالنسبة للغاز الروسي، حيث تشكل 58٪ من واردات تركيا من الغاز و 19٪ من الصادرات الروسية. تدفع تركيا بسبب نقص وسائل النقل والتخزين ضعف سعر الغاز الأوروبي (من 13 إلى 15 دولارًا لكل وحدة حرارية بريطانية). لذا عندما أسقطت تركيا طائرة نفاثة روسية، سواء عن قصد أو بغير علم، كان رد فعل روسيا متهورًا وليس تطلعيًا على الأقل. حيث أن فرض عقوبات على تركيا وإنهاء مشاريع الطاقة المستقبلية المحتملة بين البلدين يمكن أن يكون صعبا بالنسبة لروسًيا على المدى الطويل. لماذا؟ لأن تركيا تعتبر سوقًا متميزًا عندما يتعلق الأمر بتصدير الغاز، فالكل يريد إرسال الغاز إلى تركيا. ومع ذلك، فإن معظم المشاريع إما تخضع للعقوبة أو أنها غير جاهزة بعد. ولأن تركيا تدفع ضعف كمية الغاز بالنسبة إلى أسواق الغاز الأوروبية وستة أضعاف سعر الأسواق الأمريكية، تبحث كل من إيران وقطر وأذربيجان وإسرائيل ومصر وقبرص، وأمريكا عن الوصول إلى سوق الغاز في تركيا.

         في عام 2014م، استوردت تركيا 1.7 تريليون قدم مكعب من الغاز، وفي عام 2018م، أقيمت العديد من المشاريع بهدف تزويد تركيا بمصدر طاقة ثابت وآمن، و تشمل المشاريع الصغيرة منشأة تصدير للغاز الطبيعي المسال لشينير إنيجي (LNG) ، والتي بدأت في تصدير 0.1 تريليون قدم مكعب من الغاز سنويًا عام 2016م. كما قامت أذربيجان بتوسيع خط أنابيبها للغاز الطبيعي بمقدار 0.6 تريليون قدم مكعب إلى تركيا. وأخيرًا ، سيتم إضافة الغاز الكردي من شمال العراق لتسليم 0.4-0.5 تريليون قدم مكعب إلى الحدود التركية. من المهم أن نتذكر أنه على الرغم من اعتبار حزب العمال الكردستاني في تركيا كتنظيم إرهابي، إلا أن الأكراد العراقيين ليسوا كذلك؛ في الواقع، فهي مصدر مهم للطاقة لتركيا من خلال توفير 1.6 مليون برميل من النفط يوميًا من كركوك إلى جيهان في تركيا. لكن المشروعين الرئيسيين اللذين من المحتمل أن يكون لهما أكبر تأثير على العرض المستقبلي لتركيا هو أكبر احتياطي في العالم، يقع في الخليج بين قطر وإيران، إلى جانب اكتشاف ضخم في الآونة الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط.

         من ناحية أخرى، تزود إيران تركيا بـ 20٪ من إجمالي الغاز الطبيعي من خلال خطوط الأنابيب، و تود إيران توسيع عرضها لتركيا عبر خط الأنابيب الإيراني - العراقي - السوري الذي سيوجه الغاز إلى تركيا، كما تأمل إيران أن يكون خط الأنابيب المقترح بديلاً لخط الأنابيب بين قطر وتركيا وأن يمد أنابيب بقيمة 14 تريليون قدم مكعب سنويًا، يمكن أن يحل هذا محل الواردات الروسية إلى تركيا ويمنح إيران نفوذًا جيوسياسيًا هائلاً مع قوة الشرق. أخيرًا، يتم التحكم في أحدث لاعب يرغب في الوصول إلى تركيا بواسطة شركة نوبل إنرجي (الولايات المتحدة) وإيني (إيطاليا)، حيث حاليًا، تدير أمريكا العرض في البحر المتوسط ​​وليس بسبب تأثيرها على إسرائيل، ولكن بسبب شركة نوبل إنيرجي. تفاوضت الحكومة الأمريكية مع إسرائيل لتصدير الغاز من حقلي ليفياثان وتمار، كجزء من حملة المفاوضة مع إسرائيل، سيتعين على المالكين الرئيسيين للمشروعات، مجموعة Delek ، بيع حصتها في تمار ونوبل ، مما يقلل تدريجيًا حصتها في تمار إلى 25٪ في السنوات الست المقبلة.

          تحتوي هذه الحقول على أكثر من 30 تريليون قدم مكعب من الغاز وستظل شركة نوبل تحتفظ بالسيطرة التشغيلية على كلا الحقلين، ففي 2018-2019 م، أنتج هذان الحقلان صادرات بلغت 1.3 تريليون قدم مكعب من الغاز سنويًا ، أو 77٪ من واردات الغاز التركي في عام 2014م. أخيرًا ، اكتشفتشركة إينيحقولاً قبالة الساحل المصري، وهو أكبر اكتشاف منفرد في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

ثالثًا الشرق الأوسط: تقاطع محاور الطاقة –الجيوبليتيك

        من أجل فهم البعدين الجيوسياسي والجيوستراتيجي لمسألة الطاقة في منطقة الشرق الأوسط أو آسيا يجب أن يتم ذلك من خلال دراسة النقيضين معًا، فمن جهة، تعتبر روسيا الإتحادية عملاقًا في مجال إنتاج الطاقة وتصديرها بسبب مقدّراتها ومواردها الطبيعيّة الضخمة، ممّا يدفعها بشكل دائم إلى السعي للحفاظ على حصّتها في أسواق الطاقة العالمية وكذا حماية شركائه التاريخيين و المستجدين. ومن جهة أخرى، يجب أيضًا النظر إلى الصين باعتبارها قوة صناعية و تجارية ذات ثقل هام في معادلة الإقتصاد العالمي، وهو الأمر الذي يضعها في المرتبة الثانيّة بعد أمريكا من حيث معدلات استهلاك الطاقة، مما يحتّم عليها العمل على ضمان استمرار تدفّق مصادر الطاقة وتأمين أنابيب نقلها.

        لقد ساهمتالاستراتيجية الروسيّة في جعل العالم الغربي بشكل عام وأوروبا بشكل خاص، يعترفان بالدور الروسي في أمن الطاقة لأوروبا، و هذه الأهمّية تعود إلى العامل الجغرافي، الذي بإمكانه التفاعل بشكل سريع مع التزايد المطرد في الاحتياجات. من جهة أخرى، لا يمكن فصل الصعود الروسي العسكري في الشرق الأوسط، من خلال حادثة إسقاط مقاتلة السوخوي في سوريا، بل يجب الذهاب أبعد من ذلك إلى غاية الإطلاع على محتوى التقارير التي تحدّثت عن مشاريع ربط غاز الشرق الأوسط بأوروبا عبر سوريا وتركيا، بهدف إعفاء أوروبا والسياسة الغربية بشكل عام من تبعات الاعتماد المتزايد على إمدادات الطاقة الروسية.

 

 

       و من زاوية أخرى، الصين في تعاملها مع التحولات الحالية في مجال الطاقة العالمي تحاول انتهاج مقاربات جيوسياسية وجيوستراتيجية في سبيل تأمين احتياجاتها من الطاقة الضرورية لاقتصادها الذي يشهد نسب نمو متسقرة، وعلى الرغم من تباطؤ نسبه خلال العامين المنصرمين، إلا أنها تستمرّ في سياستها الساعية إلى تأمين إمداداتها النفطيّة عبر تنمية الاستثمارات الخارجية في قطاع النفط، و هو ما يؤدي في النهاية إلى عملية استيراد النفط الذي تنتجه شركات صينية في الخارج بدلًا من شرائه من الأسواق العالمية، وبهذه السياسية تحاول الصين التعويض عن تعذّر تأمين الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة من مصادر داخلية، بالحضور الفاعل في سوق الطاقة الدولي سواءً الحضور المادي أو الدفع بالاستثمارات المالية التي بإمكانها أن تمنحها قدرات مهمّة للتحكّم في سوق الطاقة العالمي.

 



 

      كما أن هناك دراسات عديدة تحاول الربط بين ما يجري في الشرق الأوسط، وما حدث سابقًا في أفغانستان، وما يتم التخطيط له داخل مراكز القرار الأمريكية من سياسة مستقبلية تستهدف الضفّة الآسيوية، وبين ما يسمى بـ"خط العرض 33". فهذا الخطّ المار بأغنى منابع النفط والغاز، صار هو الخندق الأمامي للمواجهات الجديدة، وهو البديل الأمثل للصراع القديم على طريق الحرير، و يمكن تعريفه على أنه خط الاقتصاد العالمي الذي يربط الشرق الأقصى بالأوسط وصولاً إلى ضفاف أوروبا، إنه أساس الأزمة التي تعيشها المنطقة اليوم. وهذا الخط مفتاحه سوريا، ويمر بالعاصمة طهران وينتهي في بكين عاصمة الصين، كما يعزل روسيا ويفككها جغرافيًا واقتصاديًا.وتعد سوريا والعراق وإيران ولبنان من الأقطار الواقعة على حافات الخط 33، وهو الخط الذي يمر ببكين وكابل وطهران وبغداد ودمشق وبيروت، ويغذي الاستراتيجية الأمر يكية التي اتضحت ملامحها منذ التدخل في كل من أفغانستان والعراق.

رابعًا: الارتباط العضوي بين الطاقة و الحدود

           من الضروري الإشارة إلى أن الحدود في العصر الحديث لم تعد حدودًا ستاتيكية جامدة، بل هي حدود مرنة، و قد ساهمت التحولات التي عرفتها الدولة الوطنية منذ ظهورها مع معاهدة واستفاليا 1648م، في تآكل سيادتها وتراجع مفهوم الحدود، حيث أن تنامي التهديدات وتحولها ليس فقط من تهديدات تماثلية بل إلى تهديدات لا تماثلية تؤثر بكل مباشر على الدولة، بل إن بعضها – إن لم نقل كثير منها - تستدعي تعاون الدول من أجل مجابهتها، في صورة الإرهاب العابر للحدود، الجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية، وهي كلها تهديدات جعلت مسألة الحدود محل شك. و من جهة أخرى أصبحت الحدود الحالية للدول غير قادرة على وقف النشاط الماليّ، وتبادل البضائع، أو انتقال الأشخاص والأفكار، كما أن تطوّر تقنيّات الاتّصال وشبكات التواصل الاجتماعي أثر على بنية الحدود. وقد أدّى إرتفاع عدد الدول التي تشكلت كنتيجة للانقسامات التي حصلت بشكل كبير بعد نهاية الحرب الباردة، وهو ما يعني  زيادة طول الحدود في العالم. كما تشير الكثير من الدراسات الموجودة إلى مسألة بالغة الأهمية وهي تلك المتعلقة بزيادة مخاطر الانتقال عبر الحدود وتعقّدت إجراءاتها، خاصة مع تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية و اللجوء خلال الفترات التي شهدت فيها مناطق معينة من العالم نزاعات و صراعات مسحلة مثلما شهدناه في الحالة السورية.

         إذا ما جئنا مثلا إلى الحديث عن مدى تأثر منظومة الطاقة العالميّة الحالية بتنوع مصادر الطاقة التقليديّة والبنية التحتيّة المستخدمة في استخراجها، إنتاجها وتوزيعها، فيتوقّع أن تبقى عنصرًا رئيسًا متحكمًا في ذلك، فعلى الرغم من الجهود التي يبذلها صانعو السياسات لتغيير المعادلات القائمة إلا أن التعقيدات التي تمثلها وتطرحها السياسة العالميّة وكذا تزايد حدّة المنافسة والتطوّر التكنولوجي، وضعت الإستقرار العالمي على مسار طويل من التغيير مليء بالتحدّيات، موسوم بالغموض وعدم اليقين، مما غيّر من التوازنات القائمة منذ زمن والتي قامت عليها أنظمة بعض البلدان وعلاقاتها الدوليّة بأشكالها المتعدّدة وتناقضاتها الغريبة.

        في حقيقة الأمر تؤدي شبكة المصالح المعقّدة بتقاطعاتها إلى نتيجة منطقيّة تتمثّل في استمرار أمريكا في استيراد نفط الشرق الأوسط الذي يعتبر من ناحية الكلفة الأقل، إلى جانب القيام بإستراتيجية تطوير قدراتها واستثماراتها للمحافظة على الاكتفاء الذاتي من الطاقة، و هو الأمر الذي سوف يبقي خياراتها مفتوحة بين تقنية الاتّصال والاستيراد من المصادر ذات الكلفة المتدنّية من جهة، وبين المحافظة على قدرة داخلية أو إقليمية في سبيل التعويض عن أي نقص محتمل في الامدادات. يمكن النظر على هذا الخيار المطروح على أنه يتسم بالمرونة الضرورية للأمن القومي الأمريكي، كما يثبّت سياستها القائمة على الهيمنة على أسواق الطاقة العالميّة الحالية، والتي تسعى في جانب منها إلى تطويق النزعة الروسية وتقليص نفوذها إلى أدنى حد في مناطق أوروبا الشرقية، آسيا الوسطى وسوريا، ويمكن تحقيق هذا التوجه بأساليب عدة على غرار خلق بدائل تخفّف من تأثير روسيا في سوق النفط العالمية وطموحاتها في زيادة حصتها. أما بالنسبة للمنافس الآخر و هو الصين، فالأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعمل بشكل دائم على الحد من توسعها و تمددها في الشرق الأوسط، سواءً كان هذا من خلال تطويق توسّعها ونشاطاتها العسكرية من جهة، وفتح قنوات اتّصال مع جارتها اللدودة فيتنام التي تشكّل سوق يدها العاملة الرخيصة بديلًا مهمًّا عن اليد العاملة الصينية. بالنسبة لروسيا تشير التطوّرات الأخيرة إلى استمرار التوجه الروسي القائم على تأمين الحضور الفاعل في سوق الطاقة الدوليّة، حتّى ولو أدّى ذلك بها إلى التدخّل العسكري حيث تريد أن تحتفظ بمكانتها الحاليّة، لا بل أن ترفع من شأنها، من خلال المحافظة على تحكّمها في أسواق الطاقة الأوروبيّة بشكلٍ خاص، حيث سبق أن قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن : " دور روسيا في سوق الطاقة العالميّ يحدّد بطرق عدّة، تأثيرها الجيوسياسي"، في الحقيقة هذا القول يلخص النظرة الروسيّة الحاليّة والمستقبليّة للطاقة، ودورها في السياسة والاقتصاد.

خامسًا: أهمية البعد الطاقوي في رسم السياسة الخارجية للدول

        من بين المفاهيم الأمنية التي بدأت تتشكل عقب الفترة التي تلت مرحلة ما بعد الحرب الباردة نجد مفهوم الأمن الطاقوي الذي يشير في تعريفه إلى العملية التي تتحكم في تأمين مصدر الطاقة وطرق توصيلها، ويعتبر تقريبًا أحد أهم المفاهيم الجديدة التي شاع استعمالها في العصر الحديث بالنظر إلى أهمية عنصر الطاقة من جهة في العلاقات الإقتصادية الدولية، و من جهة أخرى إلى تعقيدات الظاهرة في حد ذاتها و توسع تأثيراتها التي تشمل دولاً وحتى أقاليم شاملة، وبالتالي فأمن الطاقة شأنه شأن العديد من المحددات التقليدية الأخرى، التي تساهم في تشكل السياسية الخارجية للدول.حيث أن الدول المصدرة للموارد الطاقوية تعمل دائمًا على بناء سياساتها الخارجية اعتمادًا على المكونات الاقتصادية، فرغم وجود فروقات في تصور كل دولة لذلك التوظيف لمواردها وإمكاناتها، إلا أن ذلك يبقى مرهونًا بدور و مكانة كل دولة في النظام الدولي، فالدول التي تعتمد على مصادرها الطاقوية في سبيل تحقيق  غاياتها الاستراتيجية والقومية لمواجهة مختلف المشكلات التي تعترضها بفعالية، وكذا في رسم سياساتها على المستوى الخارجي مثل سعيها في أن تكون لها سياسة خارجية فعالة.

       كما أن توفر مصادر الطاقة يعتبر عاملاً مهمًا في رسم سياسة أي دولة، لما له من تأثير كبير على تحديد توجهات السياسة الخارجية للدول، سواء من خلال توظيف تلك الموارد إما بشكل مباشر أو غير مباشر، فالمباشر يكون من خلال لجوء تلك الدول إلى عملية وقف الإمدادات أو التهديد بوقفها، ولا يكون بالضرورة وقف الإمدادات راجع لاستخدام مصادر الطاقة كسلاح استراتيجي أو آلية ضغط، أما التوظيف غير المباشر فيكون من خلال تأثير امتلاك موارد الطاقة على مكانة الدولة إقليميًا وعالميًا، إلى جانب  تحسين مكانتها التفاوضية. وتعتبر دراسة عملية التأثير الناتج عن توفر مصادر الطاقة  على بناء سياسة خارجية فعالة ذات أهمية قصوى، حيث يمكن ملاحظة أنها تختلف من دولة إلى أخرى و بحسب وضعية كل دولة، لأن  الأمر ينطوي على مجموعة حدين متناقضين، فمن جهة مصادر الطاقة توفر للدول موارد مالية ضخمة تسهم في تحسين واقعها الاقتصادي و يمنحها مكانة في النظام الدولي، دون أن ننسى أن تلك الموارد تساعدها في مسألة التحرك الدبلوماسي و المشاركة بفعالية في المنظمات الدولية والإقليمية، وعلى النقيض من ذلك، يعتبر الاستخدام المكثف الطاقة كوسيلة ضغط في السياسة الخارجية على ايجابياته يؤثر بشكل آخر على مكانة الدولة و تعريضها في كثير من الأحيان إلى ضغوطات خارجية قد يكون لها انعكاسات على اقتصادها و مكانتها الدولية.

         من الجدير بالذكر أن امتلاك الدولة للموارد الطاقوية لا يعني بالضرورة امتلاك الدولة لسياسة خارجية فعالة، كما لا يعني أيضًا أن مكانتها الدولية ستكون هامة و مرموقة، و يمكن في هذا الصدد الإشارة إلى وجود مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى ذلك في صورة القيود المفروضة على الدولة، أو إمكانية وجود مشاكل داخلية كسوء التسيير و الفساد.

      كما يبرز أهم تهديد للعلاقة الرابطة بين الدول المنتجة والدول المستوردة للموارد الطاقوية تلك المتعلقة بدول العبور، حيث أن هذه الأخيرة تمتلك القدرة على إعاقة عبور الموارد نحو وجهتها النهائية، وهو ما يشكل تهديدًا للدول المصدرة المعتمدة عليها لتنقل مصادر الطاقة للدول المستوردة من أجل توفير احتياجاتها من مصادر الطاقة، وفي هذه الحالة فإنه من الضروري أن تجد تلك الدول بدائل من أجل نقل الطاقة، والتقليل من حدة التهديد.

          و يظل أن ما تم ذكره ليس كل الحقيقة، حيث أن هناك أيضًا قيود أخرى تحد من مسألة تحول مصادر الطاقة لدى الدولة إلى عامل هام في توجيه سياستها الخارجية بالشكل الذي يخدم مصالحها، حث أن هناك مقومات أخرى على غرار الاستقرار السياسي، ومدى توفر استراتيجية واضحة المعالم على المدى المتوسط والطويل، دون أن ننسى امتلاك الدولة لاقتصاد قوي وقادر على المنافسة. فالريع النفطي لا يؤثر على القطاع الاقتصادي فحسب، بل يتعداه إلى الشؤون السياسية ورغم ما يمنحه النفط والغاز من أفضلية للدول المنتجة إلا أن التجارب أثبتت بأنه لا يمثل محددًا حتميًا للتنمية الاقتصادية فالدراسات الخاصة بالدول المنتجة للنفط منذ بداية السبعينيات و هي الفترة التي شهد فيها العالم استرجاع معظم الدول النفطية لثرواتها الباطنية بينت أن دولا قليلة فقط استطاعت توظيف النفط لتحقيق التنمية و التصنيع  بينما كانت النتائج في القسم الأكبر منها سلبية.

      وبالتالي، يمكن القول أن تأثير المعطيات الجغرافية و الجيوسياسية للدولة على تحقيق أهداف السياسة الخارجية محكوم بعوامل ترتبط بالدولة ذاتها (اقتصادية، عسكرية، سياسية، اجتماعية وثقافية) و مصادر الطاقة هي أحد تلك العناصر الأساسية، والأهم من ذلك هو مدى إدراك الدولة لطبيعة وحجم القدرات التي بحوزتها، مقارنة بحجم قدرات الدول التي تتعامل معها.وبالنظر لكون المصادر الطاقوية متمركزة لدى دول صغيرة، فإن الدول الكبرى تسعى دائمًا إلى المحافظة على مصالحها بتلك الدول في سبيل الحفاظ على تلك الموارد و ضمان وصولها إليها، ويكون هذا السعي مصحوبا كذلك بتحجيم دور تلك الدول في النظام الإقتصادي العالمي، و جعلها من دون تأثير حتى لا تتضرر مصالحها و تضمن بذلك تحقيق أهدافها.

سادسًا، الحد من الصراع المتعلق بالنفط والغاز

         لقد أحدث الوقود الأحفوري، وخاصة النفط، بصمة كبيرة على أنماط الصراع على مدى المائة عام الماضية، ومع تحول العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتراجع الأهمية النسبية للوقود الأحفوري، قد يحدث تحول جيوسياسي في حدوث النزاع وموقعه الجغرافي، كما قد تتناقص المواجهات العالمية والمحلية بشأن احتياطيات الهيدروكربونات المتنازع عليها، على سبيل المثال في بحر الصين الجنوبي أو شرق البحر المتوسط​​، أو تؤدي إلى عدد أقل من النزاعات، و إلى هذا الحد، فإن تحويل الطاقة العالمي قد يولد ثمار السلام.

         نادرًا ما يكون الوقود الأحفوري سببًا مباشرًا للنزاع بين الدول، لكنه غالبًا ما يكون عاملًا مشددًا في النزاعات المسلحة داخل الدول، وقد عانت بعض الدول الإفريقية التي تنتج النفط من اضطرابات داخلية خطيرة وتعارضها في العقود الأخيرة، كما يمكن أن يعزز النفط أوجه عدم المساواة القائمة ويخلق فرصًا للجهات الفاعلة الخارجية لزيادة تفاقم المظالم في المناطق المنتجة للنفط، خاصة عندما تقوم الحكومات المركزية بإعادة توزيع الثروة بعيدًا عنهم، و يمكن للجماعات المسلحة أيضًا الاستيلاء على الموارد الطبيعية وطرق التوريد ذات الصلة لتعزيز أنشطتها، كما أن الموارد الطبيعية الأخرى (الماس و الذهب، على سبيل المثال) قد تقود أيضًا إلى التأسيس للنزاع المحلي؛ ومع ذلك، فإن الأدلة ترتبط بالنفط بقوة أكبر من أي مورد طبيعي آخر.

         إذا أصبح النفط والغاز الطبيعي المسال أقل استراتيجية للأمن، فقد تصبح نقاط المرور البحرية - خطوط الشحن الضيقة مثل مضيق هرمز أو ملقا - أقل أهمية كنتيجة لذلك، حيث يعد مضيق هرمز أهم شريان نفطي في العالم، والذي يربط بين منتج النفط الخام في الشرق الأوسط والأسواق العالمية الرئيسية. ففي أضيق نقطة، يبلغ عرضه 21 ميلًا فقط، وحارة الشحن بعرض ميلين فقط في أي من الاتجاهين، كل يوم يمر حوالي 30٪ من النفط الخام المتداول بحرًا عبره، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الغاز الطبيعي المسال، كما كانت هناك عدة حوادث عسكرية في المضيق، حيث وفي2018م، ألمحت إيران إلى أنها قد تعرقل تدفق النفط عبر المضيق ردًا على العقوبات النفطية التي أعلنتها الولايات المتحدة.

         كما يحدث انتقال الطاقة إلى جانب اتجاه ثوري آخر و المرتبط بالرقمنة، حيث تعمل التقنيات الرقمية الجديدة على تحويل قطاع الطاقة من خلال جعله أكثر اتصالًا وذكاءً وإثراءً وموثوقية واستدامة، وهنا يقع قطاع الكهرباء في قلب هذه العملية. مع نمو مساهمة مصادر الطاقة المتغيرة والموزعة، تلعب الرقمنة دورًا رئيسيًا في الحفاظ على توازن الشبكات، وهو يتيح الاستجابة الذكية للطلب على الكهرباء ويمحو التمييز بين التوليد والاستهلاك.

       ومع ذلك، فإن نمو الرقمنة في قطاع الطاقة يمكن أن يثير مخاطر الأمن والخصوصية في غياب إطار عمل دولي قائم على القواعد، حيث يمكن للجماعات الإجرامية أو الإرهابيين أو أجهزة الأمن في البلدان المعادية اختراق الأنظمة الرقمية التي تتحكم في المرافق والشبكات، إما لأغراض إجرامية مثل الاحتيال والسرقة، أو ارتكاب جرائم عسكرية أو صناعية، أو تجسس، و في أقصى الحالات، قد يحاول المهاجمون عبر الإنترنت مقاطعة البنية التحتية الصناعية أو تخريبها أو تدميرها، بما في ذلك مصدر الطاقة. ومن الحالات التي يتم الاستشهاد بها في كثير من الأحيان الهجوم السيبراني في ديسمبر 2015م، على شبكة كهرباء غرب أوكرانيا، متى كان القراصنة قادرون على تثبيت البرامج الضارة على أنظمة الكمبيوتر في مراكز توزيع الطاقة وأخذ 30 محطة فرعية، وترك أكثر من 230 ألف شخص في الظلام لمدة تصل إلى ست ساعات، و يعتبر هذا الحادث هو الأول من نوعه، ويسلط الضوء على مخاطر الهجمات الإلكترونية المحتملة ضد الأنظمة الرقمية القائمة على الكهرباء.

          في الآونة الأخيرة، استندت السلطات إلى مبررات "الأمن القومي" لمنع شبكة الدولة (أكبر شركة خدمات في العالم وأكبر شركة في الصين  مؤسسة مملوكة للدولة) من شراء أسهم في بعض شبكات الكهرباء وشركات المرافق، بما في ذلك في أستراليا وبلجيكا  وألمانيا. فعلى الرغم من عدم توضيح الأسباب بشكل كامل مطلقًا، فقد تضمنت المخاطر المقدرة تهديدًا كبيرًا بالتجسس السيبراني بالإضافة إلى عدم السماح لدولة ثالثة بالحصول على سيطرة جزئية على البنية التحتية الوطنية الحيوية، في حين أن تهديد الهجمات السيبرانية حقيقي، إلا أنه ينبغي وضعها في منظورها الصحيح. فالجريمة الإلكترونية هي خطر يسبق تحول الطاقة التقليدي أين تتعرض شبكات الكهرباء أيضًا للتسلل الإلكتروني، في حين أن الأنظمة الرقمية الأخرى، مثل الخدمات المصرفية والإنترنت، معرضة للخطر على حد سواء. في الواقع ، كل شيء متصل بالإنترنت معرض بطبيعته للتطفل والقرصنة الإلكترونية.

الخاتمة:

     يمكن القول في نهاية عرضنا أنه على الرغم من التطور السريع الذي عرفه مجال الطاقة، إلا أن لكل مرحلة خصائصها ومميزاتها، لكن تظل السمة الأساسية هي تزايد أهمية الطاقة في العلاقات الدولية بشكل جعلها قادرة ليست فقط على التأثير في النظام الإقتصادي الدولي، و إنما قدرتها على تأجيج الصراعات والنزاعات، بل و حتى نسج علاقات تقترب في أحيان إلى التعاون وفي أحيان كثيرة إلى التنافس والصراع، و هو الأمر الذي يقودنا إلى ضرورة فهم جيوبوليتيك الطاقة العالمي و قدرته على رسم حدود العالم الجديدة.

       و بقدر ما يمكن للطاقة أن تكون عاملاً حاسمًا في تعزيز مكانة الدولة على الصعيد العالمي بقدر ما يجعل امتلاكها لهذه الثروات عرضة للضغوطات الدولية بفعل النسق الإقتصادي العالمي الذي أصبحت الشركات العالمية الكبرى المتعددة الجنسيات متحكمة في الكثير من مفاصله، ولنا هنا في الشركات السبع الكبرى أحسن نموذج لذلك. لقد بينت الأزمة الأوكرانية بين روسيا الاتحادية من جهة و الإتحاد الأوربي من جهة أخرى مع الولايات المتحدة أنه عندما يتعلق الأمر بالطاقة و تأمين إمداداتها تسقط الكثير من القيم والادعاءات، لأن الأمر هنا يتعلق بديمومة الإقتصاد، و هذا الأخير هو عصب الحرب.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

* أستاذ جامعي وباحث في العلوم السياسية، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، الجزائر.

مقالات لنفس الكاتب