array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

حركات الإصلاح في الخليج، حتمية تغيير أم رغبة حقيقية

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

الديمقراطية حقيقة مجرده أم نتاج عوامل أخرى :
لقد واجهت مبادىء الديمقراطية التي ما فتىء العالم الحر يباهي بها ويتفاخر طوال قرنين من الزمان أقسى اختبار لها حينما تهاوى برجي نيويورك ليكشف عن حقيقة أن الديمقراطية ما كانت لتقوم لها قائمة دون وجود أسس يقوم عليها بنيانها، ومن أهم هذه الأسس بل هو أهمها على الإطلاق العامل الامني والرخاء الاقتصادي. ففي اللحظة التي تعرض فيها أمن الولايات المتحدة لهذه الهزة العنيفة انحسرت المبادىء الديمقراطية تاركة مساحات شاسعة للضوابط والقيود التي تحد من الحريات العامة والشخصية، فمن مراقبة الرسائل الالكترونية والمكالمات الهاتفية إلى التوقيف والاعتقال الذي يشبه في إجراءاته ما نصت عليه قوانين الطوارىء في الدول النامية التي لم يخل تقرير من تقارير وزارة الخارجية الأمريكية الخاصة بمراقبة حقوق الإنسان والحريات العامة من إدانتها والمطالبة بالغائها.
وإذ أدركت القوى العظمى في العالم خطر زعزعت الأمن على نظمها الديمقراطية، فقد قامت بشن الحروب على غير هدى دون الإرتكاز إلى استراتيجية واضحة ترسم الغاية النهائية من وراء هذه الحروب.

خطورة إيديولوجيات الإصلاح :

وإذا كانت القوه العسكرية والولوج إلى المنطقة العربية له من الإنعكاسات الخطيرة ما يستعصى على الحصر والعد، فإن إيديولوجيات التغير التي تتمناها القوى العظمى باتجاه المنطقة بشكل عام ومنطقة الخليج على وجه الخصوص لا تقل خطورة وأثر عما سبق ذكره من أثر العامل العسكري. إذ أن هذه الإيديولوجية تحمل في طياتها رغبة من جانب القوى العظمى في إحداث تغيّير جذري في دول الخليج والدول العربية بشكل عام على كافة الأصعدة، ولكن يبقى دائماً خلو مثل هذه الأيديولوجيات ذات الطابع البراغماتي من استراتيجية واضحة تأخذ في عين الاعتبار ضرورة مواءمة آليات التغيير للطابع الخاص والموروث الثقافي لمجتمعات المنطقة.

تيارات الإصلاح العربية الخليجية في الميزان :

وقد وجدت التيارات الإصلاحية تفي المنطقة ضالتها في اطروحات الإصلاح ومشاريع التغيير التي تقترحها وتنادي بها، وربما تحاول فرضها القوى العظمى أو ديمقراطيات العالم الحر إن شئت. وإذا كان قد استقر في ضمير الأمة والعقل العربي أن كل ما وافق السياسات الأمريكية فهو مرفوض مما يستتبع بالضرورة وضع كل من يؤيد أو لا يعارض بعض هذه السياسات في دائرة الشك والنظر إليه بريبة وتوجس، فإن حركات الإصلاحات التي تعالت أصواتها في منطقة الخليج بعد سقوط النظام العراقي واطراد نشاط الحركات الراديكالية في دول المنطقة قد تجاذبتها أقلام النقاد والمحللين السياسيين بين مؤيد ومؤيد بتحفظ، ومشكك ومعارض وأحياناً قادح وطاعن في مصداقية وانتماء بعض أعضاء هذه الحركات.

والواقع أن تعميم الأحكام في أي إتجاه يعد أمراً مرفوضاً ومنافياً لما يجب أن يتمتع به قلم الباحث والمحلل من موضوعية وتجرد عن أي مبادىء أو معتقدات سياسية يؤمن بها صاحب ذلك القلم. لذلك فإن المسألة برمتها تبدو للمرء غاية في البساطة والوضوح من حيث التحليل والدراسة النظرية، عصية على التطبيق متشعبة الأبعاد من حيث الواقع العملي. ولمزيد من الإيضاح أقول : لا يختلف اثنان في أن الإصلاح السياسي هو أمر مطلوب بل يجب السعي وراءه والمطالبة به، ولكن كما قال شوقي رحمه الله "وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركاباً".

والغلاب والركاب في موضوع الإصلاح إنما يتمثل في آليات التطبيق التي يجب أن تعكس استراتيجية واضحة لا تغض الطرف عن طبيعة وخصوصية المنطقة وشعوبها، وهنا يبدو جلياً الخطأ المزمن الذي تعاني منه غالبية –ولا أقول كل- التيارات الإصلاحية في منطقتنا فمنذ منتصف السبعينات حينما بدأت المناداة بالإصلاح والتغيير في العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر التي حاول فيها الرئيس الراحل أنور السادات دفع البلاد إلى مسار ديمقراطي أعقب فترة من انحسار النشاط الحزبي والتفرد بالسلطة، منذ ذلك الوقت أخذت التيارات الإصلاحية تعلن عن نفسها وتنادي بالتغيير بدءاً من القمة وفيما يبدو نزولاً إليها، ولم تنجح تلك الحركات بطبيعة الحال في مسعاها وذلك إما لخلو مشاريعها من برنامج واضح يحدد ميكانزم عملها وبرامجها المستقبلية، وإما لكون هذه الحركات قد بدأت من حيث يجب أن تنتهي في مشاريعها الإصلاحية، إذ أن تركيزها ينصب على قمة هرم السلطة في حين أن العمل يجب أن يبدأ من القاعدة وينتهي إلى القمة.
وإذا ما نقلنا المسألة من عموميتها من حيث المكان (على مستوى العالم العربي) ومن حيث الموضوع (الإصلاح السياسي بشكل عام) إلى خصوصية منطقة الخليج والمطالبة بتفعيل المبادىء الديمقراطية فإن السؤال المطروح في هذا الصدد هو : هل ستجد الممارسة الديمقراطية لها تربه صالحة تجعلها تؤتي أكلها ومن ثم تنعكس مردوداتها على مسيرة التنمية في دول المنطقة ؟ وإذا كان الوعي السياسي لدى الشعوب يعد بمثابة التربة الصالحة التي نتحدث عنها والوقود الذي تدور به عجلة الديمقراطية، فإن السؤال الثاني يقفز أمامنا على الفور ليضعنا في حيرة وربما في حرج لدى البعض: إذ هل تعد شعوب المنطقة العربية بما فيها منطقة الخليج شعوباً ذات وعي سياسي يؤهلها للممارسة الديمقراطية المجردة بعيداً عن أي اعتبارات أخرى مهما كبرت أو صغرت؟

استقراء التجارب يبرز الواقع :

والإجابة على هذا السؤال لا يمكن استخلاصها إلا من خلال استقراء ومراجعة سريعة لبعض عمليات الإنتخاب والتصويت العام في العديد من الدول العربية خارج منطقة الخليج إذ يمكنك تصنيف الناخبين في هذا الصدد إلى ثلاثة فئات : الفئة الأولى تصوت على أساس من الحماس والانفعال اللحظي المؤثر الذي يبثه المرشح في خطبه النارية حينما يدغدغ مشاعر أجيال عاشت فترات الصراع والاستعمار وشعارات الثورة الحمراء التي بهت لونها وصبغها أصحابها باللون الأشقرالزاهي.

الفئة الثانية هم أولئك الرازحين تحت ضنك العيش والذين يعتبرون السياسة وملحقاتها خارج دائرة اهتمامهم بل وينظرون إلى المشتغلين بالسياسة والمتحدثين بها من أمثالي أناس لا يجدون ما يملؤون به وقت فراغهم، وهذه الفئة إنما تصوت وفقاً للتسعيرة التي يضعها كل مرشح لنفسه فمن يدفع أكثر يضمن أصوات هذه الفئة، وبطبيعة الحال ليس من الضروري أن يكون المقابل نقدياً إذ يمكن أن يكون على شكل خدمة أو تدبير إجازة مدفوعة الراتب إلخ ...الفئة الثالثة وهي بيت القصيد في موضوعنا هذا هي التي تعطي أصواتها على أسس من التكافل الأسري والإنتماء الطائفي أو الولاء القبلي، إذ يأبى الناخب في هذه الفئة إلا أن يعطي صوته إلى من تربطه به صلة قرابة أو علاقة عشائرية أو تجمعه والمرشح طائفة واحدة قد تكون دينية أو إجتماعية.

البرامج الفاعلة الطريق الحقيقي للإصلاح السياسي في منطقة الخليج :

وإذا كانت منطقة الخليج ذات تركيبه اجتماعية متداخله يغلب عليها الطابع العشائري فإن السؤال القائم والذي يجب أن تجيب عليه الحركات المطالبة بالتغيير القمي هو : هل هيأت هذه الحركات ومن خلال برامج مدروسة وحملات توعية ممنهجة المواطن الخليجي سياسياً بحيث لا يضع نصب عينيه وهو متجه إلى صندوق الإقتراع سوى حقه الدستوري في الإنتخاب والذي يحتم عليه أن يختار على أساس واحد فقط هو الصالح العام ودفع عجلة التقدم في بلاده ؟ فهو حر في أن يختار من بين المرشحين من يراه الأصلح لتحقيق هذه الغاية، وهو ملزم أن لا يختار على أساس غير هذا.

معادلة سهلة كما قلنا من حيث الدراسة النظرية عسيرة التطبيق. تلك هي العلة المزمنة التي تعاني منها حركات الإصلاح في العالم العربي، وأقول وبمنتهى الوضوح أنني شخصياً لا يريبني تبني بعض التيارات الإصلاحية لبعض مشاريع وأطروحات التغيير الوافدة من دول العالم الحر كما تسمي نفسها بل الذي يريبني ويجعلني على يقين من أن العديد من هذه الحركات الإصلاحية في عالمنا العربي تفتقد للمصداقية وتسعى لتحقيق مكاسب سياسية لا تأخذ في اعتبارها سوى المصلحة الحزبية والشخصية وذلك حينما تنادي وتسعى هذه الحركات إلى التغيير القمي غاضة الطرف عن القاعدة والأساس، وهي في هذا لا تختلف قيد أنملة عن حال الناخب العربي الذي يختار مرشحه على أسس غير ديمقراطية، بل أنها شر منه إذ قد يستفيد الناخب في تبرير ممارسته الخاطئة من قاعدة العذر بالجهل، في حين أن هذه الحركات لا عذر لها.

خلاصـــــــــــــــة

لما كان ذلك كذلك فإن التيارات الإصلاحية بمجملها لابد لها من إعادة النظر في استراتيجياتها وبرامجها وآليات تطبيق تلك البرامج جاعلة إصلاح القاعدة وتأهيل الشعوب للمارسة الديمقراطية الموضوع الأول لمنهج عملها بحيث إذا ما انتهت من ذلك تحقق مرادها في إحداث إصلاح حقيقي متجذر لا تؤثر فيه التغيرات والتقلبات السياسية والإقتصادية المحيطة أو حتى الداخلية. وختاماً فإن التيار الإصلاحي في منطقة الخليج مدعو لاستقراء وتأمل تاريخ حركات الإصلاح الفاشلة أولاً كيما يستفيد من أخطائها فيتجنبها ويعدل من استراتيجية عمله وصدق الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين حينما قال في احدى مقالاته : إن الإنسان حيوان مجرب يستفيد من أخطاء ماضيه فيتجنبها في حاضره ومستقبله.

مقالات لنفس الكاتب