array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

النفط الإيراني.. التحدي الجديد لأمريكا في الشرق الأوسط

السبت، 01 آب/أغسطس 2009

تأليف روجر هواردRoger Howard

الناشر: آي بي تورِس I. B. Tauris، 2007

القراءة للدكتور روبرت لوني Robert Looney

أستاذ بكلية الدراسات العليا التابعة للأكاديمية البحرية الأمريكية

 تنامت مشاعر العداء لأمريكا على نحو منقطع النظير منذ الثمانينات. وأثّرت هذه المشاعر في علاقات الولايات المتحدة حتى مع حلفائها التقليديين في العالم الإسلامي، مثل تركيا ومصر وباكستان، كما أثّرت في العلاقات الأمريكية ـ الأوروبية. وتُعتبر سياسات إدارة الرئيس بوش، لا سيما غزو العراق في عام 2003، السبب الأوضح لتردّي صورة الولايات المتحدّة في العالم. مع ذلك، يؤكّد روجر هوارد في كتابه (النفط الإيراني.. التحدي الجديد لأمريكا في الشرق الأوسط) أن الضغوط الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران وعلى الشركات والكيانات التي قد تتعامل معها، تمثّل سبباً مهماً، وإن كان أقلّ بروزاً، من أسباب تنامي مشاعر العداء لأمريكا.

ومن المفارقات العجيبة حقيقة أنه من بين دول العالم كافّة، مثّلت إيران التي لا تقيم أمريكا حتى علاقات دبلوماسية معها، أكبر تحدٍّ بالنسبة إلى الرؤساء وصنّاع السياسة الأمريكيين خلال السنوات الأخيرة. فمنذ سقوط الشاه في عام 1979، ظلّت إيران أشبه بكابوس يطارد الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين الذين بدوا عاجزين عن التأثير في سلوكها، أو الحدّ من نفوذها الإقليمي المتعاظم.

ففي عام 1980، أدى قطع أمريكا لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران والفشل الذريع لعملية إنقاذ الرهائن الأمريكيين المحتجزين، حينذاك، داخل السفارة الأمريكية بطهران، إلى تبديد آمال الرئيس جيمي كارتر في إعادة انتخابه. وبعد ستّ سنوات، هزّت فضيحة (إيران ـ كونترا) إدارة الرئيس ريغان لأنها أدّت إلى محاكمة العديد من مسؤوليها ودفعت مستشار الأمن القومي الأسبق إلى محاولة الانتحار، كما كاد الرئيس ريغان يُواجه تهمة الخيانة العظمى.

وإثر شعورها بالإحباط إزاء رعاية إيران المزعومة للإرهاب، شدّدت إدارة الرئيس كلنتون العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران عبر قانون معاقبة إيران وليبيا الذي يقضي بأن يفرض الرئيس عقوبتين، على الأقل، من العقوبات السبع التي يمكن فرضها على الشركات والكيانات الأجنبية التي تستثمر أكثر من عشرين مليون دولار سنوياً في قطاع الطاقة الإيراني. لكن حلفاء أمريكا الأوروبيين الرئيسيين استهجنوا هذا الإجراء الأحادي الجانب واعتبروه تطبيقاً قاسياً للقانون الأمريكي خارج أراضي الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من قانون معاقبة إيران وليبيا، لم تُغيّر إيران سياستها الخارجية أو سلوكها في المنطقة. فقد استمّرت التحديات المرتبطة بتورّط إيران المزعوم في زعزعة استقرار العراق وأفغانستان وبدعمها المستمر لحزب الله اللبناني، وظلّت تحيّر الرئيس بوش. وفي عام 2007، هدّدت إدارة الرئيس بوش بتوجيه ضربة عسكرية لإيران بسبب برنامجها النووي. وحتى التقييم الجديد الذي نشرته وكالة الاستخبارات القومية في أوائل ديسمبر 2007، والذي أفاد بأن إيران تخلّت عن السعي لإنتاج سلاح نووي في عام 2003، لم يكن كافياً لتخفيف حدّة التوترات. ففي الخطاب المهم الذي ألقاه في البحرين أمام مجلس التعاون الخليجي، أشار وزير الدفاع الأمريكي، غيتس، إلى الآتي:

بما أن الحكومة (الإيرانية) أصبحت تعترف الآن بدقّة التقييمات الاستخباراتية الأمريكية، أَفترض أنها ستعترف أيضاً بدقّة المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التي تؤكّد أن إيران تموّل وتدرب ميليشيات عراقية مسلّحة، وتزوّد المتمردين العراقيين والأفغان بأسلحة وتقنيات فتّاكة وتواصل دعمها لمنظمات إرهابية مثل حزب الله وحركة حماس التي قتلت آلاف المدنيين الأبرياء، كما تواصل أيضاً أبحاث وتطوير صواريخها البالستية المتوسّطة المدى التي يستحيل تبرير تكاليفها ما لم تُزوّد برؤوس حربية غير تقليدية.

على ضوء هذا الخطاب السياسي والإحباط الأمريكي من السلوك الإيراني، بدا من المحتمل أن تشدّد الولايات المتحدة عقوباتها المفروضة على إيران. وفيما استمر التصاعد في حدّة التوتّرات بين إيران والولايات المتّحدة وتواصل البحث عن سياسة أمريكية غير عسكرية فعالة تجاه إيران، قدّم روجر هوارد في هذا الكتاب المهم تحليلات عميقة وقيّمة للقضايا الرئيسية ذات العلاقة، خصوصاً الآثار المحتملة لاستمرار أو تشديد العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

أولاً: حلل هوارد قانون معاقبة إيران وليبيا وخلص إلى أن هدفه النهائي هو احتواء التهديد الاستراتيجي الذي تمثّله إيران، وذلك عبر تقويض قدرتها على تحديث قطاعها النفطي المهم الذي يولّد حوالي 20 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي، ويمثّل زهاء 80 في المائة من حجم تجارتها الخارجيّة. ففي منتصف التسعينات، حيث نوقش قانون معاقبة إيران وليبيا للمرّة الأولى، كانت حقول النفط الساحلية والبنية التحتيّة لصناعة النفط في إيران قديمة وبحاجة لاستثمارات ضخمة، كما كانت احتياطياتها من الغاز الطبيعي المقدَّرة بنحو 940 تريليون قدم مكعبة تنتظر التطوير.

ونظراً إلى الجدل الواسع الذي أحاط بفاعلية العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، درس هوارد جميع الأدلة ذات العلاقة لكنه وجد أنها كانت غير كافية لإصدار حكم نهائي على فاعلية تلك العقوبات. ولئن اعتقد بعض الخبراء في بادئ الأمر أن قانون معاقبة إيران وليبيا عرقل عملية تطوير قطاع الطاقة الإيراني، إلا أن هوارد وجد أن قدرة هذا القانون على الردع تآكلت عندما بدأت الشركات الأجنبية تدرك أن القليل من الخداع كان كافياً لتلافي العقوبات.

لكنّ المحور الرئيسي لهذه الدراسة المتميّزة لم يتمثّل بتحليل الآثار المباشرة للعقوبات، وإنما تمثّل بتقييم آثارها غير المباشرة التي خلص هوارد إلى أنّها ستكون كبيرة في طريقة تطوّر إيران والمنطقة ككل خلال السنوات القليلة المقبلة. ومن المثير للاهتمام حقيقةُ أن المؤلّف عرض للطريقة التي من خلالها قد تسهم العقوبات في إضعاف تحالفات وصداقات أمريكا في المنطقة وأوروبا. فكما أشار المؤلّف، عندما درست الولايات المتّحدة إمكانية فرض عقوبات على الشركات التابعة لدولة ثالثة (عدا الشركات الأمريكية والإيرانية) التي تستثمر في صناعة الطاقة الإيرانية، افترضت أن مجرّد التلويح بالعقوبات كان كافياً لردع تلك الشركات. لكنّ قانون معاقبة إيران وليبيا لم يردع إلا الشركات الصغيرة نسبياً، ما أضغف المنافسة وسهّل انخراط الشركات الفرنسية والروسية واليابانية والهندية والماليزية والصينية.. إلخ في قطاع الطاقة الإيراني. ومن خلال دعمها لمصالح الدول التي تتخذ منها هذه الشركات مقار لها على حساب مصالح أمريكا، تمكنت إيران من تعزيز الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة المحلي كما نجحت في إضعاف النفوذ الأمريكي، وهذا هو الأهم.

ويؤكّد هوارد أن التقاء موارد إيران النفطية مع الظروف السياسية الناجمة عن المقاطعة الأمريكية لإيران لا يخدم النفوذ الأمريكي لثلاثة أسباب مختلفة. أولاً: لأنه يفرض ضغوطاً متزايدة على علاقات واشنطن مع حلفائها الراغبين في بناء علاقات وثيقة مع طهران في مجال الطاقة، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وحتى باكستان. ثانياً: لأنه دفع إيران إلى تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع روسيا والصين وحتى الهند، ما قلّص هامش المناورة المتاح للولايات المتحدة. ثالثاً: لأن النفط الإيراني قوّض النفوذ الأمريكي بصورة مباشرة من خلال عائداته التي أسهمت في استمرار النظام الإسلامي الحاكم في طهران.

طُوّرت هذه الموضوعات جميعاً في ثنايا هذا الكتاب الذي اشتمل أيضاً على دراسات حالاتٍ مثيرة للاهتمام. فعلى سبيل المثال، تسعى واشنطن حالياً إلى منع بناء خط أنابيبٍ لنقل الغاز الطبيعي تُقدّر تكلفته بسبعة مليارات دولار ويربط إيران بالهند وباكستان، المتحالفتين مع أمريكا. ومن أبرز أهداف هذا المشروع تلبية جزء من احتياجات باكستان والهند المتنامية من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي. ومع أن باكستان أعلنت أنها لن تسمح بإفشال المشروع، أصرّت واشنطن على السعي لإفشاله ـ بدعوى أن عائداته ستعزز فرص نجاح البرنامج النووي العسكري الإيراني المزعوم. ومن الواضح أن هذا الموقف سيؤدي إلى نتائج عكسية خطيرة إن قوض وظيفة باكستان الاستراتيجية الرئيسية، وهي: مكافحة الإرهاب. ذلك لأنّ أحد المقومات الأساسية لاستمرار باكستان في مكافحة الإرهاب هو ضمان النمو الاقتصادي المستدام الذي يحتاج، بدوره، إلى تأمين الامدادات الكافية من الغاز الطبيعي المتوافر بكميات هائلة في إيران. في الوقت ذاته، يعتقد العديد من المحلّلين أن الاقتصاد الباكستاني سيتلقى ضربة قاسية قد تؤدّي إلى انهياره، إذا أُلغيَ مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني ـ الباكستاني ـ الهندي.

على الصعيد السياسي، يؤكّد هوارد أن رفع الحصار الأمريكي المفروض على قطاع الطاقة الإيراني سيُعزّز فرص تحقيق هدف واشنطن البعيد المدى، والمتمثل بتغيير السلوك الرسمي الإيراني تجاه أمريكا. وإذا توقفت أمريكا، مثلاً، عن استهداف مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني ـ الباكستاني ـ الهندي وتمّ بناؤه بالفعل، فإن حرص إيران على الاستقرار الإقليمي سيتعزّز بشكل كبير. بالتالي، وكما أشار هوارد، (قد يساعد هذا الحرص المتزايد في تلطيف السياسة الخارجية الإيرانية التي يصفها أعداء إيران في واشنطن بأنها (عدوانية) و(متهوّرة) .. ). كذلك الأمر، من شأن رفع الحصار الأمريكي المفروض على قطاع الطاقة الإيراني أن يوفّر المزيد من الفرص الاقتصادية داخل إيران وأن يرفع مستوى المعيشة هناك، الأمر الذي قد يؤدي إلى تلطيف مجمل السياسة الإيرانية.

ولخّص هوارد الحجج التي ساقها عبر التشديد على حقيقة أن الولايات المتّحدة تواجه اليوم مأزقاً حرجاً نتيجةً لسياساتها السابقة تجاه إيران، إذ قال: (إذا استأنفت أمريكا علاقاتها التجارية مع إيران أو سمحت لحلفائها بالقيام بذلك من دون بذل أي جهد لمنعهم، فإنها ستُتّهم حتماً بتمويل برنامجٍ نووي عسكري معادٍ وبتمويل الإرهاب. وإذا استمر الوضع الراهن، فإن أمريكا ستُعزّز فرص تقويض نفوذها العالمي، ما سيسرّع انحدارها..) وبالمصادفة، كان من شأن التقييم الاستخباراتي الأخير الذي أفاد بأن إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري في عام 2003، أن يوفّر لإدارة الرئيس بوش مخرجاً حقيقياً من المأزق الإيراني. فقد خلُص هوارد قبل ذلك التقييم الاستخباراتي إلى الآتي:

إذا حُلّ الخلاف المتعلّق بطموحات إيران النووية على نحو يرضي واشنطن، فإن السير في الطريق قدماً لن يكون صعباً بالطبع. حينئذٍ، لا بدّ من مراجعة جميع العقوبات الاقتصادية الرئيسية المفروضة على طهران فوراً وتخفيفها بشكل تدريجي، وهو ما سيعتمد على مدى معارضة الكونغرس، كما سيتعيّن إلغاء قانون معاقبة إيران وليبيا. ومن شأن مثل هذه العلاقات الاقتصادية أن تؤدّي بسرعة إلى تقارب سياسي متزايد الاتساع قد يفتح صفحة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط.

هل من المحتمل أن تعترف إدارة الرئيس بوش بحكمة الحجج التي ساقها هوارد؟ من المحزن حقاً أن هذه النصائح الثمينة لم تلقَ أي آذان صاغية من إدارة الرئيس بوش التي اختارت الاستمرار في نفس سياساتها الفاشلة. لكن إذا حافظت أسعار النفط على مستوياتها الحالية المرتفعة، تحديداً، فإن واشنطن سوف تتبنى حلاً مماثلاً لحلّ هوارد، عاجلاً أم آجلاً. وآمل أن يحدث هذا قبل أن تخسر الولايات المتحدة جميع أصدقائها في المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب