array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

حان الوقت لتدخل دول مجلس التعاون الخليجي: الإدارة الأمريكية الجديدة :رؤية بعيدة المدى تجاه أمن الخليج

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

من منظور عام، يعتبر العديد من المراقبين والمحللين السياسيين بأن سياسة الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى لإدارة بوش إزاء منطقة الخليج سجلت فشلا ذريعا، حيث لا يزال المشهد الأمني في المنطقة يغلب عليه طابع الهشاشة والقابل للانفجار في كل لحظة، خصوصاً وأن قرار احتلال العراق أضاف المزيد من عدم الاستقرار لحالة اللاسقرار القائمة أصلا. ومن الواضح أن إسقاط نظام صدام حسين لم يحقق بأي معنى من المعاني التحول الوردي الذي تحدثت عنه إدراة الرئيس في منطقة الشرق الأوسط ولم يحمل معه رياح الانفتاح السياسي المزعوم والذي ادعت واشنطن أن من شأنه توجيه دواليب العالم العربي في اتجاه اعتناق الحداثة ومبادئ المساءلة القانونية. ما حدث بالفعل هو نقيض ذلك. فالعراق اليوم أصبح بمثابة "مغناطيس" جبار يشد إليه عناصر التطرف والعنف الأعمى التي إن لم يتم السيطرة عليها سوف تظل تهدد بالتدفق إلى الدول المجاورة في المنطقة. غير أن السبيل لتحقيق هدف السيطرة على هذا النزيف من العنف يبقى من أكبر التساؤلات التي تؤرق المنطقة، في حين تشير العديد من القراءات لواقع العراق أن إعادة الاستقرار للعراق يستدعى بذل جهود حثيثة على مدى سنوات، إن لم يكن عقودا عدة.

وبالتالي فإنه من البديهي أن الولايات المتحدة مطالبة اليوم بإجراء تحول جوهري في سياساتها تجاه منطقة الخليج بل تجاه منطقة الشرق الأوسط برمته إذا كانت فعلا تهتم بتفادي حدوث انزلاق حاد نحو حالة من الفوضى العارمة. وفي الوقت نفسه، ينبغي التأكيد وإيضاح مسألتين مهمتين للغاية بغض النظر عن من سيقطن البيت الأبيض خلال السنوات الأربع القادمة من خلال نتائج صناديق الاقتراع التي سوف تتحدد في الثاني من نوفمبر 2004.

أولا، سوف تستمر الولايات المتحدة في الاستحواذ على موقعها بصفتها اللاعب الخارجي الرئيسي في صياغة السياسات الإقليمية لمنطقة الخليج. فباعتبار أن عدد القوات الأمريكية المنتشرة في منطقة الخليج وفي المناطق المتاخمة لها يربو عن 200 ألف جندي، وانطلاقاً من القلق الذي يتصدر قائمة أولويات الاقتصادات العالمية بخصوص ضرورة ضمان تدفق النفط بشكل منتظم، فإنه من غير المرجح أن تُقدم الولايات المتحدة على سحب قواتها وإسناد مهمة إدارة شؤون الخليج لدول المنطقة. الواقع أن التطورات في العراق بما في ذلك تنظيم الانتخابات المقررة بعد أشهر قليلة إلى جانب التوترات التي تحيط بملف إيران النووي وتصاعد البعد الإقليمي لظاهرة الإرهاب كما يجسدها تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى التداعيات السياسية الداخلية المرتبطة بالحالة الصحية لعدد من القيادات الخليجية، كلها عوامل تشير إلى أن دور واشنطن في المنطقة لن يتراجع البتة، بل على العكس من ذلك من المحتمل أن يتوسع ويقوى حضوره في صياغة السياسات الإقليمية المستقبلية.

ثانيا، لا توجد حلول جاهزة للمشاكل التي تجابه المنطقة. فالتهديدات التي تنبع عن ظاهرة الإرهاب أو عن حالة التمرد التي تهز أرجاء العراق لن تتوقف بفعل القوة العسكرية الأمريكية وأساليبها القائمة على مبدأ " الصدمة والرعب". كما أن انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأمريكية من العراق في حين لا تستطيع الحكومة العراقية المؤقتة تولي مهامها الأمنية بشكل فاعل لن يساهم في تهدئة الوضع المتدهور. ولن تتبخر المعضلة التي تحيط بملف إيران النووي حتى ولو نجحت الدول الأوروبية في التوصل إلى اتفاق مع طهران يقود إلى تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم أو في حال تبنت واشنطن أمام تشدد الموقف الإيراني قرارا بتوجيه ضربة عسكرية استباقية ضد طهران. وحتى إن برزت بعض معالم الانفراج على صعيد الأزمتين العراقية والإيرانية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي لا تبدو مستعدة لإعادة النظر في اعتمادها الأمني على واشنطن.

بدلا من ذلك، يبدو أن ما تتطلبه التحديات القائمة حاليا هو تبني مقاربة هيكلية تتبلور على المدى الطويل وتعكف على إطلاق عملية تهدف لتقليص التهديدات القائمة والمحتملة مع التركيز على ضرورة تأسيس أرضية موائمة من أجل إجراء حوار موسع وبناء بين جميع دول المنطقة وإشراك الولايات المتحدة في هذا الحوار. إن تفعيل مثل هذه المقاربة يمكن أن يتم على يد أي إدارة يختارها الناخب الأمريكي ولا تحتاج إلى تحقيق تحول جوهري على مستوى السياسة الأمريكية. وضمن هذا السياق، لابد من الأخذ في الاعتبار ركيزتين أساسيتين: ضرورة إقامة منظومة أمنية إقليمية وصياغة استراتيجية عبر أطلسية تجاه منطقة الخليج.

وفي هذا الإطار، لا بد للإدارة الأمريكية الجديدة أن تسعى بشكل جدي نحو ترويج ودعم إقامة ترتيبات أمنية جديدة تناسب منطقة الخليج وتفسح المجال أمام جميع دول المنطقة للمشاركة في التفاعل والحوار، بما في ذلك العراق وخصوصا إيران. فخلع صدام حسين أزال واحدا من أكثر المعوقات استعصاءَ في وجه إقامة نظام أمني إقليمي شامل. ومما لاشك فيه أن الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تظهر قدرا كبيرا من الحكمة السياسية إذا ما أحسنت استغلال هذا التطور وأطلقت مباحثات واسعة على صعيد المنطقة برمتها بدءا بالدول الحليفة والعمل بشكل تدريجى على إشراك الدول الأخرى التي تبدي رغبتها واستعدادها للمشاركة في الحوار حول التحديات الأمنية القائمة في الوقت الراهن وسبل تجاوزها.

ويتمثل الهدف المباشر في تفعيل مثل هذا النهج في احتواء برنامج إيران النووي قبل أن تدفع المراشقات الكلامية والادعاءات المتبادلة بالنظام الإيراني إلى تطوير قدرات نووية و يتم تجاوز خط اللاعودة. ما ينبغي استيعابه بوضوح هنا أن دوافع إيران للسعي نحو امتلاك قدرات نووية لا يمكن سلخها بتاتا عن دوافعها لضمان أمنها القومي. وبنفس المعنى، لن تساهم الضغوط الدولية مجتمعة ضمن معطيات ومشخصات البيئة الإقليمية، شأنها في ذلك شأن التوجه نحو تقديم تنازلات انتقائية، لن تساهم في إيجاد الحلول المناسبة للمعظلة الأمنية التي تؤرق دول المنطقة في وجه احتمال تملك إيران للسلاح النووي. أنسب الحلول والحالة هذه تتمثل في صياغة مجموعة من الترتيبات الأمنية والاقتصادية القادرة على مخاطبة الهواجس والمخاوف الأمنية الإيرانية وطمأنتها مع محاولة تأسيس علاقات إيرانية – أمريكية تقوم على أرضية تتسم بالعقلانية. ومن الضروري كذلك منح إيران دورا ملموسا ضمن جهود المحافظة على الوضع القائم في المنطقة عوض سعيها الدائم لتقويضه. لذلك فإن أية ترتيبات أمنية إقليمية تستثـني إيران لن يكتب لها النجاح.

لعل فشل المحاولات السابقة لضمان قدر من الاستقرار لمنطقة الخليج يعود إلى كون تلك المحاولات قامت وتبلورت حول مفهوم الإقصاء من خلال استبعاد اللاعبين الذين ينظر إليهم نظرة النمبوذ الواقع خارج دائرة المشاركة. فالسياسات الأمنية التي تم انتهاجها في الماضي، مثل المقاربة القائمة على مبدأ " الركيزة الثنائية" twin pillar خلال عقد السبعينيات كانت تتوقف أساسا على دور المملكة العربية السعودية وإيران دون إشراك باقي الدول الخليجية الأخرى فيما استهدفت سياسة الاحتواء المزدوج dual containment التي تم تبنيها خلال عقد التسعينيات عزل كل من العراق وإيران. غير أن النهجين معا لم يساهما سوى في تأجيج الهواجس الأمنية في سائر دول المنطقة ولم تعملا أبدا على تقليصها. وفي حال استمرت هذه الحلقة المفرغة في تأطير الحالة الأمنية في الخليج، فإن المنطقة لن تنفك عن مواجهة حالات من العنف من حين إلى آخر ولن تستطيع التخلص من مصادر التهديد التي تلوح بإمكانية حدوث مواجهات واسعة داخل المنطقة.

ثانيا، ينبغي أن تعمل الولايات المتحدة على صياغة منظومة أمنية خليجية بالموازاة مع صياغة وتطوير استراتيجية عبر أطلسية إزاء منطقة الشرق الأوسط والتي يتم من خلالهما تحديد الأهداف السياسية ضمن أطر مشتركة وتوزيع المهام والمسؤوليات وفقا لمجالات الخبرة والقدرات. صحيح أن الولايات المتحدة وإلى جانبها كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ثلاثتهم لديهم دور مهم في المنطقة، لكن كل واحد منهم يعمل في الوقت الراهن بمحاولة تفعيل سياساته تجاه منطقة الخليج بشكل منفرد وغالبا على نحو متناقض. وبدلا من تنسيق سياساتهما، تعقد كل من بروكسل وواشنطن مباحثات وكل طرف يحمل معه بيانات تم إعدادها سلفا مما يضيق من مساحة الحوار والقدرة على التكيف مع مجريات المناقشات. والنتيجة الحتمية في مثل هذه الحلات أن "قوة أوروبا اللينة" soft power تتعرض للإقصاء من قبل "القوة العسكرية التقليدية" hard power التي تعتمدها الولايات المتحدة في حين تفتقد دول مجلس التعاون الخليجي القدرة على تجنب اتخاذ خيارات صعبة تحث تأثير الضغوط الخارجية.

وفي سبيل تجاوز هذه المعظلة، لا بد من تشكيل فريق مشترك يتألف من طاقم من الخبراء السياسيين يمثلون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو على أساس أن يلتقي هذا الفريق ضمن فعاليات اجتماعات الغرض منها صياغة استراتيجيات عملية والاتفاق على جملة من الأهداف المشتركة. يمكن إذاك لكل طرف تعيين مبعوث خاص لمناقشة القضايا الخليجية وبالتالي تكريس المزيد من التنسيق والتشاور، مما من شأنه تسهيل عملية تقييم مسيرة التقدم وتحديد أي تعديلات على مضمون السياسات المتبعة بهدف التأقلم مع أي مستجدات على الساحة.

ولا ريب أن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي إذا ما بذلا جهودا مشتركة من أجل تفعيل سياسة موحدة تجاه منطقة الخليج سوف يضفي المزيد من الشرعية وإعادة تفعيل الجهد الدبلوماسي من أجل إيجاد حلول مستدامة للمعظلة الأمنية في الخليج. كما أن اللاعبين السياسيين في المنطقة لن تتاح لهم فرصة تجاهل المسؤوليات التي تقع على عاتقهم من خلال إثارة مشاعر العداء إزاء بعضهم البعض. ومن المرجح أن تدرك دول الخليج في المستقبل المنظور بأن السياسات العسكرية الأمريكية ومطاردة واشنطن للشبكات الإرهابية جنبا إلى جنب مع المبادرات الأوروبية الرامية إلى دعم جهود الإصلاح السياسي وترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان كلها جزء لا يتجزأ من منظومة واحدة تسعى لتحقيق هدف موحد ألا وهو ضمان استقرار وأمن منطقة الخليج.

علاوة على ذلك، سوف يساهم المزيد من التنسيق في تحسين مستوى عملية توزيع المهام، وذلك من خلال تخصيص الجهود الأوروبية في المجالات التي تراجعت فيها مصداقية واشنطن، مثل الدعوة إلى الإصلاح السياسي، في حين يمكن للولايات المتحدة دعم الجهود الأوروبية من خلال توظيف قدراتها على توفير الدعم العسكري. لعل هذا الإطار يفسح المجال لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للنظر إلى الانتخابات الأمريكية الحالية على أنها نقطة انطلاقة جديدة لإقامة شراكة تتسم بفعالية أكبر في مقاربتهما للقضايا الإقليمية.
وبطبيعة الحال، لا بد للاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي من صياغة رؤية مشتركة خاصة بهما، وهي عملية شهدت لحسن الحظ تقدما ملموسا في الفترة الأخيرة بفضل صياغة وثيقة الاستراتيجية الأمنية الأوروبية والتي تم إصدارها في شهر ديسمبر 2003 وكذلك من خلال مبادرة اسطنبول للتعاون التي تم إطلاقها في شهر يونيو 2004 خلال قمة الناتو. وبدون دعم أمريكي لن تنجح هذه المبادرات في الخروج من نطاق الورق المكتوبة عليه. وفي الوقت نفسه، ينبغي على أوروبا التخلي عما وصفه المفكر الاستراتيجي ومستشار الأمن الأمريكي الأسبق زبغنيو بريجينسكي Zbigniew Brezezinski " ثقافة خدمة المصالح الذاتية من خلال ممارسة الامتناع المريح عن تولي المسؤوليات الأمنية المستعصية".

إن منطقة الخليج تواجه اليوم مرحلة شديدة الحساسية ولن تساهم حالة الرضى عن الذات في التعامل مع القضايا الملحة سوى في تعظيم آثارها وتداعياتها المستقبلية. إن منطقة الخليج لا يمكنها إيجاد الحلول الملائمة لمشاكلها بوحدها كما أنه ليس من المتوقع أن تنجح السياسات الأحادية ولا الإجراءات الاستباقية المتبعة من قبل قوى خارجية في خلق بيئة تتبلور ضمنها علاقات جوار ودية. ما تحتاجه المنطقة في الحقيقة هو صياغة رؤية من منظور بعيد الأمد من أجل تغيير ملامح العلاقات الأمنية القائمة حاليا، وذلك من خلال تركيز الإدارة الأمريكية الجديدة على أهمية الحوار حول الملف الأمني وطرح برنامج سياسي عبر أطلسي خاص بمنطقة الخليج.

مجلة آراء حول الخليج