array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

آراء تحاور ثلاث شخصيات أمريكية حول الوضع في الشرق الأوسط: ورطــة احــتــلال العـــراق تطغــى على الانتخابات الأمريكية

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

عادة، في مثل هذه الأيام من عام انتخابات الرئاسة، تكون واشنطن مشغولة وغارقة حتى الأذنين بمتابعة ورصد مجريات حملة المرشحين المتنافسين الديمقراطي والجمهوري. فيوم الاستحقاق يقترب والمعركة قد دخلت جولتها الأخيرة الحامية، لذلك تكون الساحة الأمريكية مشدودة إلى تطورات السباق ومأخوذة به بالكامل تقريباً. لكن في هذه السنة المشهد مختلف. فسيرة الشرق الأوسط وبالتحديد العراق وورطة احتلاله تطغى على الموضوع الانتخابي ولا تزاحمه فحسب، فهي الحديث والمحور في وسائل الإعلام والكونغرس ومراكز الأبحاث، كما في كواليس الإدارة ومؤسسات استطلاع الرأي، ناهيك عن الشارع الأمريكي وشرائحه المتعددة، فالجدل الدائر في واشنطن حول الحرب في أساسها - فضلاً عن تزايد كلفتها وتفاقم عواقبها وتداعياتها الأمنية والسياسية - يحتدم أكثر فأكثر ومعه يتأزم وضع الرئيس بوش الانتخابي وتتهاوى دفاعاته، بل يتعمق معه الانقسام الأمريكي في هذا الخصوص وتتنوع الردود والقراءات.

«آراء حول الخليج» أجرت سلسلة حوارات مع باحثين واختصاصيين أمريكيين يمثلون عينة من الآراء ووجهات النظر المتداولة في واشنطن بشأن الملف العراقي في لحظته الراهنة. طرحت عليهم الأسئلة ذاتها لتكوين لوحة ولو مصغرة عن التنوع والتماثل في تعاطي أهل الرأي في الساحة الأمريكية مع موضوع احتلال العراق ومتاعبه بشكل رئيسي ثم مع الملف النووي العراقي والوضع الفلسطيني ولو بصورة هامشية في هذه المرحلة وكذلك التطرق للعلاقات الأمريكية - الإيرانية.

في هذا الإطار التقت «آراء حول الخليج» مع كل من جفري كمب مدير البرنامج الاستراتيجي الإقليمي في مركز نيكسون في واشنطن الذي شغل سابقاً في عهد الرئيس ريغان وظيفة معاون الرئيس لشؤون الأمن القومي ورئيس دائرة الشرق الأدنى وجنوب شرق آسيا في البيت الأبيض. ودانيال بليتكا نائبة رئيس قسم السياسة الخارجية والدفاعية في مؤسسة - واشنطن والمعروف أن هذه المؤسسة محسوبة على خندق المنظرين لإدارة بوش والتي يعد ريتشارد بيرل أحد أعمدتها. وتاد كاربنتر نائب رئيس قسم الدراسات الدفاعية والخارجية في مؤسسة ٴفُُّ للأبحاث بواشنطن، وفيما يلي نص الحوارات:

الانتقال الخاطف للسلطة في العراق أثار انتقادات لإدارة الرئيس بوش، كيف قرأت ردود الأفعال وما هي توقعاتك؟

كمب: في اعتقادي أن نقل السلطة في العراق كان خطوة جيدة، لكن ذلك حصل بصورة كشفت بوضوح عدم وجود الأمن في العراق وأن ذلك يمثل خطراً كبيراً على الحكومة المؤقتة.

بليتكا: لا أعتقد أنه كان انتقالاً عاجلاً للسلطة في الواقع كان بطيئاً بعد 16 شهراً على احتلال بغداد. ثانياً حسب علمي لم تكن هناك انتقادات بمعنى أنه إذا كان من الصحيح أن البعض انتقد فذلك جزء من العملية الانتخابية في هذا الوقت في أمريكا لكن عملية الانتقال حظيت بدعم واسع في الأمم المتحدة كما في العالم العربي وأيضاً من جانب الشعب العراقي. مقاطعة: ما المقصود بالانتقادات هنا في واشنطن..(هنا إذا عطس الرئيس ينتقدونه وإذا لم يعطس ينتقدونه فهذه سنة الانتخابات).

تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الذي فضح زيف مبررات الحرب على العراق. ما هو تقييمكم له ؟

كاربنتر: التقرير جيد من حيث إنه أشار إلى بعض الاخفاقات الاستخباراتية لكن الحقيقة هي أن المسألة كانت قراراً أساسياً اتخذه صناع القرار في إدارة الرئيس بوش الذين أرادوا منذ لحظة وصولهم إلى الحكم الذهاب إلى الحرب ضد العراق. لقد كان من الواضح أن الرئيس بوش ونائبه ووزير الدفاع وغيرهم كانوا قد أرسلوا إلى الـ «سي آي إيه» وغيرها من دوائر الاستخبارات كل أنواع الإشارات الحاذقة حول المعلومات التي تتوقع أن تراها وبدلاً من أن تتحلى الـ «سي آي إيه» بالشجاعة وتقوم بتقديم المعلومات التي لا ترغب الإدارة في رؤيتها اختارت الأهون وأعطت الإدارة ما أرادت وما توقعت سماعه. النقطة التي استندوا إليها وعملوا على تصويرها كمشكلة كانت أن العراق يستعصي على الردع وأنه إذا كان يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية وإذا كان يسعى لامتلاك السلاح النووي عندئذ لابد من القيام بعمل استباقي بدلاً من التعويل على سياسة ردعية، لكن الإدارة لم تشرح حتى هذه اللحظة لماذا كان العراق يستعصي على الردع.

مقاطعة: كما تعلم هناك الكثير من التلميح والحديث في واشنطن حول حصول تلاعب في المعلومات وبما يخدم المطلوب وكما تعرف فإن الشق المتعلق بهذا الجانب من عمل اللجنة قد تم تأجيله وغالباً إلى ما بعد الانتخابات..(هذا تطور مقلق جداً، تقرير اللجنة لم يشر على الأقل في الشق الذي صدر منه حتى الآن إلى أنه كان هناك ضغط مكشوف صريح من جانب الرئيس أو أي من مساعديه على الداوئر الاستخباراتية، لكن حتى لو كان ذلك صحيحاً ولن نعرف ذلك إلا بعد صدور القسم الثاني من التقرير إلا أن هناك خطراً تمثل في الإشارات المبطنة التي كما قلت أرسلتها الإدارة إلى هذه الداوئر.

بل أكثر من ذلك، إذ إن الإدارة كانت تتلقى معلومات من مصادر أخرى مثل مكتب التخطيط الخاص في وزارة الدفاع والذي تم إنشاؤه عمداً كي يقوم بالالتفاف على المعلومات التي كانت توفرها الـ «سي آي إيه» وبالتالي تجاهلها. كل ذلك دل على أن الإدارة كانت مصممة على الحرب منذ البداية وما كان بالإمكان ثنيها إلا لو قامت الـ «سي آي إيه» في حينه بفضح زيف ما تقوله الإدارة وتسريب هذا الفضح إلى الرأي العام.

يرى المحللون أن العراق يواجه 3 سيناريوهات : عودة إلى عافيته، عودة إلى نظام متسلط، أو غرق في الفوضى التي تقود إلى التفتيت، ما تعليقك ؟

كمب: من السابق لأوانه التكهن بما قد يحصل في المشهد السياسي العراقي، إن الأشهر الستة القادمة ستكون خطيرة إذا تمكنوا من توفير الاستقرار الأمني وبالتالي إجراء انتخابات حرة ونزيهة، مع نهاية العام أو في مطلع السنة القادمة عندئذ يكون هناك أمل بقيام حكومة تكون لها صفة تمثيلية لكن في كل الأحوال سوف تلزمهم سنوات عديدة قبل أن تقوم ما يمكن تسميته بالديمقراطية الراسخة في العراق. أمور كثيرة لا تجري حسب المرغوب وكل مستقبل العراق مرهون بتحسن الوضع خلال الأشهر الستة القادمة. مقاطعة: إذاً أنت ترى أن الوضع في العراق مفتوح على كل الاحتمالات؟..( من المبكر القول ما إذا كانت الحالة الجديدة في العراق تندرج في خانة النجاح أو في خانة الفشل، من المؤكد أنها ليست ما كانت إدارة بوش تأمل أن تكونه لكنها على الأرجح أفضل مما يراها المنتقدون فهناك أمور كثيرة في العراق تجري على ما يرام لكن لا يتم إبرازها).

بليتكا: لا أرى أن أياً من هذه السيناريوهات صحيح. إن العراق في الشق الأواسع منه بدأ يعود إلى نوع من الحياة العادية، أما في القسم الأصغر من العراق فهناك فوضى، أما فيما يخص التفتيت فلا أعتقد أنه موجود إلا في مخيلة دعاة الثغور، ليس لأن الأكراد لا يريدون دولة مستقلة. لا إنهم يريدون ذلك، لكنهم في ذات الوقت يدركون وبذكاء أن مثل هذا التوجه ليس الطريق الأفضل للسير إلى الأمام وأنه إذا كان لهم أن يحصلوا على حكم ذاتي أو حتى على استقلال في المستقبل فإن عليهم أن يتصرفوا الآن كجزء من عراق له سيادته وداخل حدوده، في آخر المطاف يبدو السيناريو الأول في خانة الصواب وكذلك الثاني أما الثالث فلا. مقاطعة: تعنين عراقاً تحت حكم سلطوي فردي؟..( كلا أعني الفوضى أما الحكم السلطوي فالعديد هنا شعر بالقلق من إياد علاوي وفكرته لإعلان حالة الطوارئ، لكن في الواقع حالة الطوارئ قائمة منذ سقوط بغداد العام الماضي من دون أن نلحظها. ثانياً أعتقد أنه - علاوي - قصد مخاطبة الرأي العام العراقي المتطلع إلى الأمن، على أية حال أنا لست متأكدة لو عاد الأمر لي إنني كنت قد اخترت إياد علاوي ليتولى القيادة، طبعاً لن يكون صدام حسين آخر كما أنه لن يكون كأي زعيم في العالم العربي أرجو أن لا يكون كذلك).

كاربنتر: أعتقد أن الاحتمال المرجح هو شكل من أشكال التشظي في حال عدم بقاء الاحتلال لمدة طويلة وهو بقاء ليس في مصلحة الولايات المتحدة لكن من الممكن أن يتمكن العراق من الانتقال إلى نوع من أنواع الحكم الديمقراطي، وإن تركيبة فيدرالية رخوة ستكون بمثابة الوضع المثالي إذا رست الأمور على ذلك لكنه الاحتمال الأقل حظاً. الاحتمال الثاني المرجح هو بروز قائد ديكتاتوري - نسبياً - يكون نسخة معدلة عن صدام ويكون من الصنف الهادف إلى النفع العام فذلك ربما كان الاحتمال الأقرب إلى التحقق في المدى المنظور.

تسبب احتلال العراق بتآكل ملحوظ لشعبية الرئيس بوش في الداخل ولمصداقيته في الخارج. هل يشكل ذلك ضربة لمذهب الحرب الاستباقية الذي اعتمدته إدارته؟

كمب: كلا، إن الانتقاد الأساسي للإدارة يدور حول الفشل في تحقيق الأمن وليس حول مذهب الاستباق، إن الكلام عن هذا الأخير مبالغ فيه، كل حكومة وليس فقط واشنطن تلجأ إلى سياسة الاستباق إذا تعرضت مصالحها الحيوية للتهديد ولكنها لا تتحدث عنها كما تحدثت عنها الإدارة، إن الغلطة الكبيرة التي ارتكبها بوش في اعتقادي كانت في إلباس هذه السياسة ثوب المذهب بدلاً من القيام بما سبق وقام به الرؤساء السابقون أي ترك كل الخيارات مفتوحة من دون الحديث عنها.

بليتكا: لا أعتقد أن هناك علاقة بين الاثنين كما لا أعتقد أنها كانت استباقية ولا الرئيس وضع الحرب في هذه الخانة، العراق كان في مخالفة لقرارات الأمم المتحدة لمدة 12 سنة ومارس خرقاً لها.

أما أن الحرب تسببت في هبوط شعبية الرئيس، فلا شك في ذلك، كما أنها تسببت بمشاكل لنا مع أصدقائنا وحلفائنا، كذلك ما حصل قد يحمل أي رئيس آخر على التفكير مرتين قبل أن يقدم على عملية مماثلة لما قام به بوش في العراق، لا نعرف. مقاطعة: الوقت هو الحكم..(طبعاً ولو أنني مكرهة على الاعتراف بذلك).

كاربنتر: إن ذلك جعل المسؤولين الأمريكيين - نوعاً ما - أكثر حذرا، فبعد الانتصار العسكري على صدام شهدت الساحة الكثير من الكلام الفضفاض حول ممارسة المزيد من الضغوط على سوريا وإيران وحتى كوريا الشمالية، بمعنى الضغوط العسكرية على هذه الأخيرة وهو أمر شديد الخطورة، لكن مثل هذا الكلام قد تراجع بشكل كبير في ضوء الصعوبات المتصاعدة التي واجهتها واشنطن في العراق، لا أعتقد أن الرئيس ومساعديه قد تخلوا عن مذهب «الحرب الاستباقية» يا ليتهم فعلوا، لكنه من المستبعد مع ذلك أن يكون العراق قد أعطى الولايات المتحدة اللقاح ضد ارتكاب خطأ أكبر وأشد خطورة خاصة تجاه إيران.

تعهد السناتور وارنر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ وغيره من رجال الكونغرس بمتابعة التحقيق لنبش كل خفايا فضيحة أبو غريب. إلى أين يمكن أن تقود التحقيقات في هذا الخصوص ؟

كمب: طبعاً هناك من سوف يتعرض للعقوبة، لكن من السابق لأوانه القول ما إذا كانت التحقيقات سوف تطول مدنيين في البنتاغون على أساس أنهم كانوا متواطئين في هذه القضية، لكن لا شك أن العسكريين المتورطين لابد أن ينالوا عقابهم.

بليتكا: التحقيقات سوف تكشف ليس الفاعلين المباشرين فقط، بل أيضاً المسؤولين عن خلق المناخ الذي سمح بتلك الممارسات. لكني أريد هنا الإشارة إلى نقطة: الأمريكيون والعديد من العسكريين شعروا بالخجل مما حصل في أبو غريب وغاضبون مما قام به نفر قليل من الأفراد وأنا أفهم شعور الآخرين، لكن ما لا أفهمه أن هؤلاء المعترضين لم يغضبوا يوماً مما قام به صدام، وبالتالي لا يحق لهم التعليق الآن على أبو غريب، فهم لم يأبهوا في السابق لحقوق الإنسان وبالتالي فإن موقفهم الآن في غير محله. مقاطعة: ولكن المقياس بالنسبة للولايات المتحدة..(ليست القضية هنا، نحن في أمريكا يمكننا أن نحاسب حكومتنا بمقاييس أعلى، لكن الآخرين غير الأمريكيين الذين لم ينطقوا بالإدانة لما كان يحصل في أبو غريب وما حصل في دارفور في حين سارعوا الآن إلى إدانة الولايات المتحدة فإنهم - بذلك - مارسوا الخبث بأعلى درجاته).

كاربنتر: آمل أن تتواصل التحقيقات وتؤدي إلى حيث أدت، لقد كان ذلك عملاً مخزياً للولايات المتحدة وهو خيانة لكل ما يفترض أن أؤمن به، خاصة أن هناك دلائل تشير إلى أن العملية لم تكن فقط من صنع عدد من الجنود «الأوغاد» بل إنها كانت جزءاً من ثقافة سائدة في مجال التحقيقات وموافق عليها من مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، فإذا كان الأمر كذلك عندئذ لابد من إنزال العقوبات بهؤلاء المسؤولين. لقد كان ذلك بمثابة كارثة لصورة أمريكا في العالم وخاصة في العالمين العربي والإسلامي، وأحياناً عندما أنظر إلى فضيحة أبو غريب كما لجوانب كثيرة من سياسة الإدارة في العراق أتساءل عما إذا كان هناك شخص يعمل في الظلام داخل هذه الإدارة لمصلحة ابن لادن، فهذه أعمال تخدم ابن لادن الذي لا يمكن أن يخطط لأفضل منها خدمة لمخططاته.

نسبت جريدة «لوس أنجلوس تايمز» إلى مسؤولين كبار في إدارة الرئيس بوش كما إلى خبراء عسكريين قولهم «البنتاغون لا يملك استراتيجية متماسكة في العراق» هل توافق على هذا التقييم ؟

كمب: لا أدري، هذا موضوع معقد. الأمر يتوقف على ماذا تعني بالبنتاغون، فهذا الأخير مبنى يحوي مكاتب منها ما يعود لهيئة الأركان المشتركة ومنها ما يعود لوزير الدفاع، إذا كان المقصود أن إدارة بوش لا تملك سياسة متماسكة تجاه العراق فهذا خطأ، فهي تملك مثل هذه السياسة لكن تطبيقها ليس على ما يرام. مقاطعة: يعني ذلك أن البنتاغون لا يملك ذلك؟ أي صناع القرار فيه ؟..(المشكلة على ما أعتقد ليست في المذهب الاستباقي لكن في التنفيذ الذي بقي قاصراً خاصة في الأيام الأولى من تحقيق النصر).

بليتكا: من الصعب على جيش نظامي مواجهة حالات التمرد المسلح، لا أعرف إذا كان هناك فعلاً شيء اسمه «استراتيجية متماسكة» للتعاطي مع هكذا حالة. نعرف كيف نحارب قوة عسكرية، نعرف كيف نقاتل الإرهاب لكننا لسنا متأكدين كيف نواجه حالة مثل هذه (العراق). على أي حال يمكن توجيه الانتقاد للبنتاغون فيما يتعلق بتعامله مع بعض المسائل في العراق وأعتقد أن الحديث عن وجود خطة لمواجهة الحالة العراقية هو حديث فارغ ويجب انتقاده، ذلك أنه لو كان لدينا مثل هذه الخطة لما كنا في ما نحن فيه.

كاربنتر: أعتقد أن البنتاغون بدأ يتلمس طريقه نحو استراتيجية تصلح للعراق لكن من الواضح أنه لم تكن لديه واحدة عندما دخل الحرب، اعتقاد القيادة المدنية في البنتاغون بأن العراقيين سوف يرحبون بالأمريكيين بالزغاريد والورود لم يتحقق، كذلك اعتقادهم بأن أحمد الجلبي مع جماعته سوف يتسلم الحكم بالتهليل لم يتحقق، وما لا يمكن تصديقه أن البنتاغون لم تكن لديه خطة بديلة لوضعها موضع التنفيذ في حال تبين أن مثل هذه الاعتقادات ليست في محلها كما ثبت. الآن يبدو أن العاملين على الأرض في العراق بدأوا يقومون بالاتصالات المحلية لوضع استراتيجية مناسبة وحققوا في ذلك بعض النجاحات لكن على ما يظهر ليس بالقدر المطلوب.

تعمدت الإدارة تلطيف لهجتها مؤخراً بخصوص العراق، خاصة تجاه الأمم المتحدة والأوربيين. هل ترى في ذلك تغييراً في الاستراتيجية أم أنه مجرد تكتيك فرضته الحسابات الأمريكية والحاجة المتزايدة إلى الخارج؟

كمب: كلا، أعتقد أن إدارة بوش بدأت تبدي الكثير من الواقعية بخصوص العراق وإزاء الحاجة للتعاون مع المجتمع الدولي وبخاصة الأمم المتحدة، ويشكل ذلك ترجمة لحصول تغيير في التوازنات داخل الإدارة بين المحافظين الجدد وبين الجناح البراغماتي الواقعي الذي رفع دوماً شعار وجوب التعاون مع المجتمع الدولي.

بليتكا: لا أعرف. بصراحة، لا أعرف إن كانت الإدارة قد غيرت فعلاً من لهجتها وأعتقد أن السنوات الأخيرة حفلت بدروس جمة لكن هل يعني ذلك أن الرئيس بوش بات يعتقد أنه يمكن للأمم المتحدة أن تشارك في صناعة القرار الخارجي الأمريكي ؟ من الصعب جداً تصديق ذلك.

هل يعني ذلك أن بوش أو حتى كاري بات يعتقد أن فرنسا يمكن أن تكون الحكم الذي يقرر بخصوص صوابية الحرب وجوازها ؟

أشك في ذلك، الإدارة تعلمت وقررت على ما يبدو اعتماد مقاربة حلوة الطعم وأعتقد أنها خبطة موفقة. مقاطعة: هل هي ذات طابع استراتيجي أم تكتيكي؟..( لا أعرف ولا أزعم أنني قادرة على معرفة ماذا يدور في رأس الرئيس!)

كاربنتر: أعتقد أنها محاولة مستميتة بهدف تأمين بعض الدعم الدولي والمساعدة الدولية لسياسة لا زالت خاطئة، و لم يكن من المفاجئ أنها لم تتكلل بالنجاح المرغوب، صحيح صدر قرار من مجلس الأمن لكن ذلك لا يعني أن المساعدات المالية سوف تتدفق على العراق كما لا يعني أن المزيد من الدول سوف ترسل قوات إضافية إلى هناك. الإدارة تدرك أنها في وضع محرج في العراق وتحاول يائسة الخروج منه لكن لم يحالفها إلا القليل من النجاح حتى الآن. مقاطعة: لكن هل لذلك علاقة بالانتخابات؟..( طبعاً الإدارة تريد أن تكون الحالة العراقية هادئة قبل الانتخابات وترغب في أن لا ترى المزيد من القتلى الأمريكيين وبأعداد كبيرة، عادة الناخب الأمريكي يتابع هذه الأمور واعتاد الاقتراع ضد الرئيس الذي يدخل في حرب فاشلة، ترومان عام 1952 عندما لم يتجرأ الترشيح مرة أخرى في الانتخابات الرئيس جونسون عام 1968 عندما أعلن عدم ترشيحه بسبب فيتنام، كارتر عام 1980 خسر المعركة مع أن الأزمة آنذاك كانت أصغر، وأنا على ثقة بأن الرئيس بوش ومعاونيه يدركون هذه السوابق). 

حذر أكثر من مسؤول سابق من أن واشنطن باتت «تمارس الإملاء على العالم لا قيادته» إذا كان الأمر كذلك، فما هي مضاعفات توجه كهذا؟

كمب: أعتقد أن الحملة الانتخابية هذا الصيف والخريف القادم سوف تشهد المزيد من التركيز على دور أمريكا في العالم، وسوف نسمع الكثير من الانتقادات من الجانب الديمقراطي وربما يفيد بأن الرئيس بوش قد بدد الكثير من النوايا الطيبة بسبب مقاربته الأحادية الجانب للعلاقات الدولية. بعض هذه الانتقادات لها ما يبررها، لكن في رأيي أن المشكلة الكبيرة التي واجهت الرئيس بوش كانت في الشكل والطريقة واللهجة التي رافقت خطابه ولم تكن في الجوهر، وطبعاً بيت القصيد يكمن في أنه طالما بقيت الأوضاع سيئة في العراق فإن كل ما يتحقق في خانة النجاح سوف يبقى في الصفحات الخلفية من وسائل الإعلام.

بليتكا: أعتقد أنه كلام إنشائي، أمريكا تقود العالم، لا أعرف إذا كان العالم يريد هذه القيادة وعادة الناس لا تطيق أن يقودها الغير، هناك من يقول إن الولايات المتحدة تفرض نفسها على العالم لأنها فقط تعمل على حماية مصالحها الأمنية أو لأنها ذهبت إلى أفغانستان والعراق وخلعت طالبان وصدام حسين وخاضت حروباً من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، على هؤلاء أن يخاطبوا ضمائرهم. مقاطعة: لكن ألم يكن من الأفضل لو أن الولايات المتحدة دخلت هذه الصراعات من خلال الأمم المتحدة؟..( لو حصل وذهبنا إلى الأمم المتحدة لما كانت هناك حرب، فلنكن واقعيين، كان هناك احتمالان : إما أن نذهب كما ذهبنا وإما ألا تكون هناك حرب. يجب ألا نطرح احتمالات لا وجود لها، ولو كان الرئيس يعرف أن هناك إمكانية أخرى مختلفة لما تردد، المواقف الفرنسية والألمانية أوضحت بجلاء انسداد هذا الطريق).

مقاطعة: إذاً الرئيس بوش كما تقولين لم يكـن لديه خيار آخر؟.. (كلا كان عنده خيار آخر وهو أن يترك صدام حسين وشأنه ويعطيه الفرصة كي يجد من يعطيه أسلحة دمار لضربنا بها، لقد انتظرنا في السابق ووقع 11/9 نعم كان يمكن الانتظار وعندئذ كان التاريخ يمكن أن يصدر حكمه القاسي عليه، أو ربما غير القاسي لا أعرف).مقاطعة: يعني لو انتظر لكان الأمر مكلفاً؟..(القيادة تعني اتخاذ القرارات الصعبة).

كاربنتر: الولايات المتحدة تحاول إدارة الشــؤون المطروحـــة بطريقتـــها وخاصـــة في عهـــد بوش، لكن ذلك ليس حكراً على هذا الأخير، الفــارق ربما أن هذه الإدارة تتصرف بصورة خرقاء أكثر من سابقاتها، الولايــات المتحدة كـــانت دوماً تريد الأمور على طريقتها، لقد لجأت إلى المؤسسات الدولية عندمـا كان مثل هذا اللجوء يخدمها، وتجاوزت هذه المؤسسات عندما كان لا لزوم لها لأنها لا تناسبها. ليـــسجورج بوش الابن هو أول من تجـــاوز مجلـــس الأمن في مرحلة ما بــعد نهــاية الحـــرب الباردة، كليــــنتون تجـــــاوزه في كوســـوفو وبالتــالي فـــإن الفـــارق موجـــود فقط في الشــكل والصيـــغة.

الحرب على الإرهاب لم تنجز إلا القليل حتى الآن، لماذا ؟ وما هي الأخطاء الأساسية في سياسة إدارة بوش إزاء هذه المهمة ؟

كمب: لا أتفق مع مضمون السؤال، أعتقد أنه من المبكر الحديث عن مدى نجاح هذه الحرب، فمنذ 11/9 لم يقع أي عمل إرهابي في الولايات المتحدة وهذا هو الجانب الجيد لا نعرف كم من العمليات الإرهابية جرى إحباطها بسبب السرية، ومن الواضح أن الحرب على الإرهاب عملية جارية ولها مضاعفات كونية، لكن من الإنصاف القول إن الحرب في العراق لم تضع حداً للإرهاب ضد أمريكا وأصدقائها في الشرق الأوسط، في الواقع الأمور سارت إلى الأسوأ في بعض البلدان مثل السعودية.

بليتكا: إذا كان مقياس النجاح هو التخلص نهائياً من الإرهابيين وقطع دابرهم، عندئذ لن يكون بوسعنا أبداً كسب الحرب على الإرهاب، ولذا لا أوافق على هذا الطرح والذين يتحدثون عن عدم نجاح الحرب على الإرهاب لا يدرون عمـــا يتكلمــون. منذ 11/9 لم تقــع أية عمليــــات ضـــد أمريكا وهــذا نجاح.

هــل قبضـــنا على قيــادات إرهابيــة عديدة من القاعـــدة ؟ نعم. هـــل قبضـــنا على قـــيادات عراقيــــــة من نظـــام صــدام ؟ نعـــم.
هل نجحنا في منع وقوع تعديات كثيرة على أمريكيين في العالم؟ نعم، فهذا كله نجاح، لن يكون بوسعنا وقف الهجمات نهائياً علينا وسوف تكون هناك عمليات أخرى على الأرجح، علينا ان نعرف بأن هذه الحرب طويلة ولن يتحقق كسبها قبل مرور سنوات عديدة، إن القبض على ابن لادن لن يكون المقياس للنصر ولا حمله على القبول وإبداء الود تجاهنا فهذا لن يحصل، إذاً ما العمل؟ أعتقد أن علينا اعتماد مقاربتين: أ - مقاربة عسكرية والحاجة إليها لمطاردة الإرهابيين. ب - التسليم بأن هناك مشكلة جوهرية داخل العالم الإسلامي تحمل الناس هناك على دعم الإرهاب وبالتالي البحث في كيفية معالجة هذه المشكلة كتلبية رغبات الناس في الحرية. هل يعني ذلك أن الديمقراطية ستقوم في غضون سنوات في العالم الإسلامي وأنه سيتم القبض على الإرهابيين، كلا، لكن ذلك يضعنا على طريق النجاح تماماً كما فعلنا مع الشيوعية ونجحنا.

كاربنتر: أعتقد أنها حققت بعض النجاح؛ أطاحت بطالبان وبأفغانستان كملاذ للقاعدة وخربت تركيبها كما حملتها على الفرار، وإذا كان هناك من انتقاد لإدارة بوش فهو أنها لم تنه موضوع القاعدة في أفغانستان وبدلاً من ذلك تحولت نحو العراق حيث ثبت خطأ ذلك وبشكل كبير كما حققت بعض النجاح في تعاونها مع بعض الحكومات في استئصال خلايا القاعدة في العالم. المشكلة هي أنه حتى إذا كان لدينا استراتيجية فعالة ولو بحدود لاستئصال الإرهابيين إلا أننا نعتمد سياسة خارجية تثير عداوة حتى المعتدلين في العالم الإسلامي، وبالتالي نسهم بخلق 2 أو 3 إرهابيين مقابل كل إرهابي نقوم بتصفيته ومثل هذا لا يعتبر استراتيجية رابحة.

في واشنطن مدرستان حول إيران : واحدة تدعو إلى الحوار معها، والثانية تدعو إلى التشدد إزاءها. ما هي السياسة الأفضل تجاه طهران ؟
كمب: أعتقد أن في ذلك سوء فهم، فمن الخطأ الاعتقاد بأن الديمقراطيين لو فازوا بالبيت الأبيض سوف يبدون ليونة أكثر مع إيران من إدارة بوش، في الواقع باعتقادي سوف يكونون أكثر تشدداً خاصة في بصدد الملف النووي، الفارق قد يكون في أن الديمقراطيين قد يقولون بأنه من الضروري في نهاية الأمر استدراج الإيرانيين إلى الأخذ والرد حول هذا الملف إذا ما كان المطلوب التوصل معهم إلى صفقة، تماماً كما حصل مع كوريا الشمالية، لكن بصراحة ليست إيران من بين أولويات إدارة بوش في هذه اللحظة لأنها لاتريد مواجهة مع طهران في وقت ما زال فيه الوضع العراقي يجتاز مرحلة دقيقة.

بليتكا: صحيح هناك مدرستان من هذا النوع أعتقد أننا عزلنا إيران، لا علاقات لنا معها ولا تجارة ولا استثمارات أمريكية هناك ونحن معادون للنظام، هذا هو الخط المتشدد. أما الأوروبيون فقد اعتمدوا مقاربة أخرى : لهم علاقات تجارية مع إيران أعطوها استثمارات وعملوا معها في قطاع النفط واستقبلوا خاتمي ولا يأبهون لحقوق الإنسان. إذاً الأمريكيون عزلوها والأوروبيون احتضنوها وكلانا فشل، ذلك أن إيران ما زالت تسعى إلى السلاح النووي كما لا زالت تسيء معاملة شعبها وتتدخل فيما يسمى بـ« عملية السلام» في المنطقة فضلاً عن أنها تواصل دعمها للإرهاب. ربما لأننا لانتعاون معاً - نحن والأوربيون - فشلنا ولو عملنا معاً لكانت رسالتنا إلى إيران واضحة ولما اعطينا الإيرانيين البارعين في التحرك الفرصة كي يلعبوا على خلافاتنا. مقاطعة: هل هناك احتمال لمثل هذا التعاون؟.. سؤال مهم لقد عدت لتوي من أوروبا وخلال لقاءاتي معهم طرحت هذا الموضوع مع الحث على ضرورة حسمه، قد لا نتوافق ونحقق الإجماع حول المسائل الإرهابية والنووية وغيرها، لكن بوسعنا التعاون في مجالات حقوق الإنسان والشؤون الانتخابية وإغلاق الصحف، وبالتالي الضغط على النظام الإيراني كي ينفتح أكثر، لكن لأننا لم نتفق على ذلك كانت النتيجة انتصاراً للطرف السيئ في إيران.

كاربنتر: أعتقد أنه كان ينبغي اعتماد سياسة مخاطبة فعالة مع إيران، أمريكا عندها عادة كريهة عندما تكون في نزاع مع دولة تعمل على عزلها وما زالت تعتمد هذه السياسة حتى ولو أنها غير مجدية، لقد مارستها واشنطن مع كوبا قرابة عقود ومع فيتنام حوالي عقدين من الزمن بعد الحرب. كان ينبغي الجلوس مع الإيرانيين منذ زمن، الماضي مضى، أمريكا دعمت الشاه، إيران أخذت الرهائن لكن هذه أمور فاتت ولا مجال لتغييرها وبالتالي ينبغي وضع هذه القضايا في الماضي وبناء علاقات بناءة، طبعاً سوف لن تكون علاقات صداقة حميمة لكن يمكنها أن تكون علاقات صحيحة في المستقبل. لو أصبحت إيران قوة نووية عند ذلك لا بد من إقامة علاقات معها. من الخطورة محاولة عزل قوة نووية لأن ذلك يترتب عليه نتائج ومضاعفات غير سارة.

ألم يكن من غير المجدي أن يوافق الرئيس بوش على خطة شارون الأخيرة قبل أن ينتزع منه التزاماً بتنفيذ المطلوب منه؟

كمب: أعتقد أنه لم يكن من الحكمة أن يقوم الرئيس بوش باحتضانه العلني لخطة شارون كما فعل، لكنني أعتقد أن هذه الخطة هي خطوة هامة إلى الأمام ويجب دعمها من الجميع لأنها تشكل تحولاً بمقياس 180 درجة في موقف شارون من المستوطنات، وإذا تأملنا ملياً في رسالة الرئيس بوش إلى شارون فإننا نلاحظ أقل مما تراه العين، بمعنى أنه لا يحتوي على التزام أمريكي بما أراده شارون تماماً. ولذا لابد من دعم هذه الخطة لكن على أن تتبعها خطة أخرى بخصوص الضفة الغربية فبعض التقدم أفضل من اللاتقدم.

بليتكا: دعني أطرح السؤال بالشكل التالي : ماذا لو كان شارون قد طرح الخطة ورفضها الرئيس وسارع شارون إلى القول بأن الرئيس وقف في طريق نجاحها ؟ أنا لا أحبذ الألاعيب بين الحكومات إذا كان المطروح جيداً ومقبولاً فلابد من التسليم بذلك علناً وإذا كان العكس فلا ينبغي التردد في الإعلان عنه أيضاً. لابد وأن نكون صريحين في سياستنا الخارجية، وليس الاتفاقيات والرسائل السرية كما كان الأمر في عملية السلام، بالتالي إذا كنا نؤيد شارون فينبغي أن نعــلن ذلـــك. مقاطـــعة: هل تعتقدين أن الخطــة صالحـة للتطبيق؟..(سؤال صعب، هناك أكثر من رأي أنا كنت من أشد المؤيدين للانسحاب الإسرائيلي من لبنان مع أنه كانت هناك مبررات كثيرة لبقائهم هناك، لكن انسحابهم عاد عليهم بالمنفعة لأن وجودهم هناك لم يخدم الهدف الأمني. بالنسبة لغزة المسألة أكثر تعقيداً، من سوف يكون البديل؟ أنا أرى أنها فرصة للفلسطينيين كي يثبتوا أنهم على المستوى المطلوب والنهوض بمسؤوليات القيادة وليثبتوا أنهم ليسوا إرهابيين).

كاربنتر: هناك كثير من الأخطاء في السياسة الأمريكية حيال النزاع الفلسطيني الإسرائيلي حيث من الصعب معرفة من أين نبدأ، لكن بالتأكيد تطابق السياسة الأمريكية إلى حد بعيد مع سياسة شارون هو خطأ هائل الكثيرون في العالم الإسلامي يرون في السياسة الأمريكية الكثير من الخبث ومن تبلد الحساسية وقد تسببت بأذى كبير لموقفنا في العالم.

مجلة آراء حول الخليج