array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

تقدم في التكنولوجيا وتراجع الحريات

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

صنف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة دول العالم إلى ثلاث: دول تتمتع بنظم حكم ديمقراطية، وأخرى شبه ديمقراطية، وثالثة غير ديمقراطية، وقد «اختارت» معظم الدول العربية أن تجتمع في التصنيف الثالث، بينما لم يرد اسم أي منها - والحمد لله على كل حال - في التصنيف الأول. فالديمقراطية العربية هي ديمقراطية العالم الثالث كما وصفها أحد الصحفيين العرب، تقوم على ثلاثية: الدستور، وديكتاتــورية القانون، ومزاج الحكومة..! في بدايات السبعينـيات من القرن الماضي، وفي كتابه «الصحافة العربية: الإعلام الإخباري وعجلة السياسة في العالم العربي» كان «ويليام روو» قد قسم الصحافة العربية إلى ثلاثة أيضاً : الصحافة التعبوية وهي تلك التي تشحذ كل طاقاتها من أجل تثبيت دعائم النظام - ومنها على سبيل المثال صحافة الجزائر وليبيا والعراق وسوريا - ثم الصحافة الموالية التي تتبنى في الغالب الموقف الرسمي، وقد وضع «روو» كل الصحافة الخليجية ضمن هذا التصنيف، باستثناء الكويت التي انفردت آنذاك مع لبنان ومصر بالتصنيف الثالث الذي سماه «الصحافة التعددية» وهي تلك التي تتمتع بهامش أكبر من الحرية.

لقد حدثت تغيرات وتطورات وأحداث كثيرة منــذ ذلك التاريخ، سواء على الصعيد السياسي في دول المنطقة، بدءاً من غزو العراق للكويت وانتهاءً بغزو الولايات المتحدة للعراق، إلى التطور التكنولوجي المذهل في صناعة الإعلام والاتصال في عالم يرتبط فيه على شبكة الانترنت اليوم 3002 مليارات كمبيوتر، والفضائيات وما رافقها من سرعة تدفق الأخبار وتوظيف المؤسسات الإعلامية العالمية الكبرى لتكنولوجيا الاتصال في عمليات الاختراق الفكري والثقافي، كل ذلك أدى إلى تغيير الصورة وبخاصة بعد أن قادت الولايات المتحدة كما يقول صلاح الدين حافظ: «أكبر حرب تضليل إعلامي رافقت احتلال العراق»، وترويج ثقافة الاستهلاك: استهلاك الثقافة والأكاذيب الإعلامية الأمريكية، وحرص واشنطن على انتشار نموذجها «الإعلامي» الذي ترافق مع زيادة تواجدها العسكري في المنطقة.

ويرى حافظ أن التيار المعادي للحريات، والمتغلغل بقوة في النظم العربية الحاكمة، قد استغل ما سمته واشنطن «الحرب على الإرهاب» لتشديد القبضة على الحرية الصحفية والإعلامية «بحجة حرمان الإرهابيين من الوصول إلى الرأي العام، أو بذريعة حماية الأمن القومي ومطاردة الإرهابيين.. وقد شكل هذا الضغط خصوصاً الأمريكي تناقضاً فظاً بين ما تطالب به واشنطن من إصلاح ديمقراطي في البلاد العربية، وبين ما تمارسه فعلياً من خلال الضغط على الحكومات العربية لتقييد حرية الصحافة إذا انتقدت سياستها، ومن خلال تدخل السفراء الأمريكيين مباشرة في شؤون الصحافة العربية»، والضغوط التي مورست على الجزيرة في حرب الخليج الثانية، وعلى «العربية» و«الجزيرة» في الحرب الثالثة. وأكبر شاهد على ذلك إغلاق مكاتب الجزيرة في بغداد حتى لحظة كتابة هذا المقال، في الوقت الذي تطلق فية الإدارة الأمريكية محطة تلفزيونية جديدة في المنطقة اسمها «الحرة»..!

نستطيع القول - بهدوء - أن لا دولة عربية يمكن لها الادعاء بأنها تمتاز عن شقيقاتها بنظام إعلامي ليبرالي، وقد تراجعت الكويت فيما يبدو من النموذج التعددي - كما تراجعت لبنان أيضاً - إلى التصنيف الثاني الموالي. وقد خلقت الدول العربية «المغتربة عن ذاتها» - والقول للدكتور بسيوني حمادة - نظاماً اتصالياً تابعاً لها يضفي عليها الشرعية لتأمينها، ويعضد من هيمنتها، ويعيد إليها ذاتها المفقودة، ولذلك فإن العلاقة التي نشأت بين السياسي والإعلامي هي في معظمها علاقة غير سوية، ومحصلتها النهائية فقدان الإنسان العربي الثقة في هذين النظامين معاً: النظام السياسي والنظام الإعلامي.

أما الإعلام الخليجي على وجه الخصوص فلا يمكن فصله عن الواقع الخليجي، ولا يجوز الحديث عن إصلاح إعلامي بشكل منفرد عن عملية المطالبة بالإصلاح السياسي الشامل في المنطقة، ولا يمكن أن تتحول وسائل الاتصال الجماهيري بمفهومها الشامل إلى سلطة رابعة طالما تتداخل السلطات الثلاث، فعندما يتحقق الفصل الحقيقي للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، يمكن عندها الحديث عن «سلطة رابعة».

وليس من السهل تحقيق أي تقدم تراكمي في حجم تأثير العملية الإعلامية في بلد يصادر حرية الرأي، أو في بلد لم ينجز بعد بناء دولة المؤسسات بمفهومها الحقيقي والراسخ، فهناك ترابط كبير بين الصحافة والديمقراطية، تشبه علاقة العاشق بالمعشوق، ولن تستوي هذه العلاقة إلا عندما تصبح الديمقراطية ممارسة يومية، وسلوك حياة، ليس تحت قباب البرلمانات والمجالس الاستشارية، ولكن في الشارع، والمدرسة، والبيت.. وفي أقسام الشرطة أيضاً.. ! لا صحافة حرة في بلد يصادر حق المعرفة، وحق إبداء الرأي. الصحافة هي حق الناس في المعرفة، وحقهم في حرية التساؤل والشك والانتقال من حالة اللايقين إلى اليقين.

لقد تم إرجاع أسباب التخلف العربي في التقرير العربي للتنمية لعام 3002 إلى ثلاثة أسباب أيضاً، هي أولاً: غياب الديمقراطية، وثانياً: نقص المعرفة، ثم : تهميش المرأة. إذاً فإن « غياب الديمقراطية ونقص المعرفة» يمثلان - حسب هذه الرؤية - حوالي 66٪ من أسباب التخلف العربي. وسواء على المستوى العربي بعامة أو الخليجي بشكل خاص، فإنني أعتقد أن هناك تباطؤاً وتناقضاً غير مبرر اتجاه عملية الإصلاح الشامل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً .

وعلى الصعيد الإعلامي، ففي الوقت الذي أسقطت فيه الفضائيات والإعلام الإلكتروني سياسات الحجر، ومنع الصحف من الدخول، والتشويش على المحطات الإذاعية، وفي الوقت الذي أنشأت فيه بعض الدول الخليجية فضائيات مُنحت من قبل السلطة مساحة معقولة من الحرية في تناول الخبر، إلا أن قوانين المطبوعات والنشر التي وُرثت من عهد الدولة العثمانية ما زالت سائدة في تلك البلدان ، وما زالت الصحافة تعمل برقيب غير معين من الحكومة اسمه «رئيس تحرير» أو «مدير تحرير» أو «محرر صحفي » يعرف جيداً الخطوط الحمراء الكثيرة، والعقوبات الكبيرة التي يمكن أن تطاله لو تعرض بكتاباته إلى «مقام الحاكم» أو أساء الى دولة صديقة أو حرض على العنف أو أخل بالآداب العامة أو حرض على كراهية النظام أو عكر صفو الأمن أو كتب ما من شأنه الانتقاص من كرامة الإنسان أو الحريات الفردية أو نشر ما يسيء الى المبادىء العامة أو «ما يؤدي إلى تفرقة القبيلة» - كما في اليمن مثلاً - وتحت أي بند من هذه البنود يمكن لأي بلد يضيق بحرية الرأي أن يَســــجِن أو يُوقـــف عن العمل كل كتاب الصحف فيه..!

وعلى الرغم من أن الصحافة الخليجية مازالت تتمتع بمساحة حرية أكبر من تلك الممنوحة في بلدان عربية أخرى، إلا أن هناك حاجة ملحة لبلورة رؤية إعلامية خليجية موحدة اتجاه مجمل القضايا في مرحلة جد خطيرة حيث «تتكالب» وسائل إعلامية عالمية كبرى في معالجتها لقضايا المنطقة.

هناك مبادرات نتمنى أن يكتب لها النجاح ومنها اقتراب رؤساء تحرير الصحف الخليجية من الإعلان عن اتحاد الصحافة الخليجية، والمطلوب من هذا الاتحاد أن يسارع منذ لحظة الإعلان عن تأسيسه إلى العمل على تحقيق التوازن بين الاهتمامات الوطنية والاهتمامات الخليجية في العمل الصحفي والإعلامي، إذ يجب أن يكون هناك رؤية استراتيجية خليجية اتجاه قضايا مهمة منها الإرهاب، وكيفية التعامل مع الهجمة الغربية الشرسة اتجاه المنطقة. وأن تخرج الصحافة من بعدها المغرق في المحلية أحياناً إلى الفضاء الخليجي والربط بين الأبعاد المحلية والخليجية والعربية.

لقد تشرفت بالعمل في «القبس» و«العربي» حتى عام 0991 عندما كانت الكويت ربما المصنفة رقم واحد، لا في الخليج فقط، وإنما في العالم العربي من حيث هامش الحرية والشفافية الذي لم تقدمه الدولة الكويتية آنذاك على طبق من ورد للصحافة والصحفيين، وإنما كان مكتسباً بحكم البيئة الديمقراطية السائدة، فعندما يزدهر العمل البرلماني يصبح للصحافة سلطة. آنذاك استطاعت الصحافة أن تسقط وزراء، وقد كانت رقيباً على أعمال الحكومة جنباً إلى جنب مع مجلس الأمة. ولكن ترتيبات داخلية حكومية قبل الغزو العراقي جعلت الرقيب يدخل الصحف قبل أن تفقد الصحافة الكويتية ثقلها الخليجي والعربي، فغرقت بعد التحرير في همومها المحلية التي إن كانت مبررة خلال 41 عاماً أعقبت التحرير، فإنها لم تعد مبررة الآن، وقد قال محمد مساعد الصالح رئيس مجلس إدارة جريدة الوطن الكويتية حتى عام 0991 والكاتب المعروف أن الغزو « هو ما جعل صحافة الكويت تتقوقع وتركز على المحليات دون رابط بين الأوضاع المحلية والعربية رغم أهميتها».

المطلوب نهضة للصحافة الخليجية، ورؤية واستراتيجية موحدة اتجاه القضايا الخليجية، والعمل على الارتقاء بالمستوى المهني في العمل الصحفي والإعلامي، والموضوعية في نقل الخبر، والإخلاص إلى الحقيقة.

إن كل ما تمارسه السلطة في المنطقة العربية من تضييق على الحريات لا يعطي الصحفي المبرر للعمل تحت خط الحرية الوهمي الذي ترسمه الحكومات، والمفروض أن يسعى إلى إحداث خروقات في هذا السقف بأمانة وبموضوعية خدمةً لقضايا الوطن والأمة. ولا أبالغ إذا قلت إن بعض الصحفيين يعمل دون هامش الحرية المتوفر، دون خط الحرية الذي تحظر الدولة اختراقه، ولا أبالغ: إن سقف بعض الحكومات من الحرية يعلو سقف كثير من الصحفيين.

مجلة آراء حول الخليج