array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

أخطاء الإرهاب

الإثنين، 01 حزيران/يونيو 2009

المؤلف: روبرت غودوين

الناشر: Cambridge: Polity Press, 2006

إعداد: كليدا مولاج

باحثة في مركز الخليج للأبحاث

 ثَمة افتراض رائج في أوساط صانعي السياسة والأكاديميين مفاده أن هناك الكثير من الأخطاء التي يرتكبها الإرهاب. ومع ذلك، فإن السؤال الرئيسي لهذا الكتاب هو: ما الخطأ الواضح الذي يرتكبه الإرهاب؟ وما الذي يجعل الإرهابيين مختلفين عن غيرهم من المجرمين العاديين والمختطفين وأمثالهم، بل أسوأ منهم من منظار أخلاقي؟ ينطلق تحليل الكتاب من قاعدة تؤكد أن أي تعريف منطقي للإرهاب يجب أن يتضمن سمة أساسية، وهي أنه، أي الإرهاب، يعني الاستخدام الاستراتيجي للترويع. وهو ما يدعو للقول إن الإرهاب فعل استراتيجي بصورة أساسية، كما أنه يستهدِف تكريس الترويع.

وبالنسبة إلى روبرت غودوين، فإن الإرهاب، أولاً وأخيراً، هو تكتيك سياسي، فهو إرهاب الناس من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وما يجعل السلوك الأساسي للإرهابيين ليس جريمة أو عمليات همجية فقط، لكنه إرهاب أيضاً، هو أنهم يتصرفون بنيّة تكريس الترويع في قلوب الناس لتحقيق أغراض سياسية خاصة بهم. وتمثلُ هذه إحدى الخصائص المميزة للإرهاب التي تجعل المجرمين الإرهابيين ليسوا مجرمين فقط، لكنهم إرهابيون أيضاً.

 إن تحديدَ تعريف دقيق للإرهاب وما يجعله خطأ وجريمة أمر مهم لتحديد الرد المناسب على هذا الشر. ويفترض هذا الكتاب أن الإرهاب يُفهَم على أنه تكتيك سياسي أكثر من كونه إيديولوجيا أو خللاً نفسياً، على أساس أن جوهرَ هذا التكتيك هو زرع الخوف في قلوب الناس لتحقيق أغراض سياسية.

 ومن خلال تعريف الإرهاب بأنه تكتيك سياسي أولاً وأخيراً، يتمُّ تبنيه لأغراض سياسية-اجتماعية، يركز المؤلف على عنصر رئيسي في ظاهرة الإرهاب، وهو نيّة إحداثِ الترويع لأغراض سياسية-اجتماعية. ومن ثَمَّ، فإن نية إحداث تأثير نفسي وترويع مرتبطة بشدة بالفعل الإرهابي. وباختصار، يقترح المؤلف أنه يجب أن ننظر إلى الإرهاب على أنه تكتيك سياسي أساساً، يتضمن ترهيب الناس على نحو مدروس ومخطط لتحقيق أغراض سياسية. وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي يرتكبه الإرهاب وحسب، بل الخطأ الأكبر هو أنه يجعل ممن يقترفونه إرهابيين، لا مجرد مجرمين عاديين.

ويرى غودوين أن تصرف الإرهابيين، في حربهم الإرهابية، بترويع الناس لتحقيق أغراض سياسية، هو تصرف يقترفه القادة السياسيون الغربيون، في حربهم ضد الإرهاب، أيضاً، وهو ما يضعهم في مصاف الإرهابيين أنفسهم. وحجته في ذلك هي أنه إذا أراد القادة الغربيون، وبقدر ما، إخافةَ الناس لتحقيق مكاسب سياسية، فإنهم ولهذا الحد يقترفون الخطأ الجوهري نفسه الذي يرتكبه الإرهاب.

إن ما جعل أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليست جريمة فقط، بل إرهاباً أيضاً، هو أنه كانت ثمة نية لتخويف الناس لتحقيق مكاسب سياسية. وهذه هي الميزة الرئيسية التي تجعل من المجرمين الإرهابيين ليسوا مجرمين فقط، بل إرهابيين أيضاً. وإن هذا التصرف لإخافة الناس لتحقيق مكاسب سياسية هو الخطأ نفسه الذي يقع فيه الساسة الذين لا يقترفون أذى أخلاقياً أبعد من إخافة الناس لتحقيق المكاسب السياسية.

ويذهب المؤلف إلى القول إن مبدأ الحرب على الإرهاب لا يقدم تحليلاً أخلاقياً لظاهرة الإرهاب، كما أنه لا يحدد بدقة أهم أخطائها.كما أن مبدأ الحرب هذا مجرد تأطير للعنف بين الدول أو إرهاب الدول. ومن وجهة نظره، فإن إقحام الإرهاب في هذا الإطار يعني الاعتراف صراحة بمجموعات الإرهابيين كما لو كانت دولاً وتشعل الحروب.

ويتساءل المؤلف: هل من المستحيل وصف المسؤولين الحكوميين بأنهم إرهابيون؟ وهل الانتساب للحكومة يعطي الفردَ الحصانةَ ضد الاتهام بالإرهاب؟ وإجابته بالتأكيد (هي بالنفي). فبالطبع، يمكن للدولة أن تتورط بالإرهاب في مواجهة أفراد، سواء من شعبها أو من دولة أخرى، فقد تورَّطت الحكومات في كثير من تلك الجرائم خلال السنوات الأخيرة.

ويتسم الإرهاب بأنه (سلاح الضعفاء)، ويشكو الأقوياء من أن هؤلاء الذين يتبنون هذا التكتيك يتوسَّلون الترويعَ لتحقيق ما عجزت عنه الحكومات بالإقناع أو القوة العادية. وهذا هو السبب في ارتباط الإرهاب بالفاعلين من غير الدول.

ولكن وبحسب ما يشير إليه غودوين، فإنه يمكن للدولة أن تكون ضعيفة تماماً، كما يمكنها أن تكون قوية. فـ (أسلحة الضعفاء) ليست حكراً على الفاعلين من غير الدول، فالحكومات الضعيفة أو أمراء الحرب المتنافسون في الدول غير المستقرة سياسياً، وأشباه الدول، يسعون بالإرهاب إلى تحقيق ما يعجزون عنه بوسائل أخرى.

وفي الحالة المعاكسة، يمكن إثبات صحة الرأي القائل إنه كلما كانت الدولة قوية، كانت إغراءات اللجوء إلى ممارسة الإرهاب أكبر. وبالحكم من خبرة الحكومات الاستبدادية في القرن العشرين من الاتحاد السوفييتي إلى الأرجنتين، يظل الأمر صحيحاً إلى يومنا هذا. ومن ثَمَّ، فليس هناك مسوِّغ للاعتقاد بأن الإرهاب حكر على الفاعلين من غير الدول فقط.

ويركز المؤلف على موضوع المسؤولين الرسميين المنتخبين واستفادتهم من الترويع الذي يتسبب به الإرهابيون. ويرى أنه أمر غير ممكن تجنبه سياسياً إلى حد كبير، كما أنه لا يمثل مشكلة من الناحية الأخلاقية. فعندما تتعرض الدولة لخطر ما، فإن الحكومة في الأغلب تستفيد من المشاعر الوطنية لتعبئة الجماهير من أجل المصلحة العامة. وأبعد من ذلك، فإن الحكومة تكون مسؤولة أخلاقياً عن طبيعة الرد على هذا الخطر والتصدي له، وهو ما يمثل في ذاته فرصة رائعة يستفيد خلالها المسؤولون المنتخبون من الأحداث الإرهابية.

ويشير غودوين إلى أن ثمة ممارسات يمكن أن تُسوَّغ أخلاقياً؛ والمثال الواضح على ذلك إقدام المسؤولين أنفسهم على التحريض على الأفعال الإرهابية. فعلى سبيل المثال، أحرق هتلر (الرايخ ستاغ) في عام 1933، ملقياً باللوم على الشيوعيين، وقد استخدم هتلر الحادث لإعلان حالة الطوارئ والتمتع بالصلاحيات الكاملة.

 وتُعَد الأفعال الإرهابية القياسية خطأً من أكثر من وجه، وبقدر ما يُرتَكب الإرهاب بوسائل مخطئة بحد ذاتها، مثل القتل والتدمير، بقدر ما يكون الفعل خطأً لهذه الأسباب أيضاً. وفي الحالات التقليدية للإرهاب، تسيطر هذه الأخطاء التي لا تقبل الشك على حيّز كبير من الممارسات. ومع ذلك، ثمة خطأ واضح مميز يُفهَم على أنه (الخطأ السياسي).

 ويرى غودوين أن الخطيئة السياسية الكبرى للإرهاب لا تكمن في خطأ فاعل سياسي واحد يؤمّن بعضَ مكتسباته في مواجهة خصومه الآخرين، أو في خطأ إرهاب الناس وتخويفهم، بل في الطريقة التي من خلالها يقوض الإرهابُ المعالجةَ الرشيدةَ في المجتمع السياسي عموماً. وبهذه الطريقة، يجردنا الإرهاب جماعياً من القدرة على ممارسة حكم الذات والتفكير الجماعي.

وينبغي أن يُدان الإرهابيون في جرائمهم، سواء في تفجير القنابل أو تحطيم الطائرات في المباني أو أي شيء من هذا القبيل. ويصر المؤلف غودوين على أن الديمقراطيين يستغلون أيضاً، على نحو مدروس، خوفَ الناس لتحقيق مكاسب سياسية. كما أنهم يخربون العملية الديمقراطية دولياً. وبهذا المنطق، ومن منظار غودوين، فإنهم يرتكبون أفعالاً إرهابية ضد الدولة ونظام الحكم، تماماً كما يفعل الإرهابيون ومفجرو القنابل أنفسهم.

إن حملاتِ الخوف تقوض العملية الديمقراطية بتقويض قدرة الناس على حكم أنفسهم. وبالنسبة إلى غودوين، يُعَد هذا خطأً عادياً وبسيطاً، ومن الخطأ أن تأخذَ بالقوة ما عجزت عن أن تحصل عليه بالإقناع. وهذا سبب أن السرقة أسوأ من التجارة، والحرب أسوأ من الدبلوماسية، والانقلابات أسوأ من الانتخابات. ويُعَد خطأً مشابهاً أن تأخذ بالخوف من اللجوء إلى استخدام القوة، ما عجزت عن أن تحصل عليه بالإقناع. ويقوم الإرهابيون بذلك من خلال التفجير أو التهديد بالتفجير. وجميعنا يعرف ذلك، غير أنه ليس كلنا يعي أن القادة السياسيين يفعلون ذلك أيضاً، أي تخويف الناس بـ(التحذير من التفجيرات) بدلاً من التفكير معهم.

ويضيف غودوين أن ثمة علاقة تشابه واضحة ومهمة بين القادة السياسيين والإرهابيين، فبقدر ما يتصرف كل منهم بنية إخافة الناس لتحقيق مكاسب سياسية، فكلا الطرفين يرتكب ما يجب أن يُنظَر إليه على أنه جريمة تستحق الإعدام بحق سياسات الديمقراطية. فكل منهم يقوِّض، عن عمد، قدرة الناس على حكم أنفسهم من خلال استحضار ردود فعل هامشية، بدلاً من انعكاسات وردود فعل عقلانية. وهذه هي الميزة الرئيسية في الإرهاب. وهذا هو ما يميز الإرهاب عن الجريمة والتدمير اللذين يُرتكبان لأغراض أخرى. ويمثل هذا القاسمَ المشتركَ الذي من خلاله تشترك الحرب ضد الإرهاب التي يشنها الساسة الديمقراطيون مع حرب الإرهاب التي يشنها الإرهابيون أنفسهم.

 ويشير غودوين إلى أن هدفه من هذا الكتاب ليس إطلاع القراء على ما يجري بشأن الإرهاب والحرب ضده فقط، بل مساعدتهم على التفكير في رؤية هذه الأحداث. فما الحقائق الحيوية التي يجب أن نعرفها، وما الحسابات المهمة التي يجب أن نأخذها في الحسبان خلال عملية تقييم أخلاقي للإرهابيين وأولئك الذين يعلنون الحرب عليهم؟

وأخيراً على الرغم من أن هذا الكتاب يبدو محاولة فيلسوف للإلمام بكافة جوانب ظاهرة الإرهاب، فإن الأدوات العلمية كانت في حدِّها الأدنى، لكنه نجح في التشكيك في ما يسمى (حق الدولة الحصري في ممارسة العنف).

 

مقالات لنفس الكاتب