array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الانتخابات العراقية :قراءة في الإيجابيات والسلبيات

السبت، 01 كانون2/يناير 2005

أخذت موضوع الانتخابات العراقية حيزا كبيرا من الاهتمام الداخلي والخارجي لما لها من آثار مهمة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، ولكن ظل هذا الاهتمام أسير رؤيتين متقاطعتين، ترى الأولى أنها ستفرز نتائج سلبية على الواقع العراقي الحالي والمستقبلي، في حين ترى الأخرى أنها تمثل محطة مهمة في تاريخ العراق، إذ تشير إلى بداية مرحلة جديدة في الأداء السياسي العراقي محلياً وعربياً ودولياً.

وكلتا الرؤيتين تفتقران إلى الموضوعية في التحليل والتقييم لأنهما ترتكزان على معايير مسبقة لنجاح أو فشل الانتخابات، كما أن هذه المعايير مستوحاة من رؤية سياسية ضيقة تجعل من الخاص عاماً، وتحاول أن ترى نفسها وتتجاهل الآخر بحيث إنها مصابة بتضخم الأنا على حساب المكونات الاجتماعية العراقية الأخرى.

لذلك لا بد للباحث الموضوعي أن ينظر إلى الموضوع بحيادية - قدر المستطاع - من خلال التركيز على الجوانب الإيجابية والسلبية، والموازنة بينهما وترجيح ما هو الأكثر أثرا في الساحة العراقية، على أن تكون مصلحة الوطن والشعب الأساس في عملية الترجيح هذه.
ورغم أن هناك شبه إجماع عراقي على اعتماد الانتخابات كأساس في بناء النظام السياسي المستقبلي للعراق، فإن الخلاف قائم حول أولويتها على الأمن، أم العكس، فهل هي شرط للأمن أم الأمن شرطها؟ وحول توقيت إجرائها، هل بعد طرد المحتل أم قبله؟ وهل هي وسيلة تتناغم مع المقاومة الوطنية أم التقاطع هو الذي يحكم العلاقة بينهما؟ وإلى غير ذلك من الأمور.  ورغم أن الورقة ليست معنية بالإجابة عن هذه الأسئلة المركزية، فإن الحديث عن المزايا الإيجابية والسلبية لها سيلامس أجوبة هذه الأسئلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ومع تقديرنا بأن الانتخابات سوف لن تكون نزيهة وشفافة إلى الحد الذي يكشف بدرجة عالية من الواقعية إرادة الناخب العراقي لوجود مشكلات فنية في الأداء، وتعدد أساليب التأثير في الناخب، وحداثة التجربة الانتخابية، والمصالح المتضاربة للأطراف السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، إلا أن هذا لا يعدم وجود إيجابيات تنطوي عليها الانتخابات تتوزع على مستويات متعددة، يمكن الإشارة إليها بالآتي:

أولاً: المستوى الأمني:

بعد أن اتضحت ملامح السياسية الأمريكية إزاء العراق أولا، وبعد استفاقة العراقيين من الصدمة التي أذهلتهم عقب السقوط الذي اتسم بالسرعة غير المتوقعة ثانيا، وتهميش قوى داخلية كان لها دور على الأقل في مقاطعة السياسة البعثية آنذاك، واعتماد سياسة اجتثاث البعثيين من السلطة، وحل الجيش ووزارة الإعلام، كل ذلك كان دافعا إلى بروز حالة العنف في العراق، إذ تعددت الدوافع وراء العنف بين الوطنية والطائفية والسياسية الفئوية، وتداخلت فيما بينها إلى الحد الذي أصبح صعبا التفريق بينهم على الأقل لدى غالبية الشعب العراقي، وترافقت هذه الأعمال مع دعم من جهات إقليمية عربية وغير عربية رأت من مصلحتها إثارة عدم الاستقرار السياسي في العراق، لذا فإن الانتخابات يمكن أن تكون فرصة لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية بعد أن كانت مقتصرة على تيارات سياسية معينة أغلب قياداتها كانت في الخارج، مما سيقلل من القوى التي اعتمدت العنف لأغراض سياسية، وكذا الحال مع القوى الطائفية التي اعتقدت أن العملية السياسية الجارية في العراق أدت إلى تهميشها أو على الأقل حدت من دائرة نفوذها السياسي، بالقياس إلى ما كانت عليه تلك القوى في السابق، وهذا أيضا سينعكس على دور الجماعات التي وجدت في العراق فرصتها لتصفية حسابها مع العدو الرئيسي لها الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي الأخرى أرادت أن يكون العراق ساحة لتصفية التنظيمات الإرهابية، إذ سوف لن تجد من يتعاطف معها بعد انتفاء الدواعي وراء التعامل معها في الوقت الحاضر، دون أن يعني ذلك انقطاع جذرها في العراق في تنامي ثقافة العنف بشقيه الجهادي والإقصائي للآخر.

ومن جانب آخر، فإن العملية الانتخابية ستفقد القوى الظلامية في الساحة العراقية فرصتها لإثارة الفتنة الطائفية التي عملت بمختلف الوسائل والأساليب على إثارتها، أو ستسحب البساط من تحت أقدام الساعين إلى إثارة حرب أهلية لاسيما القوى الإقليمية التي تحاول عرقلة الاستحقاقات التي يرتبها الاحتلال الأمريكي للعراق عليها، فالانتخابات ستضّيق من دائرة التأييد الشعبي لأفعال هذه القوى التي تسترت بشعارات مقاومة المحتل ومقاتلة المتعاونين مع الاحتلال أو السلطة العراقية المؤقتة، إذ لم يعد هناك أي مبرر لقتل العراقيين، وعندها ستتكشف نوايا هذه القوى التي تسعى إلى تفتيت الوحدة الوطنية العراقية من خلال إثارة الثقافة المحلية الضيقة.

إن الانتخابات سوف تقلل من الصراع الداخلي الذي يدور بين جماعات ترفع السلاح بوجه الحكومة القائمة حاليا وما يرتبط بها من قوى الأمن الداخلي كالشرطة والحرس الوطني، فانتخاب حكومة عراقية - وإن جرى ذلك في ظل الاحتلال - سوف يعكس ولو بصورة غير كاملة، إرادة عراقية أو قبولاً عراقياً بالحكومة، وأجهزتها التنفيذية، وبالتالي سوف تفقد هذه القوى مبررات الصراع مع العراقيين، وتتفرغ لمواجهة المحتل، ويجعل من نشاطها أكثر فاعلية، وربما أكثر شعبية، في حين أن نشاطها في الوقت الحاضر أفقدها الكثير من التأييد الشعبي لها نتيجة عملياتها ضد الشرطة والجيش.

وينعكس تحسين الوضع الأمني على العلاقة مع المحتل وعلى الوضع الاقتصادي، وبقدر صلة الأمر بالاحتلال فإن تحسين الأمن سوف يعطي الحكومة المقبلة حجة قوية في مفاوضاتها مع الاحتلال لإبعاده عن المدن والقصبات السكانية تمهيدا لتحديد جدول زمني للانسحاب، وربما يساعدها على ذلك الدول الراغبة في إنهاء الاحتلال، وكذلك منظمة الأمم المتحدة التي حددت في قراراتها الخاصة بالعراق وظيفة سلطات الاحتلال بالسعي إلى إعادة بناء المؤسسات الرسمية للدولة ومساعدة العراقيين على إعادة تأهيل تلك المؤسسات، كما أن تركيز الجهود في المقاومة على المحتل سوف يعزز من قدرة الحكومة على التفاوض من خلال التفاعل بين منهج التفاوض السلمي ومنهج المقاومة المسلحة في مطالبتها الاحتلال بالانسحاب، وربما سينعكس على العلاقة بين السلطة والمقاومة الوطنية بالاتجاه الذي يعزز من صمود المقاومة، عن طريق تأسيس تلك العلاقة على قاعدة التعاون والتفاعل في الأدوار.

أما على الصعيد الاقتصادي فإن تحسين الأمن في البلاد - الذي هو نتيجة من نتائج الانتخابات - سيفقد دولة الاحتلال ومعها الدول المانحة أي مبررات لعدم البدء بإعادة إعمار العراق، أو إطلاق المساعدات لهذا الغرض، كما أنه سيحرر الاقتصاد العراقي من الوصاية الدولية على اقتصاده، مما سيوفر فرصاً كبيرة لتشغيل العاطلين عن العمل ويقلل من نسبة البطالة، بما ينعكس إيجابيا على الأمن أيضا، إذ سيقلل من الجريمة التي تفشت في المجتمع تحت سمع، وربما تحت رعاية ودعم سلطات الاحتلال، وهذا يؤدي إلى تحسين الخدمات الأساسية للمواطن مما قد يدفعه إلى التخلي عن نهج العنف ونبذ منطق القطيعة والحرب لكل ما هو موجود على الساحة، وربما الانغماس في بناء الوطن بما يزيد من التلاحم الوطني الذي تعمل جهات عديدة داخلية وخارجية على تفتيته أو على الأقل على تهيئة الأرضية المناسبة للتفتيت في المستقبل.

وفي الإطار ذاته يمكن أن تسهم الانتخابات في التقليل من دعم الدول الخليجية العربية وغير العربية ودول الجوار العربية الأخرى للعمليات (الإرهابية) التي تجري على أرض الوطن، إذا ما أفرزت نظاماً سياسياً قادراً على احتواء المكونات الاجتماعية العراقية، ولا يشكل تهديدا للوضع السياسي لهذه البلدان التي تجد مبررا لهذا الدعم ظاهريا في مقاومة المحتل، وهي تخفي الدوافع الحقيقية لهذا الدعم والمتمثلة في استمرار عدم الاستقرار السياسي في العراق وإفشال فكرة النظام الديمقراطي المراد تطبيقها في العراق لما يشكله من تهديد حقيقي للأنظمة السياسية القائمة في هذه البلدان، لا سيما أنها تعاني من احتقان اجتماعي على الأقل في المجال السياسي لوجود أقليات مذهبية تعاني من الإقصاء والتهميش.

ثانياً: المستوى السياسي:

إن النتائج الإيجابية لهذه الانتخابات على صعيد السياسة تتمثل في أنها فرصة لمشاركة أغلب القوى السياسية والاجتماعية والقومية والمذهبية والدينية في صياغة النظام السياسي المستقبلي، وربما هي الفرصة الوحيدة في تاريخ العراق الحديث، إذ إن أغلب النظم - لا سيما في العهد الجمهوري - أسست نظاما سياسيا طبقا لإرادة الحاكم النابعة من الحزب أو الفئة التي يمثلها، وبالتالي فهي عملية تتعارض مع عملية الإقصاء والتهميش التي كانت سائدة في الماضي وسادت في الفترة الأولى بعد سقوط النظام السابق، مع إدراكنا أن سلطات الاحتلال وقوى محلية وإقليمية تعمل على إبعاد تيارات معينة من الساحة نتيجة حالة التأزم بين هذه التيارات والحكومة الانتقالية عبر وسائل عدة منها مهاجمة بعض المناطق العراقية وخلق مناخ من عدم القبول أو المشاركة في العملية السياسية.

كما أن هذه الانتخابات ستكشف عن حجم التأثير السياسي لكل قومية أو مذهب أو دين، مما يعيد العراق إلى حالة التوازن السياسي، من خلال إدراك كل جهة لحجمها وبالتالي إعادة صياغة خطابها السياسي على أساس ذلك التأثير مما يجنب العراق حالة التطرف في المطالب القومية أو المذهبية التي ينادي بها كل طرف، كما أنها ستكشف عن حجم مقبوليتها لدى الشعب العراقي طبقا لمدى وطنية خطابها الانتخابي.

أضف إلى ذلك أن هذه الانتخابات ستقضي على مطامع بعض الفئات في التفرد بالسلطة من خلال اعتماد صيغة التمثيل النسبي والمنطقة الانتخابية الواحدة التي لا تسمح لأحد مهما كان حجم وجوده في الساحة بالتفرد، مع العلم أن تنوع التوجهات القومية والدينية إلى الحد الذي يصعب معه ائتلافها على المدى الطويل وانطلاق بعضها من مصالح سياسية ضيقة يصب في اتجاه مقاومة التفرد في السلطة.
كذلك ستضفي هذه الانتخابات الشرعية على الحكومة المقبلة بما يوسع من دائرة التعامل الشعبي معها، بدلا من الحكومة الحالية المتهمة بالارتباط بالاحتلال، وأن هذا التعامل لا يقتصر على المساهمة في الأداء الحكومي فقط، وإنما يمتد إلى المساهمة في بناء الأجهزة الأمنية من شرطة وجيش وحرس وطني.

وقد تؤدي الانتخابات إلى معالجة الفساد الإداري الذي أصبح ظاهرة لها انعكاسات سلبية على المجتمع، إذ وصل إلى مديات تنذر بالخطر على مستقبل الأداء الحكومي إذا لم تعالج بصورة جذرية عن طريق تعزيز دور الرقابة الحكومية التي يتولاها البرلمان المقبل الذي حددت وظائفه في قانون إدارة الدولة المؤقت، فوصول العناصر الوطنية إلى الجمعية الوطنية المقبلة يمكن أن يسهم في وجود رقابة وطنية نزيهة، أو على الأقل يولد إحساسا لدى الموظف بأنه معرض إلى المساءلة القانونية إذا ما ثبت تقصيره أو فساده في عمله الوظيفي، وإذا ما حصل ذلك فسوف يسهم في عقلنة استخدام موارد البلد وطاقاته بما يعود بالنفع على جميع أبنائه وعدم الاقتصار على فئات معينة تمارس أساليب الرشوة والسرقة والبطالة المقنعة.

وهذا الأمر لم يقتصر على الوضع الداخلي، وإنما يمتد إلى المستويين الإقليمي والدولي، فتأسيس نظام سياسي يسهم فيه الجميع سيفوّت الفرصة على الساعين إلى تعكير الاستقرار السياسي في البلد من خلال الدعوات المشبوهة التي تنطلق من هذه العاصمة العربية أو تلك والتي تدعو إلى مؤتمرات، أقل ما يقال عنها إنها مؤتمرات فئوية، إذ إن هذه الدول سوف تفكر في مستقبل علاقاتها مع العراق قبل أن تخطو أي خطوة في هذا الاتجاه، مع الأخذ في الاعتبار أن العراق كان ولايزال مورد ازدهار بعض هذه الدول، فضلا عن أن هذه الانتخابات ستجعل من الفئات المتجاوبة مع هذه المشاريع أقل نفوذا في الساحة العراقية، إذ ستقتصر على فئات صغيرة تضررت من البناء السياسي الجديد الذي ستفرزه الانتخابات المقبلة.

وعلى الصعيد الدولي فإن هذه الانتخابات ستوسع من دائرة التعامل الدولي مع الحكومة المقبلة مادامت هذه الدول تبنت مبدأ الانتخاب لتقرير مستقبل العراق في مؤتمر شرم الشيخ، فضلا عن أن هذه الانتخابات ستعطي دفعا للجهود الدولية الرامية إلى تقصير عمر الاحتلال، من خلال انتفاء المبررات التي تطرحها الإدراة الأمريكية لاستمرار وجودها في العراق، وحتى لو تذرعت بحجة مقاومة الإرهاب الذي تشعبت جذوره على الأرض العراقية لأن الإرهاب موجود حتى في الدول الديمقراطية، وبالتالي لا يعطي مبررا لاحتلال تلك الدول، مثلما لا يعطي للاحتلال الأمريكي حق البقاء في العراق.

ثالثاً: المستوى الثقافي:

يمكن أن تسهم الانتخابات في إعادة إنتاج خطاب المرحلة المستقبلية للعراق بشكل يغاير ما هو مطروح على الساحة الآن، أو يسهم في تعزيز أحد أنواع الخطابات المطروحة، إذ تسود الساحة العراقية ثلاثة أنواع من الخطابات هي الخطاب الوطني والخطاب المحلي (القومي والديني والمذهبي)، وأخيرا خطاب العنف، ولكن الخطاب الوطني هو الأقل مساحة في الساحة الآن، ويراد للخطابات المحلية والجهوية وثقافة العنف أن تتمدد في ذهنية المواطن العراقي لدواع خاصة، لذا فالانتخابات ستكون فرصة لتفعيل الخطاب الوطني - حتى من دعاة الخطابات المحلية - لأن طبيعة نظام الانتخابات تستدعي منها ذلك، فاعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة وفقا لقانون الانتخاب، يتطلب من المرشحين صياغة حملاتهم الانتخابية على أساس الوطنية والوطن والارتقاء بالخطاب من الفئة أو الجهة إلى عموم الشعب، وهو أمر له محاسنه - حتى إن كان مؤقتا - لأنه سيعيد الذهن العراقي إلى دائرة الولاء الوطني دون أن يعني ذلك التخلي عن الانتماء الجهوي، مادام الأخير يدخل فيه عامل الوراثة والذي يصعب تجاوزه كالانتماء المذهبي، أحيانا يستحيل ذلك كالانتماء القومي، في حين أن الولاء يمكن تغييره من الولاء المحلي للمنطقة أو القبيلة إلى الولاء للوطن.

ومن زاوية أخرى فإن الانتخابات ستؤسس أيضا لثقافة قبول الآخر ومبدأ الحوار السلمي بدلا من ثقافة الأنا وإقصاء الآخر، إذ إن الانتخابات ستوفر فرصة للأحزاب للتحالف أو الائتلاف فيما بينها - رغم تباين مساراتها الفكرية - إذ إن التحالف تقتضيه طبيعة الانتخابات وربما طبيعة الحكومة المقبلة، وهو أمر سيدفع الآخرين إلى التعايش والاختلاف وفق منهج سلمي بدلاً من الاحتراب والقطيعة اللذين كانا سائدين، ولعل في ظاهرة التحالف بين الحزبين الكرديين الرئيسيين رغم ما بينهما من دماء وقتال خير شاهد على هذا التحليل.
كما أن قبول الآخر (السياسي والديني والقومي والمذهبي) عن طريق اعتماد صيغة التمثيل النسبي، سيقلص من مساحة ثقافة العنف أو ثقافة الإلغاء للآخر، وهذا الذي سيتحقق عبر الجمعية الوطنية، أو عبر الحكومة المنتخبة، إذ إن الصيغة النسبية للتمثيل ستوفر أرضية صالحة للحوار والتفاهم بين كل الأطراف والأطياف العراقية.

أضف إلى ذلك أن إشاعة ثقافة الحوار والقبول بالآخر لها انعكاسات إيجابية على الصعيد الوطني، فهي تسهم في إشاعة السلم الاجتماعي وتعزيزه، في ظل أجواء وثقافات تسعى إلى سيادة مفهوم القطيعة الاجتماعية بين مكونات المجتمع العراقي تحت دعاوى الانتماء، وفي ظل سعي محموم من الأطراف الإقليمية والدولية لدعم ثقافة الإقصاء و"الأتراب" الداخلي.

وإذا ما أدركنا أن المرحلة الانتقالية الحالية شهدت وستشهد حراكا اجتماعيا يعيد ترتيب الهرمية الاجتماعية بشكل جديد، أو يسعى إلى إعادة التوازن إلى هذه الهرمية، فإن هذا الحراك يواجه مصاعب ومعوقات من دعاة البنى التقليدية والهرمية القديمة، التي لا تنفك عن التلويح باستخدام منطق الحرب للمحافظة على ما هو قائم مقابل تحصن الآخر خلف منظومة من المبررات المشروعة وغير المشروعة في سعيه للتغيير أو استمراريته، مما يجعل من فرصة التصادم قائمة، لذا فإن منطق قبول الآخر الذي ستفرزه الانتخابات سيمهد ولو بعد حين إلى استقرار وسلم اجتماعي، ويقف حائلا أمام محاولات إثارة "الأتراب" الداخلي.

كما أن مبدأ التحالف والائتلاف مع الآخر لا يقتصر على الآخر الداخلي (القومي أو المذهبي أو الديني)، بل يتعدى ذلك إلى الآخر (من غير القومية أو المذهب أو الدين)، وان أفرزت القوائم الانتخابية الحالية في بعضها صورة التحالف مع الآخر الداخلي، فإنها لا تعدم وجود الآخر الخارجي في التحالف، مما يولد فرصة وتجربة لكيفية تجاوز الانتماءات الفئوية أو العصبوية الضيقة باتجاه الانتماء، مما سيعزز الوحدة الوطنية التي يراد لها أن تصمد الآن في مواجهة قوى الاحتلال والتفتيت سواء الداخلي أو الخارجي.

وربما تكون الانتخابات وما ينتج عنها من جمعية وطنية تضم تيارات وقوى متعددة الانتماءات والتوجهات، فرصة لإشاعة مفهوم الحوار بين المعارضة والحكومة، إذ سيفرز البرلمان قوى معارضة لتوجهات الحكومة التي ستنتخب، وهو أمر يعمق من ثقافة الحوار السياسي، ويقلص من فرص استخدام القوة لحل الخلاف، شريطة أن تؤسس العملية السياسية على قواعد صحيحة، وأن تحترم هذه القواعد من قبل الفرقاء المشاركين فيها.

أما على صعيد السلبيات التي تكتنف العملية الانتخابية فيمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- إنها قد تدفع تيارات سياسية إلى دائرة العنف، إذا ما أدت هذه الانتخابات إلى إقصائها جماهيريا أو عدم رضاها عن مساحة امتدادها في النظام السياسي المستقبلي، في ظل امتداد ثقافة الجهة أولا، والاستمرار في الاتكاء على المصالح الجهوية ثانيا، مع قناعتنا التامة بأن فصائل معينة ستظل تمارس العنف، إما لأنها لا تؤمن بالديمقراطية كالحركات الإسلامية المتطرفة، التي وجدت في لغة "التكفير" ما يبرر لها استخدام العنف لإقصاء المعارض أو لأن أجندتها السياسية تتقاطع مع العملية الانتخابية، كما هي الحال مع حزب البعث الذي أعاد تنظيمه ووضع لنفسه أهدافا معينة هي عودة البعث إلى الحكم مرة أخرى كما جاء في بياناته الأخيرة.

2- إن العملية الانتخابية قد تتحرك في إطار الانتخاب وفق الولاءات الطائفية أو الفئوية في ظل غياب شخصية وطنية تستطيع أن تحقق قبولا جماهيريا واسعا، مما يفقد الديمقراطية مبرراتها، إذ يراد بها التخلص من التأثير الجهوي على العملية السياسية، والنظر إلى الأمور من زاوية وطنية، وبالتالي ستصبح الديمقراطية مشوهة، شأنها شأن ديمقراطيات الأنظمة العربية، ومما يعزز هذا الاعتقاد دخول المؤسسات الدينية في العملية الانتخابية دعماً أو مقاطعة وإعطائها بعداً دينياً، يجعل من المشاركة فيها فرضاً على حد رأي المؤيدين لها، وكفراً على حد قول المعارضين لها.

3- إن الانتخابات ستكون فرصة للأكراد لفرض إرادتهم على المجموع، في ظل غياب التوحد القومي العربي والتيار الإسلامي، إذ يمكن أن تستغل الانتخابات من قبل الأكراد لفرض واقع مغاير للحقيقة من خلال التلاعب والتزوير في ظل أجواء آمنة، وكذلك في ظل مقاطعة تيارات فئوية للانتخابات وعلاقات تحالفية مع جهات مؤيدة للانتخابات، ومما يكشف هذا التوجه سعي الأكراد إلى تأجيل الانتخابات لعدم وضوح حقيقة الموقف في كركوك التي تسمى عندهم "قدس الأكراد"، والمطالبة بأجزاء من الموصل تحت ذريعة أنها "كردستان الجنوبية"، وجمع ملايين التوقيعات للمطالبة بالانفصال عن العراق، كورقة ضاغطة على الأطراف الأخرى للقبول بالأمر الواقع، مع وجود مستلزمات تحقيق ما يهدفون إليه من جيش (ميليشيا) مزودة بالعدة اللازمة، وضعف إمكانات الطرف الآخر، مع امتلاكهم لما يعطل العملية السياسية من خلال رفض ثلثي ثلاث محافظات لمشروع الدستور، مما قد يدخل البلد في دوامة من عدم الاستقرار السياسي. وقد تفضي نتائج الانتخابات إلى وضع لا يلائم الطموح الكردي في كركوك، مما قد يدفع بهم إلى فرض ذلك بالأمر الواقع، وقد يجر ذلك البلد إلى صراع لا تحمد عقباه.

4- وقد تكون للانتخابات نتائج عكسية على صعيد النظام السياسي، إذ قد تدفع باتجاه تبني نظام "الفيدراليات" لاسيما في ظل رفض أطراف معينة نتائج الانتخابات وما صدر من مواقف معلنة من جهات في الجنوب والوسط، تشير إلى وجود مثل هذا التفكير في ذهنية القائمين على العملية السياسية في هذه المناطق، يضاف إلى هذا وجود أطراف تتحرك سياسيا بدوافع طائفية، تقبل بالانتخابات إذا حققت لها ما تبغي طائفيا، وترفضها إذا لم تحقق مثل هذا الأمر، وخطورة مثل هذا الطرح تكمن في أنها تكرس الفئوية والطائفية، وقد تكون مفتاحا لإثارة نزاعات حادة حول عائدية بعض المناطق إلى هذه الجماعة القومية أو تلك، وربما يتفاقم في ظل غياب إحصاءات دقيقة وحديثة للسكان، وسياسية التغيير الديموغرافي التي تقوم بها جهات معينة في بعض المناطق من العراق، والتي كانت في السابق مسرحا لعمليات تطهير عرقي أو تهجير قسري من قبل النظام السابق.

وفي ضوء ما تقدم، وانطلاقا من المصلحة الوطنية، فإن الترجيح يكون لصالح الانتخابات – سواء أجلت أو تحققت في الموعد المحدد لها حاليا - لأنها تمثل الخيار الوحيد للخروج بالعراق من دوامة العنف الداخلي، والرافد المهم في تعزيز الوحدة الوطنية، والخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح لبناء البلد سياسيا، رغم ما يكتنفها من سلبيات لها انعكاسات كبيرة على الواقع في الحاضر، ولكن المستقبل كفيل بالتغلب عليها بفعل التلاحم الوطني وتعزيز الارتباط بالوطن من خلال التركيز على الهوية الوطنية لكل العراقيين، وكذلك من خلال تفويت الفرصة على القوى الظلامية التي تحاول تعكير الأمور في العراق من خلال التركيز على الولاءات الضيقة وإعطائها صفة المقدس الديني.

مجلة آراء حول الخليج