array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مكافحة الإرهاب في الخليج ومسارات العلاقات الثنائية

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

ثمة اعتقاد سائد في منطقة الخليج بأن مكافحة الإرهاب في العالم قد بدأت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تبعها من تداعيات، عندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الحرب العالمية على الإرهاب. ولكن حقائق تاريخ العلاقات الدولية تكشف خلاف ذلك، حيث نجد على مستوى الأمم المتحدة على الأقــل أن اهتمام المنظمات الدولية قد أخذ منحى جدياً نحو مكافحة الإرهاب منذ العام 1963، وجاء ذلك عبر خلق أدوات قانونية أساسية لمحاربة ظاهرة الإرهاب بمختلف أشكالها ـ من خطف الطائرات إلى حجز الرهائن وتمويل الإرهاب ـ وذلك طبقاً لأدبيات المنظمة الدولية المتوافرة في مكتبة داغ همرشولد.

وفي ضوء ذلك أبدت الأمم المتحدة اهتماماً واسعاً بقضايا الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث أصدرت الجمعية العامة حوالي سبعة قرارات تتعلق بالإرهاب، وأنشأت 12 اتفاقية دولية معنية بمكافحة الإرهاب خلال الفترة من سبتمبر 1963 إلى ديسمبر 1999. ونظراً لكون دول مجلس التعاون الخليجي أعضاءً في منظمة الأمم المتحدة، ولأهميتها في النظام الدولي بما تمتلكه من إمكانيات هائلة في مجال الطاقة. فقد تفاعلت مع تزايد اهتمام المجتمع الدولي بقضايا الإرهاب، وما ساعد على ذلك تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر على أنظمتها السياسية، حيث اهتزت صورتها داخل مجتمعاتها المحلية، وفي المجتمعات الغربية أيضاً. الأمر الذي عرّضها لضغوط دولية كبيرة من أجل السعي نحو الإصلاح ومكافحة الإرهاب التي اتهمت في أحايين عديدة بأنها دعمته بشكل مباشر وغير مباشر كغيرها من بعض الدول العربية والإسلامية.

من هنا قامت دول المجلس بسلسلة من الإجراءات من أجل مكافحة الإرهاب، أبرزها التوقيع على أهم الاتفاقيات الدولية المعنية بالإرهاب، والإعلان عن دعم الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في أنحاء العالم خلال الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري الذي عقد في 23 سبتمبر 2001، ثم القيام بحملة لمكافحة غسل الأموال (المشبوهة)، وتجميد العديد من الحسابات المصرفية والأصول المالية لبعض المنظمات الخيرية والجماعات والأفراد الواردة أسماؤهم في القوائم الأمريكية التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية بسبب الاشتباه في دعمها وتمويلها لأعمال إرهابية.

الإضافة إلى ذلك فقد اتفق وزراء المالية بدول مجلس التعاون أيضاً على إصدار قانون موحد لمكافحة عمليات غسل الأموال، وأكدوا عدم وجود أي أصول لأموال مغسولة في بنوك الخليج. وتوج ذلك بتبني وزراء داخلية دول المجلس الاستراتيجية الموحدة لمكافحة الإرهاب من أجل دعم الحملة الدولية في اجتماعهم المنعقد في نهاية أكتوبر 2001. مثل هذه الإجراءات المتسارعة أحدثت الكثير داخل مجتمعات الخليج، وأدت إلى خلق حالة من العلاقات المعقدة والكثيفة بين تفاعلات الأنظمة السياسية الخليجية يصعب فهمها وتحليل أبعادها على المدى البعيد، ومن هنا تبرز الإشكالية في عدم معرفة دول مجلس التعاون بعد بالتداعيات المستقبلية التي يمكن أن تنجم عن ظاهرة مكافحة الإرهاب والسياسات المتبعة بشأنها، وتأثيراتها المختلفة، سواء على صعيد السياسات الداخلية، أو السياسة الخارجية، وفي المجالين الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى البعد الأمني الذي يشمل جميع هذه المجالات الهامة. ولذلك تبرز حاجة ماسّة لدراسة آثار ظاهرة مكافحة الإرهاب على دول مجلس التعاون، وليس اختزال هذه الظاهرة التاريخية، والذهاب نحو دراسة آثار أحداث الحادي عشر من سبتمبر على دول المجلس. لأن هذه الدراسة ستكون قاصرة وغير قادرة على استشراف مستقبل الأنظمة الخليجية، وعلاقاتها الثنائية، وآثار مكافحة الإرهاب على مختلف قطاعاتها المجتمعية.

يمكن إبراز أهمية ذلك في بحث أثر مكافحة الإرهاب على العلاقات السياسية الثنائية بين دول المجلس. فإذا تتبعنا مسار العلاقات الثنائية الخليجية ـ الخليجية خلال العقد الأخير من القرن العشرين سنجد أنها تأثرت بالتطورات الناجمة عن الظروف الداخلية والإقليمية التي شهدتها منطقة الخليج خلال فترة ما بين الحربين الخليجيتين الثانية والثالثة، حيث أخذ الوجود العسكري صوراً جديدة بانتشاره في معظم بلدان الخليج على شكل قواعد عسكرية أو تسهيلات. وفي نفس الوقت كانت المنطقة متأثرة بشكل أو بآخر بالحصار الدولي المفروض على العراق في فترة حكم نظام البعث السابق. بالإضافة إلى ذلك عانت بلدان الخليج من أوضاع اقتصادية صعبة بسبب تزايد العجز في الموازنات. وهذا كله أفرز أوضاعاً داخلية متباينة، حيث تصاعدت حدة الاحتجاج السياسي في البحرين، وزادت مساحة الحرية المتاحة في الإمارات وقطر والكويت. كما سعت الأنظمة الخليجية الحاكمة نحو إصلاح أنظمتها، وإتاحة الفرصة لشعوب الخليج لممارسة دور محدود في عملية صنع القرار عبر إنشاء المؤسسات الشوروية أو تفعيل أدوارها. وفي ظل هذه الظروف شهدت العلاقات الثنائية الخليجية توترات كثيرة، منها الخلاف الحدودي البحريني ـ القطري، والخلاف السياسي السعودي ـ القطري، وغيرها. وبشكل عام يمكن القول بأن الظروف الإقليمية في المنطقة والتطورات الداخلية لم تساعد بلدان مجلس التعاون خلال تلك الفترة على اتخاذ مسار واحد سواءً نحو التقارب أو التباعد في علاقاتها البينية، وإنما استمرت هذه العلاقات وفق هذين المسارين حتى وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

فمع تداعيات تلك الأحداث والهجمة الدولية التي تعرضت لها بلدان المنطقة في الإعلام العالمي كان من المتوقع أن تأخذ العلاقات الثنائية الخليجية طابع التقارب، وتسير في هذا المسار بسبب أحادية التحدي. ولكن الواقع أثبت خلاف ذلك، حيث ظهر التباين في المواقف منذ اللحظات الأولى لبروز تحدي محاربة الإرهاب في سبتمبر 2001، عندما تباينت رؤى بلدان الخليج بإعلان الكويت عن استعدادها لتقديم المساعدات العسكرية للولايات المتحدة من أجل مكافحة الإرهاب، في حين تحفظت السعودية على ذلك حسبما تناقلته وكالات الأنباء العالمية عقب أحداث سبتمبر، وكانت تميل نحو التعاون مع الولايات المتحدة في المجالات الأمنية وخاصة ما يتعلق منها بتبادل المعلومات وملاحقة الذين يشتبه بوجود علاقة تربطهم بتنظيم القاعدة.

أيضاً تأثرت العلاقات الثنائية الخليجية بتداعيات الإجراءات التي اتخذتها بلدان الخليج في إطار مكافحتها للإرهاب، ويمكن ملاحظة هذا التأثير في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم مع الاعتقالات التي يتعرض لها أبناء الخليج في البلدان الخليجية الأخرى كما هو الحال بالنسبة للعلاقات البحرينية ـ السعودية بسبب اعتقال الأخيرة لمواطنين بحرينيين يشتبه في تورطهم بقضايا الإرهاب وعلاقتهم بتنظيماته.
وقد أدت هذه الإجراءات التي مسّت المؤسسات الإسلامية العاملة في مجال العمل الخيري والدعوي بشكل لافت إلى إحداث تغيير محدود في البنى التقليدية. وهو ما يمكن اعتباره تغييراً في أنماط التحالفات القائمة داخل الأنظمة الخليجية، ومثال ذلك التيار الإسلامي السلفي. فالمتتبع لأنشطة هذا التيار في منطقة الخليج سيجد الصعوبات والتحديات التي يواجهها في الوقت الراهن، فقد تعرض هذا التيار بشكل عام إلى نكسة حقيقية، ومحاربة واسعة النطاق، ليس من قبل القوى الفاعلة في النظام الدولي فحسب، وإنما من قبل الأنظمة السياسية الخليجية نفسها. فإذا كانت الحكومات قد تحالفت ودعمت بعض اتجاهات هذا التيار في الماضي، فإنه من السهولة بمكان متابعة حجم التغيّر في العلاقة الراهنة، وكيفية تعامل هذه الحكومات مع هذا التيار الذي يتسم غالباً بالحذر.

ومع ذلك فإنه يمكن القول بأن تيار السلف هو الأبرز من بين التيارات الفكرية الأخرى في المنطقة فيما يتعلق بتغير طبيعة العلاقة بينه والأنظمة الحاكمة. في السابق ساهمت معتقدات هذا الاتجاه المتحفظة جداً في مسألة الخروج على الحكم والثورة عليه في تشكيل نمط معين من العلاقة اتسم في الغالب بالتحالف، وإن تباينت مواقف قيادات الاتجاه مع النخب السياسية في أحايين عدة. والآن هناك رؤية مختلفة للتعامل مع هذا التيار بسبب ظهور فئات وجماعات دخيلة لها امتدادات تاريخية فكرياً، ولكنها اختلفت كثيراً مع التيار نفسه في تبني ممارسات غريبة ولا تمت إليه بصلة.

وإذا ألقينا الضوء على السعودية التي يتسم نظامها السياسي بالثنائية (الدينية ـ القبلية) فإننا سنجد أن هذه الثنائية تواجه تحدياً كبيراً، وأصبح الاتجاه السلفي يواجه جملة من الصعوبات قد يكون أبرزها عدم القدرة على التكيف مع رغبة القوى السياسية وبعض عناصر النخبة الحاكمة في الإصلاح السياسي. ولكن معطيات الواقع والضغوط الخارجية تفرض حتماً الدخول في عملية الإصلاح التي يتحفظ عليها التيار السلفي بشكل علني، وهذا يفرض على قيادات السلف البحث عن بدائل وخيارات للمحافظة على وحدة التيار وضمان استمراريته خلال المستقبل المنظور، ويمكن تحقيق ذلك عبر خلق تحالفات جديدة داخل الأنظمة الخليجية الأخرى.

كذلك من آثار عملية مكافحة الإرهاب شروع الأنظمة الخليجية نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي بغض النظر عن العوامل المؤثرة فيه. فما تشهده بلدان الخليج من اهتمام كبير بالإصلاح، وتفاوت في طبيعته ساهمت إجراءات مكافحة الإرهاب في بروزه.

خلاصة القول أن الأوضاع التي أفرزتها حالة مكافحة الإرهاب داخل بلدان مجلس التعاون الخليجي قد انعكست بشكل كبير على العلاقات الثنائية الخليجية وحافظت على استمرار هذه العلاقات بالمسارين (التقارب والتباعد) في الوقت التي هي في حاجة إلى أن تكون علاقاتها قائمة على مسار واحد، وهو مسار التقارب في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها، حتى لا تفشل في مواجهة ومعالجة المشكلات التي ستظهر خلال الفترة المقبلة بعد احتلال العراق.

مجلة آراء حول الخليج