array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الإعلام العربي المعاصر الأرقام خير شاهد

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

من أهم سمات العصر الذي نعيش فيه، سرعة التغيير، وتلاقح الأفكار في معظم جوانب الحياة التي تمثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ذروة تجلياتها، ولقد أصبح واضحاً وبشكل جلي في عواصمنا تقليد مظاهر الحضارة الغربية، وبات الفرد منا يتقبلها بين الحين والأخر دون الاكتراث بما تحدثه من آثار سلبية أو إيجابية، أصبحنا عرضة لحياة تهدد كل جوانب تقاليدنا ومفاهيمنا وقيمنا. وطيلة أكثر من قرن من الزمن، والغرب يحاول عن طريق الإعلام المضلل والتثقيف المنحرف وما يصدره العديد من دور النشر من مواد إعلامية تعمل على إحداث التغيير في نفوسنا. وللأسف بات من الواضح في ظل هيمنة القطب الواحد أن هذا التأثير يستهوي بعض ضعاف النفوس من شبابنا.

ومما يثير الدهشة أن انتشار الأطباق الهوائية والتي أصبحت تغطي الأبنية والعمارات.. بل السهول والصحراء والجبال ليس في دول العالم الغني فقط، وإنما في دول العالم الفقير والأكثر فقراً من الحاجات الأساسية والضرورية لدى مواطننا المعاصر، الذي اتخذ من التلفزيون الموصل للفضائيات الغذاء الروحي وهو المتعطش لمعرفة ما حوله، وما يجري في عالم اليوم من أحداث وتطور لكي يتعامل معهما بروح العصر وتحقيق الذات. إلا أنه وللأسف لم تستغل هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة بصورة سليمة مع إقرارنا بإيجابياتها، حيث دأبت الدول المسماة بالمتقدمة على إغراق القنوات الفضائية بكل ما يخل بالأخلاق والقيم والعقيدة الإسلامية هذا في الجانب القيمي وفي الجانب الآخر شهد عالمنا العربي الإسلامي حرباً إعلامية شرسة ومبرمجة من قبل الدول الغربية وأمريكا والعدو الصهيوني هدفها تشويه الحقائق وتزويرها، استخدمت فيها كافة الوسائل والأجهزة والمعدات التكنولوجية الحديثة والنظريات النفسية الإعلامية، وبطريقة تتناسب مع قابليات وفضاءات العالم العربي من حيث الموقع الجغرافي في أهميته الاقتصادية كسوق تجاري واسع والمصدر الأول للنفط، ولاحتوائه على أكبر احتياطي نفطي في العالم وكذلك لكونه مركزاً للأديان السماوية إضافة إلى تنامي الروح العربية والإسلامية.
لقد كرس الغرب إعلامه لزعزعة الثقة في الشخصية العربية وعمل على إضعافها من جهة وجعلها مستسلمة للمظاهر المزيفة للحضارة الغربية من جهة أخرى.

ومع بداية الألفية الثانية أصبح النشاط الإعلامي الغربي عاملاً قوياً في نطاق العلاقات الدولية وصار أحد الأسلحة الرئيسية المستخدمة وذلك باستغلال الأقمار الصناعية التي مكنت وسائل الاتصال الجماهيري (الإذاعة والتلفزيون) من شن حرب إعلامية هدفها تدمير البنى الاجتماعية والنفسية للإنسان العربي، وإحداث تشوه في القيم الأخلاقية والمعايير التي تحكم نظرة الناس للحياة. وما أن بدأت الألفية الثالثة من حروب وأحداث مريرة راح ضحيتها الكثير من أبناء أمتنا العربية والإسلامية كان للإعلام الصهيوني والأمريكي الدور الفعال في الدمار الشامل في عالمنا العربي وكذلك في تشويه الحقائق والتضليل والخداع.

من هذا المنطق نجد أنفسنا – نحن العاملين في ميدان الإعلام والتربية – نتساءل عن مدى تأثير وسائل الإعلام العربي على الأفراد والجماعات في مجتمعنا العربي والإسلامي؟ وما الوسائل التي أعدها هذا الإعلام في مواجهة وسائل الإعلام الغربي؟ وما نصيب الإعلام العربي من التغيرات الناشئة عن مثل هذا التأثير؟ وهل في هذه التغيرات ما يمكن أن يستفاد منه لتفعيل إعلامنا العربي؟ إنها أسئلة جديرة بالتوقف للإجابة عنها والتمعن بدقة بمحتواها لتعطينا الفرصة الكافية لتحصين أنفسها من هذه الريح المسمومة القادمة من الغرب.

إن خطورة الإعلام الغربي – كما أتصوره – تكمن في تأثيره على قيمنا ومفاهيمنا واتجاهاتنا، بل على جميع جوانب الحياة، فكان للإعلام السمعي والمرئي الدور البارز في التغيرات الكثيرة وخاصة جهاز التلفزيون الذي دخل جميع البيوت من دون استئذان وملأ فراغها بهدوء تام، والقنوات الفضائية التي أثرت وبشكل كبير في صياغة ثقافة الأسرة وتكوين عاداتها واتجاهاتها نظراً لما تتمتع به من تأثير في أفرادها من خلال برامجها الثقافية والتربوية والترفيهية، التي خلقت نوعاً من السلوكيات الخاطئة بين أبنائنا حيث إن البعض منهم أصبح يلهث وراء صرخات "الموديلات" التي تؤكد على التبرج والإباحية والفساد بكل أنواعه، والنظر إلى العفة والالتزام بالقيم والمماراسات الدينية الموصوفة ظلماً بالرجعية بعين غير منصفة. ومما يؤسف له أن بعض وسائل إعلامنا العربي ساهم في ترسيخ هذا المفهوم الخاطئ، بل تعددت الحدود وفاقت التصور من خلال وصفها للملتزمين منا بالقيم العربية والإسلامية الحميدة بالمتخلفين وبالإرهابيين وغيرها من المصطلحات التي تستقيها من المؤسسات الإعلامية الغربية، مما جعل خبراء التربية والاجتماع والإعلام والشريعة يطلقون صيحة تحذير من التدهور الأخلاقي والاهتزاز القيمي الذي بدأ يزداد في المجتمع العربي المسلم، الذي أصبح نتيجة هذا التأثير الإعلامي المبرمج المشوق يفكر بقيم فردية مادية على حساب القيم الاجتماعية نتيجة ابتعاده عن قيمة وتأثره بالأيديولوجية والفلسفات والنظريات المادية الحديثة والتي ساعد الإعلام الغربي على ترويجها.

وقد أدرك اليهود الصهاينة حجم التأثير الذي يمكن للإعلام أن يلعبه في تزييف الحقائق وقلب الوقائع، فخططوا لاستغلال هذه الوسائل منذ زمن طويل، لما يملكه الإعلام من قدرة، خاصة بالمعلومات التي يتم بثها إلى العالم. بعد أن أصبحت ملكية وإدارة أغلب هذه الوسائل الإعلامية حكراً على اللوبي الصهيوني الذي امتد نفوذه إلى محتوى هذه الوسائل من خلال الشركات العملاقة القادرة على الوصول بالبث إلى أي منطقة في العالم، ولعبت الشبكات الإخبارية التلفزيونية دوراً فعالاً في التأثير على المشاهدين بحيث أصبح من الطبيعي أن تتحول هذه السلطة المعنوية إلى مركز الصدارة ذلك أنها سلطة تجمع الصوت والصورة والسرعة وبتقنية عالية.

وقد يستغرب البعض حين يعلم أن معظم أو أغلبية هذه الشبكات التابعة للنفوذ اليهودي والأمريكي. فعلى سبيل المثال شبكة CNN الأمريكية من أكثر الشبكات العالمية انتشاراً حيث يشاهدها أكثر من 90 مليون من البشر منتشرين في مائي دولة، وكذلك شبكة TNT وشبكة HBO اللتان يشترك في خدمتهما 2.1 مليون فرد، وشبكة CBS لليهودي الصهيوني ويليام بيلي، وشبكة ABC التي يملكها ليوناردو جونسون، أما مؤسسة TIME WARNER فهي الآن من أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم، ذلك أن مبيعاتها فاقت بليون دولار، وتمتلك هذه المؤسسة 42 مجلة، كما تمتلك ثاني أكبر دار للنشر في الولايات المتحدة الأمريكية وشبكة تلفزيون ضخمة وأكبر تلفزيون كيبل مدفوع أجر الاشتراك في العالم، كما تمتلك شركات للأفلام في أوروبا، هذا بالإضافة إلى الكثير من القنوات التلفزيونية الدولية الكبرى. أما مجموعة BER TELZMAN وهي أكبر مجموعة في أوروبا فقد تجاوز دخلها السنوي 15 بليون دولار، وتميزت مجموعة VICOM بانتشارها الخارجي حيث بلغ دخلها السنوي 13 مليون دولار من خارج أمريكا، حيث إنها تمتلك 13 محطة تلفزيونية، إضافة إلى شبكات البث الفضائي الدولي التي لها حضور قوي في المنطقة العربية، ويشترك في خدمتها 100.000 مشترك عربي.

وفي ما يخص البث التلفزيوني عبر الكيبل والأقمار الصناعية فتعد مجموعة TCT من أكبر الشركات فهي تمتلك لوحدها قمرين صناعيين للبث حول العالم، هذا بالإضافة إلى العديد من الشركات الصهيونية المنتشرة حول العالم، وقدر حجم الإنفاق في صناعة الاتصال بـ (200 مليار دولار) وهو ما يعادل 10% من التجارة العالمية. وهذا ما جعلها تتحكم في ما تبثه وسائل الاتصال وقنوات البث من أخبار وأفكار آراء وأفلام ومسلسلات، وهذه الهيمنة مكنت الدعاية الإسرائيلية من إيهام الرأي العام العالمي، بأن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي تنعم بالديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تعيش وسط شعوب متخلفة، وعصابات إرهابية، وأنظمة دكتاتورية لا تعرف إلا لغة البطش والقهر وسفك الدماء واضطهاد المرأة ودأبت الحركة الصهيونية على الترويج لهذه المفاهيم دون كلل أو ملل. وأحداث 11 سبتمبر كشفت حقيقة العداء الأمريكي الصهيوني للعرب والمسلمين الذي أصبح يعرفه الأمي قبل المثقف، والمتخاذل قبل الوطني، والجبان قبل الشجاع نتيجة للمارسات التي يقوم بها كل من الصهاينة والأمريكان على هذه الأمة. وكيف تم توظيف الحدث لتعمد رؤى ونظريات جديدة في الأمن العالمي مفادها أن العرب أصبحوا إرهابيين متخلفين؟!

وفي المقابل نجد إعلامنا العربي يعاني من جملة مشاكل أدت به إلى عدم مواكبة تكنولوجيا الاتصال والتزايد المستمر في عدد السكان، حيث باتت صحفنا العربية غير كافية وغير قادرة على تلبية ما يريده القارئ لكونها أبواق دعائية للدول التي تصدرها وكثرة تجار الكلمة ضعفاء النفوس مما أدى ذلك إلى ابتعاد القارئ العربي عن بعض الصحف العربية. أما فيما يخص الإعلام المرئي والسمعي فبالرغم مما يشهده هذا القطاع من تزايد ملحوظ في عدد المحطات الإذاعية والتلفزيونية نتيجة قلة الكلفة وسهولة التجهيز وسرعة التنفيذ والمساهمة الكبيرة للأقمار الصناعية في انتشارها. تعاني أغلب محطاتنا من أزمة كبيرة في إعداد البرامج ونقل المعلومة وتغلب الجانب الترفيهي على الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية. في الوقت الذي لازالت محطاتنا تتجاهل مشاكلنا الحقيقة وتملأ ساعات الإرسال بما يستهين بعقلية السامع والمشاهد العربي.

أكدت الكثير من الدراسات أن حرية الإعلام في العالم المعاصر تمر بأزمة تتمثل أهم مظاهرها في احتكار دول الغرب لوسائل الإعلام ولمصادر الأنباء في العالم، وسيطرة الرأسمالية (الشركات متعددة الجنسيات أو عابرة القارات)، على وسائل الإعلام داخل هذه الدول، وعدم القدرة على إدارة المنافسة الحرة بين الاتجاهات السياسية والفكرية والدينية والجماعات العرقية داخل المجتمعات الغربية، أو بين الشعوب والحضارات والثقافات على مستوى العالم.

والمتتبع لاجتماعات وزراء الإعلام العرب منذ أكثر من أربعة عقود يلاحظ أن هذه الاجتماعات تدور حول نفسها، ولم تحقق الرسالة الإعلامية العربية أي تقدم ملموس ولم تلب طموحات الجماهير العربية، نتيجة للاختلافات الأيديولوجية بين الأنظمة العربية، هذا بجانب عدم استقرارها السياسي، وموقف الغرب من العرب، هذا بالإضافة إلى ما تعانيه اليوم من تبعية خطرة: تلك التي توجه أفكارنا واتجاهاتنا وثقافتنا ومجمل عناصر تكويننا النفسي ألا وهي "التبعية الإعلامية" التي نجح في الجزء الكبير منها. فلو رجعنا إلى صفحات جرائدنا وأخبار إذاعاتنا وحاولنا أن نتتبع مصادرها سنجد معظم هذه الأخبار والمعلومات التي نقرأها ونسمعها عن العرب والمسلمين وسياساتهم إنما تصلنا عبر أجهزة الإعلام الغربي – باستثناء "ما تقدمه بعض المحطات الفضائية العربية وبالأخص الجزيرة والعربية وقناة أبوظبي" في الآونة الأخيرة – ومع ذلك لاتزال دون مستوى الطموح على الرغم من التطورات التي حدثت في وسائلنا الإعلامية من الناحية التكنولوجية فهي ما تزال بحاجة إلى جهود علمية منظمة لرفع الكفاءة الفنية والتقنية لهذه الوسائل وصولاً إلى المستوى الدولي المتطور.

في خضم هذا البحر الإعلامي المتلاطم الأمواج ووسط هذه القنوات الفضائية المتنوعة في طروحاتها وبرامجها تأتي المسؤولية الإعلامية العربية لتقدم نموذجاً إعلامياً عربياً، ضمن خطة إعلامية عربية لمواجهة تحديات العصر منطلقة من أسس علمية مبرمجة ومدروسة، تعتمد على الحرية والمصداقية في إعلامها، وليس على الصعيد العربي فحسب، وإنما لشعوب تلك الدول التي تم تمويه المعلومات لديها فكرياً وثقافياً ونفسياً ضد العرب والمسلمين، تاركة وراءها جميع خلافاتها السياسية والأيديولوجية التي أتاحت للإستعمار ووسائله الإعلامية الفرصة في التسلل لعقولنا وتخريب أفكارنا وزعزعة الثقة بأنفسنا.

أن مواجهة الإعلام الغربي المتطور وأساليبه الحديثة وإمكانياته المادية والتقنية العالية ليس بالأمر السهل والبسيط، كما يعتقد البعض، وعليه يجب:

أولاً: فهم آليات النظام العالمي الجديد حتى يمكن التعامل معه وفق تخطيط علمي يأخذ في اعتباره كافة المتغيرات التي تفرض نفسها على الساحة الدولية، ثم وضع استراتيجية علمية لتحقيق هذه الأهداف.

ثانياً: معرفة أسلوب مخاطبة المجتمعات الغربية التي تحتاج إلى دراسة معمقة لطبيعة تلك المجتمعات، ومن قبل خبراء نفسيين واجتماعيين وتربويين وإعلاميين لهم باع طويل في التعامل مع هذه المجتمعات، مع إعطاء الحرية الكافية لهم في كيفية استغلال أحدث الوسائل الإعلامية وخاصة منها الفضائيات، وبأسلوب حديث بعيد كل البعد عن استخدام النبرةالخطابية والشعارات، وتنوير الرأي العالمي من قضايانا العربية والإسلامية المعاصرة، وبث المعرفة عن بعض المفاهيم والمصطلحات التي أساءت إلى معتقداتنا وقيمنا، وتقديمها بصورة حقيقة بعيدة عن التعصب والعنف والكراهية انطلاقاً من قوله تعالى "وجادلهم بالتي هي أحسن". كما يجب تعرية كل الأكاذيب والتهم التي ألصقت بالعربي والمسلم هذه الأيام. واعتماد المرونة والموضوعية التي تخدم عقل المشاهد الغربي والتأثير عليهم مستفيدين من الإمكانات التقنية الإعلامية التي تنقل الحدث كما هو وبمصداقية عالية.

مجلة آراء حول الخليج