array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

آفاق تطوير مجلس التعاون الخليجي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

عندما تأسس مجلس التعاون الخليجي في عام 1891 كانت الظروف الإقليمية والدولية المحيطة مختلفة عما هي عليه الآن، إذ كانت تتسم بالاستقرار النسبي مقارنة بالديناميكية الشديدة التي تتصف بها في هذا الوقت. فقد كانت فكرة التعاون، التي قام عليها المجلس آنذاك مفهومة ضمن ظروف المرحلة ومن خلال معطيات الواقع المحلي الخليجي ذاته. وخلال أكثر من عقدين على قيام مجلس التعاون الخليجي حدثت متغيرات كبيرة عالمية و إقليمية محلية تستدعي تقييم وضع هذا المجلس وإعادة النظر في الأسس الهيكلية التي يقوم عليها والتحديات المستقبلية التي تواجه دوله .

لا شك في أن أي مراقب لظروف منطقة الخليج العربي التي رافقت نشوء مجلس التعاون بصيغته الراهنة يدرك أن الخطوة المستندة إلى التعاون بين الدول المكونة للمجلس كانت مناسبة للظروف التي أملتها الحرب العراقية الإيرانية آنذاك، وللتطور السياسي الذي وصلت إليه المجتمعات الخليجية والدول ذاتها. ذلك أن ظروف الحرب تستدعي قدراً كبيراً من التعاون لدرء أخطارها أولاً والتحسب لنتائجها المحتملة ثانياً، وصياغة التوازنات الإقليمية ثالثاً.

لم تكن فكرة التعاون خارجة عن منطق الأمور وظروف المرحلة، على الرغم من أن فكرة التعاون ذاتها لم تكن ترقى إلى مستوى الطموح الذي عبرت عنه النخب الخليجية المختلفة آنذاك والتي كانت تطمح إلى تحقيق خطوة أكثر عمقاً من مجرد التعاون. لكن خطوة التعاون آنذاك كانت موضع ترحيب مقارنة بعدم التعاون وباعتبارها خطوة نحو المستقبل. من منطلق الواقعية السياسية، تبدو مسألة التعاون الخليجي عام 1891 منطقية جداً ومتساوقة مع الظروف الإقليمية، لكن ذلك التقييم لا يمكن أن يبقى على حاله ما دامت كافة المعطيات متغيرة.

ولكي تنتقل فكرة التعاون التي أنشأت المجلس إلى مستوى أرقى للعلاقة بين دوله، فإن الخيارات المتاحة محدودة بطريقين: الاتحاد الكونفدرالي أوالاتحاد الفدرالي. وفي ظل مستوى تطور النخب الحاكمة الخليجية والنخب السياسية المحكومة أيضاً، وأخذاً بعين الاعتبار التفاوت في المستويات المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً بين المجتمعات الخليجية المكونة لمجموعة مجلس التعاون، فإن من المنطقي البناء التدريجي على فكرة التعاون والانتقال إلى صيغة الاتحاد الكونفدرالي كمرحلة أولى قبل وضع أسس التحول إلى الصيغة الفيدرالية الكاملة لاحقاً.

وبالطبع ليس مطلوباً إعادة تكرار القول حول الظروف المتشابهة إن لم تكن المتماثلة بين دول مجلس التعاون. ولعل أكثر الأسس تشابهاً بينها كلها هي اعتمادها على النفط كمورد رئيسي للتنمية وغياب القطاع الزراعي وعدم الاهتمام الكافي بالقطاعات الإنتاجية الأخرى، وبالأخص القطاع الصناعي ذي الأهمية الاستراتيجية لنمو هذه الدول.

لكن مجرد القول باعتماد الصيغة الكونفدرالية لتطوير فكرة التعاون لا يمكن أن يكون حلاً سحرياً قابلاً للتنفيذ تلقائياً. ذلك أن النظام الكونفدرالي ينطوي على تقاسم للسلطات بين السلطة الكونفدرالية وسلطات الدول الأعضاء. ولعل ما واجهه الاتحاد التساعي الذي اقترحته بريطانيا قبيل خروجها من شرقي السويس يوفر بعض الدروس المهمة . فقد كانت مشكلة العاصمة أمراً لم يكن ليحسم بطيب خاطر بين نخب حاكمة تسعى كل منها للتسيد. فإذا ما أضفنا إلى تلك المشكلة وجود نخب خليجية محكومة ذات وزن مالي أكـبر من غـــــيرها تتنافس في تسليط الأضواء على إمكاناتها ومكــانتـها، فإن بالإمكان توقع القدر المحتمل من الصعوبات الكامنة وراء التفاصيل. ومع أن وجود الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض يمكن أن يشير إلى اتجاه الأحداث في هذا الخصوص، فإن احتمالات نشوء أفكار جديدة في هذا الصدد قد لا تكون بعيدة.

وبالضرورة فإن موضوعات مثل السياسة الخارجية والدفاع وكافة اختصاصات السيادة
الوطنية لن تكون سهلة المعالجة، لكن إمكانية التوصل إلى صيغ توفيقية ستكون واردة. فالدولة الماليزية التي تكونت من ثلاث عشرة سلطنة مثال يمكن تكراره في منطقة الخليج بالأخص بالنسبة لدول مجلس التعاون. وقد أثبتت التجربة الماليزية نجاحاً على مستويات عديدة ليس أبرزها التقدم الاقتصادي فحسب.

تطوير مجلس للسلطة التنفيذية

أخذاً بعين الاعتبار اختلاف مستويات التطور السياسي في دول المجلس وتشابهها فيما يخص مركزية السلطة التنفيذية. فإن بإمكان النخب الحاكمة التقدم خطوة إلى الإمام من فكرة التعاون إلى فكرة. خلق مجلس اتحادي للسلطة التنفيذية. وهذه فكرة كانت قد طرحت مسبقاً لكن على شكل قمة تنفيذية يقصدها رؤساء الوزارات في دول المجلس كل ستة اشهر على سبيل التمهيد لانعقاد قمة التعاون. القمة التنفيذية لم تتحقق حتى الآن والهدف منها كان تنسيقياً ولم تكن الفكرة مقدمة نحو هيئة دستورية ذات سلطات تنفيذية تواكب متطلبات السلطة التنفيذية الاتحادية المأمولة ضمن الاتحاد الكونفدرالي. ولا بد من الإقرار ههنا بأن أية سلطة تنفيذية لا تقوم على هيكل سياسي دستوري متفق عليه بين السلطات في الدول لا شك في انها ستواجه صعوبات جمة في ممارسة صلاحياتها. إذ إنها سوف تصطدم بمفهوم السيادة الوطنية وصلاحيات السلطات التنفيذية المحلية لكل دولة عضو.

كذلك فإن أية سلطة تنفيذية ضمن اتحاد كونفدرالي ستكون محدودة الصلاحيات ضمن شؤون العلاقات الخارجية والدفاعية فقط، وهذا بحد ذاته لن يحقق تقدماً على الصعيد الاقتصادي الذي يخدم فكرة الاتحاد الكونفدرالي. ويمكن في هذا الصدد تأمل أسباب انتقال توحيد أوروبا من فكرة الاتحاد الاقتصادي الأوروبي إلى مفهوم الجماعة الأوروبية. فلقد كانت الفكرة الأولى تماثل الاتحاد الكونفدرالي حيث كانت بريطانيا من أشد المعارضين لفكرة الاتحاد الفدرالي، لكن فرنسا وألمانيا، وبالأخص بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات كانتا اشد حماساً لفكرة دمج أوروبا على قاعدة شعبية أوسع وإقامة مؤسسات دستورية بما في ذلك السلطة التشريعية الموحدة. ولم يكن ذلك ليحدث لو كانت الجماعة الأوروبية خاضعة لمفهوم الإجماع الذي يقوم عليه مجلس التعاون، كذلك فإن إدراك النخب الحاكمة الأوروبية لمتطلبات مجاراة التطور العالمي الذي تدفع به العولمة الاقتصادية قد أسهم كثيراً في نقل آليات التوحد الأوروبي إلى الاتحاد الفدرالي سريعاً. حيث تشهد أوروبا حالياً ولادة دستور اتحادي أوروبي سيمهد لقيام أوروبا الموحدة.

تطوير مجلس للسلطة التشريعية

ليس من شك في أن تطوير مجلس لسلطة تشريعية موحدة في دول مجلس التعاون، عما هو عليه الوضع حالياً حيث تغيب السلطات التشريعية تقريباً من مجال الدول ، سيكون أحد أهم العقبات أمام تطوير المجلس ذاته. والعقبات في هذا الصدد متعددة وكأداء.
فعلى هذا المستوى من مستويات التطور السياسي المأمول ، لا تزال غالبية دول المجلس تعيش ظروفاً تغيب فيها سيادة المواطن، أي السيادة الشعبية وتسود فيها سيادة الحاكم الفرد . ولكي تتطور دول المجلس في هذا الشأن فإن من الضروري أن تتطور بعض مفاهيم الحكم لدى النخبة الحاكمة ذاتها. وتشير تجربة الهيئة الاستشارية التي أنشئت ضمن هيكل المجلس خلال السنوات القليلة الماضية إلى أن ذهنية الشورى غير الملزمة هي التي لا تزال سائدة مقابل الديمقراطية الملزمة.

ويمكن تحليل احتمالات نشوء سلطة تشريعية متحدة ضمن آفاق تطور مجلس التعاون الخليجي. لكن لا ينبغي أن يغيب عن البال أن مثل هذه السلطة ستواجه بعقبات دستورية وفنية قد تجعلها عاجزة عن الفعل التشريعي خلال السنوات الأولى لقيامها ، بل ربما إلى سنوات طويلة لاحقة. ذلك أن السلطة التشريعية التي تؤسس ضمن الهيكل السياسي لمؤسسات الاتحاد الكونفدرالي تختلف عن السلطة التشريعية للاتحاد الفدرالي. وهذا بحد ذاته معوق بارز. فالأول يوحد أداء الدول أما الثاني فإنه يوحد كذلك القاعدة الشعبية لكل الدول الأعضاء. لذلك فإن التجربة الأوروبية في بناء سلطة تشريعية للجماعة الأوروبية تقدم دروساً ثمينة لمحاولات تطوير مجلس التعاون عموماً وبناء سلطة تشريعية اتحادية أو موحدة خصوصاً. وسيواجه مجلس التعاون في هذا الصدد صعوبات تتعلق بالصلاحيات التشريعية فيما يتعلق بسمو التشريعات الاتحادية على المحلية وتنازعها ضمن اختصاصات معينة.

كذلك فإن نسب التمثيل ستكون إحدى العقبات التي قد تحول دون تقدم مشروع التطور ذاته. ويمكن العودة في هذا الخصوص إلى الأدبيات المتعلقة بمحادثات الاتحاد التساعي حيث أدت مسألة نسب التمثيل إلى خلاف لم يحسم وأدى إلى قيام دولة الإمارات العربية كدولة مستقلة واستقلال البحرين وقطر. ولا شك في أن الحديث عن هذه المسألة بين دول المجلس حالياً وعلى قاعدة التمثيل وفقاً للثقل السكاني سيثير العديد من الصعوبات، لكن حلولاً توفيقية لا شك في أنها ستكون ممكنة إذا ما صحت النية للاتجاه نحو الاتحاد. ولعل تجربة الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك تجربة الاتحاد الماليزي تقدمان عوناً ايجابياً في هذا الصدد. فلقد اتبعت كلتا الدولتين تكوين سلطة تشريعية من غرفتين، مثلت العليا فيهما الولايات بنسب متساوية، ومنحت سلطات تخفف من مخاوف النخب الحاكمة في الولايات من تفرد الغرفة الدنيا بالقرار التشريعي. وشكلت الغرفة الدنيا على أساس التمثيل الشعبي وفقاً لعدد السكان. ولقد حققت هذه الصيغة الثنائية لمجلس السلطة التشريعية متطلبات الدولة الاتحادية ومتطلبات التوازن وحماية السيادة الوطنية وتخفيف مخاوف الدول الأعضاء من هيمنة السلطة المركزية.

وفي ظروف مجلس التعاون الخليجي فإن تطوير سلطة تشريعية متحدة في المرحلة الأولى يمكن أن يتحقق وفق صيغة توفيقية تتيح لمفهوم التعاون أن ينتقل إلى مفهوم الاتحاد من دون أن يخل بالتوازن الذي تحرص عليه النخب الحاكمة. ولعل في تجربة ماليزيا نموذجاً يحتذى كونها دولة إسلامية متعددة الولايات ولكل ولاية سلطان حاكم يعين بالوراثة. ولم تواجه ماليزيا هزات سياسية تهدد مصالح النخب الحاكمة عندما اختارت نموذج الملكية الدستورية وشكلت سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية على أساس فدرالي. بل أن التجربة الماليزية قد اتاحت للنخب الحاكمة إيجاد مؤسستها السياسية التي تبقيها على صلة بالعملية السياسية وتكرس شرعيتها السياسية ضمن آلية انتخابية دورية تمنح كل نخبة حاكمة لولاية من ولايات الاتحاد الماليزي الفرصة لتبوء سدة الحاكم لعدد من السنوات حيث تمثل تلك النخبة الدولة في المحافل الدولية من دون أن تحملها أوزار ممارسة السياسة اليومية.

وضع أسس توحيد السلطة القضائية

تتمتع السلطات القضائية في دول مجلس التعاون بمواصفات إيجابية كثيرة تساعد في توحيد صلاحياتها وإيجاد آليات إدارية اتحادية أسهل من نظيراتها في المجالين التشريعي والتنفيذي. وفيما يتعلق بالقضاء الشرعي فإن بقاءه كما هو عليه الحال واستمراره ضمن أطره الوطنية لن يشكل عائقاً أمام تحويل التعاون الخليجي إلى اتحاد.

وفيما يتعلق بالقوانين الوضعية فإن تشابه دول المجلس في ظروفها الاقتصادية سواء ما يتعلق بالتجارة والصناعة والاستثمار وتنظيم سوق العمل وحريه انتقال الأموال والسلع، وكذلك علاقاتها المتقدمة مع السوق العالمية يجعل من توحيد القضاء الإداري والتجاري مهمة أسهل من غيرها. ويمكن في هذا الصدد خلق هيئات قضائية عابرة للحدود الإدارية بين دول الاتحاد المأمول تضمن تطبيق الأحكام الصادرة في إحداها ضمن الحدود الإدارية للدول الأخرى. ولعل في تجارب الدول الاتحادية الأخرى الكثير من الدروس في هذا الخصوص، مما يسهل عملية الاتحاد وصولاً إلى التوحيد كلما تطورت الأسس الدستورية. ولعل ما تم تحقيقه فيما يتعلق بالأحكام الصادرة عن مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون التي باتت نافذة في جميع دول المجلــــس مثــال جــــــدي على إمكـــانية تحقيق الاتحاد القـــضائي وبناء أسس توحيد السلطة القضائية في المســـتقبل ضــمن اتجاه اتحادي لهذا الجزء مـــن الوطـــن العربي.

خاتمة

يبقى القول إن مجلس التعاون الخليجي الذي نشأ على أساس فكرة التعاون واستمد شعاره من الآية الكريمة «وتعاونوا على البر والتـــقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» قد حقق أهداف التعــــاون وبــــات مطالباً بالسير نحو الاتحاد ومن ثم الوحدة. والمجلس ليس مجــبراً على اختيار طريق محدد للاتحاد لكنه بكل تأكيد لم يعد مخيراً في البقاء على حال التعاون أكثر مما مضى. ذلك بأن التحولات الإقليمية والعالمية تفرض نسقاً من المعـــطيات التي تتجه نحو الحركة والديناميكية، وبـــقاء المجلس في وضع استاتيكي أو غير متطور قد يجعله عرضة للضعف أو العجز وهو أمر ليس في صــالح النخـــب الحاكمة أو المحكومة على حد سواء.

مجلة آراء حول الخليج