array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

المشروع الفرنسي – الأمريكي: انقلاب على الوضع الراهن

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

إن مشروع القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن والمتعلق بملف الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي تقدمت به كل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية يعتبر انقلاباً صارخاً على الوضع الراهن والقائم منذ التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1990، والذي من خلاله توصلت جميع الأطراف اللبنانية المتصارعة وسورية والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إلى اتفاق لإعادة الأمن والاستقرار في لبنان وترسيخ الوحدة الوطنية بين جميع الطوائف اللبنانية. وهذا القرار يعكس مرة أخرى المعايير المزدوجة التي يتبعها الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة تجاه قضايا شرق أوسطية.

ولأن الحديث عن سياسة المعايير المزدوجة، وهي سياسة ما انفكت تشكل عنصراً أساسياً من عناصر السياسة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة وتخضع لها الدول الكبرى الأخرى في العالم الحر قد تحول إلى مبرر سياسي تلجأ إليه أغلبية بلدان الشرق الأوسط عندما لا تريد أن تواجه سياسات أمريكية فاشلة، هو حديث غير مجدي بل وضار للعقل العربي والضمير العربي، تسعى هذه المقالة لإلقاء الضوء على قرار مجلس الأمن وأهدافه وتداعياته على الأطراف الأساسية.

لقد تضمن قرار مجلس الأمن بنوداً أهمها خروج القوات الأجنبية من لبنان وحل المليشيات العسكرية في لبنان والحيلولة دون تعديل الدستور اللبناني فيما يتعلق بتمديد فترة الرئاسة ومساندة مجلس الأمن لإجراء "عملية انتخابية حرة ونزيهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تتم وفقاً لقواعد الدستور اللبناني دون تدخل أو تأثير خارجي. وقد صوت لصالح المشروع تسعة أعضاء من أصل 16 تترأسهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا واسبانيا.

وبالرغم من ذلك لم ينجح التحرك الفرنسي – الأمريكي غير المبرر وقرار مجلس الأمن في تغيير مواقف أغلبية نواب البرلمان اللبناني التي وافقت على تمديد فترة رئاسة آميل لحود ثلاث سنوات أخرى. وقد صوت لصالح التمديد 96 عضواً من أصل 128، ورفض 29 مع غياب ثلاثة أعضاء. وهكذا نال الرئيس آميل لحود أغلبية ساحقة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا أقحم مجلس الأمم وتم تدويل شأناً داخلياً لبنانياً وفي وقت قياسي؟ ألم يحدث أن تجددت فترة رئاسة الرئيس الياس الهراوي السابق في عام 1995ولم تعترض واشنطن أو باريس، كما أن مجلس الأمن لم يستخدم وسيلة لرفض التمديد.

مما لا شك فيه أن الكثير من المتغيرات الجيوسياسية والجيواستراتيجية قد طرأت على الساحتين الدولية والإقليمية. إن تسلم اليمين الأمريكي والإسرائيلي لسدة الحكم في واشنطن وتل أبيب، مع ما يحمله هذا اليمين من تطرف عقدي وسياسي، وفشل المشروع التسووي بين العرب وإسرائيل في كامب ديفيد واندلاع انتفاضة الأقصى في فلسطين المحتلة وأحداث 11 سبتمبر وإعلان أمريكا الحرب على "الإرهاب" والتواجد العسكري الأمريكي الكبير في منطقة الخليج بعد احتلال العراق واستمرار حالة الفوضى واللأمن واندلاع المقاومة في العراق ضد الاحتلال الأمريكي هي متغيرات لا يمكن فصلها عن التغير الدراماتيكي بل والاستراتيجي في موقف واشنطن تجاه الملف الرئاسي اللبناني والعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وسورية، لا سيما وأن الإدارة الأمريكية، وبدعم من الكونجرس، كانت قد تبنت قانون "محاسبة سورية" قبل بضعة أشهر.

إن الانقلاب الفرنسي – الأمريكي على الوضع الراهن في لبنان، وخاصة الأمريكي، مرتبط في جوهره بالخارطة الجيوسياسية الجديدة للشرق الأوسط التي تعمل الإدارة الأمريكية الحالية على ترسيخها منذ أحداث 11 سبتمبر لصالح مايسمى "الأمن القومي الأمريكي والإصلاح في منطقة الشرق الأوسط" ولتمكين اسرائيل من لعب دور أعظم على حساب جميع دول المنطقة، بمن فيهم الحلفاء.
لا يخفى على أحد أن الأمن والسياسة الخارجية في لبنان كانتا دائماً محل اهتمام القيادة السورية لما لهما من أهمية استراتيجية على مصالحها الحيوية ليس فقط في لبنان، وهذا هام على أية حال، ولكن أيضاً لارتباط الشأن اللبناني السياسي والديمغرافي بمسألة الصراع العربي – الإسرائيلي وعملية السلام. إن إصرار غالبية القوى السياسية اللبنانية والدعم السوري لتعديل الدستور اللبناني من أجل تمديد الفترة الرئاسية لثلاثة سنوات أخرى لم يأتي من فراغ ولم يحدث لفرض هيمنة طرف على حساب طرف أخر. بل هو إصرار مدروس، مع كل ما يترتب عليه من تداعيات، لمنع أمركة – ومن ثم أسرلة – الشأن اللبناني الداخلي بدعم من بعض فرق لبنانية معارضة للوجود العسكري السوري في لبنان ولاستمرار الرئيس لحود في الرئاسة

إن البديل لما حدث في لبنان والإذعان للإملاءات الأمريكية هو أخطر بكثير من ما تدعيه المعارضة اللبنانية، ولا سيما تلك التي تتواجد في الخارج، وأن المصداقية الأمريكية المجربة مراراً وتكراراً من فلسطين إلى العراق مروراً بأفغانستان والسودان والصومال وإيران لا تكفي لإقناع الشارع اللبناني والعربي بأن الإدارة الأمريكية الحالية تفعل ما تفعله لمصلحة لبنان وحريته وديمقراطيته. ففي لبنان نصف مليون لاجئ فلسطيني تريد لهم واشنطن وتل أبيب التوطين هناك، وفي لبنان تستمر المقاومة الوطنية والإسلامية لدحر الاحتلال الإسرائيلي من مزارع شبعا، ولهذا نص أحد بنود القرار الأممي بحل الميليشيات العسكرية، وفي لبنان رفض واضح لإقامة علاقات مع إسرائيل قبل التوصل لحل دائم ومتوازن وشامل للصراع العربي – الإسرائيلي تقبله جميع الأطراف. أما من الجانب الفرنسي فالقرار الأممي يعكس الرغبة الفرنسية لتقوية دورها ونفوذها في لبنان من خلال دعم فرقاء سياسيين للسيطرة على مراكز القوى. كما تريد فرنسا إرضاء واشنطن بعد موقفها القوي الرافض للحرب على العراق، وهي بذلك تنقلب على الوضع اللبناني الراهن وتتخذ موقفاً لا يتقاطع مع الموقف السوري، لا سيما وأن العلاقات السورية – الفرنسية شهدت بعض التوتر الناتج عن رفض دمشق إعطاء شركات النفط الفرنسية دوراً رئيسياً للاستثمار في حقول النفط الجديدة في سوريا. وبالرغم من ذلك يجب أن لا يفهم من هذا أن الموقفان الفرنسي والأمريكي متطابقان. إن العلاقات الفرنسية – السورية توصف بالجيدة والموقف الفرنسي تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي ينسجم مع الموقف الأوروبي الأكثر اعتدالاً وانسجاماً مع الموقف العربي.

إن التكتيك السوري – اللبناني الناجح لمنع أمركة وأسرلة الشأن اللبناني تحت عنوان التدويل يجب أن يتبع بسياسة واضحة ومدروسة لمواجهة تداعيات محتملة مصدرها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الفرقاء المعارضين بشدة للوضع الراهن في لبنان وللموقف السوري الذي يرونه تدخلاً في الشأن اللبناني الداخلي. إن الوحدة الوطنية اللبنانية بين جميع الطوائف والتنسيق مع دمشق على قاعدة المصالح الحيوية المشتركة والتاريخ ووحدة المصير هي قضايا هاما جداً لاستقرار لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وهي أيضاً هامة لمواجهة السياسات الأمريكيية والإسرائيلية في المنطقة في ظل فقدان التوازن السياسي الدولي وغياب أي شرعية دولية قادرة على فرض الحلول التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية.

لقد رفضت جامعة الدول العربية التدخل الفرنسي – الأمريكي في الشأن الدخلي اللبناني ولكنها لم تحشد فعلياً ما كان متوقعاً منها تجاه هذه التحديات. ولهذا يقع على عاتق الحكومتين اللبنانية والسورية مهمة التحرك باتجاه العالم العربي لدعم السياسات اللبنانية الراهنة ومحاولة احتواء الهجمة الأمريكية – الإسرائيلية على سوريا في وقت تنزف الأدمية في كل من فلسطين والعراق والسودان وتواجه المملكة العربية السعودية حملة أمريكية ضدها، ناهيك مشكلة الإرهاب المتفشية داخل المملكة.

أخيراً يستحق الشعب اللبناني أن يخاطب من قبل حكومته من خلال برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح يأخذ بعين الاعتبار أهمية وحدة الصف اللبناني وقبول الرأي الآخر ويبني مرجعية وطنية قادرة على حفظ الهوية والشرعية اللبنانيتين.

مجلة آراء حول الخليج