array(1) { [0]=> object(stdClass)#12972 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

القنوات الفضائية في منطقة الخليج العربي: نحو رؤية إعلامية معاصرة

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

شكلت معركة "عاصفة الصحراء" لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991 منعطفا محوريا للإعلام الجماهيري الخليجي بعامة والإعلام التلفزيوني بخاصة، وذلك في ضوء حقيقتين هامتين: الأولى وتتمثل في إدراك القائمين على المؤسسات الإعلامية في منطقة الخليج العربي للدور المتنامي لوسائل الإعلام الغربية العابرة للحدود كشبكة CNN الإخبارية أثناء الحرب في السيطرة على تدفق المعلومات والأخبار، وبالتالي في التحكم في اتجاهات الرأي العام الإقليمي والعالمي حول النزاع القائم في المنطقة، وهو ما عزز احتكار وسائل الإعلام تلك لعملية نقل الأخبار المتعلقة بمجريات المعارك في مناطق النزاع العسكري وفق وجهة النظر التي تتبناها تلك الشبكة على حساب وجهات النظر الأخرى.

أما الحقيقة الثانية التي أفرزتها "عاصفة الصحراء" فتتمثل في إدراك المسؤولين في دول الخليج العربية لأهمية تولي وسائل الإعلام المحلية، وبخاصة التلفزيونية العابرة للحدود، لدور أكبر في تبادل الأخبار والمعلومات بهدف خلق بدائل محلية يعتد بها لجماهير المنطقة، ويمكن الاستناد إليها في تكوين رأي عام إيجابي نحو القضايا المختلفة التي تهم شعوبها. ولعل من قبيل المصادفة أن تتزامن تلك الأحداث والتوقعات والطموحات مع قدوم ثورة عالمية جديدة في المعلومات والاتصالات، مصحوبة بثورة أخرى اقتصادية تعزز دور القطاع الخاص في عملية التطوير والتنمية مقارنة بالدور الشمولي التقليدي الذي لعبته المؤسسات الحكومية في المنطقة على مدى نصف قرن من الزمان.

الإعلام الفضائي وليد التخطيط أم المصادفة؟

إن هذا التزاوج العجيب بين نشوب النزاعات العسكرية الإقليمية ونهاية الحرب الباردة بين الشرق والغرب وإعادة تشكيل التوقعات الإعلامية، إضافة للتحولات التكنولوجية والاقتصادية الكونية الهائلة هو الذي أعطى زخما كبيرا لانطلاق الإعلام الفضائي في منطقة الخليج، ومنحه شخصيته الحالية، و ربما حدد معالم مستقبله لعقود قادمة. فمن الناحية التاريخية، كانت منطقة الخليج العربي سباقة في إطلاق القنوات الفضائية لتصل إلى جماهير العرب في كل مكان، ابتداء بالقناة الفضائية الكويتية 1991)) وقناة أبوظبي ( 1992) وقناة دبي الفضائية (1992) وقناة البحرين، والقناتين السعودية الأولى والثانية (1995)، وقناة الجزيرة الفضائية (1996). كما كانت دول الخليج العربية تحظى بقصب السبق في إشراك القطاع الخاص في البث التلفزيوني الفضائي من خلال إطلاق عدد من المشاريع الإعلامية الاستثمارية المستندة إلى رؤوس أموال خليجية، فكانت انطلاقة مركز تلفزيون الشرق الأوسط (MBC) من لندن عام 1991 كإحدى اذرع شركة "آرا" الإعلامية السعودية ليكون أول مشروع إعلامي تلفزيوني عربي خاص يبث من خارج المنطقة العربية، وكان من إسهاماته إدخال صيغ برامجية متنوعة ذات طبيعة ترفيهية وغير رسمية لم يعتد عليها المشاهد العربي في ظل نصف قرن من التلفزيون الحكومي المتحجر الذي كان همه الوحيد التصفيق والهتاف في أجواء الاحتفالات المتكررة التي لم تكن إلا لتولد السأم والضجر لدى الجماهير المتلقية. وفي عام 1994 انطلقت "شبكة أوربت للراديو والتلفزيون" بقنواتها الرقمية من إيطاليا لتضع المشاهد العربي وجها لوجه مع برامج الترفيه والأخبار الغربية التي لم يرى مثيلا لها في حياته في ظل البيئة الإعلامية العربية. ولعل أهم ما أحدثته هذه الشبكة هو الاستقبال التلفزيوني بالاشتراك subscription TV والذي بدأ في مراحله الأولى محيرا للمشاهدين العرب الذين اعتادوا على استقبال البرامج التلفزيونية بطريقة مجانية تماما. وكانت الرسالة التي بشرت بها شبكة "اوربت" هي انه إذا مار رغب المشاهدون في التمتع بعروض برامجية جاذبة, فعليهم أن يدفعوا ثمنا لذلك. ولم يمض عام حتى وجد المشاهدون العرب أنفسهم أمام شاشات قنوات شبكة الإذاعة والتلفزيون العربية ART بقنواتها المتنوعة في موضوعاتها وصيغها واتجاهاتها، وهو ما عزز الاتجاه نحو الاستثمار في القطاع التلفزيوني كما تجلى ذلك في شبكة ART التي تملكها شركة "دلة البركة" السعودية. ومع نهاية التسعينيات وبداية القرن الجديد، صار المشاهد في دول الخليج يجد منفذا لعشرات القنوات الترفيهية التي تبث من المنطقة أو من الخارج تشكيلة من برامج الدراما الموسيقى وعروض الفكاهة وغيرها.

تحول مفهوم التلفزيون

إن من أبرز نتائج هذين الحدثين هو تغيير مفهوم التلفزيون في منطقة الخليج من أداة للترويج السياسي والأيديولوجي إلى وسيلة للترفيه والثقافة والتعليم بات وجوده ضروريا لمواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عاشتها المنطقة مع ظهور جيل جديد من الشباب يبحث عن هوية بين أكناف العولمة المتوحشة أو في دهاليز الفكر الديني المتزمت. ورغم أهمية التطورات المشار إليها أعلاه، فإنه لا يختلف اثنان على أن تحولات الإعلام الفضائي الخليجي لم تكن أبدا محصورة في توفير قنوات تلفزيونية ترفيهية أو ثقافية، بل في إطلاق قنوات إخبارية تهتم بالقضايا السياسية والأحداث الجارية وتقدمها للمشاهد من وجهة نظر موضوعية تفوق ما تقدمه مثيلاتها من المحطات الحكومية أو القنوات الإخبارية الغربية. ويجمع الباحثون والمحللون على أن منطقة الخليج العربي تتفرد بين الدول العربية بوجود قنوات فضائية إخبارية قديرة، تتمتع بمصداقية ومهنية عالية في تقديم الأخبار والتحليلات حول القضايا المطروحة.

ولعل قنوات الجزيرة وأبو ظبي والعربية تمثل هذا الجيل الصاعد من القنوات التي تتميز بجرأة في طرح القضايا ومهنية عالية في تناولها. فقناة الجزيرة الفضائية من قطر باتت ظاهرة إعلامية محيرة في ضوء إنجازاتها في مجالات الأخبار والتعليقات وبرامج الحوار والبرامج الوثائقية. فخلال سبع سنوات من انطلاقها، استطاعت هذه القناة أن توجد لنفسها موطئ قدم على خريطة الإعلام الدولية، فكانت واحدة من بين المائة شخصية أو مؤسسة الأكثر تأثيرا في العالم عام 2003 وفق مجلة Time الأمريكية. وقد تمكنت هذه القناة من كسر حواجز الممنوعات في السياسة العربية من خلال تناول قضايا متنوعة لم تكن وسائل الإعلام تجرؤ حتى على الاقتراب منها. ومن ناحية أخرى، فإن قناة الجزيرة الفضائية قد تعرضت للكثير من الانتقادات التي تراوحت بين التشكيك بمهنيتها أو وضع علامات سؤال كبرى حول مصادر تمويلها واتجاهاتها الأيديولوجية. وقد جلبت المواقف الإعلامية التي تبنتها القناة عليها الكثير من السخط والمقاطعة والعقاب من جانب الحكومات العربية والأجنبية التي اتهمتها بتجاوز الحدود والمعايير المهنية في معالجتها للقضايا والأحداث. ورغم ذلك, لا يملك المرء إلا أن يعترف بأن هذه الظاهرة الإعلامية قد حركت مياه الإعلام الأسنة في منطقة الخليج والعالم العربي وباتت تلعب دورا قياديا في وضع المهنية لهذا القطاع الإعلامي الهام.

البعد المهني في الإعلام الفضائي

إن انتشار ظاهرة القنوات الفضائية المعنية بالأخبار والشؤون العامة في منطقة الخليج يعكس عمق وطبيعة التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر واحتلال العراق. فالمنطقة العربية بعامة ومنطقة الخليج بخاصة باتت تحد نفسها في قلب الصراعات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد ما يسمى بالإرهاب، وهي أضحت أكثر قابلية للتأثر بما يجري حولها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، حيث تتعرض المجتمعات لضغوط خارجية لتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا شك أن هذه التحولات القادمة من الخارج تتطلب من النخب السياسية الحاكمة في المنطقة البحث عن حلول محلية بدل الخضوع لوصفات تغيير خارجية مفروضة عنوة من خارج الحدود. ومن هنا يمكن النظر إلى تنامي دور القنوات الفضائية الإخبارية كواحدة من أدوات التغيير الداخلي بهدف احتواء التوترات الناجمة عن الضغوط الخارجية. فهذه القنوات، ومن خلال ما تقوم به من دور إعلامي ناقد ومحرك لمياه السياسة الراكدة في المنطقة، تعمل على خلق بيئة من التفاعل والحوار قادر على توفير بدائل محلية لكل المشكلات دون الحاجة لضغوط خارجية. ويلعب الإعلام الفضائي دورا مهما في تعزيز حالة من التوازن المجتمعي يمكن شعوب المنطقة من التعامل مع معطيات السياسة الدولية والبيئة المحلية دون الحاجة لبذل تضحيات فادحة لضمان بقائها وازدهارها.

إن التوجهات المشار إليها أعلاه في الإعلام الفضائي في منطقة الخليج العربية تشير بشكل واضح إلى مدى تلاشي دور الحكومات في التحكم بمستقبل القطاع التلفزيوني في ضوء انفتاح الحدود وتغلغل شبكة الإنترنت وتقنيات الاتصال الأخرى. كما أن ذلك يشير بجلاء إلى الثقة المتزايدة التي يحظى بها القطاع الخاص في تسيير أمور الإعلام التلفزيوني بما يتضمنه من تعزيز الجوانب التجارية والترفيهية في العملية الإعلامية بهدف تحقيق درجة عالية من التنافسية التي تضمن توفير الموارد المالية اللازمة لبقاء القنوات الفضائية في المدى البعيد. ولعل المراقب للساحة الإعلامية العربية في العقود الخمسة الماضية، سيرى بكل تأكيد مدى التدهور الذي شهده القطاع التلفزيوني تحت الإدارة الحكومية، مما ألحق أفدح الخسائر بهذا القطاع، وحال دون تقدمه وازدهاره. فالقطاع التلفزيوني عادة ما يزدهر عندما ينعتق من قيود السيطرة والرقابة، وعندما تتوفر لديه الموارد الحقيقية لتحقيق الإنجازات المبدعة، وعندما يصبح ذوق المشاهد واحتياجاته على رأس أولويات عمله. وليس من قبيل الصدفة أن نشاهد تراجع المشاهدة للقنوات الفضائية الحكومية لصالح القنوات الخاصة في ضوء تعدد المنافذ الإعلامية للمشاهدين وتمكنهم من الوصول إلى برامج تتناغم مع أذواقهم واتجاهاتهم.

تحديات المستقبل

إن الحديث عن واقع ومستقبل الإعلام الفضائي الخليجي لا بد أن يفتح المجال للحديث عن التحديات التي تواجه هذه القطاع في ظل تنامي المنافسة وتصاعد أجواء التوتر السياسي والأمني في المنطقة وتباطؤ حركة التغيير السياسي والاجتماعي وتعاظم القدرات التكنولوجية الدولية في مجال الاتصال والإعلام. إن قدرة الإعلام الفضائي الحكومي أو الخاص في دول الخليج العربية على البقاء هي مرتبطة بشكل كبير بالقدرة على التنافس مع عشرات القنوات والمحطات الفضائية التي تبث من داخل المنطقة العربية وخارجها, وتقوم بتقديم برامج ذات طابع تقني متطور وجاذب. ولكي تتمكن القنوات الفضائية في المنطقة من التنافس، فلا بد لها أن تمتلك الاستقلالية التحريرية والمالية والإدارية التي تمكنها من اتخاذ القرارات المناسبة وفق الظروف الموضوعية للسوق الإعلامية. فلا يمكن لنا أن نتوقع حدوث اختراقات إعلامية للفضائيات في سعيها للاستئثار بقلوب وعقول الجماهير وهي تفتقر لأسس العمل الإعلامي بمفهومه الفني، وهذا الأمر يتطلب توفير الموارد والإمكانيات المادية وتدريب الكوادر البشرية القادرة على التعامل الابتكاري مع تقنيات الإنتاج التلفزيوني. كما أنه لا بد للقنوات الفضائية أن تعكس تضاريس النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع وأن تكون صوتا لكل أفراد المجتمع وجماعاته بصرف النظر عن الانتماء السياسي أو العرقي لأفراده.

إن القضية الأساسية التي لا بد للقنوات الفضائية الخليجية أن تتعامل معها تتمثل في تحديد الهوية التي ترغب في تبنيها في ضوء ما نشاهده من تداخل بين المحلي والعالمي، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا نعيش في عالم يعتبر التداخل أحد سماته، وبالتالي فلا يمكننا أن ننفصم عم الواقع المعاش بأي شكل من الأشكال. غير أن طغيان البعد الثقافي الخارجي بكل تفاصيله الدقيقة على البعد المحلي لمجتمعات الخليج يظل هاجسا مهما يراود أذهان صانعي السياسات الإعلامية والثقافية في المنطقة. فبعيدا عن الإفراط في التفاؤل، فإننا نرى أنه ينبغي على الإعلام الفضائي الخليجي أن يضع نصب عينيه ترقية الثقافة المحلية بكل أوجهها التقليدية والمعاصرة قبل أن يفكر في الانطلاق نحو العالمية. وبالطبع، هناك نماذج يعتد بها في القنوات الفضائية الخليجية التي حققت نوعا من الإنجاز في هذا المجال مثل قناة الفضائية وقناة الإمارات وقناة "إقرأ" وقناة المجد الفضائية والقناة السعودية الأولى، وغيرها. كما أن اتساع الفجوة بين الإعلام الفضائي الحكومي والخاص بما يحمله القطاعان من تفاوت في الأشكال والمضامين البرامجية والخطابات الإعلامية ربما تشكل عنصر تشويش أمام أي خطط لجذب الجماهير وإقناعها بالرسالة التي تسعى هذه المحطات إلى تحقيقها.

استنتاجات

قطع الإعلام الفضائي في دول الخليج العربية شوطا مهما في التأسيس لظاهرة السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية المحلية التي تحمل في طياتها بذور عدم اليقين في شأن مستقبل هذه المنطقة من العالم. إن المراقب لمسيرة تطور القنوات الفضائية في دول الخليج العربية يلمس ريادة مشوقة في الانطلاق نحو العالمية وإدخال أحدث التقنيات الرقمية الحديثة. وتبنى ممارسات إعلامية وفق ارفع المعايير المهنية العالمية. غير أن نظرة متعمقة لظاهرة القنوات الفضائية في منطقة الخليج العربية لا بد أن تتخطى في تمحيصها للموقف ستار التقنيات والتاريخ لتطال الهوية التي تطمح هذه القنوات الإعلامية في اكتسابها. وحيث أن هوية القنوات الفضائية لا بد أن تستمد جوهرها من البيئة الثقافية والاجتماعية للمجتمع, فإننا نلاحظ مدى حاجة هذه القنوات لترسيخ مفاهيم اجتماعية وسياسية وثقافية مرتبطة ليس فقط بتاريخ وتراث مجتمعنا. المنطقة وتراثها الديني والوطني بل بقدرة هذه المجتمعات على التعامل الايجابي والمبدع مع معطيات الحضارة الإنسانية المعاصرة. ولعل هذه التوقعات تضع القنوات الفضائية في دول الخليج العربية أمام تحديات جسام تتطلب مواجهتها بلورة رؤى إعلامية استراتيجية تعكس تطلعات شعب المنطقة للتطور والازدهار.

مقالات لنفس الكاتب