array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

إيران كقوة عظمى في الشرق الأوسط والخيارات الاستراتيجية الأمريكية

الثلاثاء، 01 نيسان/أبريل 2008

ناثان غونزاليز

الناشر: Praeger Security International، 2007

مراجعة: كليدا مولاج، باحثة أولى في مركز الخليج للأبحاث

 

يدور هذا الكتاب حول السياسات الإيرانية ومدى تأثيرها في المصالح الأمريكية في المنطقة، إذ يرى المؤلف ناثان غونزاليز أن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ستسعيان إلى إيجاد صيغة معينة لإرساء ركائز التعاون والتنسيق فيما بينهما والعمل على توحيد جهودهما لأن هذا هو الخيار الوحيد أمامهما؛ فعلى الرغم من أن إيران تمثل حالياً الخصم اللدود للولايات المتحدة إلا أن الكاتب يعتقد أنها على وشك الانضمام إلى قائمة الحلفاء الأقوياء والأصدقاء المقربين للولايات المتحدة وهذا يرجع لأسباب كثيرة.

وذهب الكاتب إلى أن العلاقات بين الدول تستند إلى ميزان القوى الذي قد يكون واضحاً وجلياً في بعض الحالات أو غامضاً وخفياً في حالات أخرى. والسبيل الأمثل لتحقيق السلام من وجهة نظر البعض هو إقامة نظام عالمي يعتمد على توازن القوى، ويضمن عدم انفراد دولة معينة أو حلف معين بالهيمنة والقوة المطلقة، فإذا باتت دولة أقوى من اللازم في نظر الدول المجاورة، فمن المتوقع أن تقوم هذه الدول بتكوين حلف لإعادة ميزان القوى إلى نصابه الصحيح ومن ثم تقليل فرص التعرض لهجوم من هذه الدولة. ويرى آخرون أن السلام الذي يستند إلى الهيمنة والسلطة المطلقة، أي الذي يقوم على انفراد دولة معينة بمقاليد الأمور وإملاء الشروط، هو الخيار الأمثل لتحقيق الأمن والاستقرار.

ويقترح غونزاليز سياسة جديدة للتعامل مع إيران حيث قام بمراجعة (مبدأ نيكسون) الذي يتبنى مفهوم (الشرطي الإقليمي) كآلية فعالة لإرساء استراتيجية أمنية طويلة المدى في منطقة الشرق الأوسط. فمن خلال إبراز أهمية التحالفات بين الدول ليس لتحقيق المصالح قريبة المدى فقط،بل لتدعيم إطار القيم (ولا سيما الديمقراطية) يرى الكاتب أن إيران يمكن، بل ينبغي، أن تلعب دوراً قيادياً مهماً في منطقة الشرق الأوسط بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى الرغم من مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها المقربين من امتلاك إيران لأسلحة نووية، إلا أن إيران يمكن أن تؤدي دوراً حيوياً لضمان استمرار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وحينئذٍ ستتمكن الولايات المتحدة من جني ثمار الشرق الأوسط الجديد مع وجود الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الصدارة والمقدمة.

ويرصد المؤلف عملية التحول الديمقراطي، التي يشير إليها في الكتاب بعبارة ( مسيرة الاستقلال) خلال القرن ونصف القرن الماضيين من التاريخ الإيراني الحديث، إذ يرى أن هذه المسيرة ساعدت إيران على تخليص نفسها من وطأة التدخل الأجنبي وأغلاله مما جعلها أقرب إلى ممارسة نوع من الديمقراطية محلية الصنع لتتفوق في هذا الإطار على جيرانها في العالم العربي.

ويؤيد الكاتب صياغة ما سماها (الاستراتيجية العظمى) والتي تضع في اعتبارها كافة التحديات التي تواجه الأمن القومي، إذ يتوجب على الولايات المتحدة وضع هذه التحديات في إطار سلسلة متصلة وضمن استراتيجية طويلة المدى. والسبيل إلى تحقيق ذلك من وجهة نظر الكاتب هو قيام صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية بتحديد المخاطر الحقيقية التي تهدد بقاء أمريكا في القرن الحادي والعشرين والشروع بوضع استراتيجية عظمى من هذا المنطلق.

ويستند مصطلح (مسيرة الاستقلال) الذي أورده المؤلف إلى ملاحظة ورصد الأنماط المختلفة داخل إيران وتحليل التيارات الثورية الصغيرة والكبيرة على الصعيدين السياسي والديني التي امتدت على مدار قرون، ودفعت إيران إلى الوقوف في وجه القوى المهيمنة داخلياً وخارجياً. ويتوقع الكاتب أن تفضي (مسيرة الاستقلال) إلى تحقيق ديمقراطية إيرانية تتوافق مع المصالح الأمريكية طويلة المدى في الشرق الأوسط. وكان الهدف من رسم هذه المسيرة هو التعمق في فهم الوقائع والحقائق السياسية-الاجتماعية في إيران والتي لا تنبع من إشاعة الخوف والشعارات الجوفاء التي يطلقها القادة الإيرانيون المعادون للسامية، بل بالأحرى تعتمد على كثير من الأنماط التاريخية والمعاصرة في إيران.

ويتناول المؤلف في كتابه موضوعاً ثانوياً يتمثل في عدم إمكانية فهم المجتمع الإيراني من دون رصد دقيق للدين الرسمي في البلاد، وهو المذهب الشيعي، منذ مطلع القرن السادس عشر والإلمام بأسلوب تفكير الغالبية العظمى من الإيرانيين. ومع ذلك حذّر الكاتب من حصر مصالح طهران في قراءة عقائدية بحتة، إذ تظل إيران التي تسعى إلى فرض هيمنتها وسيطرتها خطراً يؤرق كثيراً من جيرانها نظراً لموقعها الفريد كدولة شيعية غير عربية في المنطقة.

ويفتخر الإيرانيون عموماً بماضيهم المجيد مما يعزز آمالهم في مستقبل مشرق، وينبع هذا الشعور القومي المتأصل في مختلف الطبقات والأجناس الإيرانية من فكرة غامضة، لكنها راسخة وهي إقامة العدل في المجتمع وإدارة شؤون الدولة بشكل عام، فالعدل يأتي في صميم القصص والروايات التاريخية الإيرانية، ويتجلى الشعور بالاعتزاز والفخر من حين إلى آخر على خلفية الصراع بين الحق والباطل.

ويذكر المؤلف أن تطور الجمهورية الإسلامية الإيرانية جاء نتيجة لتبني أسلوب فريد في نظام الحكم يجمع بين العقائد الدينية من جانب ونظام الحكم التمثيلي الشائع في أوروبا من جانب آخر. وبالمقارنة بكثير من الجمهوريات غير الديمقراطية، نجد أن إيران تتسم بمساحة أكبر من الديمقراطية في ما يتعلق بأسلوب الحكم، إذ تشهد انتخابات منتظمة على العديد من المناصب الحكومية المهمة. وفي الوقت نفسه، تلعب الحكومة الدينية دوراً رئيسياً في إضفاء الشرعية السياسية على الأحكام الدينية وذلك من خلال إعطاء الضوء الأخضر لمجلس العلماء بالتدخل المباشر في شؤون الدولة. وليس أدل على التنوع السياسي الذي تعيشه إيران حالياً من وصول علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد إلى سدة الحكم على التوالي رغم التباين الواضح بينهم من حيث المصالح والأفكار ورؤيتهم لمستقبل بلادهم.

ويرى المؤلف أن الاستقلال الإيراني لم يأتِ من فراغ، بل تكبدت إيران في سبيله ثمناً باهظاً، إذ جاء نتيجة لتجربة تحمل الطابع المحلي وإصراراً وعزيمة تجاوزت حدود القوة العسكرية التقليدية وإمكاناتها الاقتصادية. ولا شك في أن هناك صلة وثيقة تربط بين الاستقلال عن القوى الخارجية من جهة واستقلال الفكر والمجتمع الديمقراطي المدني من جهة أخرى. ويتألف السكان في معظمهم من الشباب مع ارتفاع ملحوظ في نسبة التعليم والتنمية. ولاحظ الكاتب أنه برغم سوء الإدارة الذي تعرض له الاقتصاد الإيراني، إلا أنه شهد تطورات كبيرة بسبب التقدم الهائل على الصعيد السياسي. ولعب الموقع الجغرافي دوراً حيوياً في تعزيز قدرة إيران على حماية أراضيها من هجمات الأعداء على مدار التاريخ، ولا يزال يؤدي هذا الدور بفاعلية كبيرة. ولم تتم الاستفادة حتى الآن من كامل القدرات الاقتصادية التي تتمتع بها إيران. ونظراً للانعكاسات السلبية الناتجة عن سوء إدارة الدولة والعقوبات الأمريكية والشعور الدولي العام بأن إيران غير مستقرة سياسياً، كان من الصعب على الصناعات المحلية الإيرانية الاستفادة من أساليب التقنية الحديثة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة على الرغم من حاجتها الماسة إليها. كما أسهمت القوانين التي تنظم الصناعات الثقيلة في ارتفاع نسبة البطالة بين الإيرانيين نظراً لعدم مرونتها في عملية التوظيف.

وتجدر الإشارة إلى أن الحرب التي نشبت بين إيران والعراق ما بين عامي 1980 و1988 ألقت بظلالها الكثيفة على المشهد الاقتصادي والسياسي في إيران، حيث لجأت إيران، حسب رأي الكاتب، إلى الاستعانة بعناصر إرهابية في أعقاب عام 1979، وبرهنت العناصر غير الحكومية على أنها أداة فعالة إبان حالة العزلة النسبية التي فرضتها إيران على نفسها بسبب اتباعها الصارم لسياسة عدم الانحياز في هذه الفترة، إذ برزت هذه الجماعات الإرهابية كورقة تفاوض رابحة في يد إيران مما ساعدها على كسب التأييد في أوساط الشارع العربي وشكلت الذراع الطولى لقوة إيران العسكرية. كما حرصت إيران على تعزيز بنيتها العسكرية عبر إنشاء (حزب الله) خلال الحرب الأهلية اللبنانية كوحدة شيعية مقاتلة، والذي يراه البعض أنه كان وراء إدخال أسلوب العمليات الاستشهادية في الشرق الأوسط وأول من استغلها كأداة سياسية فعالة.

ويحذر الكاتب من أنه إذا واصلت إيران نهجها وسياستها الحالية، فإن بعض الدول، مثل الصين وروسيا، التي تسعى إلى تقويض الهيمنة الأمريكية ستفضل التعاون مع إيران ليس بغرض الحصول على النفط الإيراني فقط، بل الأهم من ذلك أنها ستعوق الولايات المتحدة من المضي قدماً في طريقها. ومن المتوقع أن تلعب إيران دوراً قوياً في هذه المنطقة الحساسة ويمكن أن تعود بالنفع أو الضرر على القوة العظمى الوحيدة في العالم وعلى أي من خصومها الدوليين.

ويقول الكاتب إن موقف إيران الغريب كدولة تقوم سياستها التقليدية على مبارزة الولايات المتحدة الأمريكية بالعداء الشديد ودعم المنظمات الإرهابية وضعها في مصاف الدول المارقة وعلى رأس قائمة (الحرب على الإرهاب) عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وفي ضوء مبدأ نيكسون الجديد الذي يضع تبني الديمقراطية شرطاً أساسياً لنيل الدعم والتأييد الأمريكي، يرى المؤلف أن إيران، حتى إن امتلكت أسلحة نووية، يمكن أن تمنح الولايات المتحدة فرصة هائلة للانسحاب عسكرياً من المنطقة من دون التنازل عن مصلحتها المستمرة في استقرار منطقة الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً.

وعند الموازنة بين المكاسب والخسائر الناجمة عن ظهور إيران كقوة نووية، يجب أن نضع في الأذهان أن إسرائيل والولايات المتحدة تمتلكان درعاً نووية قادرة على صد أي هجمات عسكرية من الدول المعادية. ومن هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه لا يدور حول سعي إيران لمحو إسرائيل من الخريطة، لأن هذا أمر غير محتمل، بل هل ستشعر أمريكا بالارتياح إذا لم تتمكن من إجبار إيران على القيام بما تريد. وهنا يجب أن يتركز النقاش حول مسألة امتلاك إيران لأسلحة نووية في المستقبل على افتراض أن هذه الأسلحة ذات طبيعة دفاعية وأنها لن تستخدم كأداة لمهاجمة الآخرين ومحوهم من الخريطة.

وأخيراً، يؤيد المؤلف انتهاج آلية متوازنة تأخذ الظروف الحالية والاستراتيجية العظمى في الاعتبار استناداً إلى رؤية طويلة المدى وفي ضوء (مسيرة الاستقلال) الإيرانية والدور المستقبلي المحتمل الذي يمكن أن تلعبه إيران كحليف للولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن ذلك سوف يضع الولايات المتحدة في موقف لا تحسد عليه، فالسماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية سيظهر الرئيس الأمريكي عاجزاً أمام حلفاء الولايات المتحدة، وفي المقابل يؤيد مبدأ نيكسون، الذي يمنح القوى الإقليمية دوراً فعالاً في تأمين مصالحها والاستفادة من القوى الإقليمية مما يجعل تدخل وتأثير الولايات المتحدة أقل وضوحاً ويعزز قدرتها على التأثير غير المباشر. ويؤكد غونزاليز أن الدول الأخرى تكون أكثر استعداداً وقدرة على توفير الأمن في مناطقها مما يمنحها هيبة ونفوذاً إقليمياً. ومما يدعو للأسف أن هذا المفهوم غاب عن كثير من صناع السياسة وخاصة من كانوا وراء احتلال العراق. 

مقالات لنفس الكاتب