array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

أدبيات الاعتذار السياسي: الدول والتفويض بالاعتذار

الخميس، 01 كانون2/يناير 2009

المؤلف: جيرما نيغاش

الناشر:  Lanham: Lexington Books, 2006

إعداد: كليدا مولاج

باحثة في مركز الخليج للأبحاث

لقد قدّم الفضول في شأن ظاهرة الاعتذار السياسي، دفعةً قويةً لعملية البحث في معنى الظاهرة ودينامية الصور المختلفة لها. وهنا، يمثل الكتاب الذي بين أيدينا إضافة جديدةوطيبة في هذا الشأن، حيث يناقِش المؤلف جيرما نيغاش سؤالاً يتعلق بما إذا كان من الممكن للدولة أن تنجح في أن تقدم اعتذاراً، وما القيود السياسية والأخلاقية على تصرُّف من هذا القبيل؟

إن تزايد عمليات الاعتذار العام، وبخاصة بين الدول، يدفع إلى التساؤل عن سبب كثرة هذه الاعتذارات، وسبب حدوثها في الوقت الراهن تحديداً. وهنا، يرى المؤلف أن ثمة ثلاثة عوامل فلسفية تفسر هذه الظاهرة بصورة دقيقة: يتعلق الأول بالليبرالية وأفكار وممارسات تعزيز السلام بين الأمم.ويتعلق الثاني بحركة الدول وممثليها لأداء دور ساعي سلام نشط، وذلك بطرائق تختلف عن المنهج التقليدي في تسوية النـزاعات. ويبدو أن من أهم صور اختلاف هذا المنهج عن الطرائق الماضية أن يقدم رجال الدولة، سواء بإرادتهم المحضة أو تحت الضغط الجماهيري، اعتذارات عامة عن مخالفات قديمة وحديثة يتحملون المسؤولية عنها، ويقبلون النقد بخصوصها. ويتعلق الثالث بالنظرية الأخلاقية وبالطرائق المختلفة التي تتألف من خلالها الجماعات ذات المصالح المشتركة.

إن تقديم الاعتذار بقدر ما هو تجربة مريرة، فهو في الوقت ذاته يمثل ضرورة حتمية، حيث يؤثر في نواحٍ لا يقتصر مداها على العلاقات بين الأطراف المعنية فحسب، بل يتجاوزها أيضاً إلى المشهد الدولي من حولها. ولا يخرج الاعتذار في الظاهر عن إبداء الندم على المخالفة وتقديم الشكر للطرف الآخر. غير أنه، في الحقيقة، يجب أن يتجاوز هذه الممارسةَ ويعلو على كلماتها وطقوسها، حيث يلقي في روع الضحية أن المذنب قد تاب، مع التدليل على هذه التوبة بصورة ملموسة. ويطرح المؤلف أربعة معايير محددة لعملية الاعتذار العام الناجحة، وهي تمثل الحد الأدنى من متطلبات الاعتذار العام الناجح في حالات الجرائم العامة، بغض النظر عن مطالبة الضحايا من عدمها، وهي: الاعتراف، وقول الحقيقة، وتحمُّل المسؤولية، والندم العام.

ويدرس المؤلف أربعة نماذج للاعتذار، ويبدأ بالحالة التقليدية بين ألمانيا وإسرائيل. ففي وقت قصير نسبياً، استطاع كل من يهود إسرائيل والألمان التوصلَ إلى طيِّ صفحة تاريخية مريرة، وفتح صفحات أخرى من التعاون على صعيد التبادل العلمي والثقافي، والمساعدات المالية والعسكرية من ألمانيا لإسرائيل في الخمسينات، وتزايد هجرة الإسرائيليين من أصول ألمانية إلى ألمانيا، حتى إن البلدين يتمتعان بعلاقات طبيعية، وبتمثيل دبلوماسي يرجع إلى عام 1965. وعلى الرغم من ذلك، يرى المؤلف أن قضية المحرقة (الهولوكوست) لا تزال تمثل مجازاً رمزياً قابلاً للمناقشة بالنسبة إلى السياسة في كلا البلدين. لقد اعتذرت الحكومة الألمانية لليهود، غير أن المؤلف، هنا، يرى أن هذا الاعتذار كان غير كافٍ، حيث يؤكد أن ثمة خللاً ذا شقين في جانب الندم العام ـ كما يرى المؤلف ـ في عملية الاعتذار الرسمي الألمانية، يتعلق الشق الأول بالصورة التفويضية التي تمت بها عملية الاعتذار. ويتعلق الشق الثاني بدلالة هذه الكيفية في الاعتذار على عدم تحقق الندم العام على النحو المطلوب. وقد تأخر حدوث (الندم العام) هذا في الحالة الألمانية ارتباطاً بالجدل الإيديولوجي ومذهب السياسة الواقعية. وفي ما يخص العلاقة بين البلدين، فلم تظهر أية إيماءات واضحة للاعتذار الحقيقي أو الندم العام بسبب الاستغراق في طقوس تسوية وتطبيع العلاقات بين البلدين منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1965.

وتتعلق الحالة الثانية التي يدرسها الكتاب بالحسابات السياسية للنخبة السياسية في اليابان بشأن دعاوى دول الجوار بضرورة اعتذار اليابان عن الجرائم التي ارتكبتها خلال الحرب اليابانية. ويرد المؤلف التباطؤ في الاعتراف الياباني بالذنب تجاه هذه الأحداث، إلى كثير من العوامل التي تبدأ بطبيعة الهزيمة اليابانية، والآثار الكارثية للتفجيرات النووية في كل من هيروشيما وناغازاكي، التي أزهقت أرواح زهاء 100 ألف مواطن في كل منهما، وهو ما كرَّس ثقافة الضحية في المخيلة اليابانية. وفي ردها على المطالب الأولى بشأن الاعتذار والتعويض، أجابت الحكومة اليابانية بأن اليابان أوفت بكل التزاماتها من خلال المعاهدات الدولية التي أبرمتها بعد الحرب. وتتمثل إحدى هذه المعاهدات في اتفاقية العلاقات الأساسية بين اليابان وكوريا الجنوبية الموقعة في عام 1965، التي تعهَّدت طوكيو بموجبها منحَ كوريا الجنوبية 300 مليون دولار أمريكي على مدار 10 سنوات، وقرضاً طويلَ الأجل بنسبة فائدة محدودة يُموَّل من الصندوق الياباني للتعاون الاقتصادي عبر البحار. ومع ذلك، فقد فشلت عملية إعادة العلاقات بين اليابان وجيرانها في فترة ما بعد الحرب، إذ لم تعترف القيادة اليابانية بالآثار المدمرة لنشاطها الاستعماري. وخلافاً للحالة الألمانية، حيث خرجت ألمانيا من الحرب مهزومة ومُتحمِّلةً وزرها، فقد أدت حادثتا هيروشيما وناغازاكي إلى اشمئزاز النخبة اليابانية من الاعتراف بالذنب عن جرائمهم بأنفسهم، ومن ثَمَّ تأخر أول اعتراف ياباني رسمي بتجاوزات الحرب إلى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات تحت ضغوط داخلية وخارجية.

وفي الحالة الثالثة الخاصة برواندا، يؤكد المؤلف أن ثمة اتفاقاً على أن إخفاق الأمم المتحدة لم يكن نتيجة لنقص معلومات، بقدر ما كان نتيجة لنقص الإرادة السياسية من جانب القوى الرئيسية فيها لاتخاذ موقف ضد مرتكبـي الإبادة الجماعية. ويدرس المؤلفُ بعض الاعتذارات عن أخطاء حدثت في الماضي، ويلحظ أن اعتراف الرئيس الأمريكي السابقبيل كلينتون بارتكاب الخطأ بشأن رواندا، لم يسبقه أي تحرُّك ولو غيرَ مباشر للنظر في أوضاع حقوق الإنسان بالولايات المتحدة. وهو ما ينطبق على اعتراف رئيس وزراء بلجيكا السابق بالمسؤولية السلبية لبلاده عن الأحداث التي شهدتها رواندا في عام 1994، إلى جانب أن اعتذار مرتكبي الإبادة الأخيرة كان أشبه ما يكون بسرد مسوِّغات أكثر من كونه اعتذاراً.

إن اعتذارات كهذه تثير البلبلة بشأن المسؤولية الفردية، وتُعمق الاختلاف، وتُضيِّق من فرص الاعتذار الحقيقي. أما عن اعتذار الرئيس بيل كلينتون في كيغالي في عام 1998، الذي قال فيه (لقد تأخر اعتراف المجتمع الدولي عملياً بالمسؤولية عن أحداث رواندا)، فيرى المؤلف أنها كلمات جوفاء تتستر وراء المجتمع الدولي ولا تحدد المسؤولية الأخلاقية لأعضاء الأمم المتحدة عن الأحداث بقرار عدم التدخُّل. كما يرى أن اعترافاً مثلَ اعتراف كلينتون، لن يلقى قبولاً إلا إذا تم فصلُ شقه الشخصي عن شقه التفويضي.

وتتمحور الحالة الرابعة حول الوكالات والمسؤولية في حال الخلاف بين الدول. وتركز على حادثتـي اعتذار قدمتهما الولايات المتحدة للصين، الأولى بشأن تعرُّض السفارة الصينية في بلغراد لقذائف طائرات (الناتو) في السابع من مايو 1999. والثانية بشأن إسقاط طائرة مقاتلة صينية من طراز (إف ـ 8) لطائرة تجسس أمريكية من طراز (إي بي ـ3) على الشواطئ الصينية في الأول من إبريل 2001. ويرى المؤلف أن الاعتذار في كلتا الحالتين خضع لهيمنة سياسة الأمر الواقع، وهو ما جعله اعتذاراً مشروطاً. وعليه، ففي هذه الحالة، كان الاعتذاران اللذان قدمتهما الولايات المتحدة للصين تنقصهما شروطُ الاعتذار الصحيح، وهي الاعتراف الكامل بالخطأ، وكذلك قول الحقيقة، والشعور بالذنب. ومع ذلك، فإن كلا هذين الاعتذارين كان عند توقعات الطرف الآخر. وعلى الرغم من أن التعبير عن الندم يمثل عملاً اجتماعياً جماعياً، فإنه في الوقت نفسه ما زال يخضع لهيمنة وإملاءات سياسات الأمر الواقع، كما أن الاعتذارات وردود الفعل عليها كلها تخضع لمسألة عدم الثقة. ومن منظار دبلوماسي، فإن الاعتذار يستهدف تجنب الانتقام الدبلوماسي من خلال توضيح أن الحادث كان عرَضياً غير مقصود ويمكن تجاوزه. وبناءً عليه، فإن الأحداث مسوّغة لذاتها أكثر منها مثيرةً للمشكلات أو للندم. ويخلُص المؤلف إلى أن الاعتذارات المقدمة للصين كانت غير مباشرة، وبيروقراطية، وبعيدة من الجماعات التي يخرج منها الاعتذار الصحيح الصريح.

مقالات لنفس الكاتب