array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التلوث البحري ومخاطره على البيئة والإنسان في منطقة الخليج

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

أثارت قضايا البيئة والمخاطر المرتبطة بها، والتي قد تهدد الحياة فوق كوكبنا، اهتمام المنظمات الإقليمية والدولية على السواء، فاحتلت هذه القضايا أولوية في الأجندة الدولية خلال العقود الثلاثة الماضية. ولقد ازدادت وتيرة الاهتمام العالمي بها وبخاصة بعد ملاحظات العلماء الخاصة ببعض الظواهر والمتغيرات التي قد تؤدي إلى اختلال التوازن البيئي فوق كوكب الأرض. ويتمثل أبرز مظاهر المشكلة البيئية فيما أصبح يُعرف بظاهرة الاحتباس الحراري، كما أن الحديث الإعلامي يتردد من حين إلى آخر عن تآكل طبقة الأوزون والنقص المريع في الموارد الطبيعية وتغيير النظم البيئية، فضلاً عن التلوث بأشكاله المختلفة. ولقد أشار العلماء إلى أن الأمور لو تم تركها تسير على هذا المنوال دون محاولة لضبط إيقاعها وفق خطط مدروسة فإنها ستقود حتماً إلى تقويض أسس الحياة على الأرض.

ومن هنا كان لا بد لدول الخليج العربية كجزء من العالم أن تتأثر مثل غيرها من الأقاليم بهذه الظواهر والمتغيرات الكونية. غير أن دول الخليج تمتاز عن دول الأقاليم الأخرى بمشاكل بيئية ذات طبيعة خاصة بالمنطقة. فبالإضافة إلى وقوع دول الخليج ضمن أشد المناطق جفافاً في العالم وما ينتج عن ذلك من شح في موارد المياه العذبة ونقص في المساحات المزروعة فإنها تُعتبر من أكبر المناطق إنتاجاً وتصديراً للنفط في العالم وما يترتب على ذلك من إمكانية تلوث لمياه الخليج جراء استخراج النفط وترحيله وما يفرزه ذلك من آثار مدمرة على البيئة البحرية.

إن إشكالية وتعقيدات ظاهرة التلوث في منطقة الخليج تكمن في درجة التفاعل والترابط العضوي والتأثير المتبادل بين البيئة البحرية في الخليج من ناحية وحياة الإنسان والحيوان في هذه المنطقة من ناحية أخرى. وتعتمد دول الخليج اعتماداً كلياً على مياه الخليج في عمليات تحلية المياه، والتي تُعتبر خياراً استراتيجياً للتزود بالمياه المحلاة لاستخدامها في المجالات الخدمية والزراعية، وتوجد 60٪ من التجهيزات الخاصة بتحلية المياه في العالم في منطقة الخليج، وتقوم المملكة العربية السعودية بمفردها بتحلية ثلاثة ملايين طن من المياه للاستخدام اليومي.

وعلى الرغم من أن الموارد البحرية تمثل مورداً مهماً للغذاء بالنسبة للسكان في المناطق الساحلية فإن تضافر بعض العوامل والخصائص الطبيعية أدت إلى قيام مظاهر مهددة للبيئة، وبالتالي إلى اختلال التوازن البيئي. ويُعتبر الخليج بحراً شبه مغلق، ومياهه ذات ملوحة عالية، وضحلة ، حيث يبلغ عمقها نحو خمسة وثلاثين متراً. ويمتاز الخليج بارتفاع نسبة تبخر المياه فيه مقارنةً بالبحار الأخرى مثل البحر الأبيض المتوسط، هذا إضافة إلى قلة انسياب المياه العذبة إليه نظراً لقلة الأمطار وغياب مصادر المياه السطحية مثل الأنهار، كما أن عملية حركة المياه، والتي تساعد على حفظ التوازن البيئي تتم بوتيرة بطيئة فيه تستغرق مدة قد تمتد لخمس سنوات. يُضاف إلى ذلك أن المياه التي تنتجها محطات التحلية تساعد على زيادة درجة ملوحة مياه الخليج.

وتتعرض البيئة البحرية في الخليج كذلك لمختـلِـف الملوثات الهدامة والمتمثلة في تلوث مياه الخليج بالزيت الناتج عن مرور ناقلات النفط، حيث يُقدر عدد الناقلات التي تمر عبر الخليج بنحو مائة ناقلة يومياً، وتفرغ هذه الناقلات نحو ثمانية ملايين طن من رواسب الزيت في الخليج سنوياً. كما أن عمليات التنقيب واستخراج النفط في الجرف القاري للخليج تساهم في عملية تلوث مياهه.
وتقوم بعض ناقلات النفط بغسل خزاناتها وإلقاء مياه الغسيل في عرض البحر أو على الشواطئ، كما تقوم أيضاً بالتخلص من أطنان المياه المختلطة بالزيت، والتي تم شحنها في موانئ التوريد من أجل موازنة حمولة الناقلات أثناء عودتها لتفرغ في موانئ

التصدير، حيث تتم تعبئته بدلاً من النفط الخام، هذا إضافة إلى الكوارث الناجمة عن غرق البواخر وناقلات النفط. كما أن حروب الخليج قد زادت من حجم التلوث وخطورته وبخاصة أثناء حرب الخليج الثانية وفي أعقابها إثر قيام العراق بحرق آبار النفط في الكويت لتغطية انسحابه منها. وقد أدت زيادة معدل النمو السكاني والاقتصادي في المناطق الساحلية إلى زيادة الضغط على البيئة البحرية من جراء عمليات الجرف والردم والتخلص من النفايات المنـزلية والصناعية. لقد أدت كل هذه العوامل والمؤثرات إلى استمرار تقويض البيئة البحرية واختلال التوازن البيئي، الأمر الذي ستكون له انعكاساته ومردوداته السلبية على حياة الانسان والتنمية المستدامة في الخليج في الحاضر والمستقبل.

ويحذر الخبراء من أن الأمور لو سارت على هذا المنوال فإن مياه الخليج سوف تصبح غير صالحة لاستخدامها كمياه محلاة، لأن محطات التحلية مصممة للعمل على أساس توفر مياه مالحة نقية وخالية من الملوثات. ويرى الخبراء أن ازدياد ملوحة مياه الخليج نتيجة للعوامل الآنف ذكرها سوف تجعلها غير قابلة للاستخدام في السنوات السبع القادمة. ويبدو من المفيد هنا التذكير بالخطط الاقتصادية والصناعية الطموحة التي تسعى بعض دول الخليج إلى تحقيقها، والتي يلعب فيها الماء دوراً رئيسياً. وبفعل تراكم كل هذه العوامل والمتغيرات يرى الخبراء أن دول المجلس سوف تواجه أزمات مائية حادة في المستقبل.

كما أن الأنظمة البيئية في الخليج مهددة بالانقراض والتدهور بفعل بقع النفط الطافية فوق مياه الخليج وبخاصة تلك التي أحدثها النظام العراقي السابق أثناء حرب الخليج الثانية، والتي تُعتبر من أكبر بقع النفط في العالم ويُقدر حجمها بما يقارب ثمانية ملايين برميل من النفط. وقد أحدثت هذه البقعة ضرراً جسيماً بالحياة البحرية لاسيما بالنسبة للأسماك والكائنات البحرية الأخرى وغابات المانجروف التي تساعد على نمو وتكاثر الكائنات البحرية. ولقد امتد الضرر ليصيب صناعة الأسماك السعودية التي شهدت ردحاً من الازدهار، وأسفر ذلك أيضاً عن القضاء على العديد من أنواع الطيور البحرية في جزيرة أبو علي السعودية. ولقد اتضح أيضاً أن وجود عناصر نفطية في أجسام الأسماك يؤدي إلى إصابة الإنسان بمرض السرطان وأمراض أخرى في حالة تناوله لهذه الأسماك.

لقد بات جلياً أن البيئة البحرية في الخليج تواجه الكثير من المهددات والمخاطر، مما يستدعي من دول المجلس الانتباه إلى هذا الأمر وإعطاءه ما يستحقه من اهتمام، وبخاصة أن قضايا البيئة تُعتبر من القضايا عابرة الحدود والأوطان وتحتاج إلى الإجراءات والتدابير المشتركة بين مختـلِـف الدول. وعلى الرغم من أن دول المجلس قد بذلت جهوداً مقدرة لمعالجة ظاهرة التلوث والحفاظ على البيئة فإن نتائجها لم تكن بالقدر الكافي، الأمر الذي يؤكد ضرورة بذل المزيد من الجهود ووضع الخطط والبرامج المشتركة على المستويين الإقليمي والدولي.

ولقد قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة بإعلان الخليج ومعه بعض البحار المغلقة الأخرى مثل البحر الأحمر والبحر الأسود وبحر البلطيق والبحار ذات الأنظمة الايكولوجية الحساسة مناطق تحتاج إلى بعض التدابير الخاصة من أجل الحفاظ عليها. ويرى الخبراء أنه من الضروري لدول المجلس اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير للحد من ظاهرة التلوث البحري، يُعتبر من أبرزها:إعادة النظر في أوضاع تحلية مياه البحر في ضوء الاعتبارات البيئية.والعمل على إنشاء محطات استقبال في جميع موانئ تحميل البترول طبقاً للحاجة.وإجراء دراسات للجدوى وآليات التنفيذ مع وضع تعريفة موحدة لاستقبال الرواسب الزيتية.والحرص على تطبيق القواعد الدولية الخاصة بحماية البحار من الزيت بموجب الاتفاقيات الدولية نافذة المفعول.

ومن الإجراءات الضروية أيضا وضع آليات مراقبة لتحديد المسؤوليات بالنسبة للشركات الناقلة التي تلقي بنفاياتها في الخليج.والتنسيق مع الدول الواقعة على شواطئ المناطق الخاصة لدعم مشروع صندوق دولي يتولى وضع مشاريع محطات استقبال رواسب ونفاياتها السفن.و قيام دول المجلس بإبراز خطورة تلوث البيئة البحرية من خلال أجهزة الإعلام ورفع درجة الوعي لدى المواطن الخليجي حيال ضرورة الاهتمام بالبيئة بشكل عام والبيئة البحرية بشكل خاص وتكاتف الجهود الشعبية والرسمية من أجل صونها والحفاظ عليها.

مجلة آراء حول الخليج