array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

ملاحظات حول تعامل الإعلام العربي مع قضايا الإرهاب والعنف السياسي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

لم يواجه الإعلام العربي في تاريخه المعاصر امتحاناً عسيراً كالذي يواجهه اليوم في عملية التعامل مع ظاهرة العنف السياسي المنتشر في الشارعين العربي والدولي بشكل عام. ففي التاريخ القريب كان الإعلام العربي يتعامل مع الأعداء او الأصدقاء بأسلوب الأسود والأبيض وبأسلوب لا توجد فيه أرض وسطى بين ما هو خطأ وما هو صواب . فقد كانت سيطرة مؤسسات الدولة وقيادات الأنظمة على وسائل الإعلام بشكل احتكاري وشامل قد أنقذت جمهرة الصحفيين العرب من التفكير بما هو صحيح وبما هو خاطىء، وكيف يتم وصف الظواهر السياسية الاجتماعية القديم منها والمستجد , فكان هناك قاموس أو معجم مصطلحات شبه ثابت في كل دولة عربية كتب عبر الزمن من قبل عناصر السلطة يستدل بمحتواه وبأسلوب يقارب التقديس رجال الإعلام في كل دولة على حدة ، لا يتغير محتواه إلا نادرا , ولا يتغير إلا بناء واستجابة لحدوث تغير في أهواء ومصالح رجال السلطة.

واليوم في عالم العولمة والتقدم التكنولوجي الذي كسر الحواجز الجغرافية للمعرفة وتبادل الآراء والمعلومات وجعل الخبر والرأي مباحين بسعر مادي رخيص وبجهد محدود لا يتجاوز امتلاك طبق استقبال البث الفضائي او امتلاك جهاز كمبيوتر، وحرر المعلومة والرأي من سجون الجغرافيا وقيود الرقابة المحلية. وجد قابضو السلطة في العالم العربي , ربما لأول مرة في التاريخ , أنه تم غزوهم في عقر دارهم من عدو غير مرئي.

وقد أجبروا , عمليا وفعليا, على التخلي قسراً عن سيادتهم على عقول مواطنيهم . وذلك تحت تأثير التقدم التكنولوجي المستورد من العالم الغربي. وكان رد الفعل التلقائي المتوقع والاستراتيجية الأولى لبعض الأنظمة العربية هما محاولة إصدار تشريعات تنص على عقوبات قاسية تمنع امتلاك أطباق استقبال البث الفضائي وتمنع امتلاك او استعمال وسائل الانترنت . ولكن حالما أدركت هذه السلطات أنها تخوض معركة خاسرة مع تكنولوجيا لا يمكن إيقافها او تحديدها او تحييدها. وهنا حدث تحول جذري في استراتيجية هذه الأنظمة عملا بالمثل القائل: " إذا لم تستطع إيقاف التيار عليك أن تسبح معه ". فما نشاهد اليوم هو ليس قيام الحكومات العربية بالسباحة مع التيار بل التسابق معه. وتجسدت هذه الاستراتيجية الجديدة بقيام الحكومات العربية بتأسيس ورعاية محطات البث الفضائي وبأعداد كبيرة خصصت لها ميزانيات مالية ضخمة , ثم القيام بتأسيس مواقع انترنت للسلطة ومؤسساتها على أمل تبني أسلوب حماية النفس وامتلاك القدرة على شن الهجمات المضادة عملا بالمبدأ القائل إن الهجوم أفضل وسائل الدفاع.

ورغم أن كل سلبيات ثورة الفضائيات العربية المتمثلة بقيام بعضها بتبني نشر الخلاعة والابتذال الأخلاقي والتقليد الأعمى والمبتذل لكل ما هو غربي والعمل بشكل جاد على انحطاط القيم الاجتماعية والأخلاقية ,والاستعمال المبتذل للهجات العامية على حساب اللغة العربية الصحيحة وغيرها من مئات الافرازات السلبية تبقى ثورة الفضائيات العربية بجانب ثورة الانترنت أهم ثوره عصفت بالعالم العربي وأكثرها ايجابية. وتتمثل إنجازات هذه الثورة بعوامل أساسية:

الأول : أنها أمست أكبر عامل لتوحيد العالم العربي ثقافياً وحضارياً ونفسياً رغم بقاء الحواجز السياسية والقانونية وتعمقها . فمواطن في المغرب أو موريتانيا يستمع ويستلذ صوتاً وصورة ومضموناً مثلاً ، بدأ بموسيقا وأغاني ومسرحيات مواطني الخليج العربي والعكس صحيح. وأخبار وتطورات ومشاكل المجتمع التونسي او المصري مثلا تنقل يومياً الى داخل البيت العماني أو اليمني . ويتميز تأثير الفضائيات بشكل أوسع بكثير من تأثير الانترنت حيث إنها تخاطب وتتواصل مع جميع فئات المجتمع العربي , الصغير والكبير, المتعلم والأمي , وأمست مصدر المعلومات ومصدراً مهماً من مصادر الثقافة للمواطن العادي ورجل الشارع في العالم العربي.

الثاني : هو سقوط احتكار السلطة للخبر أو المعلومة وسقوط مبدأ إمكانية إخفاء الحقائق عن المواطن. ففي السابق كانت السلطات وبوسائل احتكارها وسيطرتها على وسائل الإعلام المحلية وبواسطة نفوذها الواسع على وسائل الإعلام الخارجية وخاصة الصحافة المكتوبة كانت تمتلك القدرة الفعالة على إخفاء الحدث عن المواطن العربي ، مهما عظمت إثارته ولو لفترة زمنية محددة , او إعطاء أنصاف الحقائق واختزال المعلومة.

وتحت تأثير ثورة الفضائيات والانترنت أجبرت السلطات على أخذ زمام المبادرة وإعلام المواطن بالحدث وتفاصيله من دون تأخير أو تسويف ليس كرماً أو احتراماً لحق المواطن في المعرفة بل خوفاً ورهبة من قيام المصادر الأخرى "المنافسة " و"المعادية " منها ببث الخبر أو المعلومة , قبل قيام السلطات المعنية بهذه المهمة وبشكل قد يكون مشوهاً أو مبالغاً فيه مما يسيء لموقف السلطة ويسبب لها الإحراج أمام الرأي العام المحلي والدولي. لذا فإن القواعد التي كانت سائدة في الإعلام العربي والقائلة بانعدام الضرورة لإعلام المواطن بما يحدث في وطنه , فوراً وبالتفاصيل , قد سقطت أمام امتحان عالم الفضائيات العربية والدولية ووسائل الانترنت. وأصبح السباق لنشر الخبر أو المعلومة يجري بين وسائل إعلام الدولة الرسمية أو التجارية المرتبطة بها من جهة , وبين وسائل الإعلام الخارجي الأخرى مما جعل المواطن العربي يجني المنفعة من التنافس وصراع المصالح السياسية.

والثالث : هو سقوط احتكار السلطة لامتلاك وسائل الإعلام بسبب الانخفاض المستمر, في أسعار التكنولوجيا الحديثة الخاصة بالبث الفضائي والانترنت والتي قادت إلى جعل شركات خاصة وبإمكانيات مادية محدودة قادرة على تأسيس محطات البث الفضائي أو الاستعانة الفعالة بوسائل الانترنت . وبسبب التغيرات القانونية التي طرأت على التشريعات الخاصة بحقوق الحصول على إجازة تأسيس المؤسسات الإعلامية المرئية أو المسموعة او المكتوبة. وخاصة إمكانية البث الفضائي العربي من دول العالم الغربي أو دول عربية معينة من دون قيود أو صعوبات تحد من استقلالية المؤسسة وحريتها في التعامل مع المعلومات.

ورغم قيام الثورة التكنولوجية الحديثة بإسقاط وإزالة القيود التقليدية التي كانت تحد من حرية واستقلالية ومصداقية وسائل الإعلام العربي , فإن هذه الثورة بحد ذاتها قد خلقت مشاكل جديدة لا تقل تعقيداً وخطورة عن المشاكل القديمة. ومحور المشكلة التي نتناولها هنا يدور حول كيفية التعامل مع المعلومة في ظل ظروف الحرية التي وفرتها الثورة التكنولوجية. وكمثال على هذا المأزق تبرز قضية كيفية تعامل الإعلام العربي "الحر " مع ظاهرة العنف السياسي أو الإرهاب الذي يبدو أن العرب والمسلمين أمسوا المحور الأساسي له منفذين وضحايا.

فالخلاف والاختلاف لا ينحصر فقط بكيفية استعمال المصطلحات لتوفير الوصف الصحيح للظواهر المستجدة . بل أصبح أسلوب استعمال المصطلح وعامل الانتقائية في النشرات الإخبارية والبرامج السياسية يدل على الانتماء السياسي والعقائدي لكل مؤسسة : هل هو إرهاب وإجرام منبوذ أم جهاد شرعي محمود ؟ هل هو دفاع عن النفس والأرض والعرض أم هو عنف لا هدف أو غاية سامية له ؟ هل هي عملية انتحارية, أم عملية استشهادية , أم عملية قتل النفس ؟ هل هي عملية قتل مدنيين أبرياء ، أم قتل أجانب ؟ هل هي استراتيجية تخدم في نتائجها المصالح الوطنية والقومية أم أنها إستراتيجية لتخريب سمعة الأمة وتهديد مصالحها العليا وقيمها الأخلاقية والحضارية.
والمشكلة التي واجهتها وسائل الإعلام العربية تتلخص في حقيقة مرة ومؤلمة مفادها أن أغلب "الإرهابيين" هم من العرب أو من المسلمين أو من الطرفين معاً .

ووقعت وسائل الإعلام بين ثلاث قوى من الشد والجذب في مهمتها لتغطية الأحداث " الإرهابية " فخضعت لرحمة مطرقة (أو مطارق) السلطات الرسمية التي إما أنها تمتلك المحطة الفضائية بشكل مباشر أو إنها " تمتلكها " بأسلوب غير مباشر عبر وسائل الدعم المادي المباشر وغير المباشر . ثم ثانياً مطرقة نقد الشارع العربي والإسلامي الذي يمتلك عادة وجهة نظر ومصالح تختلف إن لم تتعارض كلياً مع المواقف الرسمية , ومصداقية المحطة في النهاية تعتمد على حكم رجل الشارع عنها, سلباً أو إيجاباً , وليس على حكم السلطة. وجاءت المطرقة الثالثة وتتمثل بعامل الضغوط الخارجية , وخاصة من دول وحكومات عربية أو أجنبية ذات نفوذ , الموجهة بشكل مباشر ضد المؤسسة الإعلامية أو بشكل غير مباشر عبر الضغوط على السلطات الرسمية ذات التأثير على سياسة المحطة الإخبارية .

وفي الخلاصة يمكن القول إن الإعلام العربي في القرن الواحد والعشرين قد سار مرغماً مع ركب التقدم التكنولوجي في تبني البث الفضائي والاستعانة بوسائل الانترنت . ولكنه لايزال بعيداً عن تحقيق الاستقلالية في مجال تحرير الخبر أو المعلومة أو الرأي , ومازال رؤساء التحرير في جميع وسائل الإعلام العربية المكتوبة , أو المرئية والمسموعة سجناء واقع سياسي ومصلحي عصيب , يستوجب للحافظ على لقمة العيش امتلاك حكمة الأنبياء والقديسين , وعليهم الإبحار في خطوط مستقيمة لتجنب المساس بخطوط ونقاط حمر كثيرة في عددها ومتعددة في مصادرها, منها ما هو مرئي معلوم , وبعضها , إن لم يكن أغلبها ظرفي غير ظاهر للعيان. وما ظاهرة إقصاء وتبديل رؤساء ومديري التحرير والصحفيين في وسائل الإعلام العربية والتي أمست ظاهرة مألوفة وبمعدل مقلق , وخاصة خلال فترة السنوات الثلاث الماضية , إلا دليلا على أن الإعلام العربي لم يصل إلى مرحلة النضوج ومازال سجين قيود السلطة رغم الاستقلالية الظاهرة.

مقالات لنفس الكاتب