array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

المجتمع المدني في العراق بين حاجة الوطن وتداعيات الاحتلال

الإثنين، 01 تشرين1/أكتوير 2007

رغم اختلاف الباحثين في تعريف ماهية المجتمع المدني، باختلاف منطلقاتهم واتجاهاتهم الفكرية، إلا أنه يقصد به عموماً المؤسسات والمنظمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل من أجل تلبية حاجات ملحة للمجتمع، وبشكل مستقل عن الدولة وسلطتها، بل إنها تمارس دور الرقيب على عمل الحكومة والمساعد لها في أداء أدوار اجتماعية ليس في إمكان الدولة القيام بها.

لم يكن ظهور مؤسسات المجتمع المدني في العراق بعد احتلاله في 9/4/2003، شيئاً جديداً، كما حاول المحتل الأمريكي أن يصوره، بل إن مؤسسات المجتمع المدني كانت موجودة منذ عقود خلت، وكان تطلق عليها تسمية المنظمات الخيرية والنقابات الحرفية والاتحادات التعاونية والمنظمات النسوية والشبابية والعمالية وما إلى ذلك، إلا أن ما جرى خلال المرحلة التي تلت الاحتلال، كان تعبيراً عن التناقض الحاد في الحالة العراقية، حيث بدا كأن المجتمع المدني ومنظماته أمر جديد لم يسمع به أحد، وأقيمت الدورات والندوات للعاملين في الدوائر الحكومية، والبعض أرسل في دورات خارج العراق للتعرف إلى ديمقراطية المجتمع المدني، حتى بات بعض المثقفين يتجنب الخوض في الموضوع خشية أن يوصم بالجهل، وبات ظهور مؤسسات المجتمع المدني يفسر وفق رؤى عدة، تحاول الإجابة عن تساؤل محدد: كيف نشأ المجتمع المدني في العراق بعد الاحتلال؟ هل أنشأته الدولة أم أنشأه المانحون، أم أنشأته الدولة لاستقطاب أموال المانحين؟ أم أن وراءه عملاً وطنياً يسعى إلى النهوض بالبلد من كبوته ودفعه نحو مواجهة مشكلاته بزخم جديد بعيداً عن تدخلات قوى الاحتلال وأمواله؟ وللإجابة نجد أن مؤسسات المجتمع المدني في العراق جمعت كل هذه الأشكال، وتداخلت في إيجادها عوامل معقدة، وبات من الصعب الفرز فيها بين الوطني والمهادن مع المحتل أو المتعاون معه فهي جاءت:

ضمن عملية التغيير الشامل الذي يشهده العراق، وبالطبع فإن المطلوب مؤسسات جديدة بدلاً عن تلك التي عدّت من الماضي، ولكن الأمر ظهر في البداية بصورة تبسيطية ومستعجلة، وبدلاً من الجديد كانت هناك عملية إحياء للقديم بتسميات جديدة، فوجدنا اتحاد الصحفيين بدلاً من نقابة الصحفيين، وشبكة النساء العراقيات بدلاً من الاتحاد العام لنساء العراق، وهكذا.

صدمة الاحتلال أدت إلى ظهور العديد من التنظيمات بسبب الحاجة الماسة إليها

لأن صدمة الاحتلال أدت إلى ظهور العديد من التنظيمات بسبب الحاجة الماسة إليها، لمواجهة ما خلفه الاحتلال من مشكلات وتبعات، كما هي الحال مع المؤسسات الخيرية والتجمعات التي حاولت لم شمل العاطلين بعد أن تجاوز حجم البطالة 70 في المائة من القوى العاملة بحسب التقديرات الأمريكية، ومنظمات تبحث عن المفقودين وأخرى تحاول إعادة المسروقات، وغيرها، وهذه المنظمات خضعت في أحيان كثيرة لأطراف استخدمتها في الابتزاز وللإثراء على حساب مصائب المواطنين، مما أفقدها دعم الكثيرين، لأن إدارة الاحتلال وقفت وراء تأسيس العديد من مؤسسات المجتمع المدني وأمدتها بالمال والخبرة، وذلك بفعل حاجة القوات المحتلة إلى الدعم الذي يمكن أن تقدمه تلك التنظيمات خاصة أن أغلب مؤسسيها جاءوا إلى العراق بعد الاحتلال وبعضهم لا يحمل الجنسية العراقية. ولا بأس من التوقف عند هذه النقطة، حيث يؤكد بول بريمر الحاكم المدني للاحتلال أن إدارته خصصت نحو 750 مليون دولار من الميزانيتين العراقية والأمريكية لبرامج بناء الديمقراطية، وكان الغرض منها إنشاء ما يسمى مؤسسات المجتمع المدني، التي وصفها بريمر بأنها (أدوات امتصاص الصدمات الاجتماعية).

لأن الدول المانحة للمساعدات من أجل إعادة إعمار العراق اشترطت غالبيتها تقديم المساعدات إلى منظمات المجتمع المدني، وهو ما قاد إلى أن تتخذ أغلب المنظمات الطابع الخيري والإنساني لتحظى بمساعدات الدول المانحة. وكان هذا الأمر مناسبة لظهور مئات المنظمات الوهمية أو المؤقتة التي تختفي بعد الحصول على المال أو ما يمكن الوصول إليه من ممتلكات الدولة أو من هربوا من أقطاب النظام السابق، بل حتى المواطنين الذين هربوا للنجاة بحياتهم من نيران الحرب. ويشير واقع الأمر إلى أن نحو خمسة آلاف مؤسسة وهمية تم الكشف عنها في عام 2005 بحسب تصريحات لمسؤولين في وزارة شؤون المجتمع المدني، ولا تزال عمليات الكشف عن مثل هذه المنظمات مستمرة، وهو السبب الذي عللت الكثير من الدول المانحة تعليق تقديم مساعداتها بسببه. لأن الدولة الجديدة عملت على إنشائها للتناغم مع خطواتها في التغيير، ولاستقطاب أموال المانحين بدلاً من أن تستأثر بها المنظمات الوهمية أو تلك التي تعمل خارج إطار مفاهيم الاحتلال ومتطلباته، ويمكن هنا إدراج المنظمات المهنية التي حاولت الدولة دعمها مثل النقابات المهنية، ولأن هناك منظمات نشأت بفعل الإحساس بحاجة المواطن إلى الوعي بحقوقه وكشف الخلل في تصرفات الحكومة، وعملت كجهات رقابية غير رسمية لكشف الفساد ودعم بعض الفئات المتضررة من الحرب، وهذه المنظمات عانت الكثير من الإهمال بفعل صعوبة الحصول على التمويل، وبفعل مناهضة المنظمات الأخرى لها، ولا يبدو صوتها مسموعاً، خاصة أن المواطن العراقي ظل حذراً من التعاطي مع هذه المنظمات. وتوجد منظمات ارتبطت بدول الجوار الراغبة في ضمان مصالحها أو تقديم بعض العون لإبعاد مخاطر المشكلات الموجودة على الساحة العراقية من أن تمتد إليها، وتركز أغلبها في الجانب الصحي، وعلى طريقة ادفع بالتي هي أحسن، كما أن البعض منها استغل الحاجة الماسة لدعم المواطن العراقي فكانت نشاطاتها ترتبط بمخابرات هذه الدولة أو تلك وتحصل على التمويل منها، بل إن بعضها كان وجهاً من وجوه الطائفية أو العنصرية.

كما نشأت بعض التنظيمات لطرح معادل للأحزاب السياسية، وبدأت تطالب بمقاعد نيابية، وفي هذا المجال كانت المنظمات النسوية هي الأكثر نشاطاً بعد أن أقر قانون إدارة الدولة المؤقت ومن ثم الدستور تخصيص نسبة من المقاعد النيابية للنساء، لأن فترة ما بعد الحرب شهدت تنامياً لعدد من منظمات المجتمع المدني في ظل رغبة أعداد كبيرة من فئات الشعب العراقي للمشاركة في الحياة العامة، وعودة المعارضة العراقية من الخارج والسماح غير المشروط من قبل قوات الاحتلال لهذا النوع من النشاط بل والتشجيع عليه.

لم يكن ظهور مؤسسات المجتمع المدني في العراق بعد احتلاله شيئاً جديداً

وعموماً فإن قبول الدولة بمنظمات المجتمع المدني تزامن مع محاولات فرض الحماية على تلك المنظمات من قبل الاحتلال أولاً، حيث أكد بول بريمر في كتابه (عام قضيته في العراق) أن إدارته بنت مؤسسات المجتمع المدني في كافة محافظات العراق، وأن الضباط الإقليميين أشرفوا على ولادة العشرات من مراكز الدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات القانونية وحتى جمعيات الأهل والمعلمين، وأنهم وفروا مبالغ لإنشاء مراكز نسائية في المحافظات العراقية الثماني عشرة. أما الحكومة التي أسسها بول بريمر فقد سعت إلى دور مماثل من خلال دعوة وزارة التخطيط العراقية في نهاية ديسمبر 2003 كل المنظمات غير الحكومية (العراقية والأجنبية) الموجودة في العراق إلى التعريف بنشاطاتها وتسجيل نفسها في خطوة اعتبرها البعض تمهيداً من مجلس الحكم (السابق) لاتخاذ قرار بحل كل الهيئات الإدارية لمؤسسات المجتمع المدني عدا الخيرية منها وإناطة مسؤولياتها بلجنة داخل مجلس الحكم يطلق عليها (لجنة شؤون المجتمع المدني) في إجراء وصف بأنه للقضاء على الفوضى التي شاعت في هذا المجال وتهيئة لتوجيه الانتخابات العامة اللاحقة لصالح أعضاء المجلس، وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية في يونيو 2004 تم إنشاء وزارات بعضها يعمل على ضبط منظمات المجتمع المدني وتحديد أسلوب عملها والإشراف عليها كما هي الحال مع وزارة الدولة لشؤون منظمات المجتمع المدني التي وصفها الوزير بأنها في هذه المرحلة تقوم بالتنسيق بين منظمات المجتمع المدني والسلطة التنفيذية، ولكنها في حالة ترسيخ البرامج الديمقراطية وتقدمها في العراق ستتحول إلى مؤسسة تقوم بالتنسيق والتنظيم بين مؤسسات المجتمع المدني والسلطة التنفيذية، أي أن الوزارة بمثابة نواة لتأسيس هذه المؤسسة المنتظرة، واعتبر الوزير أن هذا التنسيق مطلوب من أجل تصحيح القرارات ومفاهيم الديمقراطية ومنع الإرهابيين من التسلل والوصول إلى مراكز مؤثرة، وأخرى تقوم بمهام مماثلة لنشاطات المجتمع المدني فتنافسها من موقع القوة كما هي الحال مع وزارات البيئة والمرأة وحقوق الإنسان. 

أشكال منظمات المجتمع المدني وخلفيات نشوئها 

شهد العراق ظهور أشكال من التنظيمات المدنية بعد الاحتلال بعضها امتداد لمؤسسات قديمة مع بعض التعديل، وأخرى جاءت انسجاماً مع الواقع الجديد الذي فرضه الاحتلال وما أدى إليه من تبعات وأحياناً لرغبة السلطة التي شكلها الاحتلال في الإفادة من تلك التنظيمات، وبعضها الآخر بسبب الرغبة الشعبية في تجاوز مرحلة الكارثة التي تسببت بها الحرب، ويمكن تقسيم المنظمات العاملة على الساحة العراقية في الوقت الحاضر كالآتي:

1- العديد من التنظيمات النسوية والشبابية، ويلاحظ أنها كانت، ولا تزال، تحظى بدعم أمريكي واضح، حيث يطرح أغلبها موضوع التوعية والقضايا الثقافية ولا يوجد لها دور اجتماعي حقيقي.

2- منظمات حقوق الإنسان، والكثير منها يحظى بدعم الدول المانحة للمساعدات، وقد ساهم البعض منها في عمليات التهجير إلى خارج العراق عبر الادعاء بتوفير فرص عمل للراغبين مستغلة تصاعد نسب البطالة بين الشباب.

3- جمعيات المتقاعدين والبحث عن المفقودين وما شابه ذلك، وتحظى باهتمام الأحزاب السياسية، وتعبر عن حاجة اجتماعية، إلا أنها محدودة الفاعلية وصوتها غير مسموع.

4- منظمات تمثل امتداداً لمؤسسات الفترة السابقة، كما هي الحال مع الاتحاد العام للتعاون والنقابات المهنية، مع ملاحظة أن البعض منها غيّر تسميته كي تتماشى مع متطلبات المرحلة الجديدة.

5- المؤسسات الخيرية، الدينية منها بشكل خاص، وقد تحول البعض منها إلى أطراف فاعلة في العملية السياسية، وساهم البعض الآخر في عمليات التطهير الطائفي.

6- منظمات تحاول طرح برنامج عمل وطني لمواجهة ضغوط الاحتلال. وهذه التنظيمات تحرص على طرح موضوع الوطنية العراقية، وتدعو إلى نبذ الطائفية والتعصب العرقي وما إلى ذلك، ولا تحظى بدعم كبير، وقد توقف العديد منها عن العمل بعد فترة وجيزة بسبب ضغوط الاحتلال والحكومة.

7- مؤسسات خيرية تنشط بدعم خارجي، مثل المستشفيات، وأغلبها عمل في الفترة الأولى للاحتلال مثل المستشفى السعودي والمستشفى الأردني، والبعض القليل واصل العمل مثل مستشفى الشيخ زايد في بغداد.

8- المراكز البحثية ورغم وجود العديد من مراكز البحث العلمي التابعة للجامعات إلا أنه ظهرت في هذه الفترة مراكز بحثية حاول بعضها دعم النشاط العلمي والثقافي، بينما أنشىء البعض الآخر بدعم أمريكي، أو أن الحكومة العراقية احتضنت البعض الآخر، كما هي الحال مع بيت الحكمة مثلاً، للاستفادة من إمكانات هذا المركز خاصة أن النشاط العلمي يحظى بمصداقية ويلقى القبول بسهولة، حيث تعد مراكز البحث العلمي مؤسسات مجتمع مدني موثوقة.

9- الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعات، وقد أدى قرار الحاكم المدني بحل وزارة الإعلام وإيقاف الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية التابعة لها إلى قيام جهات غير حكومية بمزاولة هذه الأنشطة حتى تجاوز عدد الصحف التي أصدرتها الأحزاب ورجال الأعمال وبعض الصحفيين مائتي صحيفة خلال الأشهر التالية للاحتلال ومن ثم اختفى بعضها واستمر البعض الآخر وخاصة الصحافة الحزبية، وكذلك الأمر مع الإذاعات والقنوات التلفزيونية، ولا تزال الحكومة العراقية لا تمتلك محطة تلفزيونية تابعة لها بشكل رسمي بل إنها تكتفي بدعم القناة (العراقية) والإذاعات التابعة لشبكة الإعلام العراقي وهي شبكة أسستها قوات الاحتلال لدى دخولها إلى بغداد، وتحظى صحيفة (الصباح) بدعم الحكومة أيضاً.

إن ما تقدم لا ينفي الحاجة إلى منظمات المجتمع المدني، لأن المجتمع العراقي يعاني الكثير من المشكلات، وإذا كان الواقع الأمني قد ألقى بضلال كثيفة على عمل هذه المؤسسات وأعاقها كثيراً، فإن أداء الدولة بحاجة إلى مؤسسات رقابية مستقلة وفاعلة، كما أن مستقبل العراق يتطلب الاهتمام بتفعيل هذه المنظمات ومحاولة ضمان استقلاليتها، من أجل المساهمة في بناء العراق الحر المستقل على أسس ديمقراطية حقيقية.

مجلة آراء حول الخليج