array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مشاركة المرأة وتغييبها في عالم متغير معرفياً

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

إن تغييب مشاركة المرأة في مجالات الحياة العامة والأدوار القيادية، والمشاركة في تحديد الأهداف وصياغة القرارات، يجعل العالم يهدر نصف طاقاته، وبقدر ما تبدو عبارات من قبيل(نصف طاقاته) و(نصف المجتمع) وغيرها بديهية وكثيرة الاستخدام، غيرأنها في الوقت ذاته تبدو خالية من المعنى وبلا قيمة في معظم الأحيان.

وبقدر الوعي المتنامي أو هو الحديث الذي أخذت ترتفع وتيرته وحدته حول أهمية دور المرأة، وضرورة مشاركتها في المناحي المختلفة للحياة والمجتمع، غير أن هذه الوتيرة ترتفع أكثر ما ترتفع عندما يتعلق الأمر بالشؤون الاجتماعية الخاصة بالمرأة والأسرة وما يتعلق بهما، وكأن المجتمع يقسم الأدوار بين الرجل والمرأة على حسب العادة التاريخية، التي شكل الرجل ولايزال إلى حد بعيد صانع القرار الوحيد فيها، وبالتالي هو من قسم الأدوار. وبشكل بسيط وبدائي جدا قرر أن يكون ما بداخل البيت من الأمور التنفيذية اليومية من اختصاص المرأة، وكل ما ينم عن سلطة وقوة هو من اختصاص الرجل سواء كان ذلك داخل البيت أو خارجه.

لن أقول إن المرأة كانت محصورة في نطاق ضيق وهو البيت، ولن أقول إن المرأة لم تحقق شيئا في ذلك التخصص، ولن أدخل في تفاصيل نعلمها جميعا، ولكن ما أود التنبيه له أن ذلك الوضع أدى إلى تخلي الرجل عن كل ما هو داخل، والنظر إلى الخارج باعتبار أنه الأهم، وأصبح للمرأة بسبب التطور الطبيعي للمجتمعات وحركة التاريخ التي تسير للأمام، واجب وهو ألا تقف موقف المتفرج أو المتلقي السلبي. إن حركة التاريخ هي ما يجبرنا على النظر إلى مسألة مشاركة المرأة في كل ما يشارك فيه الرجل على أنها مسألة حتمية.

فلا يمكن في هذا الوقت وكما حدث في السابق أن يدعو داعية إلى عدم تعليم البنات الكتابة والاكتفاء بتعليمهن القراءة فقط، والحقيقة أن هذه الدعوة أو العادة التي تم اتباعها في مجتمعاتنا لأقصى حد ممكن، كانت سياسة ذكية جدا من الرجل صاحب السلطة وصانع القرار لأنه كان يدرك بوعي كبير جدا أنه متى تعلمت المرأة المهارات التي يعرفها لنافسته، بل إنها قد تشكل تهديدا فعليا له ولمكانته التي قضى في بنائها قرونا طويلة.

في الوقت الراهن لا مجال مطلقا للحديث عن قضايا من مثل: تتعلم أو لا تتعلم، تشارك أولا تشارك، تحضر أو لا تحضر، وإنما القضية الآن هي:(كيف) بالنسبة للمرأة، وقد تكون (لماذا) لمجموعات ممن يشكلون تيارات محافظة أو متحفظة. لقد لاحظنا خلال السنتين الأخيرتين أن كل ما يتعلق بـ ( موضوعة المرأة) أصبح محل اهتمام عالمي وإقليمي ومحلي، بشكل خاص يظهر ذلك في العالم العربي. ولا يخفى على أحد أن السبب الرئيسي لهذا الاهتمام الذي أدى إلى تسارع خطى تمكين المرأة وتوليها مناصب قيادية، هو الضغط الذي سببته مبادرة الشراكة الشرق أوسطية من قبل الخارجية الأمريكية، ومهما كانت إدعاءات الدول العربية بإيمانها بدور المرأة وأهميته لدفع التنمية، ومهما ادعت أن ما تقدمه للمرأة أو تتفضل به عليها هو نابع من صميم اعتقادها بأن المرأة تشكل ( نصف المجتمع) وأنها تريد أن تستفيد من هذا النصف وجعله نصفا فاعلا ومؤثرا، فإن ذلك ما هو إلا نوع من حفظ ماء الوجه، إذ أين كانت كل هذه الاعتقادات وكل هذا الإيمان قبل عدة سنوات؟ ولماذا مورس ويمارس كل ذلك القمع والتغييب لدور المرأة؟.

إن العالم يفقد موردا مهما للغاية بتجاهله لمئات الآلاف من الطاقات الموهوبة وذات القدرات والمهارات. إن العالم يهدر أثمن موارده وعندما يقف غير مكترث وهو يعطل 50% من سكان الأرض، الذين لم تمكن لهم الفرص سوى 15% من المناصب القيادية ومواقع صنع القرار. لا يمكن أن نتخيل ونحن في عصر التقنية والمعلوماتية أن القوة تكمن عند أصحاب العضلات الجسمانية الأقوى، لا يمكن لأي عاقل أن يتخيل أنه لا دور للمرأة أو أنه لا ضرورة لمشاركتها.

لا يمكن حصر مشاركة المرأة بأي مجال. ولا يمكن أن ننتقي ما ينفع للمرأة وما لا ينفع لها. لا يمكن لأي شخص أن يقرر ما ينفع لأي شخص آخر، إن من يقرر بالنيابة عن المرأة هو المرأة ذاتها، دون وصاية ودون تسلط. ومن الأهمية بمكان ـ رغم كل ذلك ـ من الاعتراف بأن هناك الكثير مما يعترض مشاركة المرأة، أسباب تتعلق بالمرأة نفسها أو ذاتها، وأخرى تتعلق بثقافة المجتمع، وغيرها تتعلق بدور الرجل في حياة المرأة. وأغلب ما يمنع المرأة ويعترض مشاركتها هو تفاصيل.

على سبيل المثال مشاركة المرأة في الندوات والمؤتمرات، سواء بالحضور أو بتقديم أوراق عمل أو المناقشة والحوار، ما الذي يمكن أن يعترض مسألة كهذه؟ ولماذا نتحدث من الأصل عن قضية من هذا النوع؟ من الملاحظ أن هناك العديد من المؤتمرات تقام وتعقد دون أن يكون هناك حضور لامرأة واحدة وأغلب المؤتمرات قد تحضرها امرأة أو اثنتان، وقد يكون العدد أكبر، ولكنه لا يقارن بعدد الرجال، اللهم إلا إذا كان موضوع المؤتمر أو الندوة موضوعاً ( نسائياً) بحت أو موضوعاً يتعلق ( بالمرأة والمجتمع والأسرة والطفل) وإلى آخر القائمة التي تحدد سلفا تخصصات المرأة.

ومن الملاحظ أيضا أن بعض الجهات الداعية تصر على دعوة بعض النساء حتى لا توجه إليها انتقادات بتجاهل المرأة، أو حتى تنال ثناء جهات أخرى بسبب اهتمامها بالمرأة، وأصبح لدى البعض عادة دعوة المرأة وكأن المسألة هي مسألة( كوتة) فرضت عليه، وهو ملزم باتباعها.

الحقيقة أنه لا يمكننا أبدا أن نحقق أي نوع من التقدم، إذا لم نؤمن عمليا واستراتيجيا بأهمية إشراك المرأة في هذه المؤتمرات، لأن هذه المؤتمرات لا تستطيع أن تحقق أهدافها أصلا التي عقدت من أجلها، إذ إن الأصل في إقامة أي مؤتمر أو ندوة هو البحث والمناقشة وإثارة الحوار، ولهذا تحرص المؤتمرات على دعوة المختصين المختلفين والمتباينين ذوي الخلفيات الثقافية والا تجاهات المتعددة والمتنوعة.
هناك عدة محاور يمكن أن يبدأ منها النقاش حول عوائق مشاركة المرأة في المؤتمرات منها: أن الكثير من النساء لا يستطعن المشاركة في المؤتمرات والندوات لأسباب تخصصية وأخرى اجتماعية. و نتيجة لإقصاء المرأة لفترة طويلة عن التخصصات التي اعتبرت ضمن تخصصات الرجال كالسياسة والاقتصاد والشؤون العسكرية، فإنه في بعض الأحيان من الصعب الحصول علىامرأة تهتم أو تتخصص في واحد من هذه المجالات أو أحد فروعها.

أما الأسباب الاجتماعية فهي تتعلق بمسألة سفر المرأة: في حال كانت هذه المؤتمرات في غير بلد المرأة المدعوة لحضور المؤتمر،فإن جانباً من هذه المشكلة يتمثل في عدم قدرة بعض النساء على تخطي حدود بلدهن من دون إذن أو تصريح رسمي، وهناك جانب آخر من المشكلة أن المرأة قد تحتاج تصريحا اجتماعيا أو أدبيا من ولي الأمر، وقد تكون هذه المشكلة بجانبيها تتعلق على نحو خاص بالمرأة في منطقة الخليج العربي.

ومن المشاكل التفصيلية التي قد لا تخطر على بال الجهات الداعية أن المرأة لن تحضر المؤتمر أو ترفض دعوته بسبب أنها أم وأنها لن تستطيع أن تترك ابناءها دون رعاية، حتى إن كان الأب موجودا، لأن رعاية الأطفال هي من اختصاصها، الأمر الذي يعني من وجهة نظر رجل أنه غير مقبول ومرفوض من جانبين الأول: أمر كهذا على سبيل المثال لا يمكن أن يؤخر رجل عن حضور مؤتمر، وأمر كهذا يجعل الرجل يفكر( صحيح امرأة، مكانها البيت)، ولا يفكر أحد كيف يمكن أن يعدل ويساهم في توفير فرص عملية للتأكيد علىأهمية مشاركتها، فلا الرجل في البيت سيتنازل عن مكانته التاريخية، ولا الرجل في الخارج سيمنحها فرصا أخرى لحضور مؤتمر أو ندوة قادمة.

ولو فرضنا أن المرأة كانت عملية وقررت حضور المؤتمرات بدافع من ذاتها واحتياجها لتنمية مواهبها وبناء شخصيتها، فإن المجتمع أيضا بدءا من البيت إلى المحيط الأكبر، سيلقي بسياطه عليها بادعاء أنها تهمل رعاية بيتها وأبنائها، وبشكل عام فإن المجتمع يقرر أن الحركة هي من سمات الرجل، و أن السكون هو من سمات المرأة. في ظل هذه الظروف تبقى النساء طاقات مهدرة ومجهولة، ومع بطء حركة مجتمعاتنا، وثقل خطواتها، ومع الأحجار التي توضع عثرة أمام الجهود الذاتية ذات الدافعية، لن نخسر عصرنا ومميزاته فقط، بل إننا نفرط في مستقبل لن يكون لنا مكان فيه، لأنه عالم متغير، لن يقبل بالتحجر والثبات، ولن يسمح بالإقصاء والتغييب.

مجلة آراء حول الخليج