array(1) { [0]=> object(stdClass)#12991 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

توصيات في مهب الريح

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

يشهد عالمنا العربي ـ وخليجه ـ بشكل خاص عدداً هائلاً من الاجتماعات العربية، وأحياناً يشارك في هذه الاجتماعات مؤسسات غير عربية. وتشير الإحصائيات إلى أن هناك 60 ألف احتماع تنعقد سنوياً، ونسبة كبيرة من هذه اللقاءات عبارة عن ندوات ومؤتمرات تدور حول كل قضايا الحياة العربية في حاضرها وماضيها ومستقبلها. فمن السياسة والاقتصاد إلى الثقافة والتعليم، ومن العلم والفن إلى العلوم الإنسانية والأدب بين الإبداع والنقد واللغة، ومن التكنولوجيا إلى العلم النظري. إن تعدد المؤتمرات والندوات يشمل كل التخصصات وبصفة خاصة موضوعات تتعلق بقضايا العرب الساخنة في الحقول الهامة، مثل حقل السياسة أو حقل الاقتصاد أو حقل التعليم، وربما أضفنا حقل الوحدة العربية المرجوّة في ظل الجامعة العربية وبأسلوب قريب من أسلوب الاتحاد الأوروبي

.ومن اللافت للنظر أن معظم هذه المؤتمرات والندوات تنتهي بتوصيات تغلب عليها في نسبة عالية من الحالات الجدية والعلمية، ومحاصرة مشاكل الوطن العربي بالحلول العلمية. ولكن هذه التوصيات تتبخر مع انتهاء كل ندوة أو مؤتمر، بل في أحيان كثبرة تضيع كوثائق، حيث لا تجد من يأبه لها. ومن الغريب أن يدعو أحد المسؤولين ـ وليكن وزيراً على سبيل المثال ـ إلى مؤتمر لتطوير أحد القطاعات التي يشرف عليها وتحديثه وحل مصاعب تحول دون تحقيق ذلك القطاع للاستراتيجيات التي أنشىء من أجلها. ويتم الصرف على المؤتمر ببذخ، ويُكلف العلماء والباحثون بإنجاز الأبحاث، وتقوم اللجان وتقعد، وينتهي الأمر بتوصيات جادة بل وبالغة الأهمية، تتم قراءتها على مسامع المسؤول الكبير، وتُنشر على يديه وبمباركته، ثم لاشيء وراء ذلك، أو أبعد من نشر التوصيات نشراًَ يأخذ شكل الدعاية. أليس غريباً أن يدعو مسؤول إلى مؤتمر لحل مشكلات لمجالات يديرها ويشرف عليها، ثم يتلقى ذلك المسؤول توصيات المؤتمر، وكأنما يسمع خبراً عابراً لا يستحق الوقوف عنده أو الاهتمام به.

لماذا يحدث باطراد، وعن تعمد عدم اهتمام ذوي الشأن (سواء كانوا حكاماً أو محكومين) بما يصدر من توصيات، وبصفة خاصة لو كانت تلك التوصيات عن مؤتمر وندوة دعا إليهما من بيده تنفيذ تلك التوصيات؟ إجابة ذلك السؤال معقدة، لكننا نبدأ باستبعاد نسبة كبيرة من التوصيات المثالية غير العملية والتي لن يُـعـرَف من يستطيع تنفيذها. أما التوصيات المفيدة والعملية والممكنة التنفيذ، فما شأنها؟ لا يستطيع أي مسؤول علمياً وعملياً الأخذ بتوصيات أي مؤتمر أو ندوة بشكل مباشر، فلا بد أن يُناط الأمر بجهاز التخطيط في المؤسسات المختلفة، وهذا الجهاز سوف يستعين في حدود جداول زمنية وميزانيات وانتقاءات للتوصيات والحلول، ورأي علماء ومتخصصين وعلى ضوء استراتيجيات كل مؤسسة. فالتوصيات يجب أن تكون تكتيكية، لأن وضع الاستراتيجيات يُناط بمستويات أخرى من العمل ليست بأي حال المؤتمرات والندوات. من ثم، فعلى أجهزة التخطيط في مؤسسات الدول العربية (على تعدد هذه المؤسسات) أن تنظر بجدية إلى كل التوصيات والاستعانة بها في رسم خططها لتحقيق أهدافها وحل مشاكلها. من ناحية أخرى فإن على كل قطاع من قطاعات الدولة أن يتابع أخبار انعقاد المؤتمر والندوات، وتشكيل إدارة لهذه المتابعة للتعرف على ما يعني قطاعها وتخصصه من تلك المؤتمرات والندوات، والتقاط التوصيات ودراستها وتقديمها في ما يشبه التقرير إلى جهاز التخطيط مع اقتراحات بكيفية الاستفادة منها.

أما الجهات المنظمة لتلك الندوات والمؤتمرات، فعليها أن تحمل رسالة كل مؤتمر أو ندوة إلى كل الجهات التي قد تعنيها ما تحمله الرسالة المذكورة من توصيات، ثم متابعة مصير تلك الرسالة بعد تسليمها، كما أن على هذه الجهات أن تعرف أن للإعلام دوراً هاماً في فرض التوصيات بل وضمان تبنيها من ذوي الشأن، من ثـمّ عليها أن تناضل من أجل حضور كثيف للإعلام في أروقة ندواتها واجتماعاتها، وإذا لم يحضر فعليها أن تناضل في سبيل نشر التوصيات والأبحاث عبر كل وسيلة إعلامية ممكنة.

أخيراً أقترح على دور الكتب العربية إنشاء قسم متخصص يضم كل توصيات وأعمال الندوات والمؤتمرات على أن يتم تصنيف محتويات هذا القسم حسب التخصصات وقطاعات الدولة ووزاراتها ومؤسساتها الرسمبة والمدنية، وأن يُكلف المسؤولون عن التخطيط في كل مؤسسة بالمساهمة.

بكل ما سبق ربما ننقذ ثروة من الضياع، إنها ثروة من الأفكارالجادة، وكل ثروة الآن تتضاءل أمام ثروة الأفكار. إنها ثروة تتوالد وتتكاثر بشكل ثوري.

مجلة آراء حول الخليج