array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الإعلام الرسمي ومسيرة مجلس التعاون الخليجي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

جرت العادة أن تقوم وسائل الإعلام الخليجية الخاصة والرسمية بتقديم ملاحق صحفية وبرامج إذاعية وتلفزيونية تتحدث عن إنجازات مجلس التعاون الخليجي طوال السنوات الماضية، وأصبح هذا النهج تقليدا راسخا. وقد انعكس توجه الإعلام الخليجي التقليدي في الممارسة والتطبيق على نفسية المتلقي الخليجي الذي يتابع هذه الاحتفاليات . ونتساءل كما يتساءل الكثيرون : هل المجتمع الخليجي بحاجة إلى مثل هذه النوعية من الرسميات والمجاملات وبخاصة بعد مرور أكثر من عشرين سنة على قيام المجلس، أم أن العرف أصبح واقعاً وعلى الجميع التعامل معه بديباجة عصرية، في ضوء المعطيات الحديثة وما صاحبها من تطور تقني وانفتاح إعلامي ينقلنا من واقع الإعلام التقليدي إلى رحاب الشفافية والواقعية فيما يكتب وينشر عن مسيرة المجلس؟

لقد ترددت كثيرا في الخوض في مسيرة مجلس التعاون الخليجي، ليس تقصيراً أو تخوفاً من الوقوع في المحظور، ولكن معظم الموضوعات قد تم التطرق إليها في مناسبات كثيرة عن هذه المسيرة وعن إيجابياتها وسلبياتها وتداعياتها طوال العقدين الماضيين. لا يمكننا تجاهل الإنجازات التي تحققت على كافة المستويات ومن أهمها التماسك والتلاحم القوي بين أبناء الخليج في العمل على تجاوز مشاكلهم وبخاصة سوء الفهم في الجوانب الحدودية وغيرها من القضايا العالقة، وفي الوقت نفسه لا يمكننا تجاهل حقيقة أن المجلس مر بمراحل ضعف ، ومع ذلك ظل المجلس صامدا بصمود قادته في تحقيق الخير لأجيال أبناء الخليج.

دعونا نخرج عن الرتابة ونتطرق إلى قضية الحوار المفقود في وسائل إعلامنا، وقضية هامش الحرية المحكوم عليه بالإعدام في منابرنا الصحفية. كيف لهذا المجلس أن يتطور وإعلامه الرسمي يزين له أن كل شيء يسير على ما يرام. تلك المؤسسات التي لا تريد أن تتعامل مع واقع العصر بمفهوم المدرك للمتغيرات ، وتغرس في أبناء الخليج مفهوم الاغتراب وتغييب العقل ، وكأن المسألة فسحة يناور فيها من خلال برامجه التي نشاهدها أو تحقيقاته التي نقرأها حيث نرى فيها صور ومشاهد الرقابة المجسدة في سلوكيات القيادات الإعلامية في تعاطيها مع المحظور والخطوط الحمر والسود والتعليمات الشفهية بين الفينة والأخرى، وللقيادات الإعلامية تقديرات متباينة في إجازة ما تراه مناسبا فهي تحجب المعلومة متى شاءت، وكأن الجمهور الخليجي لعبة تحكمها أفكار القيادات الإعلامية في تقديرها لاحترام عقل الإنسان الخليجي.

لا نريد أن نتحدث عن مسيرة مجلس التعاون الخليجي وكأنها حقبة تاريخية موثقة، بل نريدها تجربة ثرية بمقوماتها السياسية والثقافية والاقتصادية، كما نريد لهذه المسيرة أن تستمر وتستمر مهما نادت أصوات بأن المجلس لم يقدم شيئاً لأبناء الخليج وبخاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني ، اللهم إلا بضع لوحات إرشادية متناثرة في أرجاء المطارات الخليجية مخصصة لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي. إننا عندما نتحدث عن استمرار المجلس ليس من باب النفاق أو المجاملة السياسية، ولكن نتحدث عن تماسك كتلة موحدة في مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، وإذا كانت المرحلة التي نعيشها قد تفاوتت فيها نسبة النجاح والفشل، فهناك أجيال قادمة تحددها المراحل القادمة وتطوراتها.

لقد جسد الإعلام الخليجي الرسمي صورة مبالغ فيها عن منجزات المجلس، متناسيا أن المنجزات الحقيقية تكمن في بناء الموارد البشرية لأبناء الخليج، ولسنا من كوكب آخر، فأبناء الخليج تواجههم مشكلة إن لم تكن مشاكل جمة، خاصة ونحن ننغمس في رفاهية العولمة متجاهلين أن هناك بطالة تتفاوت من دولة لأخرى ولا نعرف سببها، وهناك السياسات التعليمية التقليدية وغيرها من القضايا التي لا يمكن للإعلام الرسمي غالباً أن يناقشها علنا .

إن مجلس التعاون ليس مجلساً ملائكياً كما تصوره وسائل الإعلام الخليجية، فهو تاريخ موثق ننفض الغبار عنه متى ما أردنا، وما يحز في النفس أن يكون لأبناء الخليج مجلس مضى على إنشائه أكثر من عقدين بينما الجميع يتحدث عن الوهن الذي أصاب العمل الجماعي للمجلس، ويعود الفضل في ذلك إلى المرآة الإعلامية التي قلبت موازين ثقة المواطنين في المجلس والعكس صحيح. لا يمكن لنا أن نغض الطرف عن وجود مشاكل بين دول الخليج وهي مسألة طبيعية تحدث بين الأخوة باستمرار، إلا أن هذه المشاكل تفاقمت وتحولت مع مرور الزمن إلى مرض عضال لا يمكن استئصاله ما لم يكن هناك موقف شجاع من قبل القادة في وضع خلافاتهم جانباً والتركيز على القضايا المهمة التي لها علاقة مباشرة بالمتغيرات الدولية. فالإنسان الخليجي محتاج إلى تفعيل القرارات السياسية الصادرة وإلى إعطائه قدرا من الثقة في بناء الشخصية الخليجية التي تترنح في ظل المعطيات الجديدة، بين محافظ على تقليد تراثي متجمد وبين منساق إلى محاكاة الطرف الآخر بغثه وسمينه.

ومن إنجازات مسيرة مجلس التعاون الخليجي إنشاء الهيئة الاستشارية لمساعدة قادة دول المجلس على اتخاذ القرارات المصيرية لخير المنطقة وأجيالها، إلا أن هذه الهيئة ظلت رقما مضافا إلى مسيرة المجلس، وقد صور لنا الإعلام الرسمي أن الهيئة الاستشارية هي العمود الفقري والركن الأساسي لعملية الإمدادات المعلوماتية والبحثية للقادة. إلا أن وسائل الإعلام المختلفة لم تحقق النجاح المأمول في تبيان جدوى إنشاء الهيئة الاستشارية وذلك لوجود قناعة واضحة لدى الإنسان الخليجي بأن الهيئة الاستشارية مقتصرة على الجانب التنفيذي ولا تقوم بدورها التشريعي على خير ما يرام . ولا يزايد طرف على آخر في مفهوم العمل الديمقراطي والممارسة السياسية في منطقة الخليج، فالمشاركة السياسية وحرية الكلمة واحترام الآراء وتقبل النقد ما زالت منقوصة. وكان من الأجدى قبل التفكير في إنشاء هيئة استشارية لمساعدة قادة المجلس، أن نقرأ واقع المجالس البرلمانية في منطقة الخليج -ونستثني هنا دولة الكويت التي لها تجربة متميزة عن باقي دول المجلس باستثناء معارضتها دخول المرأة الكويتية المعترك السياسي- فواقع المجلس البرلمانية هذا يظهرنا كشعوب خليجية لا حول لنا ولا قوة ليس في اختيار ممثلينا في تلك المجالس فحسب، ولكن حتى في آلية إنشاء تلك المجالس التي جاءت على شكل هبات تقدمها الأنظمة الخليجية لشعوبها، أي أنها قرار نابع من السلطة نفسها، وما دام قرار إنشاء تلك المجالس هبة سلطوية، فقرار إغلاقها يمكن أن يتم في أي لحظة.

لست متشائماً، ولكنني أرى من واقع مسيرة مجلس التعاون الخليجي، ومن خلال التطورات التي تشهدها منطقة الخليج أن الأنظمة الخليجية تصعب على نفسها الأمور، وتضع لنفسها خط رجعة تحسبا لأي طارئ، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا هذه التصريحات المزلزلة من قبيل أن الشعوب الخليجية هي العزوة في وقت الشدائد، وهي الركن الأساسي في عملية الحكم. إن القارئ الفطن يستنتج مما نطرحه أن هناك أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم، وما يقال من الطرفين لا يتعدى كونه نوعاً من المصالح الذاتية والتمسك بالسلطة، ومن جانب آخر هناك الخوف الذي بات يشكل هاجساً مراً لمن أراد أن يخوض عكس تيار السلطة.

إننا ننظر إلى المستقبل من منظور الحفاظ على هويتنا الخليجية من التيارات الجارفة التي تعصف بأجيالنا ، بعد أن فقدت ثقتها في نفسها جراء التداعيات التي تشهدها منطقة الخليج .إن التطرف في الأفكار لا يولد إلا تطرفا في السلوك، وبالتالي فإن سياسة التعصب يجب أن تتوقف، ويجب أن ينظر إلى المستقبل بعقلانية المدرك للمتغيرات التي نعيشها، وبأن هناك شعوبا واعية ومدركة للمتغيرات التي تجري على الساحة وبالتالي فلا يجوز إهمالها أو تجاهلها، فهي جزء مهم في عملية البناء والنماء لخليجنا الخالي من التعصب والتشدد.
وعلى إعلامنا الرسمي أن يوظف جهده للتقريب بين وجهات النظر داخل الأسرة الخليجية الواحدة، وألا يكون بوقاً أحادياً للسلطة فقط، فدوره يتعدى ذلك إلى الحفاظ على الهوية الخليجية وصون كرامة الإنسان، وفتح قنوات للحوار من خلال برامج جريئة تناقش وضعنا الخليجي بكل شفافية ووضوح. نريد إعلاماً متزناً وموضوعياً يحمل على عاتقه مسؤولية ترسيخ مفهوم الوسطية والاعتدال في أجيالنا الخليجية الحالية والمستقبلية.

مقالات لنفس الكاتب