array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مذهب الصدمة: ظهور رأسمالية الكوارث

الثلاثاء، 01 كانون2/يناير 2008

تأليف: ناعومي كلاين 

النـاشر: هنري هولت، 2007

د. روبرت لوني

أستاذ بكلية الدراسات العليا التابعة للبحرية الأمريكية

 

في مطلع خريف عام 2007، نُشر بمحض الصدفة وبفارق أسابيع فقط كتابان مهمان حول الرأسمالية. وقدم الكتاب الأول (عصر الاضطراب: مغامرات في عالم جديد)، وهو من تأليف آلان غرينسبان، أحد مؤيدي الرأسمالية، قدم دراسة متعمقة للآليات الداخلية للنظام الرأسمالي من منظور أحد أبرز الذين ساهموا في النجاح الباهر، الذي أحرزته الرأسمالية خلال التسعينات. أما الكتاب الثاني (مذهب الصدمة: ظهور رأسماليةِ الكوارث) للكاتبة المناهضة للرأسمالية ناعومي كلاين، فقد ركز على إبراز أخطاء الرأسمالية وجانبها المظلم.

ويندرج الكتاب الثاني في إطار ثلاثية كلاين للكتب المناهضة للرأسمالية والعولمة، إذ حلل الكتاب الأول في هذه السلسلة، (لا شعار إلا ـ استهداف رموز الاحتكار، (2000))، ويهدف إلى رصد القوى التدميرية للعولمة. أما الكتاب الثاني، (الأسيجة والنوافذ ـ تقارير من الخطوط الأمامية للنقاش حول العولمة، (2002))، فقد رصد الثورة العالمية ضد نفوذ الشركات.

إن قيام شخصين على درجة عالية من الذكاء برصد الظواهر الرأسمالية نفسها تقريباً والخلوص إلى استنتاجات متباينة تماماً بشأن جوهرها، لخير دليل على مدى دقة وتعقيد النظام الرأسمالي. ومع ذلك، يبقى هناك أمر أكيد هو أن تطبيق الرأسمالية يخلق رابحين وخاسرين، فكتاب غرينسبان يعكس وجهة نظر الرابحين أو ربما الغالبية برأي المؤلف، بينما يجسد عمل كلاين إحباط ويأس الخاسرين.

وتوضح كلاين قائلة (إنني أكتب هنا عن الصدمة. عن كيف تُصدم الدول عبر الحروب والهجمات الإرهابية والانقلابات العسكرية والكوارث الطبيعية. وكيف تُصدم الدول مرةً أخرى بعد ذلك من قبل الشركات والساسة الذين يستغلون الخوف والإرباك الناجمين عن هذه الصدمة الأولى لتطبيق (العلاج بالصدمة الاقتصادية). وكيف أن الذين يتجرؤون على مقاومة سياسة الصدمة الاقتصادية يتعرضون، عند اللزوم، لصدمة ثالثة على يد رجال الشرطة ومحققي السجون).

يُمثل هذا الكتاب آخر جولة من الهجوم الماركسي على النظام الرأسمالي ـ هجوم يبدو أنه لن ينتهي أبداً. فالسيدة كلاين تُحمل الرأسمالية العالمية مسؤولية معظم مشكلات العالم. إذ ترى أن انهيار الشيوعية والإطاحة بسلفادور أليندي واحتلال العراق وحتى مأساة نيو أورلينز، أمور مثلت كلها فرصةً لفرض أحد أكثر أشكال الرأسمالية تجرداً من التعاطف والرحمة؛ فالأزمات أنجحت الرأسمالية في مناطق كان من المستحيل أن تتبناها أصلاً. لكن مَنْ وضع هذا المخطط المخيف؟ هنا، تُلقي كلاين باللائمة على عالم الاقتصاد البارز ـ والشرير على حد تعبيرها ـ ميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل. إذ تقول كلاين: عندما بدأت هذا البحث لسبر التقاطع بين الأرباح الخيالية والطامات الكبرى، ظننت أنني كنت أشهد تغيراً أساسياً في طريقة انتشار الدافع نحو (تحرير) الأسواق حول العالم، لكن بعدما تعمقت أكثر في تاريخ كيفية اجتياح هذا النموذج السوقي للكرة الأرضية، اكتشفت أن فكرة استغلال الأزمات والكوارث كانت منذ البداية طريقة العمل التي قامت عليها حركة ميلتون فريدمان ـ أي أن فرض هذا النموذج الرأسمالي الأصولي كان دائماً بحاجة إلى كوارث - وتأكد لي أيضاً أن الكوارث التي سهلت فرض هذا النموذج كانت تزداد حجماً وقدرة على توليد الصدمة، لكن مُجريات العراق ونيو أورلينز لم تكن جديدة، وإنما كانت من إفرازات حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. وبالأحرى، مثلت هاتان التجربتان الجريئتان في استغلال الأزمات ذروة ثلاثة عقود من الالتزام الصارم بمذهب الصدمة.

ولدى النظر إليها بمنظار هذا المذهب، بدت السنوات الخمس والثلاثون الماضية مختلفة تماماً. إذ تبين أن بعض أخطر حالات انتهاك حقوق الإنسان التي عرفتها تلك الحقبة، والتي نُظر إليها عموماً كتصرفات سادية مارستها أنظمة معادية للديمقراطية، لم تُرتكب في الحقيقة إلا بقصد إرهاب الناس أو تمهيداً لإصدار التعليمات بإدخال (إصلاحات) جذرية تُحرر الأسواق المحلية.

ويكمن الدافع الأساسي وراء تلك الممارسات في حقيقة أن تطبيق نموذج فريدمان بكل حذافيره يحتاج إلى ظروف استبدادية، لأنه يستحيل فرض هذا النموذج في ظل الديمقراطية إلا بشكل جزئي. ولتطبيق (العلاج بالصدمة الاقتصادية) من دون قيود ـ كما حدث في تشيلي خلال السبعينات والصين في أواخر الثمانينات وروسيا في التسعينات والولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ـ كان من الضروري دائماً حدوث صدمة جماعية إضافية كبيرة تؤدي إلى تعليق بعض جوانب الحياة الديمقراطية بصورة مؤقتة أو إلغائها تماماً. ووُلدت هذه الحملة الأيديولوجية في كنف أنظمة أمريكا الجنوبية الاستبدادية ثم انتقلت إلى الدولتين الكبيرتين اللتين اجتاحتهما مؤخراً ـ روسيا والصين. وإلى يومنا هذا، تُمثل البلدان التي تحكمها قياداتها بقبضة حديدية البيئة المثلى لنمو وازدهار هذه الأيديولوجية.

ولو كانت كلاين على صواب لكان السعي بلا رحمة لتطبيق نموذج فريدمان الأصولي للسوق الليبرالية الجديدة هو الذي يدفع العالم نحو عصر قاتم جديد من الحروب، ومعاناة الشعوب والاستغلال واليأس؛ لم يُعرف له مثيل منذ عصر ديكينز. في المقابل، لو أن فريدمان المعتدل كان بيننا اليوم لكان من المؤكد أنه سيُغمى عليه لدى سماعه بأنه العقل الذي ابتكر شيئاً مروعاً مثل (مذهب الصدمة). ولأن فريدمان عالم اقتصاد رأسمالي فذ، فإنه قد يكون هدفاً مثالياً لمناهضي الرأسمالية. ودفاعاً عنه لا بد من التنويه بأن رؤى فريدمان بشأن الرأسمالية والسوق الحرة كانت في منتهى الرأفة، إذ قال:

(لأننا نعيش في مجتمع حر إلى حد كبير، فإننا نميل إلى نسيان مدى محدودية الحقب الزمنية وأجزاء العالم التي شهدت أي شكل من أشكال الحرية السياسية: فالوضع النمطي الذي عاشته البشرية يتسم بالاستبداد والعبودية والبؤس. لكن القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في العالم الغربي يمثلان حالتين استثنائيتين للمنحى العام لتطور تاريخ الشعوب. ومن الواضح أن الحرية السياسية ظهرت في كلتا هاتين الحالتين في ظل السوق الحرة وتطور المؤسسات الرأسمالية. وهذا ما ينطبق أيضاً على الحرية السياسية التي ظهرت في عصر اليونان الذهبي وأوائل العصر الروماني).

إن الطريقة الوحيدة التي تم اكتشافها حتى الآن لرؤية الكثير من الناس يتعاونون بملء إرادتهم هي من خلال السوق. ولهذا السبب، يُعَد الحفاظ على حرية الفرد مسألة حيوية (ميلتون فريدمان، (الرأسمالية والحرية)، 1962).

ولكي تؤخذ أفكار كلاين على محمل الجد خارج دوائر أقصى اليسار، يتعين عليها أن تعترف على الأقل بأن النظام الرأسمالي جلب بعض الخير. وللأسف، لم يحدث مثل هذا الاعتراف قط. ويحضرني هنا أن بيتر بيتكي (معركة الأفكار مستمرة)، لاحظ أن في تصور كلاين، (لا توجد أي تداعيات غير مقصودة. فالأمور السيئة تحدث لأن أشراراً يريدون حدوثها. كما أن الرأسمالية تطلق العنان للجانب الانتهازي للبشر بحيث يستغل الأقوياء والأغنياء كل أفضلية يتمتعون بها لخدمة مصالحهم الخاصة، على حساب الذين هم أقل حظاً). نعم، لقد حدثت أمور سيئة في تشيلي ومع ذلك لا أحد يُنكر حقيقةَ أن تشيلي تُمثل اليوم إحدى النقاط القليلة المضيئة في مشهد أمريكا اللاتينية القاتم.

والسؤال هو كيف وجدت تشيلي والعديد من الدول الأخرى أخيراً سبيلها إلى الازدهار؟ تقييم غرينسبان يقدم مفتاح الإجابة عن هذا السؤال:

تُمثل العولمة ـ أي تعميق مفهوم التخصص وتوسيع نطاق تطبيق مبدأ توزيع العمل إلى ما وراء الحدود الوطنية ـ مفتاحاً رئيسياً لفهم معظم تاريخ اقتصادنا الحديث. ففي المعدل، ارتفعت مستويات المعيشة بشكل ملحوظ. إذ تم انتشال مئات الملايين من سكان الدول النامية من آفة الفقر، وتشهد مئات الملايين الأخرى من هؤلاء السكان حالياً مستوى من الوفرة لم يشهده من قبل إلا الذين ولدوا وعاشوا في الدول المتطورة.

مجريات العراق اليوم كانت من إفرازات حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر

ليس هذا وحسب، بل إن غرينسبان قد يكون أول المعترفين بأن النظام الرأسمالي العالمي لا يخلو من عيوب، إذ قال: (من ناحية أخرى، أدى التركيز المتزايد للدخل الذي ظهر في ظل العولمة إلى احتدام الصراع مجدداً بين ثقافتي دولة الرفاه والرأسمالية ـ صراع ظن البعض أنه انتهى إلى الأبد إثر العار الذي لحق بسياسة التخطيط المركزي. إن الحوار العالمي بشأن مستقبل العولمة والرأسمالية لا يزال مستمراًً، وستُحدد النتائج النهائية لهذا الحوار طبيعة السوق العالمية وأسلوب حياتنا لعقود قادمة.

لماذا تثير النقاشات حول عيوب الرأسمالية حفيظة البعض؟ ربما تلعب الآراء المتضاربة دوراً رئيسياً في ذلك. فبالنسبة إلى كلاين التي تناهض الرأسمالية، تُسهل نظريات المؤامرة ربط الأحداث بشكل جيد، وهو ما يجعلها دائماً تفسيراً جذاباً لتلك العيوب. أما بالنسبة إلى مؤيد للرأسمالية مثل غرينسبان، فإن جهل صناع السياسة وعدم كفاءتهم هما السببان المرجحان لمثل هذه العيوب. وفيما تُرجع كلاين الفوضى التي تعم العراق حالياً إلى الجشع والنفط، يرى غرينسبان أن سبب هذه الفوضى يكمن في حقيقة أن المسؤولين عن تقدم عراقِ ما بعد الغزو، حتى إن كانت نواياهم طيبة، لم يكونوا ببساطة مؤهلين للاضطلاع بمهمة تصميم وتفويض إنجاز برامج فعالة لإعادة إعمار العراق وبناء استقراره.

والجدير بالذكر أن الأسرة الأكاديمية الاقتصادية أحرزت تقدماً ملحوظاً. وبات يُنظر على نحو متزايد إلى (إجماع واشنطن) لليبرالية الجديدة بشأن قضايا الأسواق الحرة والاقتصادات المفتوحة كخطوة مبدئية نحو تحقيق الازدهار الاقتصادي والاستقرار الوطنيين. وفي الوقت الراهن، أصبح مدى التقدم في مجال تعزيز المؤسسات والحكم الرشيد وحكم القانون يُعتبر المعيار الرئيسي لمراقبة أداء الرأسمالية. لذا، فإن عمل كلاين الذي نحن بصدده متخلف عن الحوار العالمي الحالي بخمس عشرة سنة.

ختاماً، من المستبعد أن يؤدي كتاب )مذهب الصدمة( إلى تغيير الكثير من الآراء. ففي الشرق الأوسط، يبدو من المرجح أن يضع اليمينيون أو ربما المتعمقون في العلوم الاقتصادية الأصيلة هذا الكتاب على الرف الطويل لأدبيات الهجوم الماركسي اللامنطقي على النظام الرأسمالي. أما اليساريون، خاصة المتطرفين منهم، فإنهم سيجدون أن هذا العمل يؤكد أسوأ مخاوفهم بشأن التهديدات التي تمثلها العولمة والنظام الرأسمالي العالمي. وبالنسبة إلى الكثيرين الذين لا ينتمون إلى هاتين الفئتين، فإن هذا العمل يقدم لمحة سريعة ومزعجة عن مستقبل قاتم تدعي كلاين أنه قد يكون وشيكاً.

مقالات لنفس الكاتب