array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الرقيب في زمن الحرب

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

مع فقر الموارد الخبرية في الإعلام العربي واعتماده الكبير على الوكالات الإخبارية الغربية أدت الضغوط المفروضة عليه إلى هزة في نسق وطريقة تقديم الخبر العربي قد تكون لها آثار خطيرة في العمل الإعلامي العربي وفي الذوق العام للجمهور العربي.
في الماضي كان الرقيب يفتح عينيه ويراقب كل خبر قد يكون ذا خط معاكس لإرادة الحكومة، ولكن رقيب اليوم أصبح يضطلع بمهمة أخطر، وهي التأكد من أن الأخبار التي تمر أمامه لا تغضب سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في بلاده. والمقلق في الأمر أن عمل رقيب اليوم قد أدى إلى انهيار خطير في أسس العمل الصحفي، وبتنا نرى على شاشات التلفزيونات العربية ونقرأ في صحف الوطن العربي أخباراً تفتقر إلى مبادىء صياغة الخبر ومبنية على أساس نقص المعلومة.من الأولويات التي فرضت على الإعلام العربي في زمن تجدد النزعة الاحتلالية تصوير عمليات المقاومة ضد الاحتلال على أنها عمليات إرهابية لا تؤدي إلا لمقتل أناس أبرياء.

فالإعلام العربي صار لا يجد حرجاً في نشر خبر يقول «هجوم على قافلة أمريكية يؤدي إلى مقتل عراقيين». إذا نظرنا إلى تركيبة هذا الخبر سنجده مبرراً من وجهة النظر الأمريكية، فمن الطبيعي أن يخفي أي جيش خسائره، ولكن هل من الطبيعي أن تخفي دول ليست طرفاً في حرب ما خسائر أحد الأطراف ؟ خبر مثل هذا لم يكن لينشر في الماضي، فعلى الأقل يتساءل المحرر عن خسائر الطرف الثاني على اعتبار أن هناك اشتباكاً وتبادلاً لاستخدام القوة. وإذا لم يكن هناك معلومات عنها يقول الخبر بأنه لم تتوافر معلومات عن خسائر الطرف الثاني، ولكن حتى هذه العبارة التي هي من بديهيات العمل الصحفي أصبحت تمثل تهمة تواطؤ مع المقاومة ومحاولة لإظهار خسائر «دولة حررت شعباً من دكتاتور» وعلى الجميع أن يساعدها على تحقيق ذلك.

ثمة نقطة أخرى ملفتة للنظر هي تكرار مصطلح «مسلحون مجهولون» عندما يتعلق الأمر بالهجوم على قوات الاحتلال الأمريكي في العراق. فمنذ شهور عديدة ونحن نسمع أخباراً تقول «قام مسلحون مجهولون بالهجوم على دورية أمريكية» و «تعرضت قاعدة أمريكية لهجوم من مسلحين مجهولين» وإلى ذلك من هذه الأخبار .

يستخدم هذا المصطلح «مسلحون مجهولون» لتفادي استخدام مصطلح المقاومة العراقية ، ولكن هذا الأمر أصبح يشكل إهانة للجمهور العربي، واستخفافاً بعقله، واستهتاراً بعواطفه، إضافة الى أنه ينقص من قدر كل صحفي، فنحن هنا لا نتكلم عن حادثة سطو مسلح على مصرف أو محل مجوهرات. الأمر يتعلق بهجمات تحدث في الفلوجة وبغداد والموصل وبعقوبة والرمادي وكل أنحاء العراق. هذا يعني أننا نتحدث عن آلاف الأشخاص وليس مجموعة صغيرة من الناس. لعلنا نتساءل هنا هل هناك جيش مجهول يقاتل في العراق ؟ وهل يمكن أن يكون هناك جيش مجهول ؟ كيف يمكن لمقاتلين يصل عددهم الى عدة آلاف وباعتراف الأمريكيين أنفسهم أن يبقوا مجهولين ؟
الأمر الأول أنه إهانة للجيش والاستخبارات الأمريكية أن يقاتلهم جيش مجهول لشهور طويلة من دون أن يتمكنوا من حل لغزه وفك شفرته، والأمر الثاني أنه إهانة لكل صحفي عربي أو أجنبي. أفلا يوجد صحفي قدير يستطيع أن يخترق هذا الجيش المجهول ويكشف عن أسراره أو أن يجري لقاء مع أحد قادته أو أعضائه ؟

التوازن هي صفة لطالما تباهى الإعلام الغربي بها فهو يعطي الفرصة لكل الأطراف كي يدلوا بدلوهم. والمعاهد والأكاديميات الغربية التي تعلم الصحافة لا يفتأ أساتذتها يركزون على ضرورة أن تعطى لكل طرف الفرصة لكي يبرر الأمور من وجهة نظره، ومن ثم تترك للقارىء حرية تقرير وجهة نظره.

هذه القاعدة الأساسية في العمل الإعلامي قد اجتثت من جذورها وأصبحت خطاً أحمر لا يمكن لأي صحفي الاقتراب منه أو حتى التفكير به عندما يتعلق الأمر باحتلال أفغانستان والعراق. يجب على كل وسيلة إعلام أن تفتح أبوابها للمسؤولين الأمريكيين لينعتوا المقاتلين في أفغانستان والعراق بما يشاؤون من صفات كإرهابيين وأعداء حرية وغيرها، ولكن من المحظور على أحد أن يفكر ولو للحظة بأن يعطي فرصة لأي مقاتل أفغانستاني أو عراقي كي يقول فيها وجهة نظره. الأولويات التي فرضها المحافظون الجدد على الإعلام العربي جعلت كل من له صلة بالإعلام يعيش حالة رعب، أصبح الصحفي مهدداً في رزقه وعرضة للاعتقال إذا خالف تلك الأولويات ولعل أسطع مثال على ذلك اعتقال الصحفي تيسير علوني لإجرائه مقابلة مع أسامة بن لادن .

هذا الرعب حال دون تركيز رؤساء التحرير على نوعية الخبر الذي تقدمه مؤسساتهم وأغرقهم في الخوف من غضب سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، ولعلنا نورد مثالاً على ذلك خبراً نشرته إحدى الصحف العربية المرموقة التي تصدر في العاصمة البريطانية لندن حول الاستحقاق الرئاسي اللبناني. صحيح أن الخبر لا يتعلق بحروب الولايات المتحدة ولكن تركيز الرقابة على خط معين جعل الرقابة على النوعية تنخفض الى أدنى مستوياتها. فالخبر المنشور في الصحيفة اللندنية يفتقر الى أهم عنصر من عناصر الخبر وهو المصدر، ورغم أنه منشور في صدر الصفحة الأولى إلا أن الخبر برمته منسوب الى (مصادر) تبقى مجهولة الى نهاية الخبر، من دون أن يخطر ببال الصحيفة الانطباع الذي سيتركه خبر مجهول المصدر بالكامل على القارىء ، وهل يصب هذا التصرف في مصلحة مصداقيتها في عيون قرائها أم لا ؟
صحيح أنه في بعض الأحيان يرفض المتحدث أن يبوح باسمه ولكن على الصحيفة أو الراديو أو التلفزيون أن يقول بأن هذه المصادر قد أخبرتنا كذا وكذا. حتى هذا لم تفعله الصحيفة وظل المصدر الذي صرحت له تلك المصادر بما صرحت مجهولاً.

الخلاصة أن الإفراط في إرضاء الرقيب الأمريكي سيكون له آثار وخيمة على الإعلام العربي ومصداقيته وطريقة تعامله مع جمهوره، وإن نضال الإعلاميين العرب في التخلص من الرقيب يجب أن يستمر وصولاً إلى إعلام حر من أي تأثير داخلي أو خارجي.

مقالات لنفس الكاتب